حسن خليل غريب في مؤتمر
عن التنمية
-تكامل مفهوم
التنمية على المستويين القطري والقومي
-عاملان يعيقان التنمية:
العقيدة الرأسمالية الغربية، والمنهج التبعي لقوى الرأسمالية الوطنية
-التنمية الشاملة من أهم عوامل
تجفيف الإرهاب
في مؤتمر تحت عنوان (المشروعات القومية ودورها الاجتماعي
في تنمية المجتمع العربي) نظمته جامعة بور سعيد – مصر، في 14 – 15/ 3/ 2018، قدم
الرفيق حسن خليل غريب دراسة تحت عنوان (مستقبل المشروعات القومية بوصفها قاطرة
للتنمية في الوطن العربي). وسننشرها على خمس حلقات، نبدأها بموجز البحث الذي ألقاه
في المؤتمر.
خطة البحث
-أولاً: تعريف المصطلحات:
-ثانياً: تمهيد في مفهوم
التنمية:
-ثالثاً: موقع التنمية في
المشاريع الرأسمالية:
-رابعاً: تكامل مجموعة من
العوامل والأدوار لإنجاح التنمية الوطنية:
1-دور الدولة:
2-دور المجتمع:
3-دور الرأسمالية الوطنية:
-خامساً: العلاقة بين
التنمية الوطنية والتنمية القومية:
1-تكامل الاقتصاديات الوطنية حافز
لإنتاجية قومية منافسة:
2-دور الرأسمالية القومية:
3-مجموع الإمكانيات القومية تدعم
المشروعات القومية المشتركة:
-سادساً: في نتائج البحث:
التنمية القومية حاضنة أساسية للمشروعات الوطنية.
الحلقة الأولى (1/ 5)
موجز البحث الذي قُدِّم للمؤتمر:
واجهتني في البداية صعوبة التمييز بين
المشروعات التي تُنفَّذ في قطر عربي واحد، والمشروعات التي تُنفَّذ بين قطرين
عربيين أو أكثر. وللالتباس في فهم المصطلحين أقترحت توحيد المصطلحات لتكون موحدَّة
على المستوى القومي العربي، فاقترحت أن تُسمى الأولى بـ(المشروعات الوطنية)، وأن
تسمى الثانية بـ(المشروعات القومية).
وكذلك، اعتمدت في دراستي على أن
للتنمية الوطنية والقومية مفهومان متكاملان يرفد أحدهما الآخر. وكمدخل منهجي
لدراستي الموضوعة بين أيديكم، فقد انطلقت من مبدأين اثنين:
-المبدأ الأول: ترابط المشروعات
الوطنية والمشروعات القومية، وذلك عائد إلى تكامل الاقتصاد العربي. والاستفادة من
اتفاقيات المجالس الاقتصادية العربية، ومنها خاصة وبشكل رئيس، تلك التي وُقِّعت في
مرحلة الستينيات من القرن العشرين، أي مرحلة الصعود القومي العربي.
-المبدأ الثاني: الترابط الوثيق بين
التحرر السياسي والتحرير الاقتصادي، فهو عامل ضروري، لا بُدَّ من أخذه بعين
الاعتبار في كل مشروع تنموي.
وإذا كان المبدأ الأول غني بالوثائق
لغنى التُراث الموجود في مكتبة جامعة الدول العربية. فيبقى المبدأ الثاني الذي
أوليته بعض العناية، لأنه لم يأخذ حتى الآن الاهتمام الكافي. وعنه، عملت على الكشف
بإيجاز عن خطورته وأدرجته تحت عنوان (المشروعات التنموية العربية في منظار الدول
الرأسمالية).
وعن هذا الجانب، برهنت الوثائق
التاريخية التي وُضعت منذ بداية القرن العشرين، على أن التنمية في الوطن العربي
عدو لدود للمصالح الاستعمارية والصهيونية. وقد أشرت باختصار إلى مقررات مؤمر كامبل
بانرمان التي وُضعت بين العامين (1905 و1907). لقد نصَّت المقررات على تنفيذ هدفين
استراتيجيين، الأول سياسي، والثاني اجتماعي – اقتصادي، وهما: منع الوحدة السياسية
بين أقطار الوطن العربي. وتعميم الجهل والأمية في المجتمع العربي، وخاصة في مجال
المعارف التكنولوجية.
ولأن اتفاقية سايكس – بيكو في العام
1917، بتقسيماتها الجغرافية السياسية، لم تُفلح في تنفيذ هدف التقسيم، بعد انتشار
المد القومي العربي، خاصة في مصر والعراق وسورية، راحت الدوائر الاستعمارية تعمل
على تقسيم الوطن العربي على أسس طائفية، منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين،
بوضع مشروع الشرق الأوسط الجديد. ذلك المشروع الذي بدأ تنفيذه باحتلال العراق في
العام 2003، ولما عرقلت المقاومة العراقية تنفيذه، استكمل على نار حامية منذ مطلع
العام 2011. وما زال الوطن العربي يعاني من ويلاته وآثاره المدمرة حتى الآن.
قصدت من وراء ذلك، أن أبرهن على أن
التنمية في الوطن العربي ذات وجهين: فني
تكنولوجي، وسياسي اقتصادي. فالأول يعني القضاء على الجهل والانتقال من منهج
الاستهلاك إلى منهج الإنتاج. والثاني الاستفادة من عوامل التكامل الاقتصادي العربي
بما يعني الانفتاح على هدف الوحدة العربية السياسي، ففي الوحدة السياسية تحصين
لأهداف التنمية ومشروعاتها. وبناء على هذا يتبيَّن أن ما يربط بين التحرر السياسي
والاقتصادي علاقة وثيقة. أحدهما يساعد الآخر، بأنه كلما تحررت الدولة الوطنية من
الهيمنة السياسية، ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني، وكلما انجزت أكبر ما يمكن
من المشاريع التنموية تنعكس إيجاباً على التحرر السياسي من هيمنة الدول الصناعية
الكبرى. وهنا، لو انخرطت الدولة الوطنية في المشروعات التنموية فإنها ستقلِّص رقعة
الهيمنة السياسية للرأسمالية الغربية. وكذلك كلما قلَّصت من نفوذها السياسي كلما
اتجهت باتجاه تعزيز اقتصادها على أسس علمية تنموية.
وعن ذلك، تقف الدولة الوطنية أمام
تحديات كبرى من أهمها وضع العراقيل في وجه المشروعات التنموية، من قبل التحالف
الرأسمالي العالمي مدعوماً من قواعد داخلية تتمثل بالقوى الرأسمالية الوطنية، وذلك
لتداخل مصالحهما.
سيداتي وسادتي
لمعالجة مشكلة التنمية، فقد درستها من
وجهين: الأسباب الداخلية والعوائق الخارجية.
فأما الأسباب الداخلية فتعود إلى بنية
العقيدة الاقتصادية للنظام الرسمي الذي ارتضى، بفعل تركيبته الفوقية من رجال أعمال
وأصحاب رساميل، ممن حصروا همَّهم بتكديس الثروات، التي تدرها أدوارها كوسائط بين
العالم الصناعي المنتج، والأسواق الوطنية التي دورها الاستهلاك.
وأما الأسباب الخارجية، التي دورها
وضع عوائق في وجه التنمية، التي غالباً ما تستند إلى التركيبة الفوقية للسلطة،
فتتمثَّل بما نصت عليه مقررات مؤتمر كامبل بانرمان بمنع تزويد العرب بوسائل
التكنولوجيا لكبح مشروعات التنمية الوطنية، وذلك لمصلحة إنتاج مصانعها. ولذلك
انحصرت مهمة التركيبة الفوقية للأنظمة الرسمية بدور الوسيط التجاري. وكانت
التركيبة السلطوية، في هكذا وضع، تمثل العائق في وجه المشاريع التنموية. وغياب
التنمية يؤدي إلى وقوع المزيد من الإجحاف الاجتماعي بحق الأكثرية العظمى من الشعب.
وهذا التقصير يؤدي إلى احتقان وغضب، يؤدي تراكمه إلى حصول الانفجارات الشعبية.
ولعلَّ (الحراك الشعبي العربي)، الذي ابتدأ في العام 2011، والذي حمى الله مصر من
تداعياته الكارثية التي حصلت في الأقطار العربية الأخرى، يشكل حافزاً أمام الأنظمة
الرسمية التي أدرات ظهرها لحقوق الشعب أن تعيد النظر بعقائدها الاقتصادية.
علماً أن مخططات الدول الصناعية
استغلَّت حاجة الشعب العربي للعيش الكريم، عاثت بأمن الدول العربية لإحداث المزيد
من الفوضى والتخريب. وساعدت على تدمير الدولة العربية لتأخير مشروعات التنمية
والحؤول دون أية طموحات وحدوية. شجعت حالة الفوضى لأنها ستعرقل قيام أي استقلال
اقتصادي، وطالما أن شركاتها ستتولى إعادة إعمار ما تم تدميره.
أيتها السيدات، أيها السادة
وإنه نتيجة لهذه الحقائق، على الدولة
الوطنية أن تولي التنمية الشاملة اهتماماً كاملاً، وتلعب دوراً محورياً في التخطيط
والتشريع أولاً، وتعزيز دور المجتمع الوطني في التنمية البشرية والاقتصادية
ثانياً، وحثُّ الرأسمالية الوطنية على توظيف رساميلها في مشاريع التنمية ثالثاً.
وأما عن مركزية دور الدولة فلأنها
المسؤولة أولاً عن اتخاذ القرارات بتحويل المجتمع من عقيدة الاستهلاك إلى عقيدة
التنمية والإنتاج، وإصدار التشريعات اللازمة من قبل المجالس النيابية، والتخطيط
للمشروعات التنموية الوطنية من خلال السلطات التنفيذية، وتوفير التمويل اللازم
لها.
وعن دور المجتمع باعتبار أن (كل مواطن
شريك بالتنمية). وإنه بنجاحها نجاح للمجتمع في الانتقال تدريجياً من موقع التخلف
إلى موقع التقدم. وعلى قاعدة (نحن شعب يأكل مما يُنتج)، فالإنتاج تعزيز للدخل
الوطني وتعزيز للاقتصاد الذي ينعكس إيجابياً لمصلحة بناء مجتمع متقدم. وإننا نؤكد
على ذلك، بما فيه من مكتسبات اقتصادية واجتماعية يعود ريعها لمصلحة أكثر الطبقات
حاجة. وما لم تقم الدولة بواجباتها ستكون تلك الطبقات لقمة سائغة أمام الحركات
الدينية السياسية التي تستغل قصور الدولة للتحريض ضدها، والعمل على إسقاطها. ولذلك
تُعتبر التنمية الشاملة بمثابة العامل الذي يجفف منابع (الإرهاب الداخلي)، الذي من
أهم أدواره أن يعمل على تهديم الدولة من دون معرفته كيف يبنيها.
وعن دور الرأسمالية الوطنية على
الدولة الوطنية أن تعالج أسباب انكفائها ومخاوفها من الاستثمار في مجالات التنمية،
وتوعيتها من مخاطر استمرارها في القيام بدور الوسيط التجاري، بين الخارج الرأسمالي
والداخل الوطني. وتحويل عقيدتها إلى عقيدة الإنتاج الوطني لأنها من خلاله تحقق
الأرباح على أكثر من صعيد، وخاصة أنها
بمشاركتها في المشروعات الوطنية ستوفر المزيد من فرص العمل، وزيادة الدخل لشريحة
واسعة من المواطنين، وزيادة دخلها سيعزز الأسواق بالمزيد من المستهلكين. وعن ذلك على
الدولة إشراك الرأسمالية الوطنية في مشروعات مشتركة بين القطاعين العام والخاص، مع
توفير الضمانات اللازمة التي تزيل مخاوفها، وتنقلها إلى ضفة الإنتاج والتجارة
الداخلية.
أيها الحضور الكريم
في ظل تقصير الحكومات العربية عن بناء
مشروعات التنمية ستبقي الأبواب مفتوحة أمام التيارات الدينية السياسية لتملأ
الفراغ الذي تتركه الدولة. وسيبقى تحريضها قائماً، ومسموعاً لدى شريحة كبرى من
الجماهير، تلك الجماهير التي تلجأ حتى إلى تصديق الشعوذات عندما لا تجد من يفسر
لها أسباب تخلفها وفقرها.
إن ما قمنا بتقديمه من حقائق ووقائع على
صعيد العوائق التي تحول دون تنمية الدولة الوطنية، هو وضع عوائق أمام أية مشروعات
تنموية على الصعيد القومي العربي. وإنه ما لم تبدأ الدولة الوطنية بالانتقال إلى
عقيدة التنمية والإنتاج، فسوف تكون عاجزة أيضاً عن الانتقال إلى منظومة للإنتاج
القومي العربي. وإن التنمية، من خلال المشروعات الوطنية، سيكون حافزاً أساسياً
لتلاقي الجهود القومية، وفيه دفع
للرأسمالية العربية بأن تتجه نحو توظيف الرأسمال العربي في التنمية الاقتصادية،
وهذا بدوره كلما ارتقى خطوة إيجابية إلى الأعلى سيُسهم بشكل متصاعد في نقلة تنموية
عربية تنعكس بالإيجابية على المجتمع العربي بكامله.
وهنا، أود الإشارة إلى متغيرات جديدة
طرأت على توسيع مصادر الثروة العربية، وهي وقائع ما حصل من اكتشافات جديدة لمنابع
الغاز والنفط في حوض البحر الأبيض المتوسط، والتي ستنعم بخيراتها الدول العربية
الواقعة على حدوده الشرقية، ومنها مصر ولبنان وسورية. ولأنها تحتاج إلى اهتمام
أكثر من مراكز الأبحاث، أقتصر على القول بأنه ليس المهم أن تمتلك ثروة، بل المهم
أن تعرف كيف تستثمرها. فهل ستتعلم الأقطار الجديدة من دروس الأقطار الأخرى، فتضع
الثروة في ميزان التنمية والإنتاج، والنأي عن صرفها في ميادين الاستهلاك؟
وفي الخلاصة،
وإذا كان الاقتصاد الوطني ينمو
تصاعدياً في كل أقطار الوطن العربي، على أن يُبنى على قاعدة تخطيط قومي،
بالاستفادة من الرأسمال القومي، لدى الدول والأفراد، يعني ذلك تضافر الإمكانيات
المالية والأسواق لدى المستثمر العربي، وهذا ما يمكن أن يزرع الاطمئنان في نفوس
المستثمرين.
أيها الحضور الكريم
وما يمكن الإشارة إليه في ختام
تقديمنا للدراسة، هو أن تلعب الدولة الوطنية دوراً في توفير الضمانات للمتمولين
العرب في أن التنمية لن تكون في توزيع ثرواتهم على الفقراء، بل فيها ضمانات لهم
لجني الأرباح، وفي الوقت ذاته يفسحون الفرصة لشرائح كبرى من الشعب في الإسهام
بالإنتاج وتحسين أوضاعها المادية والاجتماعية. وهذا طبعاً سوف تعزز حاجة السوق لمن
يملكون ثمناً للسلعة.
والسلام عليكم ورحمة من الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق