المقاومة الوطنية العراقية تستأنف الكفاح
الشعبي المسلح
توقَّفت عجلة
المقاومة الوطنية العراقية عن الدوران بعد أن رحل آخر جندي أميركي مقاتل في أواخر
العام 2011، وانتقلت المقاومة من العمل العسكري إلى العمل السياسي وذلك بعد أن اختفت
قوات الاحتلال الأميركي من شوارع المدن والأرياف العراقية. وخوفاً من أن يتحول
العمل العسكري إلى حالة استنزاف بين العراقيين أنفسهم، حيث كانت المقاومة حينذاك
قد أصبحت في مواجهة الجيش والشرطة الحكومية، وكلهم من العراقيين. وخوفاً من أن
يقتل العراقي أخيه، انتقلت المقاومة إلى ضفة العمل السياسي توفيراً للدم العراقي.
ومن معالم تلك المرحلة كانت في وصول المقاومة إلى أبواب بغداد حيث كانت تقوم
بالتحضير لدخولها، فإذا بالولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع النظام
الإيراني، تعمل على تغيير قواعد الصراع في حزيران من العام 2014، وتبتكر مسرحية
(داعش) المشهورة عندما قامت بتسليمها مدينة الموصل، لكي تضع المقاومة وجهاً لوجه
في مواجهة داعش، لكي يقتتل الطرفان ويستنزفان قواهما الذاتية حيث كان من المفترض
أن تتشكل البنية البشرية التحتية لداعش من العراقيين، وبهذا تدفعا ثمن وقود المواجهة
من دماء العراقيين وأرواحهم. وبمثل تلك الطريقة يكون التحالف المذكور قد جرَّ
المقاومة العراقية إلى مسرح قتال عسكري بين العراقيين أنفسهم كانت قد تحاشته بعد
هزيمة قوات الاحتلال الأميركي المقاتلة في أواخر العام 2011.
ومن المعروف
أيضاً، أن المقاومة خرجت سالمة من حفرة الاشتباك مع داعش، عندما قرَّرت منع
الاشتباك العسكري معها على الرغم من أنها دفعت ثمن ذلك عشرات الأسرى من قياداتها،
وقررت المحافظة على بنيانها العسكري حتى تحين الفرصة المناسبة. والفرصة المناسبة
هي تلك التي تتوفر ظروفها ومكانها ونقطة انطلاقتها.
يظهر أن
التوقيت المناسب قد حان، وهو ما أعلن انطلاقته الرفيق عزة ابراهيم، الأمين العام
لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد العام لفصائل الجهاد والتحرير، في خطابه
بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي.
جاء في الخطاب
المذكور، حول هذا الجانب ما يلي: «إن لم يحصل تغيير جذري في العملية
السياسية، وإن لم يلغ الاجتثاث والحظر عن حزب البعث العربي الاشتراكي، وإن لم يصدر
عفو شامل عن السجناء والموقوفين وإطلاق سراحهم وإطلاق سراح المخطوفين والمغيبين،
وتعويض المتضررين بسبب الاحتلال ونتائجه وبسبب الاجتثاث ونتائجه، إننا سنذهب
مضطرين إلى إعلان حرب التحرير بإذن الله ورفع السلاح مرة ثانية لضرب العملية
السياسية ورموزها العملاء والخونة، وسنضرب مصالح الدول العسكرية والاقتصادية التي
تقف إلى جانب حكومة الاحتلال ونضرب التواجد الإيراني العسكري والمدني والاقتصادي
والاجتماعي، سنقاتلهم جميعاً».
إن هذا إعلان
استراتيجي من دون شك. وهو إعلان جاء بعد توفر الظروف المناسبة لإطلاقه. ومن أجل
البرهان على استراتيجيته ومشروعية إعلانه، سنقدِّم قراءة في الخطاب المذكور، وذلك
ترقباً للبدء في تنفيذه.
تضمَّن الإعلان
مجموعة من الشروط الداخلية التي على حكومة العبادي أن تقوم بتنفيذها. ومجموعة من
الشروط التي على داعميها أن يلتزموا بها.
بداية، لا يمكن
معالجة الواقع من دون الربط المحكم بين حكومة الاحتلال وبين الاحتلال ذاته. فهما
يشكلان سلسلة لها حلقاتها الداخلية والخارجية. فالحكومة لم يكن من الميسور
تشكليلها من دون دعم الخارج لها، خاصة أنها جاءت نتيجة احتلال العراق، وأن
الاحتلال هو الذي رعاها وسمَّى أشخاصها، وحدَّد مناهج عملها. وعمل جاهداً لكي يضفي
عليها صبغة شرعية دولية وإقليمية وعربية وعراقية. وحوَّلها بإعلامه إلى حكومة
شرعية أمام كل تلك المحافل، واعترفت بها أكثر دول العالم والإقليم والعرب.
وإنه من المؤسف
جداً أن تنطلي الخديعة على ذقون تلك المنظومة الدولية والإقليمية والعربية من دون
اعتراض أو استغراب ومن دون إعلان تناقضها مع القيم الإنسانية والتشريعات الدولية. وبهذا
يكون الاحتلال الأميركي قد شرعن نفسه بتواطؤ دولي وإقليمي وعربي، وراح يتلطى تحت
عباءة حكومة عراقية في مسرحية ما تُسمى الاعتراف العربي والدولي والإقليمي بها.
كما شرعن حقه بتوريث الاحتلال إلى من يشاء ومتى ما يشاء، وقد ورَّث النظام
الإيراني وأوكله بإدارة احتلال العراق بالنيابة عنه، فعاث فيه تقتيلاً وتهديماً
وتفتياً دينياً ومذهبياً.
فالحكومة
العراقية، من هذا المنظار، حكومة غير شرعية على الإطلاق. ولكنها شمَّاعة يتلطى
تحتها الاحتلال الأميركي، الذي بعد هزيمته نقل شرعيتها للنفوذ الإيراني، الذي لم
يكن يحلم بأن تطأ قدمه أرض العراق لولا تآمره مع أميركا (الشيطان الأكبر). وبهذا
ولأن أميركا لم يكن بمقدورها أن تحتل بغداد لو لم يقدم النظام الإيراني لها الدعم
والمساندة كما جاء في تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين. كذلك فإن النظام
الإيراني لا يستطيع البقاء في العراق من دون الحماية الأميركية. وما الحرب الكلامية
الساخنة التي تتصاعد بين الفينة والأخرى سوى ديكور لإخفاء وقائع التحالف الوثيق
بينهما. فتكون النتيجة أن الاحتلال الأميركي للعراق منذ العام 2003حتى قبل نهايته
في العام 2011، هو الشبيه تماماً للاحتلال الإيراني للعراق بعد العام 2011، فهما
وجهان لعملة واحدة، يدعم وجود أحدهما وجود الآخر، وذلك لتيتقاسما الجبنة العراقية،
وما تصاعد الحرب الكلامية بينهما في هذه المرحلة أكثر من أن كلاً منهما يريد حصة
أكبر من غنائم السلب والسرقة والاحتيال والابتزاز.
وأما الواقع
الآن، وبعد أن أكل التحالف الأميركي – الإيراني داعش (إله
التمر) الذي صنعاه معاً. وبعد أن قتلا ودمَّرا وفتتا وهجَّرا، ووطَّنا، وحسبا أن
المقاومة انتهت، بل على العكس مما خططا له، أصبحا وجهاً لوجه أمام المقاومة
الوطنية العراقية والشعب العراقي من دون براقع وأدوات تجميل. وعادت ثنائية
الاحتلال بكل صنائعه، كعمل غير شرعي ترفضه القوانين والتشريعات الإنسانية
والدولية، لتقف في مواجهة مقاومة الشعب العراقي، كعمل مشروع ضمنته تلك القوانين
والتشريعات.
ومن المفيد
الإشارة إلى أن المقاومة الوطنية العراقية عندما لجأت إلى استراتيجية النضال
السياسي كبديل مؤقت للمقاومة العسكرية، وللأسباب الواردة أعلاه. وعندما انتظرت
انتهاء مرحلة إنهاء دور داعش على أيدي صانعيها. كانت تراهن على الوصول إلى بعض
المتغيرات، ومن أهمها:
-أن تتراجع بعض القوى العراقية عن مواقفها
الإيجابية من الاحتلال، وأن تفيء إلى أمرها وتقف إلى جانب مقاومة الاحتلال.
-أن تحصل متغيرات في مواقف وأدوار بعض الأنظمة
العربية الرسمية، وبشكل خاص موقف دول الخليج العربي، وذلك من أجل تنفيذ
استراتيجيتها في قطع وسائل الخطر الإيراني التي برزت بشكل واضع في إعلانها النظام
الإيراني السيطرة على مجموعة من العواصم العربية.
-أن تحصل متغيرات في الاستراتيجية الأميركية، بعد
المراجعة النقدية في المواقف الأميركية التي أعلنها دونالد ترامب حول العراق،
واعتباره احتلال العراق خطأً فادحاً عليه تصحيحه.
وبعد مراجعة
معمَّقة قامت بها قيادة المقاومة العراقية حول مراهنتها على تلك المتغيرات أو
بعضها، وجدت أن النتيجة صفراً. ولم يظهر سوى نتيجة واحدة إيجابية، وهي تعميق الرفض
الشعبي العراقي للاحتلال، سواءٌ أكان منها حكومة الاحتلال السياسية وبناها الأمنية
والعسكرية والسياسية. أم كان رفض لكل رعاة العملية السياسية من أمريكان أم
إيرانيين.
لعلَّ تلك
المتغيرات في المواقف الشعبية هي الأهم، والأكثر تأثيراً، لأن المواقف الشعبية
تُعتبر العامل الفصل في معادلات الصراع بين الاحتلال والمقاومة. وإذا كانت
المتغيرات في مظاهر الحالة الشعبية العراقية تنبئ عن توفر العوامل الرئيسية التي
تعتبر الركائز في نجاح الثورة الشعبية العراقية. فإننا نجملها بالوقائع التالية:
-استفحال ظاهرة الجوع والمرض والأمية وغياب الخدمات
على شتى أشكالها. وغياب الأمن وانتشار حالات القتل والخطف والإخفاء والتهجير.
وباختصار غياب كلي للأمن الاجتماعي والاقتصادي والداخلي والخارجي.
-استمرار نهج العملية السياسية في الالتحاق بالخارج
وتنفيذ أوامره وإملاءاته. وفقدان الحس بالانتماء إلى وطن، وانتفاء معالم العلاقة
السليمة بين الحاكم والمحكوم.
-استمرار حكم اللصوص والفاسدين الذين أنهكوا
المدخول الوطني العراقي، وأصبح عرضة لكل أنواع السرقة والهدر، والتهريب إلى
المصارف الأجنبية. وصورية الحالة الديموقراطية التي تأتي على نواصي التزوير
والترهيب والترغيب.
كلها مظاهر لم
يسكت الشعب العراقي عنها، ولن يسكت، والتي ستشكل أسباباً لا تجد من يدافع عنها.
وهي تنتظر من يقرع جرس الثورة، لتجد وراءها الملايين من العراقيين الذين سيلتحقون
بها، والذين ستدوس أقدامهم كل من يقف في وجهها.
تلك ظروف
أنموذجية لانطلاقة الثورة الشعبية العراقية في المرحلة القادمة. وهي الظروف التي
وعتها قيادة المقاومة، فأعدَّت لها من رباط الخيل ما يضمن استمرارها ديمومتها حتى
بلوغ أهدافها كاملة من دون نقصان.
وبناء على كل
ذلك، فقد أفصح خطاب عزة ابراهيم، قائد الحزب والمقاومة، عن تفاصيلها في خطابه في
السابع من نيسان الماضي. وفيه أوجز الخطوات التالية لاستراتيجية المقاومة:
-إنذار سياسي: موجَّه لكل
المشاركين في العملية السياسية وأدواتها التنفيذية، ورعاتها من الدول الأجنبية
والإقليمية والعربية، للعمل من أجل إلغاء كل قرارات العملية السياسية التي كانت
السبب في وضع العراق على قائمة الدول الأشد تخلفاً. ويطال هذا الجانب كل مناحي
الحياة العسكرية والأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإعادة العراق إلى
مصاف الدول الديموقراطية ذات القرار المستقل والسيادة المطلقة.
-إنذار عسكري
لحكومة العملية السياسية: من دون ذلك، ستنطلق حرب التحرير الشعبية ضد حكومة الاحتلال
القائمة، تستهدف كل مواقعها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية. واعتبار كل منخرط فيها،
وكل من يصر على الانخراط بمثابة عميل للاحتلال، يتم تطبيق القرار بحقه كما يُطبَّق
على جنود الاحتلال وقياداته.
-إنذار سياسي
وعسكري للدول التي تساند العملية السياسية: إذا لم تَفِ كل الدول
بموجبات حقوق العراق، فإن المقاومة ستضرب مصالحها العسكرية والاقتصادية، وضرب
التواجد الإيراني العسكري والمدني والاقتصادي والاجتماعي.
ولأن دولتي
الاحتلال، أميركا وإيران، ليست على استعداد لحل القضية العراقية بما يتطابق مع
التشريعات والقوانين الدولية التي تعترف بحق الشعوب بتقرير مصيرها، فإن التعامل
معهما سيكون بناء على أنهما دولتا احتلال، وهذا حق من حقوق المقاومة العراقية التي
أعلنت استراتيجيتها منذ البداية في تحرير العراق بشكل كامل لإعادة حقوق الدولة
العراقية كاملة غير منقوصة. وإذا قالت المقاومة كلمتها فعلى كل من يتدخل في شؤون
العراق أن يصدَّقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق