حسن خليل غريب في مؤتمر عن التنمية
(الحلقة الثالثة)
ثالثاً:
موقع التنمية القومية العربية في منظور المشاريع الاستعمارية
إذا عزلنا مفهومنا للتنمية عن معرفة العوائق
التي تقف في وجهها، سوف تكون أية خطة توضع لها قاصرة عن أهدافها، ويصبح مصير
إدامتها مرتهن لوجود تلك العوائق، إذ أنها ستتوقف إذا ازدادت العوائق في وجهها.
وعلماً أن الدول الرأسمالية الكبرى كانت وما زالت صاحبة المصلحة في منع أقطار
الوطن العربي بالانتقال بالشعب العربي من دور المستهلك إلى دور المنتج. ولذلك كان
اهتمامنا بتوضيح موقف الدول الغربية من خطط التنمية الوطنية والقومية.
وعن ذلك، فإن المخططات الاستعمارية – الصهيونية تعتبر
التنمية في الوطن العربي تناقضاً رئيسياً مع مصالحها التي رسمتها منذ بداية القرن
العشرين. وهذا ما جاء في مقررات مؤتمر
كامبل بانرمان الذي دعت إليه بريطانيا، بين العامين (1905 – 1907)، وحضرته
معظم الدول الأوروبية. وفيها اعتبر المجتمعون «أن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار.
والإشكالية فيه أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد تتوفر له وحدة
التاريخ والدين واللسان» من جهة.
وفي محيطه «دول لا تقع ضمن
الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري، معها وتشكل
تهديداً لتفوقها، وهي
بالتحديد الدول العربية
بشكل خاص والإسلامية بشكل عام»،
ومن أجل درء هذه المخاطر قرَّر المجتمعون «الإبقاء
على شعوب المنطقة مفككة جاهلة متأخرة».
و«حرمانها من الدعم ومن اكتساب
العلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه
من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية، ومحاربة أي توجه
وحدوي فيها».
يتبيَّن من المقررات، التي يعود تاريخها إلى
أكثر من قرن من الزمن. وإذا قمنا بمراجعة لأهدافها في هذه المرحلة لوجدنا أن
مقررات مؤتمر كامبل بانرمان تشكِّل الأب الروحي للعولمة الحالية. سواءٌ أكان من
حيث منهجية (اقتصاد السوق) بالحث على الغرق في مجال التجارة وإبقاء المجتمعات
العربية في مستوى الشعوب المستهلكة، أو من حيث وضع عوائق لمنع اكتساب الخبرات
والعلوم التقنية التي يستفيد منها العرب في أسس التنمية حتى لا يتحولوا إلى
مجتمعات منتجة. وبنتيجة كل ذلك، نرى أن أهداف الدول الرأسمالية تجاه الوطن العربي،
يتمثَّل في وضع العوائق في وجه التنمية الاقتصادية في الأقطار العربية. وهنا
نلخِّصها بهدفين رئيسيين، وهما: التقسيم ومنع قيام الوحدة السياسية. واستمرار
الجهل والتخلف بمنع اكتساب العلوم والمعارف التقنية إلاَّ بما يخدم مصالحها.
ففي المرحلة الحديثة والمعاصرة يلفتنا
حدثان، في مصر والعراق، يؤكدان وقوف الاستعمار والصهيونية ضد التنمية الوطنية
والقومية. أما في مصر فقد وقفت أميركا ضد تمويل بناء السد العالي، الأمر الذي دفع
بالاتحاد السوفياتي للمساهمة في بنائه. وأما في العراق فقد وجَّه جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش الأب، في
العام 1990، بإعادة العراق إلى العصر ما قبل الصناعي. وهذا ما قام بتنفيذه جورج
بوش الإبن باحتلال العراق في العام 2003، وتدمير كل البنى الصناعية التحتية، أو
سرقتها. وامتدت المؤامرة ضد التنمية على الصعيد القومي في عهد الرئيس أوباما، منذ
العام 2011، حينما قضى (الربيع العربي) على البنى الصناعية التحتية وسرقتها في كل
من سورية وليبيا. وبذلك، بالإضافة إلى إحداث الفوضى العارمة، وتدمير كل مظاهر
الدولة وتقسيمها بإحلال سلطة الميليشيات كبديل للجيوش الوطنية وعادت تلك الدول إلى
مرحلة ما قبل الدولة، محققة أهداف تقسيم أقطار الوطن العربي لمنع نفاذ مشروع
الوحدة العربية، فإنها دمَّرت كل ما له علاقة بالمشروعات التنموية الوطنية.
وإذا فتشنا عن الوسائل الحديثة التي تطبقها
تلك الدول، فسنجد ما يلي:
أ-تعلن عداءها للقومية العربية، وتتعاون مع
كل القوى التي تتلاقى معها بالعداء. ولذلك فهي تعزز مواقع
التيارات الدينية السياسية وتدعمها تحت ذريعة نشر «الإسلام المعتدل».
وإن الغرض من وراء هذا الدعم، فلأن تلك التيارات وقفت سابقاً، وحالياً، في مواجهة
دائمة مع التيارات القومية، وزعمت أن «القومية
ما وُجدت إلاَّ لمحاربة الإسلام».
ومن أجل هذا السبب تشقُّ دول التحالف الرأسمالي الطرق والوسائل لتعميق عوامل
التفتيت في المجتمع العربي على أسس طائفية. وليس هناك من هو أكثر جدارة من
التيارات الدينية السياسية في تعميق الفتن الطائفية. ولعلَّ ما برز من مظاهر ما
أطلق عليه «الربيع العربي» هو تغذية الانقسامات الطائفية بين
مكونات المجتمعات الوطنية. وبالتالي تؤكد الوثائق المنشورة على أن قوى الرأسمال
الغربي، تدعم التيارات الدينية السياسية، فلأنها لا تشكل خطراً على الاقتصاد
الرأسمالي الغربي، استناداً إلى مبدأ مشهور، وهو أن «الحركات الدينية السياسية تعرف كيف تهدم، ولكنها تجهل كيف تبني». وأما أنها تعرف كيف تهدم، فقد
استغلَّت قصور الحكومات العربية عن تلبية المطالب الشعبية، فاستفحلت البطالة
والفقر والمرض. ومعها أصبحت الأوساط الشعبية الأكثر حاجة (بيئة حاضنة) لتلك
التيارات. ويتأكد ذلك، إذا عرفنا أن الشباب المهمل يشكلون 60 % من نسبة
السكان في الوطن العربي، فانقاد معظمهم نتيجة التعمية الفكرية والفراغ السياسي إلى
تبني أفكار الرجعية السلفية بكل مظاهرها.
بـ-نشر
أيديولوجية (اقتصاد السوق)، و(تحرير التجارة العالمية)، وهو عبارة عن تشجيع
ودعم المنهج التجاري، وما يتعلق به من وكلاء ووسطاء تجاريين، وهذا ما فيه من
إغراءات للطبقة الثرية، مالكة الرأسمال الوطني، لكي توظف رأسمالها للاستثمار في
مجالات اقتصادية بعيدة عن المخاطر ومن أهمها التجارة، والتي فيها تحقق أرباحاً
طائلة من دون عناء أو مخاوف من الخسائر. ولذلك نستطيع أن نفسر ابتعاد الرساميل
العربية، وطنياً وقومياً، عن المغامرة في الاستثمار في مشاريع التنمية على
الصعيدين الوطني والقومي.
جـ-إعادة الدولة الوطنية إلى مرحلة ما قبل
الدولة.
وإعادة الاقتصاد الوطني إلى مرحلة ما قبل الصناعة. وتلك حقائق قريبة جداً، وما
تزال تتفاعل حتى الآن في أكثر من قطر عربي تحت سقف ما أطلقوا عليه اسم (الربيع
العربي).
د-تدجين العرب في ثقافة الاستسلام، وزرع
ثقافة اليأس، وفقدان الثقة بالنفس، من أجل السيطرة على ثرواتهم. وحيثما يمَّم
العربي وجهه، سيجد أن الشبق الرأسمالي يفتِّش عن كل ثغرة في جدار العرب من أجل
استكشاف الثروات ووضعها تحت سيطرة شركاته العابرة للقارات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق