النظام الإيراني يحرق أصابعه
بما جنته يداه
فهل يثوب إلى رشده ولو جاء متأخراً؟
إن التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة،
بعد انقلاب دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ضد الاتفاق الإيراني
النووي، لا يدعو إلى الاستغراب لأنه لا يرى مصلحة تسبق مصلحة الطبقة الرأسمالية
الأميركية. فالرأسمالية تبيع حتى مصالح حلفائها إذا ما تعارضت مع مصلحتها. وهي
فعلتها مع دول الخليج العربي عندما وقَّعت الاتفاق النووي مع إيران، ظناً منها
أنها تستفيد من النظام الإيراني في مشروع تقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية.
وهي تبيع اليوم حليفها الإيراني على الرغم من أنه كان حليفاً موثوقاً لأميركا، وذلك
من أجل استعادة صداقتها مع دول الخليج بعد أن كادت تخسرها.
وكثيرون استغربوا، ومنهم المسؤولون
الإيرانيون الذين اعترفوا (أنه لولا طهران لما كان بوسع واشنطن احتلال بغداد)، كيف
تنقلب أميركا ضد ذلك النظام. وهم لا يجهلون أن تحالف الذئاب يُبنى على الاتفاق على
قنص الفريسة. وإذا أراد أحدهم أن يستفرد بها، يتعرَّض لعدوانية حلفائه.
فالانقلاب الأميركي، بهذا المفهوم، كان بسبب
أن النظام الإيراني استفرد بالفريسة العراقية، عندما أصاب الوهن حليفه الأميركي في
العام 2011. ولذلك كشِّر دونالد ترامب عن أنيابه في وجه حليفه خامنئي، وهو يريد
استعادة التوازن في توزيع الحصص بينهما بما يتناسب مع حجم التضحيات التي بذلتها
أميركا، ولم تدفع إيران منها شيئاً. ولأن الأميركي، هو أكثر من ضحى بخسارة حياة عشرات
الآلاف من جنوده، ومئات الآلاف من المعاقين، وصرف الترليونات من خزانته، راح ترامب
يعمل من أجل استعادة ما نهبه النظام الإيراني ووضعه في خدمة الأميركيين. ولم يقف
الأمر عند حد النهب المادي للعراق، بل إن النظام الإيراني وظَّف استفراده بالعراق
ليقوم بأكبر غزو توسعي في الوطن العربي، الأمر الذي أخذ يهدد مصالح أميركا عند
أصدقائها.
لقاء كل ذلك، كانت أسباب الانقلاب الأميركي على
التحالف واضحة، أراد منها الرئيس ترامب أن يستعيد من النظام الإيراني ما سلبه منه
من مكاسب ومصالح. وبهذا المعنى يكون الصراع بينهما صراع متحالفين اختلفا ليس على
سرقة العراق فحسب، لأنهما اتفقا على سرقته، بل اختلفا أيضاً على أن الأميركي لم
يستفد من السرقة بما يتناسب مع حجم جهوده. وهو أيضاً ليس صراع متناقضين لأنهما
متفقان على تفكيك الوطن العربي وتفتيته. ولهذا وإذا كانت أميركا قد ساعدت النظام
الإيراني، وأمدّته بأسباب القوة، لما
استطاع النظام المذكور أن يطأ أرض العراق. فيكون على أميركا، من هذا المنظار، خاصة
بعد أن اعترفت بخطئها باحتلال العراق، أن تطرد النظام الإيراني منه، لا بل أن
يخرجا معاً وإعادة العراق إلى أهله.
وإذا كنا نرفض بالمطلق كل مشاريع أميركا، وكذلك
كل مشاريع إيران، نعتبر أن ما يجري الآن هو بين حليفين تعاونا لإلحاق الأذى
بالعراق وبالوطن العربي، ولهذا لسنا معنيين بهذا الصراع بأكثر من أن يتحرر العراق،
ووضعه بين أيدٍ أمينة تعيد له وجهه المشرق الذي كان عليه قبل الاحتلال أولاً، وأن
نضمن حماية الأمن القومي العربي ضد كل التهديدات الخارجية، والتي يأتي النظام
الإيراني في الأولوية منها في هذه المرحلة.
لسنا مع أميركا بتهديد إيران
لم نقف مع أميركا الأمبريالية، ولن نقف معها،
طالما ظلَّت تمارس دورها في استعباد الشعوب واستغلالها. وإن الأسباب التي تدفعنا
إلى ذلك، أكثر من أن تُعدَّ أو تُحصى. ويأتي على رأسها أنها تعمل باستمرار من أجل
مصلحتها حتى ولو كان ذلك على حساب الجماجم والأرواح، وحق الشعوب في تقرير المصير.
ولأننا كذلك، وليكن هذا واضحاً لجميع من وضعوا غطاء على عيونهم، وأصموا آذانهم عن
سماع الحقيقة. ولأننا نقف ضد أميركا لسبب واحد، أو كثرة من الأسباب، التي ما أن
يزول سبب حتى تقوم بإشهار سبب آخر. لكل ذلك على كل المتعامين عن الحقيقة أن يعرفوا
أن البعث دفع ثمناً كبيراً في مواجهتها، ولعلَّ أهمها في المرحلة الراهنة التي
امتدت إلى أكثر من خمسة عشر عاماً، كانت البداية فيه احتلال العراق وإسقاط النظام
الوطني، وإصدار قرار (اجتثاث فلسفة البعث). وما يلفت الانتباه وعلى الجميع أن
يتذكروا أن البعث يشكل مصدر الخطورة الأول على مصالح الاستعمار، ولولا ذلك لما
أعلن القرار الرقم واحد، وهو الذي أصدره بول بريمر في أيار من العام 2003، اجتثاث
فلسفة حزب البعث.
نحن ضد أميركا الأمبريالية، حتى ولو لبست
جلد الخروف الناعم الملمس، وصافحتنا بأيدي ديبلوماسية ناعمة، كما فعل أوباما
الرئيس السابق لأميركا، لأنها تحمل بيدها سكيناً معدَّاً لذبحنا. وهو الأسلوب ذاته
الذي استخدم مع النظام الإيراني، الذي أعدَّ لذبحه بعد الانتهاء من ذبحنا. فالرأسمالية
لا تستطيع أن ترى شيئاً يصب خارج مصلحتها، ومصلحتها فقط. ولكن انطلت أكاذيب الإدارة
الأميركية على كثير من العقول، ومنها عقل النظام الإيراني الذي استفاق على حلم
طالما راوده باحتلال العراق، لضمِّه إلى الإمبراطورية الفارسية. لقد استفاق على
تهديدات ترامب، بعد أن نام على فراش الحرير الذي نجَّده جورج بوش ومن بعده أوباما.
ومن غرائب الأمور أن النظام الإيراني لم يلفته أن مشروع التقسيم الذي أُعِدَّ
لتقسيم الوطن العربي، ينص أيضاً على تقسيم إيران.
ونحن ضد أميركا عندما تهدد إيران، وتقرع في
وجهها طبول الحرب، ليس دفاعاً عن النظام الإيراني الراهن بل لأننا نعرف أنه بعد
الانتهاء من تقليم أظافره، التي طالت أكثر مما رسُم لها أن تطول، سيتابع خطته بذبح
العرب. بل ولأننا ضد أن تكون أميركا الآمر والناهي في العالم، تقول للشيء (كن
فيكون). وعندما يتواطأ الإمبراطور الأميركي ضد دولة ما، فإنه لن يستثن أحداً حتى
أصدقائه.
أمن الجوار الجغرافي يتكامل مع الأمن القومي
للوطن العربي
هو الفخ الذي وقع فيه النظام الإيراني،
عندما برهن مرة أخرى، بتواطئه مع أميركا، أنه عدو آخر للعرب. ولأننا نعرف أن
الإمبراطور الأميركي يريد أن يصطاد الجميع، الوطن العربي وإقليمه الجغرافي، فمن
بديهيات الأمور أن تتم مواجهته بشكل جماعي من الدول العربية، وكذلك من قبل دول
الجوار الجغرافي للوطن العربي، لأن الجميع مستهدفون. ولذلك، وإذا أخطأ الجار
فعلينا أن لا نقف إلى جانب المعتدي لأنه يريد أن يُبقي على الجميع ضعفاء متنافرين.
وهو وإن أضعف إيران، فهو لا يريد من العرب أن يكونوا أقوياء. وكل ما تعني لنا
أبعاد الخلاف الأميركي – الإيراني الآن، هو أن
أحدهما يريد إسقاط الآخر لمصلحته وليس من أجل أي طرف آخر. وما علينا، في هذه
المرحلة سوى أن نستفيد من صراعهما في الثبات على مبادئنا، وحماية مصالحنا،
ولعلَّها الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة هو إسقاط أحلام النظام الإمبراطوري
الفارسي في تثبيت أقدامه على الأرض العربية، ومنعه من الدخول إلى مخادع الأنظمة
الرسمية العربية.
نحن نعتبر أن أسباب معركتنا مع النظام الإيراني،
تعود إلى طبيعته الإيديولوجية، القائمة على التوسع الإمبراطوري الفارسي أولاً،
ولأنه يوظِّف الإسلام في تحقيق أحلامه ثانياً. فكان على الشعب الإيراني أن يغيِّر
بنفسه هذا النظام حتى يقطع دابر العداوة التي أرسى أسسها ضد الوطن العربي. وإذا لم
يستطع الشعب الإيراني أن يفعلها، فعلى النظام الحالي أن يدفع ما غرسه من جرائم في
مواجهة حليفه الأميركي، فهما تعاونا على زراعة الشر، وعليهما أن يحصدا ما زرعاه.
ونحن ضد إيران في تهديد الأمن القومي العربي
ولكن، نحن نوجِّه الاتهام إلى إيران في هذه
المرحلة، وقبل هذه المرحلة، سواءٌ أتعلق الأمر بعلاقاتنا مع الشاهنشاه محمد رضا
بهلوي، أم مع خليفته المتمثل بـ(نظام ولاية لفقيه)، لأنهما كانا رأس حربة للمخطط الأميركي
منذ زمن بعيد، يعود إلى مرحلة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. ففي مرحلة
الشاهنشاه، لن ننسى ريادته لـ(حلف بغداد) في العام 1958، الذي شكِّل نقطة الفصل
بين نهاية الانتداب الأوروبي، وبداية الهيمنة الأميركية على الوطن العربي. وأما في
الثانية، فلن ننسى إعلان الخميني مبدأ (تصدير الثورة الإسلامية) الذي أعلن فيه بدء
المعركة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، تحت شعار بناء (حكومة إسلامية)،
فأثار الفرقة وعزَّز عوامل الفتن الطائفية بعد أن راح يوزِّع فتاوى التكفير شمالاً
ويميناً، مستغلاً عواطف الشيعة العرب وغيرهم من الإسلاميين المخدوعين. وقد أثبت
مبدأ تصدير الثورة أنه من أخطر المبادئ التي تؤدي إلى حالة التفتيت والتشرذم في كل
مفاصل الوطن العربي، والذي على أساسه كان سبب اندلاع حرب السنوات الثماني ضد
العراق. ولهذا لن تكون إيران بمنأى عن التفتيت والشرذمة.
من حلف بغداد الشاهنشاه، إلى تصدير الثورة
الفارسية من جديد، لم يترك النظامان الشاهنشاهي والخميني فرصة لبناء علاقات حسن
الجوار بين الوطن العربي وإيران. بل كانت مواقفهما السلبية سيدة الموقف، ولذلك لم
يدعا أمام العرب سبباً للدفاع عنهما. وسيستمر الحال على هذا المنوال إلى أن يأتي
نظام إيراني جديد يكفُّ عن ممارسة الأعمال العدوانية ضد الوطن العربي. ويثبت ذلك
باتفاقيات حسن جوار، يحرص الطرفان فيها على الدفاع عن أمنه، بحماية أمن الطرف
الآخر.
تحالف شاذ يؤدي إلى الصراع بين طرفيه
ولهذا عندما تهدد أميركا إيران، فنحن لن
نكون معها. فهي التي وقَّعت على الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، ومحضته
موافقتها، لأن مصالحها كانت تقتضي التوقيع. وألغته في العام 2018، لأن مصلحتها
تقتضي الإلغاء. إذن، ما كان يحدو التوقيع والإلغاء هو ما تتطلبه مصالحها، وليست
مصلحة أي طرف آخر، حتى لو كان من حلفائها.
أميركا وقّعت فتضرَّرت مصالحنا، وأميركا
ألغت التوقيع، فخوفاً من أن تتضرر مصالحها.
أميركا وقَّعت مع إيران، فلأن إيران حليف
لأميركا في أهداف تقسيم الوطن العربي وتفتيته. وهذا شبيه بالأسباب التي وقَّع فيها
الطرفان، الأميركي والإيراني، على احتلال بغداد، إذ (لولا إيران لما استطاعت
أميركا أن تحتل العراق)، وفي المقابل (لولا أميركا لما استطاعت طهران أن تمسَّ ذرة
تراب من العراق). وليس أكثر دلالة على هذا التحالف الوثيق من أن أميركا سلًّمت العراق
لإيران في العام 2011، لثقتها بالنظام الحاكم فيها ومصداقية تحالفهما. ودافعت
إدارة أوباما عن ذلك التوقيع فلأنه لا يمكن تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد من
دون دور إيراني أساسي.
وعندما ألغت أميركا توقيعها، في أيار من العام
2018، فلأن مصالحها في الطرف العربي أصبحت مهددة بالخطر. ولأن التوقيع وإلغاء
التوقيع جاء استجابة لمصالح أميركية. ولأن أميركا هي التي كانت السبب في تسلل
النظام الإيراني إلى العراق، ولأنها كانت السبب في الاستيلاء على العراق. فإننا
نعتبر إلغاء الاتفاق تصحيح لخطأ أميركي سابق عليها أن تقوم به. وعلى إيران أن تدفع
الثمن لأنها وقعت في الحفر التي نُصبت لها، وهو الثمن الذي على النظام المذكور أن
يدفعه لقاء تآمره على الوطن العربي. ولأن الإثنين أضمر كل منهما الشر للآخر، وقعا
في الفخ معاً، وعليهما أن يُخلِّصا نفسيهما من الحفر التي عمَّوقها لاصطياد الوطن
العربي، فذاقا شرَّ أعمالهما في الخداع المتبادل.
على العرب أن يحذروا قبل إعادة تقسيم الحصص
بين أميركا وإيران
مخطئ من يظن أن التحالف الأميركي الإيراني
سيتفكك بشكل سريع، لأنهما اتفقا على قضايا استراتيجية تضر بمصالح الوطن العربي،
ولكنهما اختلفا بالتفاصيل كما هو حاصل في هذه المرحلة. وإن الصراع الذي يجري الآن
بينهما، يتعلَّق بإعادة توزيع الحصص، ولكن على شرط أن يكون القرار الأخير بيد
أميركا. وأميركا الآن تضغط على النظام الإيراني من أجل تحجيم دوره وإعادته إلى
مربع المراحل الأولى للاحتلال الأميركي للعراق. وستظل العلاقة على هذا المستوى في
حدود ثابتين اثنين، وهما:
-الأول: طالما بقي النظام
الإيراني محافظاً على مبدأ (تصدير الثورة الإسلامية) على أسس طائفية تحمل معها
جراثيم تفتيت المجتمع العربي. وهذا عامل توافق عليه أميركا لكي يبقى جمر الفتنة بين
العرب راقداً تحت الرماد تشعله في الوقت المناسب والمكان المناسب. وليس هناك عامل أفضل
من استمرار عامل سيف التكفير الذي يشهره النظام الإيراني، ومن عامل الدعوة لتأسيس
دولة ما يزعمون أنه (دولة الولي الفقيه)، كفقيه نائب للإمام المهدي المنتظر. وهذا
يشكل عاملاً يبرِّر الإبقاء على النيران المشتعلة، أو القابلة للاشتعال، من
التيارات الدينية السياسية الأخرى التي تعمل على استعادة عهد الخلافة الراشدة، كما
تؤمن بها تنظيمات (داعش) و(القاعدة). ولن يحقق هذه الغاية، في المنظار الأميركي،
سوى وجود عقيدتين دينيتين متناقضتين، يبقي المنطقة كلها على فوهة بركان من
الصراعات الدموية.
-الثاني: طالما ظلَّ نظام ولاية
الفقيه مؤتمراً بأوامر أميركا، وظل راضياً بما تحدده له من حصص هنا أو هناك.
وراضياً بأن يبقى داخل حدود إيران، شاهراً سيفه ضد وحدة الوطن العربي، ولكن من دون
استخدامه. وطالما ظلَّ عاملاً للتحريض ضد القومية العربية، من أجل نسخها من الوجدان
الشعبي العربي. ومحاربة الفكر القومي في شتى المنتديات السياسية والفكرية في شتى
وسائل إعلامها، ومؤسساتها الدينية والاجتماعية والأدبية.
ضمن تلك الثوابت والحدود، سيبقى التحالف
الأميركي – الإيراني
مستمراً، وبناء عليه يمكننا استشراف آفاق المرحلة المقبلة. والتي تتلخص بتقليص
النفوذ الإيراني في كل الساحات العربية التي استطاع أن يصل إليها، ولكن من دون
القضاء عليه بالكامل، لأن البديل سيكون مما لا ترضى أميركا بوجوده، وهو التيارات
القومية والوطنية. وأما السبب فلأن تلك التيارات ستنشر فكر الوحدة والتضامن على
المستوى العام، وفكر التنمية والتقدم. كما ستنشر فكر التحرر من الاستعمار، وإلغاء
عوامل التبعية للرأسمالية المتوحشة. وهذا ما يعيد استذكار تجربة أوائل السبعينيات
من القرن العشرين التي أكَّدت أن من يستطيع مواجهة التيارات القومية والوطنية هو
الأيديولوجيات الدينية التي يكفِّر بعضها البعض الآخر، بدءاً من أعلى مستوياتها في
بناء دولة دينية، وصولاً حتى أدناها في بناء أنظمة المحاصصات الطائفية.
وإذا كان بعض النظام الرسمي العربي، قد يرضى
بمثل هكذا حلول، وقد يشعر بالاطمئنان إلىها، فإنه كمن يرضى بأن يطفئ ألسنة النار
المشتعلة، لكي يدفن تحت رمادها الكثير من الجمر القابل للاشتعال في اللحظة
المناسبة.
وإذا كانت المجتمعات مع قواها التقدمية
كفيلة من خلال تعميم ثقافة الحداثة المدنية، وتلك مهمة راهنة ومستقبلية، فإن
الأنظمة الرسمية وكي لا تقع في مطبات استراتيجية في مرحلة الصراع الأميركي – الإيراني،
عليها أن تدرك حقائق تحالف المتصارعين وأهدافهما قبل أن توقِّع على ما ستؤول إليه
نتائج الصراع، وأن لا تتنازل عما هو دون الاقتلاع الكامل للوجود الإيراني في الوطن
العربي. وأن لا تترك له (أحصنة طروادة) يتسلل منها مستقبلاً لتقويض الأمن القومي
العربي، سواءٌ أكان مصدره عقيدياً أو عسكرياً.
فهل يُدرك النظام الإيراني هذه الحقيقة
ويثوب إلى رشده؟
نتمنى ذلك، لأنه إذا أدرك الحقيقة، وعرف
قوته وقدره فوقف عنده، فإنه سيوفر على الشعبين العربي والإيراني الكثير من المآسي
التي لن تصب سوى في مصلحة الصهيونية العالمية والاستعمار الرأسمالي، الذي تمثله
أميركا أفضل تمثيل.
البدائل الاستراتيجية لحماية الأمن القومي
العربي:
وإذا أصرَّ النظام الإيراني على غيِّه،
فهناك حقيقتان لا يجوز القفز فوقهما في مرحلة ترسم أميركا فيه استراتيجيتها
القادمة، أي تقليم أظافر النظام الإيراني، وإعادة السيطرة على القرار العربي، خاصة
الخليجي منه. نعود للتذكير بهما، وهما:
-ما كان دونالد ترامب ليغير موقفه من النظام
الإيراني، لولا مرحلة الضغط الذي مارسته دول الخليج العربي. ولكنه سيعود إلى
المربع الأول، الذي رسمه أوباما، إذا ما اشتمَّ رائحة التراخي في الموقف العربي.
وعلى هذا الموقف أن لا يتنازل عن سقف تحرير العراق من كل نفوذ إيراني. وإسقاط
العملية السياسية التي قادها مرتزقة لا يملكون من أمرهم شيئاً، فهم ينقلون
البندقية من كتف إلى كتف آخر كما تقتضيه مصالحهم، وليس مصلحة الأمن القومي العربي.
-إن منهاج المقاومة العراقية، الذي هزم
أميركا، كفيل بهزيمة كل احتلال آخر، مهما تبدَّلت ألوانه وأشكاله. وهو الكفيل وحده
بحماية البوابة الشرقية من التسلل الإيراني. البوابة الشرقية إذا ما تمَّ إحكام
إغلاقها، ستظلُّ دول الخليج العربي بشكل خاص آمنة مطمئنة. وسيبقى أمن الوطن العربي
محمياً بشكل عام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق