الأربعاء، يونيو 27، 2018

حسن خليل غريب في مؤتمر عن التنمية (الحلقة الرابعة)


حسن خليل غريب في مؤتمر عن التنمية
 (الحلقة الرابعة)
رابعاً: تكامل العوامل والأدوار في إنجاح التنمية الوطنية:

التنمية منهج لحياة المجتمعات الحديثة، وهذا يتطلب تعميم ثقافة التنمية على شتى المستويات، الرسمية والشعبية. وهنا، وباختصار سنقوم بتكثيف رؤيتنا لمجموعة العوامل التي تسهم في الدخول إلى رحابها. ويأتي في المقدمة منها توضيح دور كل من الدولة والمجتمع والرأسمالية الوطنية.
1-دور الدولة:
ولأن الدولة قائدة للمجتمع، والمخطط لبناء دولة حديثة، والتي عليها أن تهتم بشؤون المجتمع وتحسين أوضاعه نحو الأفضل، يتوجَّب في سبيل ذلك أن تضع خططها التنموية على دورات زمنية، خمسية وعشرية، تحدد فيها البدء بخطة تنموية وتاريخ إنجازها على أن توفِّر لها مصادر التمويل. ولهذا يكون التخطيط من أهم عوامل ضبط الدورات وإنجازها في توقيتاتها. ولأنه لا خطط قابلة للتنفيذ من دون غطاء مالي، على الدولة أن تخصص في ميزانيتها السنوية اقتطاع جزء منها للمشروعات التنموية. وتعتبر هذا الواجب له أولوية على الكثير من أوجه الإنفاق.
وتلافياً لمفاجآت العوامل المعيقة والمعرقلة للمشروعات التنموية من قبل القوى الصناعية الكبرى، خاصة وأنها أصبحت واضحة في البند الثالث، على الدولة أن تبقى ساهرة لإزالة أي عائق ومعالجته بالطرق المناسبة. وعادة من يضع تلك العوائق والعراقيل هم أصحاب الرساميل الوطنية المرتبطين بحركة التجارة العالمية. ويشكلون الخطورة الأكبر إذا كانوا أعضاء في السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتأتي هذه الخطورة من عرقلتها مشاريع القوانين الخاصة بالتنمية. وإذا أُقرَّت، فيُخشى عليها من عوائق التنفيذ في السلطة التنفيذية.
2-دور المجتمع:
ولأن للمجتمع دور كبير في إدامة مشاريع التنمية. ولأنه لا تنمية من دون وعي جماهيري بأهميتها، تصبح (ثقافة التنمية) عاملاً أساسياً من عوامل نجاحها. ولهذا يترتب على الدولة أن تلحظ في إعلامها الموجَّه للشعب، وفي مخططاتها التربوية على شتى مراحل التربية والتعليم، مادة تُعنى بـ(ثقافة التنمية).
إن ثقافة التنمية يمكن الترويج لها على الصعيدين الإعلامي الشعبي، وعلى صعيد التنشئة التربوية في المؤسسات التعليمية.
أ-على صعيد الإعلام الشعبي:
ولأن أي مشروع تنموي بحاجة إلى الأيدي العاملة أولاً، وبحاجة إلى سوق استهلاكي ثانياً، وكلاهما يعتمدان على عامل أساسي وهو الشعب. فمنه مصدر للأيدي العاملة، وإليه يعود ترويج السلعة الوطنية، نعتبر أن توجيه الإعلام التنموي يجب أن يتركَّز على الشرائح الشعبية الواسعة لعدة أسباب، ومنها: استقطاب اليد العاملة، والترويج للسلعة الوطنية، وتوجيه الطلبة للالتحاق بالمعاهد الفنية.
وهنا، وإذا كان المشروع يستقطب الأيدي العاملة بسهولة، لفائض اليد العاملة المعروضة عن طلب المؤسسات الإنتاجة، فإن الترويج للسلعة الوطنية، وللالتحاق بالمعاهد الفنية، تكمن فيهما المشكلة. ولهذا يجب حثّ الشعب للاستهلاك من إنتاجه الوطني. ومن حيث أهمية دور الأهل في حثِّ أبنائهم للالتحاق بالمدارس، في الدول التي لا تعتمد مبدأ (إلزامية التعليم)، وتوجيههم بشكل خاص للالتحاق بالجامعات والمعاهد الفنية، خاصة في ميادين الصناعة والزراعة.
بـ-على صعيد نشر ثقافة التنمية في المؤسسات التعليمية:
ولأن التنمية الحديثة تحتاج إلى اختصاصيين وعمال مهرة، وهؤلاء لا بُدَّ من أن يكونوا خريجي الجامعات والمعاهد العلمية والمهنية. يجب على إداراتها أن تكون على دراية بحاجة الدولة لشتى الاختصاصات المهنية، والتي بناء عليها يمكن توجيه طلابها للتخصص في الميادين المطلوبة، وبذلك تتوازن ثنائية العلاقة بين العرض والطلب.
جـ-التنمية منهج لتجفيف منابع (الإرهاب):
لقد استغلت الحركات الدينية السياسية تقصير الأنظمة الرسمية في أداء وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية، بتبعاته الكارثية على المجتمع الوطني، وتساوت الأنظمة الرسمية لعربية بالتقصير، فأهملت دور التنمية التي توفِّر فرص العمل أمام الشباب، والاقتراب نحو بناء مجتمع تقل فيه نسب الفقر. وهذا الواقع المتخلِّف سهَّل مهمة التيارات الدينية السياسية في استغلال تقصير الدولة، والتحريض عليها، واكتساب المزيد من الأنصار والمؤيدين من العاطلين عن العمل، والعاملين في سبيل توفير سبل معيشة عوائلهم. وهذا الواقع بدوره زاد من نسبة المؤيدين لتك التيارات. ولأنها تعرف كيف تهدم، وتجهل كيف تبني، انتشرت مناهج التغيير الداخلي بالقوة المسلَّحة باسم الدين. ولأن الشعوب التي تتعرض للكوارث، ولا تجد من يفسر لها سبب حصولها، فإنها تلجأ إلى شعوذات يبثُّها المنتسبون إلى تلك التيارات استغلالاً للنقمة الشعبية. وبذلك توظِّف المنتسبين إليها أو المتأثرين بها من أجل تنفيذ مشاريعها السياسية في بناء الأنظمة الدينية. ولهذا على الدولة، التي تريد أن تكافح الإرهاب، أن تكافح أسبابه. ولأن أسبابه أصبحت واضحة في تغييب التنمية الشاملة، على الدولة أن تكافح الإرهاب بالاهتمام أولاً، وقبل أي شيء آخر بالمشروعات التنموية.
وهنا، لا بُدَّ من الإشارة إلى أنه منذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين، وُضعت التيارات الدينية السياسية في مواجهة مع القوى القومية وقوى التغيير المدني. وتمَّ ذلك بتشجيع من قوى الرأسمال الغربي من أجل تعطيل أصوات قوى التغيير. ولذلك، ندعو إلى  إعادة الحياة إلى تلك القوى، والتشجيع على إعادة تنظيمها، وهذا يُسهم بشكل جدي في نشر ثقافة التنمية لمواجهة التيارات الدينية السياسية التي تعتبر أن مهمتها الرئيسية إسقاط الأنظمة الرسمية ولا تعني التنمية لها شيئاً آخر.
3-دور الرأسمالية الوطنية:
ولأنه في الدول النامية تلعب الرأسمالية الوطنية دوراً سلبياً أو دوراً إيجابياً تبعاً لمصالحها، يمكن للدولة أن تُشرك الرأسمالية الوطنية في مشروعات التنمية، وعادة ما يُطلق علىها اسم (الشراكة بين القطاعين العام والخاص). بما في هذا المنهج من تطمين لأصحاب تلك الرساميل. وهذا ما يضمن إشرافهم على حسن إدارتها لتجاوز الروتين في القطاع العام، وبالطبع سيكونون حريصين على ضمان الربح تحصيناً لرساميلهم التي وظَّفوها. وإنه بالقدر الذي يحصلون فيها الأرباح، سيطمئنون على رساميلهم، وسينخرطون أكثر في مشروعات التنمية الوطنية.


ليست هناك تعليقات: