الخميس، نوفمبر 08، 2018

نشر الإرهاب وسيلة لترويج سلعة الحماية الرأسمالية


نشر الإرهاب وسيلة لترويج سلعة الحماية الرأسمالية

لفتني مثال استخلصته من وسائل الصناعيين الغربيين حول الترويج لسلعة مكافحة الفيروسات في الأجهزة الألكترونية، وهو ما يُعرف بسلعة (الأنتي فايروس)، أي مكافحة الفيروسات التي تعطِّل عمل أجهزة الكومبيوتر. ومن خلال إلقاء نظرة على هذا الأنموذج، يمكننا استخلاص قاعدة يستخدمها الصناعيون الرأسماليون لتسويق السلعة الرأسمالية.
صنعت الرأسمالية من ضمن ما صنعت، أجهزة الكومبيوتر، التي قدمت للبشرية إنجازاً من أهم الإنجازات التي تسهم في تقدمها وسعادتها، بإدخال مكننة المعلومات في شتى نشاطات الأفراد والمجموعات والشركات والدول؛ ومنها تسهيل الحصول على معلومات، وتبسيط إدارة كل ما يتعلق بعمل ما ذكرنا. وازدادت أهمية الكومبيوتر بعد أن ابتكرت تلك الشركات وسيلة الأنترنت التي قرَّبت المسافات والتواصل السهل والسريع بين الأفراد، وفروع الشركات، ودوائر الدولة. ولكنها في المقابل ابتكرت وسائل تعيق العمل، عندما اصطنعت ما يُسمى بـ(الفيروسات) التي تنشرها، تحت مسميات (القرصنة)؛ وفي المقابل صنَّعت برامج تكافح تلك الآفة. وكان من صنع (الفيروسات) هو الذي صنع وسائل مكافحتها. وما العملية المزدوجة سوى للحصول على الأرباح المزدوجة من بيع السلعة وثم بيع البرامج التي تكافح ما يعطِّلها.
وما المثال أعلاه سوى أنموذج لمصانع الأدوية، التي تستخدم الخدع ذاتها، عندما تصنِّع دواء جديداً، فعليها أن تنشر المرض المقابل لتستطيع ترويج الدواء الذي يكافحه، فتحصد الأرباح الهائلة من هذا الترويج.
ولا تنجو السلع الصناعية الأخرى من هذا الأسلوب، إذ أصبح من المعروف أن جودة البضاعة المصنَّعة في المراحل الراهنة تعتبر أقل جودة من البضائع السابقة. وتلك وسيلة تستخدمها الشركات الكبرى من أجل بيع أكثر ما يمكن من قطع الغيار. وإذا كانت السلعة ذات جودة عالية، فسوف تكون قطع غيارها باهظة الثمن، وذلك ما تسميه الشركات بأن على الموسرين أن يدفعوا ثمناً للرفاهية؛ وذلك لأن من يستطيع شراء السلعة ذات الجودة العالية هم من الموسرين والأغنياء، فتأخذ الشركات منهم الثمن مضاعفاً. في المرة الأولى الثمن المرتفع للسلعة، وفي المرة الثانية ثمن قطع الغيار المرتفع أيضاً. وأما العامة فإنها تشتري السلعة القليلة الجودة لأنها الأقل ثمناً، ولكنها تستهلك قطع الغيار بكثرة.
وإذا كان هذا يقع في دائرة السلعة الاستهلاكية، فإن الرأسمالية استفادت من الوسائل ذاتها على الصعيد الأمني. وهو ما يُعرف بوسيلة بيع الحماية الأمنية، وحصرتها بشركات مختصَّة انتشر تأسيسها بكثرة في الدول الرأسمالية. التي كان أنموذجها الأول قد صُدِّر للعراق بعد الاحتلال. ومن المثير أن شركات الحماية الأمنية تم تأسيسها في الدول الرأسمالية من ضمن سياستها في خصخصة القطاع العام؛ وانتشر استخدامها في العراق من أجل القيام بأعمال وحشية للتغطية على الجرائم التي كانت تقوم بها الجيوش النظامية التي شاركت باحتلال العراق؛ ولذلك أصبح تأسيس الشركات الأمنية وسيلة الدول الكبرى للتغطية على جرائمها بما يسمح لها الهروب من تبعات ما ترتكبه من جرائم، أو بما تريد القيام به منها، ولذلك أخذت تشكل أحد مصادر السياسة الاقتصادية الربحية.
وعلى المثال ذاته، وبمسميات أخرى، ولتنفيذ مؤامرة (الشرق الأوسط الجديد)، فقد أعدَّت (فرق المجاهدين)، كجبهة النصرة، وداعش، وتنظيم أبو مصعب الزرقاوي، وغيرها الكثير، من أجل تنفيذ الأعمال الإجرامية حيثما انتشرت مشاريع التنفيذ في العراق وسورية وليبيا، ومصر وتونس.
وعن هذا، نحسب أن تلك الفرق لن ينتهي وجودها، حتى في ظل الترتيبات الأمنية والسياسية الجديدة التي تُعدُّ للمنطقة العربية، لتبقى (فايروس الإرهاب) منتشراً، السبب الذي يبرر تدخل الدول الرأسمالية في شؤون الوطن العربي لمساعدة دوله، كما يزعم الرأسماليون، على حماية أمنها؛ والتي بذلك تبقى أنظمته منشدَّة ومنشغلة في تدبير شؤونها الأمنية والانشغال بها عن أية أهداف أخرى، خاصة في مجال الإعداد لمواجهة أعباء التحرر الوطني من الاستعمار والصهيونية. وما ضلوع النظام الإيراني في كثير من الجرائم ببعيد عن أسلوب الرأسمالية والصهيونية العالمية.
إن الأعمال الإرهابية في كل من العراق وتونس وليبيا ومصر وسورية ولبنان، لن تتوقف من أجل تلك الأسباب، وستبقى تلك الأعمال فزَّاعة يرهب بها التحالف الأميركي الصهيوني -الإيراني تلك الأنظمة أو غيرها الكثير.
ولقد تولى دونالد ترامب، من ضمن أهدافه لابتزاز دول الخليج العربي بشكل خاص، فرض خوَّة الحماية المدفوعة الثمن، وتحويل اولايات المتحدة الأميركية إلى شركة أمنية كبرى، كأنموذج مكبَّر لوسائل الشركات الأمنية الآنفة الذكر.
وباختصار، ولكي تروِّج أميركا سلعة الحماية، فقد أعدَّت طوابير من الإرهابيين، وذلك لاستخدام خطورتهم في ترويج سلعة الحماية الرأسمالية، ولتزيد من أعداد طالبيها ومستهلكيها. وما حاجتها لتوثيق علاقتها مع النظام الإيراني، بعيداً عن مسرحيات التهديد والوعيد المسرحية التي تطلقها ضده في هذه المرحلة، سوى لإبقائه فيروساً إرهابياً تخشاه دول المنطقة ويجعلها بحاجة إلى حماية أميركا، كما هي حاجة الكاهن للشيطان لكي يبرر له دوره، كما أوحى بذلك جبران خليل جبران في كتابه العواصف منذ ما يناهز القرن من الزمن.
وأما عن حماية أمن الدول العربية بالإيجار، فهو كمن يضع الأفعى بين أحضانه. وأما الأمن الحقيقي، فيتوفر باعتماد تلك الدول بالقضاء على البيئة الحاضنة له بأداء واجباتها في تجفيف منابع الفقر والحاجة التي هي الحاضن الرئيسي لبيئة الإرهاب. وإذا قامت الأنظمة بدورها، فسوف تحوِّل البيئة الشعبية من حاضنة للإرهاب، إلى بيئة طاردة له. 




ليست هناك تعليقات: