الجمعة، أكتوبر 11، 2019

(الدعشوية) و(الحشدوية) ظاهرتان لاقتلاع الأهداف الوطنية والقومية


(الدعشوية) و(الحشدوية) ظاهرتان لاقتلاع الأهداف الوطنية والقومية

في القاموس السياسي الجديد، تعرضت للتشويه مفاهيم الصراع على المستوى القومي، بين الخطاب الوطني ومفاهيمه الفكرية، والخطاب المعادي للفكر القومي العربي.
تعاون على تعميم التشويه  كل من المشروعين الامبريالي الصهيوني من جهة، ومشاريع حركات الإسلام السياسي من جهة أخرى.
وفي هذه الأثناء ظهر الصراع وكأنه تسابق بين قوى دينية سلفية على حيازة قيادة التغيير على المستوى القومي العربي بين تلك القوى نفسها، ولكن على قاعدة العودة إلى مفاهيم أكل الدهر عليها وشرب منذ مئات السنين بل آلافها.
إن قواعد التغيير الثقافي والسياسي، التي شقت طريقها منذ الربع الثاني من القرن العشرين في الأوساط الفكرية والسياسية العربية، كانت تصطدم بعائقين أساسيين، وهما: مشاريع الإمبريالية الصهيونية من جهة، ومشاريع حركات الإسلام السياسي من جهة أخرى. لأن فيها ما يحول دون هيمنة أمبريالية صهيونية وُضعت أسسها في أوائل القرن العشرين؛ وفيها أيضاً ما يُسخِّف من أوهام حركات الإسلام السياسي، ويعيق مسارات تنفيذ تلك الأوهام في إعادة الأمة العربية، كون الأكثرية من العرب يدينون بالإسلام، إلى الوراء مئات من السنين. أي إعادة الثقافة العربية إلى عصور الظلام التي شكلت المادة الخام المعرفية عند أكثرية ساحقة من المجتمع العربي.
على مسرح الأحداث اليوم، بعد احتلال العراق كآخر حصون حماية الفكر القومي العربي، احتضن الإعلام الامبريالي، وكذلك إعلام حركات الإسلام السياسي المدعوم أمبريالياً وصهيونياً، ظاهرة الصراع بين داعش والحشد الشعبي. وأصبحت الصورة وكأن تلك الظاهرة، في مناهجها المعرفية وأهدافها السياسية، توحي بأن البيئة الثقافية والمجتمعية عند العرب ليست أكثر من صراع محصور بين (الدعشوية) والحشدوية)، بما يمثلانه من صراعات بين المذاهب الإسلامية. وبذلك ارتكبت تلك الأوساط أكبر جرائم العصر بحق العرب عندما شوَّهت أهدافهم في التحرر والانعتاق من الآفات الطائفية ومخاطرها على تطور الأمة العربية ودخولها عصر التقدم الحضاري الحديث والمعاصر.
في تشويه صورة أهداف الأمة، أصبح العرب في منظور الرأي العام العالمي وكأنهم قوم متخلفون يعيشون بعقلية مئات السنين إلى الوراء. وبذلك تناسى العالم أن للعرب أهدافاً في التقدم والتغيير، ومقاصد جدية في التحرر من الاستعمار، وفي محاكاة التطور العلمي والمعرفي، وفي مجاراة البشرية بعصر التكنولوجيا ومفاهيم الدولة الحديثة. فالعربي أصبح في وسائل الإعلام المعادي واحداً من إثنين: إما (دعشوي)، وإما (حشدوي)، بما يرمز إليه مفهوميهما الطائفي السائد والمتعارف عليه بأنهما ظاهرتان من مظاهر التخلف والاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد. وبمثل هذا الواقع المزيِّف أصلاً، ولأغراض مخطط لها، يتم التعتيم على حقيقة الصراع والانحدار به من سقف أهدافه الوطنية التحررية والتقدمية، إلى قعر أهداف الصراع الطائفي والمذهبي، بما يعنيه من جهل ومن تخلف. فكيف تأسست كل من الدعوتين؟

الدعشوية والحشدوية صناعة أمبريالية وصهيونية وأسلاموية:
آخذين بعين الاعتبار أن الثقافة الشعبية السائدة في أقطار الوطن العربي ثقافة دينية سطحية، تنفعل بالانتماء المذهبي والطائفي، الأمر الذي دفع بالقوى المعادية للأمة العربية باستغلال هذه الظاهرة للتخطيط لمشاريع تفتيت المجتمع العربي إلى كيانات ينخرها الصراع الطائفي. وذلك لمنع أية وحدة سياسية تهدد مصالح تلك القوى. فكانت ظاهرتا (الدعشوية) و(الحشدوية) والصراع بينهما صناعة أجنبية، وتنفيذ محلي بامتياز. فكيف تأسست الظاهرتان؟ وكيف هو واقعهما الحالي؟ وما هي آثارهما على وضع معظم أقطار الوطن العربي؟
-مفهوم الدعشوية وظروف تأسيسها: يرتبط تأسيس (داعش) مع البدء في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد. وظهرت لأول مرة في سورية في العام 2014، وامتدت إلى العراق في حزيران من العام نفسه. وعلى الرغم من أنها ظهرت بأسماء عدة، في العراق المحتل وما قبله، فهي تعتبر امتداد للفكر السلفي التكفيري. وهدفها المركزي إحياء دولة الخلافة الإسلامية حسب الأسس التي أرساها الخلفاء الراشدون. وأما على صعيد الاستفادة منها، فقد استغلها النظام التركي لتشكل الأداة الضاربة لتحقيق أهدافه باقتطاع جزء من الوطن العربي لتحقيق مصالحه.
-مفهوم الحشدوية وظروف تأسيسها: يعود تأسيس الحشد الشعبي في العراق إلى النصف الأول من العام 2014، بفتوى من علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى. وأطلق عليها (فتوى الجهاد الكفائي). وكانت مبرراتها مواجهة تنظيم داعش. وبهذا يتَّضح بأنها امتداد للفكر السلفي الشيعي، وذلك لارتباط ظروف تأسيسها، ومعرفة دوافع السياسيين الذين مهدوا لتأسيسها، حتى قبل صدور الفتوى. فهي بوضوح كامل أداة استخدمها نظام ولاية الفقيه في إيران من أجل تحقيق أهدافه في بناء دولة (الإمام المهدي المنتظر).
وهنا، لا يعني ارتباط كل من الظاهرتين بقوة إقليمية، أنهما صناعة إقليمية فقط وتستمران بدعم منها؛ وإنما حقيقة الأمر أنهما تلقيان الدعم الكبير من قوى الاستعمار والصهيونية أيضاً لأنهما عاملان من عوامل تفتيت الوطن العربي للحؤول دون وحدة العرب السياسية، فمنع قيام وحدة عربية هو هدف استراتيجي لكل من الحليفين الدوليين.
فاستنتاجاً من العرض المكثَّف، نرى ما يلي:
أ-ما وُجدت ظاهرتا (الدعشوية) و(الحشدوية) إلاَّ لتجهيل أهداف الأمة العربية، والوقوف في وجه وحدتها وتطورها.
ب-إذا لم تجد الظاهرتان ما تأكله فإنها تأكل (أبناءها). وهذا ما يحصل للحشدوية في العراق في هذه المرحلة. وهذا ما تفعله الدعشوية أينما حلَّت لعنتها.
ج-يتشارك في احتضان الظاهرتين، تصنيعاً وتمويلاً وتشجعياً ومداً بأسباب البقاء، كل من النظامين الطائفيين في تركيا وإيران، وفي دول الاستعمار والصهيونية العالمية.
وأما العلاج الشافي منها، فيتمثَّل بالتالي:
أ-رفض الأيديولوجيا التي تعلنها كل منهما رفضاً قاطعاً. والعمل بإخلاص في سبيل دعم الدولة الوطنية المدنية التي توفِّر وحدة العقيدة، وتعمم فرص المساواة بين شتى أطياف المجتمع الوطني.
ب-تذويب النزعات الطائفية وصهرها في قالب وطني جامع، لأنها الوسيلة الوحيدة في المحافظة وحدة المجتمع. وكذلك تذويب النزعة القطرية وصهرها في قالب قومي عربي وحدوي، لأنها الوسيلة الأقوى في مواجهة أعداء الأمة العربية.
ج-اعتبار الانتماء الديني حرية فردية، ورفض الدعوات الطائفية التي ترفعها (الدعشوية) و(الحشدوية) تحت شعارات (نصرة الدين) أو (نصرة المذهب).
وأخيراً نختتم مقالنا هذا، بحادثة رمزية تقول: (سئل طفل عن دينه ومذهبه: هل أنت شيعي أم سني؟ أو كاثوليكي أم أرثو ذكسي؟ فقال: (أنا جائع أريد وطناً).


ليست هناك تعليقات: