الأربعاء، نوفمبر 06، 2019

الاعتراف بالفساد وتخوين الانتفاضة!!


من مهازل الخطاب السياسي في لبنان
الاعتراف بالفساد وتخوين الانتفاضة!!

يسود الخطاب السياسي في لبنان منهج ميكيافيلي فاقع بألوانه المزيَّفة، نلحظ هذا من خلال تزويج خطاب أحزاب السلطة بين متناقضين اثنين وجمعهما بشكل مستهجن.
-الوجه الأول: يتمثَّل باعتراف تلك الأحزاب بوجود الفساد، والاعتراف بشرعية مطالب الجماهير المنتفضة.
-والوجه الثاني: ويتمثل باتهامها للمنتفضين وتخوينهم.
والميكيافيلية في الخطاب تظهر من تجاهل أسباب الانتفاضة التي ما كانت لتحصل لولا انتشار الفساد. ولأنها، أي أحزاب السلطة قصَّرت، عن سابق تصميم وإصرار، بحسن نية أو سوئها، عن اتخاذ الموقف العملي للقضاء على تلك الآفة، قامت الجماهير الشعبية بالنزول إلى الشارع بكثافة عددية ووعي اجتماعي ووطني، بعيداً عن التطييف ووصاية أمراء الطوائف.
ما كانت الجماهير الشعبية لتنتفض لو وجدت حزباً واحداً على الأقل، من الأحزاب المشاركة بالسلطة، يكشف عن الفساد ويصرُّ على فتح ملفاته. وهنا، وإذا صحَّت أكذوبة تخوين المنتفضين، فهي لا تصح ضد من نزل إلى الشارع مطالباً بإشهار الحق، بل تجوز ضد من ارتكب فعل الفساد ومن سكت عنه. ويتساوى بالاتهام الفاعل والساكت عنه، سواءٌ أكان من المعمرين على كراسي السلطة أم من الجدد منهم.
لقد أصبح الفساد تهمة واضحة منذ أكثر من ثلاثين عاماً مضت، بحيث أدَّت إلى انتشار كل الآفات الاجتماعية والمعيشية والسياسة لأكبر شريحة من اللبنانيين وأوسعها. وهذا لا يجوز أن يمتد أكثر فأكثر، وعنها قال الإمام علي بن أبي طالب: (لوكان الفقر رجلاً لقتلته)، وقال آخرون: (الساكت عن الحق شيطان أخرس). ولهذا يستحق المنتفضون شهادة بالأخلاق، وليست شهادة بالتخوين.
يزول استغرابنا، بتخوين المنتفضين، إذا علمنا أن أمراء الأحزاب الطائفية في السلطة، هم وحواشيهم والمحيطين بهم، وخدامهم من مثقفي الميكيافيلية، هم الذين يحتكرون كل مصادر الفساد والإفساد. والسبب الذي جعلهم يعترفون بوجود وحش الفساد، فلكي يمتصوا نقمة مؤيديهم وأنصارهم ممن كوى الفقر والحاجة معظم جوانب حياتهم الاجتماعية والمعيشية. ولو كانت أحزاب السلطة صادقة باعترافها بوجود الفساد، لكان عليها ليس أن تؤيد المنتفضين فحسب، بل لكان عليها أيضاً، أن تتفق على تشكيل حكومة لا تحمي أحداً. وتلتزم ببيان تعطي فيه الأولوية لاستعادة (الأموال المنهوبة). ومن أجل ذلك تقوم بتكليف (هيئة قضائية) يتم تشكيلها خارج قيد الإذعان لرغبات أمراء الطوائف ومصالحهم، خاصة أنهم متهمون كرؤوس للإفساد والفساد.
نحن على يقين بأنهم لن يفعلوها، فهم ركبوا كراسي الحكم منذ عشرات السنين، وهم لن يضيعوا جنى سرقاتهم بمثل تلك السهولة.
إن أسوأ ما في الأمر، هو أن أحزاب السلطة، مجتمعين أم منفردين، يغلٍّفون وقوفهم ضد المنتفضين وتخوينهم، بابتكار أسباب لا علاقة لها بمن انتفض ضد الجوع والمرض والإفقار، يمكننا تعداد البعض منها، أو ما ظهر منها حتى الآن،
1-دعوتهم لفتح الطرقات ليس إلاَّ حرصاً كاذباً على مصالح الناس. ودعوتهم تلك والتركيز عليها دعوة مشبوهة هدفها الإيقاع بين الجماهير المنتفضة وحاضنتهم الشعبية. علماً أن الحراك نفسه أعلن أنه ضد إقفال الطرقات لأن أهدافه الضغط على منظومة الفساد وإسقاطها، وليس التضييق على مصالح من نزلوا إلى الشارع من أجلهم.
2-التهويل بالانهيار الاقتصادي، علماً أن الانهيار جار على قدم وساق قبل نزول الجماهير الشعبية إلى الشارع، وسوف يستمر إذا تراجعت الجماهير المنتفضة عن قرارها.
3-خوفاً من فتنة تؤدي إلى حرب أهلية وكأن الفتنة لم تخيم على لبنان نتيجة نظام المحاصصات الطائفية في كل لحظة كان يتضرر فيها هذا الأمير الطائفي أو ذاك. وليعلموا أن الجماهير التي ملأت الشوارع، لا تملك مالاً أو سلاحاً. فليكفوا المنتفضين مؤونة نصائحهم، ويكفوهم شر ما يمتلكون من مال وغيره.
4-التخويف من المخططات التي تُحاك ضد السلم الأهلي في لبنان، وكأن الأطراف الكثيرة المشاركة في الحراك غافلة عما يجري على المستويين الدولي والإقليمي من مشاريع مشبوهة تقتات على دماء العرب وأرواحهم، وهي تريد أن تقتات من دماء اللبنانيين وأرواحهم. فلتطمئن أحزاب السلطة إلى وعي المشاركين في الانتفاضة التي تكتسب شرعيتها الوطنية من إدراكها لضخامة المؤامرة التي تحيط بالوطن العربي كله، ولن تكتفي بلبنان وحده.


ليست هناك تعليقات: