الثلاثاء، فبراير 04، 2020

النظام الإيراني يكشف المستور بإعلان تفريس بعض العرب


مكتب الثقافة والإعلام القومي
لحزب البعث العربي الاشتراكي
النظام الإيراني يكشف المستور بإعلان تفريس بعض العرب
حسن خليل غريب
نقلاً عن شبكة البصرة

في الأسبوع الأخير من شهر أيلول من العام 2019، لفت انتباهنا خطبة المدعو (آية الله) أحمد علم الهدى، إمام مسجد مدينة مشهد في إيران، وممثل ولاية الفقيه في محافظة خراسان. وفيها كشف عن ما هو معروف ومشخَّص لدينا من أهداف النظام الإيراني الحقيقية. وقد جاء في النص الحرفي للخطبة ما يلي:
إيران ليست فقط إيران. إيران ليست محددة بالحدود الجغرافية.
إيران موجودة في الحشد الشعبي في العراق. فالحشد إيراني.
حزب الله في لبنان إيراني.
أنصار الله في اليمن إيراني.
الجبهة الوطنية في سورية إيرانية.
الجهاد الإسلامي في فلسطين إيراني.
حماس في فلسطين إيرانية.
جميعهم باتوا إيران. لم تعد إيران وحدها فقط.
سيد المقاومة (نصر الله) في لبنان أعلن أن المقاومة في المنطقة لها إمام واحد وهذا  الإمام هو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية (في إيران).
هل تدركون حتى أين هي إيران؟ هل تريدون أن تعلموا أين هي؟
أليس جنوب لبنان هو إيران؟ أليس حزب الله هو إيران؟
طائرات الدرون اليمنية، التي تسببت بأضرار للسعودية، أليست إيران هناك؟
تقولون إن طائرات الدرون جاءت من الشمال، وليس من الجنوب. شمال أو جنوب ما الفرق. إيران هي الإثنان، شمالكم وجنوبكم.
(إنتهت ترجمة النص الحرفي للخطبة).

مقدمة لفهم النص: اغطية ومزاعم الاستقواء بالخارج
لقد اثبتت وقائع التاريخ انه ما تناسى فرد أو جماعة أو تيار ديني أو سياسي عابر للقوميات، مصالحه الوطنية والقومية، إلاَّ وتلبَّسه شيطان الخارج. كما أنه منذ أن غُرست، في بعض شرائح المجتمع العربي، نزعة الطائفية والمذهبية، تلبَّسها أيضاً إبليس الخارج، ذلك الخارج المستميت دائماً في سبيل مصالحه الخاصة.
ولأن البعض منا تصيبه احياناً الآفة الطائفية، راح الخارج يستغل تلك النزعة زاعماً أنه يحمي هذه الطائفة أو تلك. فأخذت بعض القوى الدولية والإقليمية تنهش في جسم المجتمع العربي الواحد تقطيعاً وتفتيتاً، لتقتطع كل منها حصتها من المتوافقين معها، زاعمة أنها جاءت للحماية، وموظفة الجميع لخدمة مصالحها.
 ولقد كان مبدأ ما أطلقوا عليه (نصرة المذهب)، من أهم المداخل لخداع البسطاء من الناس من الذين صدَّقوا أن الخارج الذي ينتمي إلى مذهبهم الديني، صادق في الدفاع عن مصالحهم، ولكن العكس هو ما أثبتته وقائع التاريخ.
 وكان من أهم تلك الوقائع تلك التي تعود إلى أيام (متصرفية جبل لبنان)، التي أنشئت عام 1864، حيث اعلنت فرنسا حمايتها للموارنة، كما اعلنت روسيا حمايتها للأرثوذكس، وبريطانيا للدروز. ولنا ان نتساءل اليوم اين فرنسا الآن من هموم الموارنة؟ وأين روسيا من هموم الأرثوذكس؟ وأين أصبحت بريطانيا من هم الدروز؟
 وقبل أربعين سنة تقريباً، أعلن النظام الإيراني وصايته على الطائفة الشيعية، زاعماً أنه يحمي المذهب في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص. كما ناغمت تركيا فكرة حماية السُّنة في العالم، وفي الوطن العربي بشكل خاص. ومن الوقائع التاريخية اعلاه يحق لنا ان نتساءل هل ستبقى هموم الشيعة هموماً للنظام الإيراني؟ وهل ستبقى هموم السنة هموماً للنظام التركي؟ وهل ستقدم إيران قتيلاً واحداً في سبيل الشيعة؟ وهل ستقدم تركيا قتيلاً واحداً من أجل السنة؟
وتحت عباءة التعصب للدين أو للمذهب، انجرفت قطاعات عربية واسعة وراء أحلام مذهبية طوباوية. فاستمرأت القوى الخارجية، خاصة الإقليمية منها، طعم خداع تلك القطاعات وراح بعضها يغدق الوعود وينسج الأحلام التي تدغدغ عواطفها في سبيل ما يزعمون أنه (نصرة المذهب). وفي الواقع لم تكن حقيقة النصرة من أجل المذهب، ولا المنتمين إليه، بل من أجل تحقيق توسع عنصري، ونزعة إمبراطورية عفا عليهما الزمن.
 فالدعوة لـ(نصرة المذهب) هي دعوة مشبوهة. اذ انها تحقق كل شيء باستثناء مصلحة من ينخدع بها. ونظرة واحدة لواقعنا العربي في السنين الاخيرة نجد ان من انخدع بها دفع الدم ونال الخراب والتهجير والذلة والجوع والمرض والجهل والظلام، وعانى من قر الشتاء وحر الصيف، وعاش في ظروف قاسية لعلَّها أسوأ مما عاشها أجدادنا منذ مئات السنين. فماذا جنى من انطلت عليه خديعة (نصرة المذهب) في العراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين؟
 إن الواقع يدلُّ على أن فقراء المذهب هم الذين يدفعون ثمن كل شيء، ويخسرون في الوقت نفسه كل شيء، فلا يربحون شروى نقير. أما الرابح بينهم فهم نخبة محلية محدودة من رجال الدين والسياسة والاقتصاد ممن تمرسوا على فنون الفساد والسرقة، معلنين انهم يقودون الصراع لـ(حماية أبناء المذهب)، وهم ممن يُعرفون بـ(أمراء الطوائف). ولكنهم في حقيقة الأمر، ليسوا أكثر ممن ارتبطت مصالحهم بمصالح الخارج. وراحوا يتلقون الدعم منه، ويوظفون أنفسهم لخدمته.
 ومن هذه النقطة بالذات، تشَكّلَ تحالف بين أمراء المذاهب المحليين، وأنظمة الخارج، يتبادلون من خلاله المصالح، مستقوياً أحدهما بالآخر، مستخدمين الشرائح الفقيرة لتقوية نفوذهم وتنفيذ مخططات التحالف المذكور. هؤلاء الأمراء يغدقون الوعود والأوهام، ويُترفون ويكدسون الأموال ويحققون المصالح الخاصة، ويحتلون المناصب العليا. وأولئك الفقراء يغدقون الروح والدم، ويعانون من الفقر والمرض. وفي كل الاحوال يبقى الخارج الرابح الاكبر.
 ومن ابرز النماذج الصارخة على ذلك هو أنموذج التدخل الإيراني في شؤون الوطن العربي عبر امتدادته المحلية في بعض المجتمعات العربية.
ومن المراجعة الواقعية لشعار (نصرة المذهب)، الذي يمثل قاعدة العلاقة بين النظام الإيراني، وبعض القطاعات المذهبية والطائفية في بعض الدول العربية، يبرز لنا جليّاً ما يلي:
تيئيس الخميني من زمن الظهور وصل إلى حدود التشكيك به :
يعود اصل فكرة (ولاية الفقيه) الى عهد الشاه اسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية في أوائل القرن السادس عشر الميلادي. اذ كان الدافع الحقيقي هو بناء دولة في إيران تعيد أمجاد الامبراطورية الفارسية. ولأن الدولة العثمانية المنافسة حينها كانت دولة الخلافة الاسلامية وحكمها قائم باسم الدين، لذا ارتأت الدولة الصفوية أن تحكم بآلية ( دينية) فاستخدمت المذهب الشيعي لتحقيق هذا الغرض. لذلك اتبع الشاه اسماعيل شتى الوسائل لتحويل الفرس من المذهب السني إلى المذهب الشيعي. ولأن المذهب الجعفري لا يؤمن بقيام دولة في (زمن الغيبة)، استقدم الشاه كثيراً من علماء الشيعة من  (جبل عامل) في جنوب لبنان كي يفتي له أحدهم، وهو المحقق الكركي، بجواز بناء نظام سياسي في (عصر الغيبة) على أن يكون الشاه هو الحاكم السياسي، وأن يتولى الجانب الفقهي أحد العلماء المقتدرين، فيكون (الولي الفقيه).
 وفي معرض تقليده لـ(نظرية ولاية الفقيه) الصفوية، ولحرصه على التسريع في تأسيس دولة دينية تحكم باسم الشيعة، وقع الخميني بالتناقض من خلال التيئيس من ظهور الإمام المهدي المنتظر، وذلك في كتابه المعنون (الحكومة الإسلامية)، قائلاً:
 (تأخر ظهور المهدي ألفاً ومايتي عام، وقد يتأخر ألفاً ومايتي عام أخرى، وقد لا يظهر حتى أبد الدهر). وهنا، وإذا كان الظهور ميئوساً منه، فما هي فائدته للبشرية بعد نهاية (الدهر)، أي أن الظهور، حتى (آخر الدهر)، يعني فناء البشرية، وهو ما يُعبَّر عنه فقهياً بـ(يوم القيامة )!
 لذلك، ومتخفياً بحاجة الناس الى وجود حكومة تسيس شؤونهم، ولأن الخميني يريد أن يحقق أغراض لم يكشف عنها بوضوح، هي بناء إمبراطورية تعيد أمجاد فارس، أعلن عن إيديولوجية نظام (ولاية الفقيه) ليقود حكومة لا تتوقف حدودها على إيران وحسب، بل تتجاوزها إلى تأسيس دولة عالمية. مما اقتضى السعي لتشكيل حركات تدعم النظام الإيراني، وتعتبره مركزاً لما سمي بالثورة الإسلامية العالمية.
 (نصرة المذهب) والكشف عن أهداف النظام الإيراني الحقيقية
ورغم ان الخميني لم يكشف في حينها عن أهدافه الصريحة، الا ان التصريح أصدق إنباء من الاستنتاج والتلميح، لذا فإن ما تناولته الخطبة التي ألقاها أحمد علم الهدى، إمام مسجد مدينة مشهد في إيران، والتي اشرنا الى نصها سابقاً قد اكد كل تلك الاهداف، علماً أن حسن روحاني، رئيس الجمهورية الايرانية، كان قد سبقه في التصريح بجوهر كل ذلك.
 فماذا تكشف لنا تلك الخطبة من أهداف؟
أ- في كل عبارة وردت كانت لفظة (إيراني) صفة ملازمة لكل تيار وحزب وحشد ممن يحسبهم النظام الإيراني حلفاء له. فالجميع بمفهومه أصبحوا إيرانيين. مما يعني ان احترام انتماءات حلفائه الوطنية لم يكن هدفاً له في يوم ما، فقد جرَّدهم من تلك الانتماءات، وأظهرهم كعاملي خدمة في بلاط الإمبراطورية الإيرانية. وإذا كان النظام الإيراني يتلطى بانتماء بعض الحلفاء إلى مذاهب آخرى، فان ذلك من باب التعتيم على مذهبيته وتغطية فجّة لها.
 ب- في الوقت الذي يدعي فيه النظام الإيراني انه يشكل مركزية عالمية لكل المنتمين إلى مذهبه، يبرز السؤال الكبير الذي يفرض نفسه على غير المنتمين لمذهب النظام: ما هي مصلحتكم في دعم هذا النظام ورضوخكم لإملاءاته؟.
إنها ولا شك تحالفات شاذة ومريبة، والدلائل عليها كثيرة لا مجال لتفصيلها هنا.
 ت- لم نقرأ رداً واحداً أو احتجاجاً أو حتى مجرد اعتراض،لأي من الذين زعم (آية الله) علم الهدى أنهم أصبحوا إيرانيين، ولم يكذبوا مزاعم المسؤولين في النظام الإيراني. مما يعني أنهم باعوا هويتهم وعقيدتهم الوطنية واستبدلوها بتلك الإيرانية. فالخطبة تنص على ان العراقي من هؤلاء الموالين لنظام (ولاية الفقيه) الإيرانية لم يعد عراقياً. والسوري لم يعد سورياً. وهكذا أصبح شأن اللبناني واليمني. حتى انصرف الأمر على الفلسطيني الموالي لإيران الذي فرَّط هو الاخر بهويته الفلسطينية. ولو انهم صرحوا بأنهم أصدقاء للنظام، يقدم لهم الدعم في سبيل نصرة قضاياهم الوطنية لهان الأمر. الا انهم على العكس من ذلك قاموا بتجنيد قضاياهم، وبذل دماء أنصارهم في سبيل إيران، بعد أن أعلنوا ولاءهم الأبدي لدولة ولاية الفقيه ومرشدها.
 ث- لقد ثبت بما لا يقبل الشك، أن ما يقدمه النظام من مساعدات لحلفائه، ليست لأسباب إنسانية أو أخلاقية أو حتى مذهبية، ولا لنصرة قضايا حلفائه الوطنية، بل قدمها ويقدمها ثمناً لمن يبيع هويته الوطنية، ويرتضي أن يقاتل نيابة عن إيران ومصالحها لقاء ثمن مادي بخس.
د- ان شعار (نصرة المذهب)، يعني الدفاع عن مصالح المنتمين إليه بمنتهى العدل و المساواة بينهم. ولكن هذا لم يحصل في العراق الذي يزعم النظام الإيراني أنه يحكمه باسم ولاية الفقيه. والذي من المفترض أن يحافظ على حقوق أبناء المذهب الذي يدعي نصرته، ولكن العكس هو الذي حصل، فلم يفسر لنا كيف ولماذا تحت اشراف وهيمنة الولي الفقيه يسود الفساد والسرقة والنهب والرشوة والقتل وقمع الحريات لكل العراقيين دون استثناء؟. ولم يفسر لنا النظام المذكور لماذا يعم الفقر والمرض والخراب جميع العراقيين. وما هو السبب في سرقة ثروات العراق لكي ينفق جزءا منها على الإيرانيين والجزء الأكبر على مخططات النظام الايراني في الوطن العربي والعالم اجمع؟
ه- ان تشكيك مؤسس النظام بـ (ظهور الإمام المهدي المنتظر)، يجعل نظام (ولاية الفقيه) لاغياً، ذلك ان نظرية الغياب والظهور تسقط إذا ما تسلل الشك إلى نفوس من يؤمنون بها. فإذا ساور الخميني الشك في الظهور استناداً إلى تعبيره (وقد لا يظهر حتى آخر الدهر)، فان ذلك يعني سقوط نظرية الظهور. وهذا يقود إلى انتفاء مصداقية أن يكون هناك نائباً
الإمام مشكوك اصلاً في ظهوره. فإذا كان (المخلص) مشكوكاً بظهوره، فان نائبه يكون منزوع الشرعية في تمثيله لإمام لن يظهر.
 واستناداً إلى ما تقدم، فإن نظرية ولاية الفقيه تشكل غطاءاً لتمرير صفقة الإمبراطورية الفارسية بذريعة مذهبية تنطوي على تناقضات تلغي شرعيتها الفقهية و المنطقية اصلاً. سيما وان تصريحات المسؤولين الايرانيين ومنهم الرئيس حسن روحاني، وخطبة أحمد علم الهدى، وغيرهم اخذت تكشف بصراحة عن كل تلك الاهداف الاستعمارية.
 وأخيراً، ورغم أنه من غير المنطق أن يقاتل إنسان ما أو حزب دفاعاً عن مصالح الآخرين على حساب مصالح شعبه الوطنية والقومية تحت ذريعة (نصرة المذهب)، فان على من يقوم بذلك ان يدرك أن انتماءه الوطني سينتفي لتنكره لمجتمعه وأرضه وهويته. وانه في دفعه للمذاهب الاخرى الى الحذو حذوه انما يضع الوطن كأرض واحدة ومجتمع واحد، في خبر كان.
 إزاء كل ذلك فقد آن الأوان لإنسان القرن الواحد والعشرين، عصر الدول المدنية، وقرن الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أن يعي بأن الخروج من عباءة القوى الخارجية هو جوهر احترام سيادة الإنسان و استقلال الشعوب. وان يدرك بان الانضواء تحت تلك العباءة هو مخالفة لكل الشرائع الوطنية والدولية والإنسانية والدينية التي تنص على واجب الدفاع عن (المال والعرض والأرض).

ليست هناك تعليقات: