الثلاثاء، فبراير 11، 2020

صوت الفقراء صوت الله على الأرض

صوت الفقراء صوت الله على الأرض
فلتتوحد المؤسسات الدينية من أجل إعلائه

يحذِّر الله الأغنياء قبل أي شيء آخر، من مغبة التعدي على حقوق الفقراء. وهذا ما نصَّت عليه الكتب المقدَّسة بوضوح ما بعده وضوح.
جاء تحذيره في الكتاب المقدس، صارخاً: (وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ). (لوقا 6: 25(. وحثَّهم على فتح أيديهم للفقراء آمراً: (إفْتَحْ يَدَكَ لأَخِيكَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ فِي أَرْضِكَ). (سفر التثنية 15: 11).
وجاء تحذيره في القرآن الكريم، متهماً ومصدراً للحكم عليهم، قائلاً: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (البينات/ 34(.وهم ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾. (المائدة آية 42). لأن ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (١٩ الذاريات). ومعنى السُّحت، هو (مَا خَبُثَ وَقَبُحَ مِنَ الْمَكَاسِبِ الحَرَامُ.(
بين النص المقدَّس، وواجب المؤسسات التي تزعم حمايته، بون شاسع، وهوَّة عميقة. فإذا هدَّد الله تعالى الموسرين وآكلي أموال المساكين والفقراء بنار جهنم، فإن الفقير الذي يرفع صوته في وجه من نهب حقه، هو صوت إلهي. فصوت الفقراء هو صوت الله. ومن يسد أذنيه لكي لا يسمع  صوت الفقراء، فكأنه يسد أذنيه عن سماع صوت الله. فكيف نصفه إذا عمل على إسكات صوتهم؟ فهل هي أقل من دعوة لإسكات صوت الله؟
لفتني إلى الكشف عن هذه الحقيقة، عظتان:
 -العظة الأولى: في 10 تشرين الثاني 2019: حينها ألقى متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده عظة الأحد من كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، فأكّد أنّ الشعب يصرخ، فهل مَن يسمع؟ مشيراً إلى أنّ أحلام اللبنانيين سُرقت قبل أن ينفجروا غضباً والأب لا يصمّ أذنه عن سماع أبنائه.

-العظة الثانية: في 9 شباط 2020: خلال القداس الالهي لمناسبة عيد مار مارون، توجه رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر في عظته للمسؤولين السياسيين، أصلحوا الخلل واعملوا مع الثوار الحقيقيين وإلاَّ فالاستقالة أشرف لكم.

من الواضح أن العظتين صدرتا من مؤسستين دينيتين، وهذا ما كنا ننتظره من المؤسسات الدينية كلها من دون استثناء. وإن كانت حتى الآن محدودة باثنتين، فإن القاعدة أن تلتحق كل المؤسسات الدينية الأخرى، بركب المحذِّرين من مغبة السكوت عن المطالبة بحقوق الفقراء التي نهبتها مجموعات (الشَّبَاعَى)، و(الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)، ممن يزعمون أنهم (رعاة الغنم).

إن الله نهى (أَكَّالُو السُّحْتِ)، والقابضين أيديهم عن (الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ). وأمرهم بأن (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). وفي ما نهى الله عنه مبدأ مقدَّس، وما أمر به دعوة مقدَّسة. وهل هناك من هو أكثر مسؤولية من المؤسسات الدينية في تطبيق ما نهى الله عنه وأمر به؟

وإذا عدنا إلى ما تقوم به المؤسسات الدينية في لبنان، منذ بداية تأسيسه، لا نجد سوى قِلَّة من رجال الدين، الذين نهوا عما نهى الله عنه. ومن الذين أمروا ما أمر به الله. بينما السائد حتى الآن هو أن تلك المؤسسات عقدت تحالفات مع فريق أمراء السياسة والنخب الميسورة. وقد استرخوا لتلك التحالفات، وغطَّاهم سكوت الفقراء عن المطالبة بحقوقهم.

أما وأن ارتفعت أصوات الفقرء، بزخم لافت، منذ 17 تشرين الأول 2019، مستجيبة لصوت الله، الذي دعا لتطبيق العدالة والمساواة بين البشر.

وأما وأن تبارت أحزاب السلطة بالاعتراف بحقوق الفقراء. وإن كحَّلوا اعترافهم بـ(لكن) اللعينة.

فقد آن للمؤسسات الدينية أن تؤدي رسالتها السماوية من أجل الدفاع عن حقوق الفقراء المنهوبة من قبل أحزاب السلطة. ويكفيها صرخات الفقراء، واعتراف أحزاب السلطة، لكي تنبري إلى فسخ العقد المزيَّف بينها وبين الطبقات الحاكمة، الذي اعتادت على احترامه منذ استقلال لبنان حتى الآن.

وإذا كانت انتفاضة 17 تشرين الشرارة في يقظة الفقراء، فلتكن عظات مؤسستين دينيتين، بداية لتقريب الأديان والطوائف في لبنان، من أجل وحدة حقيقية تدعو إلى الانتصار لصوت الفقراء الذي هو صوت الله المقدَّس.

 


ليست هناك تعليقات: