بغير إقفال البوابة العراقية
في وجهه
حصار النظام الإيراني حديث
خرافة
إن
السياسة الأميركية، في عهد كل الإدارات المتعاقبة، تنظر إلى العالم كله بعيون
مصالحها، فهذا ثابت استراتيجي. وعلى العالم أن يختار طريقة ابتزازه، إما بوساطة
الحزب الجمهوري أو بواسطة الحزب الديموقراطي. فهما لا يختلفان حول منهج النهب، بل
يختلفان حول هوية من ينهب. هل يتم النهب بإدارة (جمهورية)، أم بإدارة
(ديموقراطية)؟
وأصبح
من المؤكد أن الإدارات الأميركية أيضاً تعمل على نسج سلاسل من الصداقات مع الجميع،
على أن يجتمعوا على حب أميركا، حتى ولو تناقضوا بالمصالح والأهواء.
كانت
سياسة أوباما، الرئيس الديموقراطي السابق لأميركا، تعتمد على الجمع بين دول الخليج
العربي وإيران على الرغم من التناقضات الشديدة بين مشروعيهما الدينيين السياسيين.
ولهذا استخدم وسيلة الضغط بالحوار السياسي بينهما تحت وصايته وضمانته. ولكنه لم
يفلح. وجاء دونالد ترامب الرئيس الجمهوري الحالي، ليجمعهما ولكن عن طريق الضغط
السياسي والاقتصادي والعسكري. فهل ينجح؟
تعمل
الإدارة الأميركية، استناداً إلى تلك المعادلة، على تطويع وتركيع من تريد الجمع
بينهم، ولكن على أساس أن تربح صداقتهم معاً. وبمثل هذه الطريقة تضمن مصالحها، ولا
تأبه لهوية وأخلاقية هذا الصديق أو ذاك. فالصداقة بالمفهوم الأميركي تُقاس بمدى
ضمان مصالح أميركا.
المهم
في المرحلة الراهنة، تعمل إدارة ترامب على الجمع بين الطرفين المتناقضين على طاولة
واحدة هي طاولة تنازل كل منهما للآخر عن مصالحهما لحساب مصالح أميركا.
ولأن
إدارة ترامب جاءت لتصحح أخطاء أوباما الذي عجز عن الجمع بين الخصمين بلغة الحوار
الساخن، ولتصحح أخطاءه بأنه ترك للنظام الإيراني حرية التصرف بـ(السلعة العراقية)
على هواه ضارباً عرض المصالح الأميركية عرض الحائط، وهذا ما أزعج ترامب خاصة أن
إدارة أميركا هي التي وكَّلته بصيانتها في مرحلة هزيمته العسكرية.
ويلاحظ
المراقب، من خلال متابعة مرحلة الاشتباك بين ترامب والنظام الإيراني، أن ترامب
استخدم وسيلة الضغط الاقتصادي على النظام الإيراني، وعمل على إقفال كل البوابات في
وجهه. ولكن الغريب والمريب في الأمر هو أنه ترك له بوابات العراق مشرَّعة لينهب
كما يشاء، وكيفما شاء، وبالمقدار الذي يشاء. وهذا يعني لدينا أن حصاره الاقتصادي
للنظام الإيراني كان مجرد أكذوبة انطلت على ذقون دول الخليج العربي. ولكنها لن
تنطلي على غيرهم. والأكذوبة تستند إلى العوامل التالية:
-يستورد
النظام الإيراني ما يشاء عن طريق العراق.
-يشكل
العراق سوقاً أساسية لإنتاجه في شتى الحقول.
-يُهرِّب
النفط الإيراني عبر موانئ العراق.
-بسرق
النفط العراقي ويستولي على عائداته مباشرة أو بواسطة ميليشياته الحاكمة.
-يماطل بإنزال العقوبة
بالميليشيات العراقية المؤتمرة بإمرة النظام، ويعمل على تثبيت العملية السياسية من
خلال كسب ود تلك الميليشيات، أو الحصول على حصة له فيها.
-لأنه لا أموال لديه
يغدقها على من يزعم أنه يدعمهم، ممن يسوِّقهم أقطاباً في محور الممانعة والمقاومة،
فقد حوَّلهم إلى مقاولين في العراق. لهم شركاتهم الخاصة التي يمتصون بواسطتها آخر
نقطة من دم الشعب العراقي. هذا ناهيك عن أنهم ينشطون في تبييض أموال الميليشيات
بمساعدتهم على تهريبها إلى الخارج.
قبل
كل شيء نحن نرفض كل السياسات الأميركية، ونقف بالضد منها ونقاومها. ولكن أن تنطلي
مسرحيات الإدارة الأميركية على عقول من يعتبرون إدارة ترامب صديقة لهم، وهم
مغيَّبون عما يجري في العراق، كونه المثال الأبرز، فهذا ما لا يجوز أن نسكت عنه.
باختصار،
على من يريد أن يرد غائلة مخاطر النظام الإيراني عن العرب، أن يعي أن صداقة أميركا
لن تفيده، ولن تحميه من تلك الخطورة، لأن أقصى ما يريد ترامب أن يصل إليه في هذه
المرحلة أن يمارس ضغوطاً على النظام الإيراني من أجل إعادته إلى الحاضنة الأميركية
وبالشروط الأميركية. وهو غير جادٍ لإخراجها من العراق. فهو يريد أن يقنص عصفورين
بحجر واحد:
-الأول: إبقاء النظام
الإيراني في العراق، وهو الضمانة الأهم للبقاء الأميركي فيه، وإعادة تقسيم الحصص
بينهما على قاعدة أن أميركا، التي دفعت الثمن بالأرواح والمال، يجب أن تحصل على
النسبة الأكبر من الأرباح.
-الثاني: كما اعتبرت
دول الخليج العربي أن الوجود الأميركي في العراق يشكل لها عامل الحماية الأهم من
كل كل القوى الأخرى. وبهذا يضمن ترامب حمايتها كما تتوهم، من المشروع الإيراني.
أما
أن نراهن على أنه سوف يتصدى للتهديدات الإيرانية، فعبثاً سينتظرون النتائج لأنها
ستكون مخيِّبة لآمالهم. وإن تجفيف موارد تمويل النظام الإيراني وأنصاره، عن غير
طريق إقفال البوابة العراقية، لهو حديث خرافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق