من
ضمن مظاهر كثيرة، كشفت عنها بوضوح حركة الانتفاضة اللبنانية الأخيرة، وعرَّتها
بشكل كلِّي أزمة وباء كورونا. ومن قال إن الوباء نقمة، فلربما نقمة تتحوَّل إلى
نعمة تصب في مسارات التغيير.
ومنها
نذكر أنموذجين من الأنوار التي عرَّت أحزاب السلطة، وهما:
-الأول: ترافق مع
البدء بتنفيذ قرار حكومة الدكتور حسان ذياب، الرئيس الحالي للحكومة اللبنانية،
القرار القاضي بتوزيع مساعدات مالية على العائلات الأشد فقراً في لبنان. والتي
استندت إلى اللوائح والجداول الموجودة في أدراج وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي
بموجبها كانت تُصرف مليارات الليرات على الأسماء المدرجة بتلك اللوائح.
لقد
كشفت بعض الضمائر الحية ممن تم تكليفه بالتدقيق بلوائح الأسماء قبل البدء
بالتوزيع، أن تلك اللوائح (ملغومة) بأعداد كبيرة من الأسماء من غير (الفقراء) أو
من غير فئة (الأشد فقراً). ولكنها تدل على أنها أدرجت بناء لحاجات أمراء الطوائف
لأصواتها في الانتخابات. وقد رُوعيت فيها قواعد المحاصصة، العادلة بمفهوم أمراء
الطوائف، واللاعادلة بالمفهوم الوطني والإنساني. وهذا يدل على جزء ضئيل من حالات
الانحراف عن المبدأ الصحيح الذي يقضي بصرف مساعدات اجتماعية لأصحاب الحقوق
الفعليين فيها.
-الثاني: في محنة وباء
كورونا، حصرت بعض أحزاب السلطة مساعداتها الاجتماعية بأنصارها لتضمن ولاءها في
المستقبل للحصول على أصواتها في الانتخابات، أو للمحافظة على حواضنها الشعبية
لتدعيم أهدافها السياسية في هذه المرحلة. وعلى الرغم من السرية التي تحيط بها
فعلتها ارتفعت أصوات كثيرة تستنكر ما تلجأ إليه تلك الأحزاب، وهم من أحزاب استدراج
المال السياسي من الخارج، أو من أصحاب النفوذ على المتمولين من طوائفهم. والأخطر
من ذلك أن تلك الأحزاب استثنت من تلك المساعدات عائلات أشد فقراً من تلك التي تحظى
بها، ولكنها غير مضمونة الولاء.
إن
هذين الأنموذجين، وغيرهما الآلاف، تؤكدان أن لبنان لا يزال أسير الطائفية، ولن
يعود لبنان إلى الحظيرة الوطنية سوى بنشر فيروس يساعد على حجر هؤلاء ومنعهم من
الظهور أمام الرأي العام إلاَّ بصورة قتَلَة الوطن عن سابق إصرار وتصميم. وإذا كان
الحجر المفروض على شباب الانتفاضة قد أراحهم في مراقدهم، فعليهم أن لا يطمئنوا لأن
الفقراء يدقون أبوابهم بعنف، لأنهم أصبحوا مقتنعين أنهم إذا لم يُقتلوا بفيروس
كورونا سوف تلتهمهم نيران الجوع وفيروساته.
لا
تطمئنوا أيها الأمراء، فما تفعلونه يزيد من شدة الاحتقان لأنه لا يصب في مبدأ
العدالة الوطنية التي يجب أن يتساوى فيه كل المواطنين بالغنم وكذلك بالغرم. وإن ما
تفعلونه يضمن ولاء حواضنكم الانتخابية بتخفيف بعض ثقل الجوع والحاجة عنهم. ولكن آفة
جوع الآخرين لن ينفع بعلاجها حجر في البيوت، لأنهم سيخرجون إلى شوارع الغضب بأسرع
مما تتصورون.
ما
هو نفع أن تتصدقوا على حواضنكم الانتخابية والطائفية من أموال تأتون به من الخارج،
إذا ظلَّت شريحة كبرى ممن تزعمون أنكم تمثلونهم وطنياً محرومة من رغيف الخبز. فكم
هو حبل الكذب الذي تمارسونه قصير؟ وكم هو باع الفقراء المحرومين طويل؟ فكم ستكون
أيديكم قصيرة عن كبح ثورة الجياع، وكم ستكون أيدي الثورة القادمة أطول من أيديكم؟
ألم
تؤرق أجفانكم ما حصل في طرابلس، وما حصل في صيدا؟ ألم يؤرق جفونكم ما حصل في حي
السلَّم قبل أسبوع؟
أأنتم
مطمئنون ألآّ يحصل مثلها في عقر دوركم؟
أأنتم
مطمئنون أن لا يحتل الفقراء مؤسساتكم الطائفية؟
أأنتم
مطمئنون على أن القداسة التي تحيطون بها مؤسساتكم الدينية لن تُمس؟
يا
أمراء الطوائف، كفاكم نهباً وعهراً. وكفى حماتكم من رجال الدين سكوتاً. أعيدوا
أموال الفقراء للفقراء؟ أعيدوا الأموال المنهوبة التي كدَّستموها منذ عشرات
السنين. أعيدوا توزيع أموال الأوقاف على فقراء لبنان. أعيدوا للفقراء أموالهم قبل
أن ينتشر فيروس الثورة، الذي لن تحميكم منه حصانة رسمية أو قداسة دينية.
إلى
متى ستبقون ثابتين على مبدأ: (ما لنا، هو لنا. وما للشعب لنا وللشعب)؟
أخرجوا
من عباءاتكم الطائفية، وعباءاتكم الفاسدة، وخيطوا لكم ثياباً وطنية. كونوا في هذه
المحنة القاسية لكل أبناء طوائفكم إذا عدلتم. ولكي تكونوا أكثر عدلاً عودوا إلى
لباسكم الوطني والإنساني، فإن الوطن لن يرتاح إذا شبع نصف الطائفة وجاع نصفها
الآخر. وإن الوطن لن يرتاح إذا شبعت طائفة وجاعت طائفة أخرى.
وأما
خارطة الطريق الوطنية العامة، خارج هذا الهم الجزئي الذي فرضته محنة كورونا، فقد
رسمتها شعارات الانتفاضة، فامنعوا الحريق قبل أن يندلع، لأن إطفاءه سيكون أكثر
كلفة وأشد إيلاما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق