الخميس، أبريل 09، 2020


فيروسات الرأسمالية والصهيونية أشدُّ فتكاً من كورونا

منذ أن حطَّ كورونا رحاله في الصين، لم يطب له المقام فيها وحدها، بل ارتحل إلى أكثر من مكان في العالم، وأستقرَّ مقامه في كل بقعة من رحابه الواسع. وهكذا أصبح الجامع الوحيد المشترك بين البشر. وكما عمَّ مكوثه بالتساوي على شعوب الكرة الأرضية، فقد عمَّم الفزع والهلع، والخوف والجزع. فتساوت به الدولة الغنية مع الدولة الاشتراكية مع الدولة الفقيرة. وتساوى فيه المسلم مع المسيحي مع اليهودي مع الهندوسي مع من لا يؤمن بالله.
لقد وحَّد هذا الفيروس اللامرئي كل شعوب الأرض بأبيضها وأسودها بأصفرها وأحمرها. ووحَّد بين أبناء الوطن الواحد والعائلة الواحدة، فلم يميِّز بين الأم وطفلها، وساوى بين الإبن وأبيه. ولكنه زرع الفراق ومنع المصافحة والعناق، فاغتنت مصانع الأقنعة والقفازات. وملأ القلوب بالآهات والحسرات، ولم تنجو دولة واحدة من دموع الآباء والأمهات. ولكن وحَّد بين الجميع مبدأ العزل الاجتماعي، فالجار لم يبق جاراً. وتفرَّق عن المعزول الأحباب والأصحاب. وملأ الفراغ أجهوة التلفزيون وشاشات الواتس آب. وراح البعض يغدق على الحكومات كل أنواع الشتائم والسباب. والبعض الآخر يضرع إلى الله أن تنجو البشرية من هذا الزائر الثقيل بليله الطويل. والبعض الثالث يتابع أخبار مختبرات الأدوية، منتظراً الدواء الشافي، والترياق الكافي.
أشهر معدودة شدَّت العالم إلى مشهد واحد، والحبل على جرَّار التوقيت الذي سيختاره الفيروس الزائر الثقيل للانكفاء والرحيل، لإزاحة عبء الأحلام المتناثرة الطويل.
في هذا المشهد المأساوي، ننشدُّ للتفكير بما ستؤول إليه أوضاع البشرية، الفقيرة والثرية، هل هي نهاية الكون، أم أنها تجربة مرة سترحل عاجلاً أم آجلا.
فإذا كانت نهاية الكون فلتكن، وتستأهل من البشر الترحيب بها، لأن الأكثرية العظمى منها لن تبكي على ما سوف تخسره، لأنها بالأساس لا تملك من حطام الدنيا شيئاً. ولكن من سوف يبكي هو من يملك كل ذلك الحطام. ولعلَّ الأكثرية هذه تجد خلاصها بعد الموت، كما يُبشِّر أصحاب الديانات السماوية، وغيرهم ممن يؤمنون بحياة جديدة للإنسان بعد موته.
والحل في أنه على البائسين أن لا يتحولوا إلى يائسين. بل الكشف عن أحلام من كان سبباً في نشر البؤس والتعاسة، والثورة عليهم، وسؤالهم بماذا يحلمون إذا داهمتهم نهاية الكون. وماذا سيفعلون بما تختزنه إهراءات الرأسماليين من الذهب والفضة.
لا شك بأن لكل طبقة اجتماعية أحلامها. ولكل مذهب اقتصادي أحلامه. ولكل فرد واحد أحلامه. وكلها أحلام متناثرة، ولكنها في الوقت نفسها أحلام متنافرة. ولن يجتمعا سوى بحالة واحدة أن يكتب كورونا نهاية حكاية العالم.
ملتزماً بكل ما صدر عن الدوائر الصحية العلمية من توجيهات للوقاية من أجل سلامة الفرد والمجتمع. فأنا لست ممن يعتقدون أن فيروساً سيكتب نهاية الكون. فعمره ملايين السنين. وهو إحدى مخلوقات إله كوَّنه على مثال ما، وساوى بين أحيائه بمبادئ واحدة في التكوين البيولوجي، وغرس في أدمغة مخلوقاته البشرية عوامل فاعلة موحَّدة لمواجهة المشكلات التي تتعرض لها. وترك للمخلوقات البشرية القدرة على خلق عوامل استمرارها بسعادة أو بشقاء. وساوى بالمسؤولية عن الفشل أو النجاح بين الفاعل والمفعول به على حدِّ سواء
ليس كورونا جندياً من جنود الله جاء ليمتحن الإنسان. وعلاجه لن يكون بتدخل إلهي، بل سيكون من صنع الإنسان نفسه. وهذا ليس تجديفاً بقدرة الله، لأنه، وبتقدير منه ورضى، هو الذي غرس في الإنسان قوَّة العلم ليكون سبباً في نشر مرض، وسبباً في ابتكار علاج لهذا المرض.
لن يكون الفايروس كورونا سبباً في نهاية الكون. بل عليه أن يشكل السبب، أمام البشر، ليصرخوا في خبايا هذ الليل الطويل، ويدعوا للثورة في وجه ناشر الفايروس، إذا صدقت التقارير بأن هناك من نشره، لكي يكفَّ عن فعلته الشنيعة، وفي وجه من لا يرى الحقيقة أن يُقلع عن صمته المريب.
لقد جمع الخوف من انتشار وباء كورونا كل البشرية لأنه يحصد حياة عشرات الآلاف من البشر. ولكنها لم تقف خائفة أمام مشاهد مآس أخرى كانت أشد هولاً، وفظاعة مما فعله كورونا. تلك الفظاعات أدَّت إلى موت الملايين في الحروب، وإلى تشريد عشرات الملايين منهم. وإذا كان كورونا قد وحَّد العالم لمكافحته، وهذ ما يجب أن يكون، فلماذا لم يوحِّدهم الخوف من تلك الحروب واستنكار نتائجها الرهيبة التي تشنها فيروسات الرأسمالية والصهيونية؟
لماذ لم يفزع العالم عند ما تتعرَّض له قضايا أمتنا العربية التي أصبحت وقوداً لتلك الحروب، حروب الجشع الرأسمالي الذي لا يعرف إلى الشبع سبيلاً. يموت العربي ويُهجَّر بتكنولوجيا الرأسمالية الغربية. يموت المسلم بيد مسلم إرهابي جاهل، وبرصاص غربي متآمر. طاحونة الموت والتهجير دارت ولا تزال تدور منذ أكثر من قرن من الزمن، وذهب ضحاياها ملايين العرب موتاً وتهجيراً. ووصل السكوت درجة ظهرت فيه الأكثرية العظمى من شعوب العالم أنها لم تسمع بأن هناك وطناً عربياً يتعرض للذبح على أيدي أشد فيروسات الحروب الرأسمالية فتكاً.
إن فيروس كورونا شغل العالم من أقصاه إلى أقصاه لأنه يهدد الأمن الصحي للعالم كله. ولأنه كذلك، نناشد هذا العالم بأن يُدرك أن تهديد أمن وطننا العربي لا يهدد العرب وحدهم فحسب، بل يهدد أمن العالم كله أيضاً، واستغلاله من أجل ثرواته، هو أنموذج لصور الاستغلال الذي ستتعرَّض له شعوب دول العالم النامية كلها، والتي لن تنجو منها الدول القوية الأخرى أيضاً. ولذلك، كما أجمع العالم على مواجهة كورونا كوباء بيولوجي يهدد الأمن العالمي، عليه أن يُجمع على مواجهة أوبئة الرأسمالية والصهيونية، التي تخطط لاستعباد البشرية كلها بواسطة قوتها المالية والاقتصادية والفكرية والعسكرية.

ليست هناك تعليقات: