عرض كتاب
(تهافت الأصوليات الإمبراطورية)
(الحلقة الثانية 2/ 4)
(الفصل الثالث والرابع)
الفصل الثالث
تهافت الأصوليات الإمبراطورية
واستطراداً، وعن
المرحلة الأولى يتابع الباحث رصده لتهافت المشاريع النيوإمبراطورية الأخرى، وفي
الفصل الثالث يؤسس الباحث لتعريف مصطلح المفهوم الإمبراطوري، فيجد أن (مفهوم
الإمبراطورية، بشكل عام، هي دولة تظهر في تطورها بشكل كتلة رئيسية حاكمة تضم
وتُخضع لسيطرتها عقب فتح مظفر، قبائل وشعوباً. أي معناها العام هي سيطرة شعب على
شعوب أخرى).
إذا كان المفهوم
الإمبراطوري يفصح عن نفسه مباشرة بأن البقاء للأقوى مادياً بشكل عام وعسكرياً بشكل
خاص، فإن الأممية السياسية هي مفهوم إمبراطوري حديث لا يميز أهدافه عن مفهومه
القديم بشيء إلاَّ أنه يتحصَّن وراء إيديولوجيات دينية أو فلسفية.
ومن داخل هذه
الدائرة انقسمت الأممية السياسية إلى تيارين عريضين: تيار المفهوم الإمبراطوري
الديني، والتيار الإمبراطوري المادي.
وعن التيار
الإمبراطوري الديني يتوصَّل الباحث إلى أن التيارات الدينية السماوية تتساوى
بالدعوة إلى النزعة الإمبراطورية، بما تغرس في نفوس أتباعها من عوامل التعصب،
والدعوة إلى بناء أنظمة سياسية دينية على مقاييس تعاليمها وتشريعاتها. ومن أجل
البرهان على ذلك، يرصد الباحث النصوص الدينية عند تلك الأديان التي تصر على أنها
تشكل خشبة الخلاص للبشرية كلها من جهة، وتصر على بناء أنظمتها الدينية الخاصة
وترفض فيها المشاريع الدينية الأخرى.
وأما عن المشاريع الإمبرطورية السياسية،
فيرصد الباحث واقع الدعوة الأممية الماركسية. من حيث أنها تنهي التاريخ عند
حدودها، ويعلن ماركس أن (الشيوعية هي نهاية التاريخ الحقيقي، وستتلاشى
الرأسمالية). وعن تهافت مشروعها السياسي يقدِّم برهاناً ما آل إليه مصير الاتحاد
السوفياتي في العشرية الأخيرة من القرن العشرين. ويعرض الباحث، استناداً إلى ما
كتبه الرئيس غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفياتي. وهو الرئيس الذي قوَّضت كتاباته
أسس الاتحاد السوفياتي، وخاصة عندما أعلن في كتابه (بريستوريكا) أنه لا سبيل إلى العيش، في بلد متعدد القوميات، دون
وسيلة للتفاهم. وأن «كل ثقافة قومية هي قيمة كبيرة لا يُعقَل أن تضيع. ولكن
الاهتمام الجدّي بكل ما هو قيم في الثقافة القومية، يجب ألاّ يتحول إلى النزوع نحو
الانعزال عن العملية الموضوعية للتفاعل والتقارب بين الثقافات القومية». أما بالنسبة للعلائق القومية بين أبناء
القوميات المتعددة الذين يشتركون في دولة واحدة، فيراها غورباتشيوف من زاويتين:
-الأولى
تقوم على سيادة روح الاحترام المتبادَل بين ممثلي القوميات المختلفة.
-أما
الثانية، فتتم معالجة العلاقات على قاعدة تعزيز العملية الديموقراطية من جهة،
والعمل على تعزيز التعايش الأممي بين شعوب القوميات المختلفة من جهة أخرى.
وعن أسباب تهافت الأصوليات الرأسمالية، عزاها الباحث إلى سببين، وهما:
وعلى الرغم من كل
الادعاءات و الأطروحات، التي يروجها دعاة عولمة الاقتصاد، لا يزال عالمنا اليوم
يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة، تمثلت في تدني مستويات الدخل وارتفاع عدد
الفقراء والعاطلين عن العمل، وارتفاع حجم ديون الشعوب النامية والدول غير
الصناعية.
أما الادعاء بأن
العولمة قد أنهت الحرب الباردة وحققت السلام فهذا مجرد هراء. لقد ربط
جامع مشترك بين مروجي العولمة، على صعيدي العولمة الدينية والمادية، هو القفز فوق
الحدود القومية الجغرافية والسيادية. وكلاهما يرى أن مصالحه تقتضي هذا الإلغاء،
فالقومية بشرائط قيامها وتكوينها تُعتبر حاجز يحول دون التوسع الإمبراطوري.
ولهذا اتفق
الجميع ضد الدعوة القومية، بحيث كانت الفكرة القومية، ولا تزال، عرضة للنفي
والإنكار من تيارات الفكر الديني.
فقد تبنى الإخوان المسلمون والتيارات
الإسلامية الأخرى، موقفاً عدائياً منذ البداية تجاه الفكر القومي والوحدة العربية.
واستعان بسيل من الآيات القرآنية المقتلعة من سياقها، وقام بتأويلها أيديولوجياً
بما يخدم خطابه الإسلامي في موقفه العدائي من الفكرة القومية. ووفَّر لنفسه طريقاً
تتجنب مسالك الجدل والحوار العقلاني في سبيل اجتذاب أعداد متزايدة إلى صفوفه
ومحيطه. وأرغم القوى التقدمية على تجنب وصف نفسها بالعلمانية على الأقل. لكن هذه الوضعية أخذت في التغير مع بروز
المتغيرات الدولية أواخر الثمانينات من القرن الماضي. ساهما في تعديل بعض مفردات
الخطاب الإسلامي حول العروبة والديمقراطية.. ولم تعد غالبية الحركات الإسلامية
ترفض الاعتراف بحقيقة الأمة العربية الواحدة دون أن تتنازل عن دعوتها للوحدة
الإسلامية.
كما تبنى أصحاب «نظرية ولاية الفقيه» المفاهيم الأممية
ذاتها، وعملوا على تصديرها إلى خارج مركزية الدولة الإيرانية الأم الحاضنة لها.
وتشكل أممية «ولاية الفقيه» محتوى إيديولوجياً شيعياً تعود أصوله إلى الدولة
الصفوية في إيران التي قامت في القرن السادس عشر.
أما على صعيد
الإمبراطوريات المادية، شيوعية كانت أم رأسمالية، فترى أن الحدود القومية تشكل
عوائق تقف في وجه نزعاتها التوسعية.
فالماركسية أدلجت
موقفها بإضفاء صبغة الشوفينية على القوميات.
أما المبدأ
الرأسمالي، فيعتبر الحدود الجغرافية والسيادية للقوميات عائقاً يحول دون دخول
السلعة الرأسمالية بحرية، وخروج عائداتها بحرية أيضاً.
فخطر العولمة هو
انتصار التكنولوجيا على الأيديولوجيا، والذي نفهمه بأنه انتصار اقتصاد تحكمه قيم
السوق.
ويتوصَّل إلى نتيجة في آخر الفصل الثالث، مسجِّلاً: (لا عولمة للقضايا، في المفهوم الإمبراطوري الديني والرأسمالي،
من دون إلغاء الحدود الجغرافية والسيادية للقوميات)؛ وهذا ما يؤدي إلى تقويض أسس
المبادئ الحديثة التي نصَّت على حق الشعوب بتقرير مصيرها.
الفصل الرابع:
(تهافت مشاريع الإمبراطوريات
الدينية)
واستكمالاً،
لبراهينه على تهافت الأصوليات الإمبراطورية، وبعد أن ثبت انهيار المشروع
الإمبراطوري السوفياتي. وبعد تراجع مشروع القرن الأميركي الجديد إثر هزيمته
العسكرية في العراق. أفرد الباحث الفصل الرابع لاستكمال المرحلة النقدية، وذلك
لدراسة الأصوليات الدينية الإسلامية، الإخوان المسلمون، وولاية الفقيه. وهي
الأصوليتان اللتان عرفتا نمواً ملحوظاً في ظل انهيار الأحلام الإمبراطورية
المادية. وأصبحتا كأنهما يمثلان المنقذ الأخير للعالم.
وللبرهان
على صحة هذه الفرضية، فقد تناول الباحث الأصول التاريخية للصحوة الإسلامية، كمقدمة
لبحث المشروعين السياسيين الأممين، مشروع الإخوان المسلمين الذي تتزعمه الآن
الدولة التركية. ومشروع ولاية الفقيه الذي تتزعمه الدولة الإيرانية.
وإذا
كان لا بُدَّ من تتبع تفاصيل المشروعين، يمكن القارئ أن يعود للفصل الرابع
المذكور، ليواكب من خلاله الأيديولوجيا الدينية لكل مشروع. وبالتالي، وعلى الرغم
من تعاونهما في مرحلة ما قبل العام 2009، من أجل إسقاط مفهوم الدولة القومية
المدنية؛ وعلى الرغم من تعاونهما مع المشروع الأميركي بشكل خاص كوسيلة من وسائل تذاكيهما
على الرأسمالية الأميركية باستخدام التحالف معها من أجل إسقاط الدول العلمانية
(الكافرة) للانقلاب عليها في ظروف وتوقيتات لاحقة؛ عقد الباحث جزءًا من الفصل
الرابع ليحدد عوامل التناقض بينهما في النهاية والتي بسببها سيجران العالم إلى
حروب دموية دينية تجري بينهما أولاً، وبينهما وبين المشروع التلمودي للصهيونبة
ثانياً. وأما النزاعات بينهما فستجري حول الخلاف على قواعد مفهوم الخلافة
الإسلامية، حسب النص والوصية كمفهوم شيعي، أم بالعودة إلى مفهومها التي أرساها عهد
الخلفاء الراشدين. تلك النزاعات ستتواصل بينهما على قواعد التكفير والتكفير
المضاد، وهو ما فرز له الباحث مقطعاً معلَّلاً بنصوص المشروعين.
وبالنتيجة
الأخيرة يتوقَّع الباحث أن يتهافت المشروعان لما يحملانه من أحلام إمبراطورية تؤدي
إلى خنق حق الشعوب بتقرير مصيرها أولاً، ولأنه يحمل في جوهره مشاريع حروب مقدَّسة
بين المسلمين أنفسهم لم تخمد نارها منذ أكثر من ألف وأربعماية سنة، بل تزداد
لهيباً وخطورة لأن التكنولوجيا العسكرية الحديثة ستحصد الأخضر واليابس عند
أنصارهما وأتباعهما. ومن جهة أخرى سوف تعيد مظاهر وواقع الحروب الصليبية على
المستوى العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق