الجمعة، أبريل 02، 2010

لماذا حزب البعث؟ (1)

-->
لماذا حزب البعث؟
حزب البعث ضرورة فكرية ونضالية
وحاجة وطنية وقومية وحدوية
(وجهة نظر في تحليل الأسباب والمراحل)
المرحلة الأولى
الوعي السياسي ضرورة وحاجة للتغيير
بانتقال المحكوم من دور الولاء للحاكم
إلى دور مراقبته ومحاسبته
تمهيد
الوعي السياسي حاجة أساسية في عملية تغيير ما أصبح فاسداً، أو ما لايتناسب مع مصلحة الأفراد أو المجتمع، أو ما أصبح يشكل عائقاً دون تطوير الحياة الاجتماعية. ولأن الإنسان الذي يريد أن يغِّيِّر عليه أن يعرف ما يريد تغييره، وكيف يمكنه تغييره، ومعرفة الوسيلة الأفضل للتغيير؛ فعملية التغيير إذن هي عملية معرفية، تتضافر فيها ثنائية، التشخيص والعلاج، أي هناك حاجة لتعريف حديها:
-تشخيص الموضوع الذي ستطوله عمليةالتغيير.
-ومعرفة الوسائل والمقاييس التي ستُعتمد بعملية التغيير.
قد يشعر الإنسان بوطأة المشكلة، ولكنه غالباً ما يكون عاجزاً عن تشخيص أسبابها، وبالتالي سيكون عاجزاً عن وضع الحلول لها وتحديد وسائل تغييرها. فوعي أسباب المشكلة ووسائل علاجها شرط أساسي في عملية البدء بحلها. وهذا ما نسميه بالوعي السياسي. فالفقير، مثلاً، يشعر بوطأة الحاجة. وإذا كان لا يستطيع معرفة سبب فقره، فيستسلم إلى مقولة غيبية تدعو الفقير للصبر على فقره، لأن الغنى والفقر، كما يعتقد، هما عطيتان من الله. أما إذا كان يمتلك وعياً سياسياً لواجباته وحقوقه كفرد في جماعة، أو كمواطن في دولة، فسيعرف أن سبب فقره هو أنه لا يجد عملاً يحصل منه رزقه. وإن فقدان فرصة العمل يعتبر إهمال من الحاكم، ولأنه شارك في اختيار الحاكم، فإنما على شرط أن يسوس شؤون المواطنين، ومنها توفير فرص العمل لهم. وعليه أن يعي أيضاً أنه إذا كان من واجباته أن يخضع لقوانين الدولة وتشريعاتها، فإنما له حقوق على الدولة ومن أهمها أن تضمن له حياة كريمة، ومنها توفير فرصة عمل له. كما أن من حقوقه أيضاً أن يراقب الحاكم ويضعه تحت سقف المساءلة، وهذا الحق يضمن له حرية الاحتجاج ورفع الصوت. وهكذا دواليك.
ولأن مجتمعنا مليء بالمشاكل، وهناك حاجة لوضع الحلول لها. ولن يتصدى لتغيير الواقع الفاسدإلاَّ المتضررون منه، جاءت الحاجة إلى وجود الأفراد، وبالتالي الجماعات، الواعين لهذا الواقع.
ولأن الأمية والجهل هما من المشاكل المتفشية والمزمنة في مجتمعنا العربي، كان لا بد من تعميم الثقافة والوعي، على الأقل بين النخبة من الأفراد والجماعات، لتقوم بمهمة تغيير الواقع الفاسد. وبناء عليه، تبتدئ تلك العملية من كون الإنسان عضواً في أصغر خلية اجتماعية، وتنتهي بدوره كعضو في دولة.
مفاهيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في تطور متصاعد
ابتدأت بعلاقة الولاء والخضوع وانتهت بعلاقة الرقابة والمساءلة
1-مفهوم السياسةالتقليدية:
قبل نشأة الدولة الحديثة، كان الفرد في الماضي رقماً ملحقاً بشيخ العشيرة أو القبيلة، وانتقلا معاً إلى دور الملحق بالأمير أو الملك أو الإمبراطور... وفي عصر الإقطاع أصبح مالك الأرض واسطة العقد بين رأس الدولة ورعاياه، يحكم باسمه ويستمد سلطته من رضاه، لقاء تأدية عائدات منتجات الأرض، وتوفير العدد الكافي من العسكر والجنود لحماية الإمارة أو المملكة أو الإمبراطورية.
ذلك الواقع أنتج ثنائية العلاقة بين الحاكم والمحكوم بما يُعرَف بعلاقة (العبد بالسيد)، السيد الذي يأمر والعبد الذي يطيع، بما فيها سلطة السيد الذي يمتلك حق التصرف ليس بجهد العبد فحسب، وإنما التصرف بحياته أيضاً.
وإذا كانت الأديان السماوية قد تقدمت خطوة على طريق تحرير الإنسان من عبودية الإنسان، فإنما جاءت لتكبله بقيود الطاعة والإذعان لأولي الأمر، وذلك بأنها أضفت صفات القداسة على موقعهم وبالتالي على أوامرهم وإرشادهم. ومن أهم الأقوال التي تدل على ذلك: (طاعة المرشد أو أمير الجماعة هي طاعة الله)، و(رأس الكنيسة هو ممثل الله على الأرض)، و(الراد على الإمام كالراد على الرسول والراد على الرسول كالراد على الله).
إن هذه النماذج، تؤكد على إنتاج أسس للمعرفة (التواكلية) التي سادت، ولا تزال تسود بين أوسع الشرائح الشعبية في مجتمعنا العربي. كما هي تمثل معرفة الاستسلام لأوامر الحاكم.
وبتأثير من معرفة التواكل والاستسلام، ورثنا تقليداً من أجدادنا وآبائنا يتضمن النصح بالابتعاد عن التدخل بالسياسة تحت ذريعة أنها تشكل (وجعاً للرأس)، والدعوة للابتعاد عن التصادم مع الحاكم على طريقة (اليد التي لا تستطيع أن تعضها، فقبلها).
وبتطور المعارف الفلسفية التي تدعو لحرية الفرد، ارتقت معها القوانين والتشريعات السياسية التي تضمن هذا الحق. وبمثل هذا التطور ابتدأ العصر الحديث منذ ما يقارب القرنين من الزمن. وتعود بداياته إلى ما عُرف بـ«الثورة الفرنسية» التي حققت نصرها على الملكية في العام 1799. وتُعتبر تلك الثورة فترة التحولات الكبرى في التاريخ السياسي والثقافي التي بدأت في فرنسا وعمَّت أوروبا وانتشرت في العالم. وكان من أهم مبادئها انطلاق صيحة الحرية والمساواة.
أما على مستوى الواقع العربي، بشكل عام، فإننا وإن كنا نعيش في عصر الحداثة وحقوق الإنسان ومن أهمها احترام حقه بالتفكير والقول ومساءلة الحاكم ومحاسبته ونقده، إلاَّ أننا ننتمي معرفياً إلى عصر يعود إلى أكثر من قرن من الزمن. وهذا ما يؤكد أننا ننتمي إلى الحداثة والمعاصرة بالشكل الحضاري المادي، وليس بالعصر الثقافي المعرفي. والدليل على ذلك أن عصر التواكلية المعرفية والاستسلام المعرفي لا يزالان منتشرين على الأنموذج ذاته التي عاش فيها أجداد آبائنا.
وإنا إن كنا نختار التغيير، على ضوء متغيرات عصرنا المعرفي والحقوقي، سنقوم بإطلالة سريعة على مفهوم علاقة الدولة الحديثة بالمواطن، أي على علاقة الحاكم بالمحكوم.
2-المفهوم الحديث للسياسة:
يقوم مفهوم الدولة على عقد اجتماعي بين حاكم ومحكوم، يكلف فيه المحكوم الحاكم بسياسة شؤونه، ولأن مفهوم الدولة هو مفهوم حديث، فقد انتقلت العلاقة بين الحاكم والمحكوم من ولاية الأمر بالمفهوم التقليدي، أي التواكلية والاستسلام، إلى علاقة الحرية بالاختيار والحق بالمراقبة والمحاسبة.
إن مصطلح السياسة مشتق من فعل «ساس»، وهي لغوياً تعني «عالج الأمر ودبَّره، وساس أمور الناس تولى رياستهم وقيادتهم»، و«ساس الأمور، أي دبَّرها وقام بإصلاحها». وفي الشأن العام للبشر، يُطلب من الحاكم إدارة شؤون الدولة، أي الشؤون ذات العلاقة بمصالح المواطنين بما يعود بالخير عليهم. ومن أهم أهداف هذه السياسة توفير أسس العدالة والمساواة بين المواطنين. فوظيفة الحاكم/ السائس إذن أن يكون في خدمة المواطنين.
لكن إذا أخفق الحاكم في وظيفته، ولم يستطع أن ينجح فيما أوكل إليه، ضمنت سلة الحقوق للمواطن حقه في محاسبة الحاكم. وإذا سكت عن تقصير الحاكم في أداء واجباته، يصبح كمن يتحمل مسؤولية التقصير تجاه حقوقه وحقوق غيره من المواطنين. وتزداد مسؤولية المواطن في التقصير كلما ازداد وعيه السياسي.
ومن ذلك نستنتج أنه لا طاعة لحاكم لا يسوس شؤون الناس بالعدل والمساواة، وعليه أن يتنحى عما انتدب نفسه لأجله، أو أن تتم إقالته وعزله بفعل الحق الذي اكتسبه المواطن عبر قرون من النضال التي قامت بها النخب المفكرة، من فلاسفة ومفكرين وأدباء وسياسيين...
وعلى الرغم مما عرفته مسيرة المعرفة البشرية من تقدم ومتغيرات في تعميق حقوق الإنسان، إلاَّ أن الطبقة الحاكمة لا تزال تعمل على إنتاج مفاهيم سياسية، تليها تشريعات وقوانين، تلائم مصالحها الطبقية. كما تعمل من أجل إنتاج معرفي تقوم بتعميمه ونشره شعبياً لتضمن استمرار خدمة مصالحها بأثواب الشرعية والقانون. وهذا الأنموذج نجده السائد الأكبر في معظم دول العالم إن لم يكن فيها كلها.
إن الإشارة إلى هذا الواقع، يدعونا ليس إلى المطالبة بتحديث أسس سياسة الدولة وإصلاحها فحسب، وإنما إلى مفهوم الثورة في السياسة أيضاً.
3-المفهوم الثوري للسياسة:
ليس النشاط السياسي حقاً للمواطن فحسب، وإنما هو واجب أيضاً. كما أن العمل السياسي لا يجوز أن يبقى حكراً على الطبقة الحاكمة بحيث ينتقل الحكم بالوراثة داخل الطبقة الواحدة.خاصة أن طبقة الأغنياء والموسرين وكبار التجار والاقتصاديين بمواقعهم الطبقية، مباشرة أم بالواسطة، تنتج باستمرار، المفاهيم السياسية والاقتصادية وتشريعاتها وقوانينها لتضمن مصالحهم وتؤمن عليها.
صحيح أن مفهوم الدولة في الأنظمة الحاكمة في معظم دول العالم بشكل عام، وفي الأنظمة الرسمية العربية بشكل أخص، يقوم على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتلك العلاقة تتأسس على قاعدة أن يقوم الحاكم بالسهر على خدمة المحكوم، لكن الهوية الطبقية للحاكم لا تسمح بتطبيق تلك المعادلة على وجهها السليم. فهناك اختلال بالعلاقة استناداً للخلل في الهوية الطبقية. كما انقسام المجتمع إلى طبقة من الأغنياء ومن الفقراء، يقوم الغني بالهيمنة على حقوق الفقراء، كذلك هناك هوة سحيقة بين الحاكم والمحكوم، كما هو الواقع، فالحاكم لا يمثل الطبقة الفقيرة بل يصل إلى الحكم من ينتمي إلى طبقة الأغنياء أو من يمثل مصالحهم. وهذا الواقع يدفعنا أحياناً إلى الاستنتاج بأن الحركة الإصلاحية في التغيير لن تأتي بنتائج، بل لا بد من وسائل ثورية على صعوبة توفير ظروفها ومستلزماتها.
أما الحركة الإصلاحية، وهي الأسلوب الأكثر واقعية، فستكون نتائجها محدودة جداً، لأن أي إصلاح ستقوم به الطبقة الحاكمة تحت ضغط شعبي مطلبي، سيبقى يصب في طاحونة الطبقة الاجتماعية التي تمثلها. ولن تؤدي إلاَّ إلى إصلاحات جزئية لمصلحة الطبقات الفقيرة.
ولهذا وإن كان السقف الأعلى من حركة التغيير هي المطلوبة إلاَّ أن العمل بما هو ميسور يبقى الأكثر واقعية، لكن على أن لا ينسى المنخرطون في عملية التغيير السقف الأعلى.
4-العمل السياسي الثوري حاجة وضرورة للطبقات التي يقع عليها الاستغلال.
من مصلحة الطبقة الحاكمة، بانتمائها الطبقي المنحاز للأغنياء والموسرين، أن تبقى الطبقات الشعبية بعيدة عن ممارسة العمل السياسي، وإذا سمحت لها بذلك فعلى أن لا يتعارض عملها مع الإيديولوجيا التي توجِّه مسار الحكم أو من تنوب عنه.
لكن على الطبقات المتضررة، خاصة النخب الأكثر وعياً في داخلها، أن تعمل على نشر الوعي السياسي لحقوق المواطنين. أما الطبقات المتضررة فيمكن تصنيفها إلى عدد من الشرائح حسب طبيعة موقعها في عملية البناء الاجتماعي الوطني، على الشكل التالي:
-طبقة العمال والفلاحين.
-صغار الكسبة والمهن الحرة.
-صغار الموظفين وذوي الدخل المحدود.
-الطلبة والشباب.
-المثقفون الثوريون.
أما وسائل النضال المتاحة لهذه الطبقات، فهي تقوم على قاعدة التجمعات المهنية، وخاصة منها النقابات المهنية للعمال والفلاحين كل منها حسب تجانس اختصاصها. ونقابات الموظفين كالأساتذة الجامعيين والثانويين والمعلمين الابتدائيين في القطاع الرسمي العام. ويليها نقابات المعلمين في الجامعات والمدارس الخاصة.
ويأتي في السياق عينه نقابات أصحاب المهن الحرة، كالمحامين والمهندسين والأطباء...
وتلعب الأندية، والتجمعات النسائية والشبابية والطلابية والجمعيات الثقافية والرياضية والاجتماعية دوراً مهماً في التوعية والإرشاد.
أما عن وسائل النضال فهي عديدة ومتنوعة، ومن أهمها اللجوء إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. كما تعتبر التظاهرات والندوات والبيانات من تلك الوسائل.
وقد يكون الأكثر تأثيراً على النخب الحاكمة هو موسم الانتخابات النيابية، التي بدلاً من أن تكون سوقاً لشراء الأصوات وبيعها، يجب الاستفادة منها في ضغط حقيقي على المقصرين والمتلاعبين بإرادة الشعب ومصالحه الحقيقية.
وقبل هذا كله على كل المنخرطين في تلك النقابات والتجمعات أن يحافظوا على مهنية أهدافها والابتعاد بها عن محاولات احتوائها من قبل أحزاب الطبقات الحاكمة، أو الداعمة لها، منعاً لاستخدامها في تقوية نفوذ تلك الأحزاب التي صُمِّمت على مقاييس مصالح طبقة الحكام أو من يمثلونهم.
وإذا كان الوعي السياسي للفرد مطلوباً كمدخل لا بدَّ منه إلى عملية التغيير، فإن الجهد الفردي يبقى ضعيفاً، إذا لم يكن عاجزاً، في القيام بعبء مهمة متعددة الزوايا والأشكال، وعلى غاية من التعقيد والصعوبة، فإن تضافر جهود الجماعية تبقى الحلَّ المطلوب.
وهذا الأمر سيكون موضوع المرحلة الثانية من الدراسة. والتي ستكون بعنوان:
(الانتقال بالعمل السياسي من دور الفرد إلى دور الجماعة).
-->

ليست هناك تعليقات: