الثلاثاء، يونيو 19، 2012

المبادرة الروسية لبحث الأزمة السورية

-->
المبادرة الروسية لبحث الأزمة السورية
مشهد من فنون المبارزة الدولية لتقسيم الوطن العربي إلى مناطق نفوذ
في 19/ 6/ 2012     حسن خليل غريب/ كاتب وباحث من لبنان
جاء المقال رداً على سؤال موجَّه من مركز الدراسات العربي الأوروبي: (ما هي أهداف المبادرة الروسية الرامية إلى عقد مؤتمر دولي لبحث الأزمة السورية؟).
وهذا نص المقال:
إذا كان الوطن العربي بشكل خاص، وجواره الجغرافي من الشرق والشمال بشكل عام، يشدان أنظار دول الجوار الأوروبي منذ الزمن القديم، والولايات المتحدة الأميركية منذ التاريخ المعاصر، وأما السبب فيعود إلى ما تختزنه هذه المنطقة من مميزات استراتيجية إقتصادية وعسكرية وسياسية، أثبت التاريخ أن من يهيمن عليها يمسك بأكثر من ورقة قوة في مواجهة القوى الأخرى. وقد جرَّ تسابق القوى الأوروبية منذ قرون إلى صراعات وحروب. وما يزال المشهد يتكرر في تاريخنا المعاصر عندما كانت أنظار المعسكرين: الرأسمالي الممثَّل بالولايات المتحدة الأميركية، والاشتراكي الممثَّل بالاتحاد السوفياتي سابقاً. ولما سقطت التجربة السوفياتية وسقط معها النظام العالمي الذي يحكم العالم بقطبيتين، كادت الولايات المتحدة الأميركية، منذ احتلال العراق، تسيطر على المنطقة بفعل استفرادها بحكم العالم. ولكن لما استعاد القطب الآخر عافيته تحت صيغة القوة الروسية بزغ في أفق النظام الدولي احتمالات جديدة تمثَّل بالخوف الروسي، معتمداً على الخوف الصيني من وصول الزحف الأميركي إلى عتبات روسيا والصين. وقد ازدادت تلك المخاوف بعد الأزمة السورية، خاصة أن حاسة الشم لديهما لم تستشعر بأن ما يجري في سورية هو مجرد صراع يدور بين شعب يريد إسقاط نظامه من أجل الديموقراطية، وقوى غربية تقدم الدعم للمعارضة السورية من دون حدود لأنها تريد إسقاط الديكتاتورية.
إن الحسابات الاستراتيجية للقوى الدولية المتصارعة لا تضع في حساباتها مصالح شعوب المنطقة، وإنما تضع حسابات مصالحها قبل أي شيء آخر. فحاسة الشم الاستراتيجية عند المحور الروسي الصيني التقطت روائح غربية عامة، وأميركية خاصة، تهدد مصالحها وتعمل على حصارها عسكرياً وأمنياً واقتصادياً. وازدادت مخاوف المحور المذكور من أن إسقاط النظام في سورية، ليس إسقاطاً لنظام ديكتاتوري، بل هو إسقاط لآخر قاعدة سياسية وجغرافية ترتبط معهما باتفاقيات ومعاهدات تضمن مصالحهما في المنطقة.
لكل ذلك، وفي معرض جولات الشد والجذب بينهما على صعيد مجلس الأمن، يشتم المراقب والمتابع أنهما لن يصلا إلى اتفاق يراعي مصالح الجميع، بل لا بُدَّ من حسم الأزمة لمصلحة أحد طرفيْ الصراع: النظام والمعارضة. فالمعركة الروسية تدور على حماية نهج النظام المرتبط معها بمعاهدات، وهي لا تطمئن إلى نهج المعارضة المرتبطة مع الغرب بوعود من أهمها تنفيذ شروطه التي ربطها بتقديم الدعم والإسناد لها. والمشهد المعاكس صحيح فإن الغرب لن يطمئن إلى إعادة تعويم النظام لأن إعادة تعويمه هو حصد القطيعة معه كلياً.
أما عن موقفنا من الدعوة الروسية إلى عقد مؤتمر دولي لبحث الأزمة السورية، فبرأينا أنه لن يؤدي إلى أي نتيجة، بل نعتبره أحد أدوات ووسائل الصراع الدولي الذي يلعبه الروس في مواجهة المؤتمرات العديدة التي يرعاها الغرب تحت عنوان (أصدقاء الثورة السورية).
ولأن ترابط قضايانا العربية بالعجلة الدولية هي حقيقة وواقع لا مردَّ له، فنرى أنه من أجل الحفاظ على مصالحنا علينا أن لا نربطها بعجلة الخارج من دون قيد أو شرط أولاً، ونرى ثانياً أن المحافظة على تلك المصالح على أساس تلك القاعدة تجعلنا من مؤيدي ودعاة الثنائية والثلاثية القطبية في نظام عالمي جديد سيقوم على أنقاض الحلم الأميركي الذي نامت على حريره الإدارات الأميركية لعشرين سنة تقريباً.
وبالعودة إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب فهو ما يطمئننا لأن ثورة 23 يوليو المصرية، وثورة 17 30 تموز العراقية، استطاعتا أن تؤسسا مفهوماً وواقعاً لدولة مستقلة بقرارها تحت خيمة حماية دولية سوفياتية وصينية. ولنا في تجربتهما التاريخية ما يريح أعصابنا ويطمئننا من مخاوف ومخاطر نظام حكم العالم بأوحدية قطبية.
وأما عن نتائج ما سوف تسفر عنه المواجهات الدولية حول الأزمة السورية، فله مقام آخر وتحليل آخر.


ليست هناك تعليقات: