لأن أدعياء
حماية المذاهب أصبحوا (حاميها حراميها)
الشعب
العراقي يثور حتى إعادة الحكم الوطني للعراق
لا شك بأنه في
تحويل النظام السياسي إلى نظام المحاصصات الطائفية، مقتل للوحدة المجتمعية في
الوطن الواحد. كما فيه مقتل لمبدأ الكفاءة في شغل المواقع السياسية والاجتماعية
والإدارية والعلمية.
كما أنه لا شك في
أن نظام (العملية السياسية) التي ركَّبها الاحتلال الأميركي تحول إلى نظام
المحاصصات الطائفية. وقد بارك النظام الإيراني تلك العملية، ونالت موافقة الأحزاب
الطائفية العراقية التي تم تشكيلها بعد احتلال العراق. ومن بين أهم تلك الأحزاب
نذكر:
-حزب الدعوة الشيعي،
ومجموعة من المجالس الطائفية التي تحوَّلت إلى ميليشيات يستأثر زعماؤها بالسلطة.
وهؤلاء فرضوا أنفسهم بقوة الميليشيات التي أسسوها.
-الحزب الإسلامي العراقي السُنِّي، الذي لم يحظ بما كان يحلم به من وصول نخبه إلى السلطة على الرغم من أن
زعماءه تسلقوا الكثير من المواقع، ولكن رجحان الكفة لجانب حزب الدعوة بمساعدة
إيرانية، حرم نخب الحزب الإسلامي من أي قوة ميليشياوية تساند مواقعه في نظام
المحاصصة، فأصبحوا هم الحلقة الأضعف في بنية (عملية الاحتلال السياسية).
وبين هذا الحزب
وذاك، تسلَّقت مجموعة من السياسيين إلى مراكز السلطة، وكانوا من الذين لم تكن
كفاءاتهم تؤهلهم لشغل أي موقع من المواقع السياسية والعسكرية والإدارية.
في بداية الاحتلال،
ولضحالة الثقافة السياسية، أو لغيابها عن مداركهم، حسب الكثيرون من العراقيين أن
نظام العدالة قد بدأ منذ وطأت أرجل رجال الدين، أو النخبة من طوائفهم، كراسي
السلطة. أي أنهم حسبوا أن حقوقهم كانت مأكولة من قبل النظام السابق لأسباب طائفية،
واطمأنوا إلى أن تلك الحقوق سيعيدها إليهم الحكام الجدد من أبناء جلدتهم المذهبية،
فانحازوا إليهم ومحضوهم تأييدهم، واختاروهم في انتخابات صورية كانت من صنع
الاحتلال وحسب شروطه.
مرَّ العام تلو
العام، وتبدَّلت الوجوه الحاكمة، والعراقيون كانوا بانتظار أن يظهر الفرج. ولكن
الفرج كان بعيد المنال، وكان الوضع يسوء كل عام أكثر من العام الذي سبقه. ولم يبق
من الإنجازات الكبرى التي حققها النظام الوطني لمصلحة الشعب العراقي شيئاً لأن
حكام عملية الاحتلال السياسية سرقوا المال الذي كان عليهم أن ينفقوه على تحديث
البنى التحتية. ونام العراقيون على وسادات الوعود الحريرية، ولم يبق من مورد
لمعيشة البعض منهم سوى الرواتب التي كانت تصرفها قيادات الميليشيات على المنتسبين
إليها. ولأن قياداتهم اعتبرت وصولها للسلطة فرصة للنهب والسرقة والتشبيح، راح
المنتسبون بدورهم يمارسون السرقة والنهب والتشبيح أيضاً، وممارسة كل أشكال الفساد.
مرَّ عام وجاء عام
آخر، وحالة العراقيين تسوء، ومن كان من غير القيادات الحاكمة كانت أوضاعهم المادية
بالكاد تلامس حدَّ الكفاف، هذا في الوقت الذي عانى الملايين من العراقيين من حالة
الجوع والموت مرضاً أو خوفاً أو تهجيراً.
كانت موارد العراق
تعد بمئات المليارات، وكانت تلك الموارد يتقاسمها لصوص الإدارة الأميركية، ولصوص
نظام ولاية الفقيه الإيراني، وما تبقى منها كان يذهب إلى لصوص العملية السياسية. وما
فاجأ العراقيين، خاصة المضلَّلين منهم والمراهنين على أدعياء حماية المذهب، هو
إعلان إفلاس خزينة الدولة العراقية في الشهور الأوائل من العام 2015.
كان اللصوص ينهبون
ثروات العراق وينعمون بها، بينما عمَّ الجوع والمرض والموت عند سائر أطياف الشعب
العراقي من دون تمييز بين فقراء مذهب حاكم، أو مذهب محكوم، وفُقدت الكهرباء والماء
والبنى التحتية للصرف الصحي، وشحَّت المدارس، وفُقد الدواء. وباختصار أصبحت دولة
الميليشيات الطائفية مصدراً للإفقار في شتى أشكاله.
وفي المقابل، كانت
فضائح الفساد تتكشف واحدة تلو الأخرى. ومن أشد ما أذهل العراقيين أن طبقة المعممين
كانت تزداد ثراء وغنى فاحشاً. وفاحت روائح فسادهم. وفُقدت عائدات النذور والصدقات
التي كانوا يجمعونها في أروقة العتبات المقدسة، وباسم مرجعياتهم الدينية، وراحت
تنتفخ بها جيوب رجال الدين وممن قرَّبوهم لإدارة مصالحهم.
وإذا كانت حالة
الكفاف مقبولة عند المضلَّلين من أتباع المعممين تحت مبدأ (الرزق من عند الله)، الذي
كان المبدأ الذي يضلل به المعممون أنصارهم، ويدعونهم للصبر على الفقر، لأنه ما على
الفقير سوى الصبر في الدنيا من أجل الحصول على مقعد في الجنة. وعلى وقع أكاذيب
المعممين الذين كانوا يصورون الفقر والصبر على الفقر كأنَّه مفتاح للجنة، راحت أكاذيبهم
تتكشف الواحدة تلو الأخرى. ولأن الجوع كافر لا يحتمل صبراً، ولا يمكن للجائع السكوت
عنه، فأصوات الجائعين ارتفعت من شدة وطأته، فوصل الشعب العراقي إلى حالة الغليان لأن
تلك الحالة كانت أمراً محتماً، فما كان (على الجائع إلاَّ أن يستل سيفه بين الناس)
كما قال علي بن أبي طالب. وكما قال غاندي: (لا يستطيع حتى الله أن يظهر أمام
الجائع إلاَّ بصورة رغيف الخبز).
لقد عمَّ الجوع،
والمرض، وغاب الأمن، كما عمَّ الجهل والأمية عند أبناء الطبقة الفقيرة. وماذا بقي
أمام العراقيين ليفعلوه؟
وهل بقي لهم غير
السيف ليرفعوه؟
وهل بقي أمامهم غير
أدعياء حماية المذاهب ليشهروا سيفهم على رقابهم؟
فأي إله هو هذا
الذي يرزق رجل الدين وينسى الفقراء من العامة؟
وكان المشهد في
العراق إلى ما قبل انفجار الوضع على الشكل التالي:
الفقراء من كل
المذاهب يفتشون عن زاوية في شارع يأوون إليه في زمن التهجير والفقر وانعدام الأمن.
ودواؤهم كان في التفيتش عن (رقية) يضحك بها معمم على مريض ليداوي مرضه.
وأما أدعياء حماية
المذهب، فهم من الديباج المطرَّز يلبسون. وفي القصور الفخمة المسروقة ينامون. وعلى
الوسائد الوثيرة يلقون برؤوسهم. والعتمة ممنوع عليها أن تدخل إلى قواميسهم.
والعلاج يتلقونه في العيادات الفخمة، وفي المشافي في الخارج. والأرصدة الهائلة
تتكدس في حساباتهم في المصارف.
وأما أدعياء
الديموقراطية من الغربيين، وأدعياء انتظار المهدي من الإيرانيين، فهم والغين في
نهب ثروات العراقيين وتضليل الشعب العراقي بدعاياتهم الزائفة. وشركاؤهم من العملاء
العراقيين ليست لديهم مهمة أكثر من حماية مصالح لصوص الخارج ليقتاتوا من فضلاتهم
التي يسرقونها من مال العراق وثروات العراقيين.
وماذا بقي للعراقي
من ثروته؟
فهو جائع في ظل
إهراءات هائلة من الثروات، ولكن ثرواته سائبة يتفق على سرقتها تجار أميركا وإيران،
يساعدهم حفنة من المحتالين ممن لبسوا أزياء رجال الدين، أو ممن حملوا سبحات المذاهب
ولبسوا ثياب التقوى ليخفوا حقيقة لصوصيتهم.
لم يبق شيء يدفع
بالعراقي للصبر انتظاراً لصحوة ضمير ممن لا ضمير لهم، أو ممن يتشدقون بالدين في
العلن وهم ممن لا دين لهم، بل تعمموا ليمارسوا اللصوصية في الخفاء.
لم يبق شيء للشعب
العراقي إلا أن يثور، وقد فعلها. وخرج إلى الشارع كاشفاً في شعاراته كل المزيفين
من داخل العراق والقادمين من الخارج. ومن
لم يسمع منهم حتى الآن بحقيقة هوية كل الضالعين بحماية العملية السياسية، فغداً
سيسلك خط الثورة التي لن تهدأ بغير استعادة العملية السياسية الوطنية وطرد كل من
ساعد الاحتلال أو سكت عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق