على ضوء معركة الموصل
هل المنطقة تقف على أبواب حروب إقليمية؟
إذا كانت المصالح الدولية
دفعت بالدول الكبرى إلى تنفيذ استراتيجياتها في الوطن العربي، فإنها أخطأت طرق
المرور إليها بالقوة والعنف والعدوان وتعميم الحروب الداخلية. إذ كان الأجدى لتلك
الدول أن تمر عبر بوابات القانون الدولي في بناء علاقات مع أقطار الأمة العربية
تحت مظلة تبادل المصالح.
ولأن العكس أصبح القاعدة،
أي أنها سلكت دروب الحرب والعدوان، كان من الواجب على الدول الإقليمية المجاورة
للوطن العربي، ليس أن تنساق مع مخططات
الدول الكبرى، بل أن تحترم حسن الجوار مع العرب. وبحسن الجوار تضمن ليس مصالحها
فقط، بل تضمن مصالح جيرانها العرب، لأن العرب لهم مصالحهم أيضاً، ولا يستطيعوا أن يعيشوا
بعزلة عن دول العالم خاصة بعزلة عن دول الجوار. لذا كان بإمكان دول الإقليم، حماية
لمصالح المتجاورين، أن يضعوا أسساً وقواعد لحماية أمنهم جميعاً في مواجهة كل عدوان
يهدد هذا الأمن. لكنها على العكس من ذلك، فقد خالفت مبدأ حسن الجوار وشاركت الدول
الكبرى في تنفيذ استراتيجيات العدوان والقوة.
لقد كان في مشروع الشرق
الأوسط الجديد ما يسيل له لعاب الدول الإقليمية، فشاركت فيه إيران لأنه يتوافق مع
مشروعها التوسعي، وانساقت تركيا متأخرة خوفاً من حصول التقسيم فتخرج من مولده من
دون حُمُّص. دخل الجاران في متاهات المشروع ولكنهما لم يقرآ ما جاء في خرائطه، أو
أنهما تغافلا عما جاء فيها وهماً بأنهما سينجوان من شراكه.
مع العلم أن نص مشروع
الشرق الأوسط الجديد أكَّد بوضوح أن إيران وتركيا مشمولتان بالتقسيم، وعلى الرغم
من ذلك فقد استجابتا للمشاركة في تنفيذه، سواء أجاءت المشاركة بشكل مسبق أم جاءت بشكل لاحق. وقد بدأ النظام التركي يتحسس رقبته
في تموز من العام 2016 بعد أن أعدَّت الولايات المتحدة الأميركية انقلاباً ضده،
لولا الصدفة التي جعلته ينجو منه. وهذه الواقعة هي التي دبَّت الصحوة عند النظام
التركي، ليقف ناكصاً على ما قام به منذ العام 2011. ولكنه بنكوصه لم يستطع أن
يجاري أميركا بسرعة تنفيذ المشروع. فالنظام التركي لم يستطع إبعاد أميركا عن
احتضانها لمشروع كردستان جديدة في سورية، وفي الوقت ذاته أُغرق بمعركة دفاع ضد ما
يُخطط له في معركة الموصل الدائرة رحاها في هذه اللحظة. إن النظام التركي الآن
غارق بين شاقوفين في سورية والعراق معاً.
وأما النظام الإيراني،
الذي شارك أميركا منذ احتلال العراق بالمؤامرة، فما يزال متجاهلاً، أو متذاكياً،
في أنه كما ورث احتلال العراق من أميركا، سيرث مشروع تقسيم الأقطار العربية في ظل
تخبط الإدارة الأميركية في أزماتها المتواصلة. وإن ما يحثُّه على ذلك هو ما حصل
عليه من مكاسب تمتد من العراق وتصل إلى لبنان فاليمن، ومن أهم تلك المكاسب أنه
يحاصر دول الخليج في أكثر من معبر وبوابة. ولأنه لم يدفع خسائر تُذكر حتى الآن،
فهو مصمم على الاستمرار بالتحالف مع أميركا طالما أن شريكه يشكل له الحماية
الدولية، سياسياً وعسكرياً. وأما مالياً فهو يستنفد إهراءات العراق من ثروات طائلة
تساعده على تمويل حروبه في الوطن العربي.
إن النظام التركي الذي
استشعر ما سوف يقدمه من إمكانات فقد أصبح في موقع الدفاع، ليس عن مصالحه فحسب، وإنما
عن أمنه القومي أيضاً. بينما النظام الإيراني أصبح في موقع الهجوم الدائم في سورية
وفي العراق، وهو يحقق إنجازات تغريه بالاستمرار.
إنه نتيجة تفاوت المواقع
بين إيران وتركيا، وبعد المأزق التركي في احتمال قيام كردستان أخرى في سورية، جاءت
معركة الموصل لتضع النظام التركي في مأزق حاد يتلخص باقتراب إيران من حدود تركيا
الجنوبية إذا استطاعت أن تمتلك قرار منطقة نينوى، وأصبحت القوة الإقليمية الوحيدة
التي تقرر مصيرها.
آفاق المرحلة تنبئ بحصول
مواجهة مباشرة بين الدولتين الإقليميتين، تركيا وإيران. وبمثل هذا التحول ستخلد
الولايات المتحدة الأميركية إلى فترة استراحة أخرى في إشتعال النار بين الدولتين
المذكورتين، بعد أن خلدت إلى فترة استراحة سابقة عندما أشعلت حروب (الفوضى
الخلاقة) بين العرب أنفسهم. ولذلك نحسب أن معركة الموصل ستشكل نقطة فاصلة بين
مرحلتين، إما أن يستمر نظام الملالي في إيران في عربدته وغروره، وإما أن تكبح
تطورات المرحلة من جموحه.
من سياق التطورات السياسية
يمكننا أن نرجَّح كفة احتمال الكبح من جموح الملالي، إذا توفَّرت شروط خوض معركة
الموصل على أسس تأخذ بعين الاعتبار قيام تحالف يشمل أدوار القوى التالية:
1-دور
المقاومة الوطنية العراقية، صاحبة المصلحة الأولى في
تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، خاصة أنها أعلنت الحرب ضد داعش وضد الحشد
الشعبي كأداة أساسية بيد نظام الملالي.
2-والدور
الخليجي صاحب المصلحة الأولى في إقفال البوابة الشرقية في وجه
العدوان الإيراني، خاصة أنه سيصبح القوة الأكثر تأثيراً في العراق، والأكثر خطورة
على وجود الدول الخليجية والوطن العربي. ولكنه حتى الآن لم يصدر أي رد فعل خليجي عامة،
وسعودي بشكل خاص، يبرهن على وعي لخطورة احتلال الموصل من قبل إيران.
3-والدور
التركي صاحب المصلحة الأولى في إبعاد كأس مرارة السيطرة
الإيرانية على الموصل الذي يعني انكشافاً فاضحاً للأمن القومي التركي. وعلى الرغم
من إعلان حاسم صدر عن الحكومة التركية باعتبار المعركة شأن يمس بأمن تركيا، نتمنى
أن لا يكون الإعلان فورة غضب قد تهمد لسبب أو لآخر.
وعلى الرغم من كل المشاركات
المطلوبة فليس لدينا أدنى شك بأن المقاومة الوطنية العراقية ستبقى حريصة على أن
تصب نتائج المعركة في مصلحة استراتيجية تحرير العراق وإعادة السيادة إليه كاملة
غير منقوصة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق