ما أشبه الرابع عشر من كانون الأول/ بالتاسع من نيسان/ :
الرد على الشامتين بأسر صدام حسين يأتي من المقاومة الوطنية العراقية
16/ 12/ 2003م حسن خليل غريب
تنويه:
شرَّفتني اللجنة التحضيرية للاحتفاء بالذكرى العاشرة لاستشهاد
الرئيس صدام حسين بإعادة نشر مقال كنت قد كتبته بتاريخ 16/ 12/ 2016، بعد ثلاثة
أيام من اعتقال الرئيس، وهذا نصه:
في الرابع عشر من كانون الأول/
ديسمبر، بعد انتشار نبأ اعتقال الثائر الكبير صدام حسين، تشابهت لحظات الألم
الشديد التي اعتصرت قلوب المخلصين الذين يهتدون بالخط الثوري مع تلك اللحظات التي
أعقبت احتلال بغداد في التاسع من نيسان/ أبريل. كما تشابهت الأحكام المزاجية
الجائرة حول المسألة العراقية –مع
اختلاف الموقع والنوايا- التي تساوى في إطلاقها الطيبون من أبناء العروبة مع أحكام
بعض المثقفين الذين لم يتَّضح لهم خط الثورة وقوانينها، مع أحكام المتواطئين مع
مشروع أصحاب »القرن الجديد«
في الإدارة الأميركية؛ وتجمع كلها على إدانة صدام حسين وتصوير الموقف الذي كان
عليه –كما اعتنت بإخراجه وسائل إعلام
الشركات الأميركية الكبرى- بالنعوت التي لا تليق بقادة الثورات الشعبية في العالم.
وكأنه كان على صدام حسين أن
يحلق ذقنه كل يوم، وكأنه كان عليه أن يفترش السرير المريح، وكأنه كان عليه أن يضع
العطور. وتناسى أكثر المعلِّقين أن عيشة الثوار ليست في المأوى المريح ولا الفراش
الوثير ولا الذقون الناعمة ولا الثياب المعطَّرة. هذا مع العلم أن صدام حسين لم
يسلم من نقد الناقدين عندما كان –كرئيس للجمهورية- يسكن القصور،
وهو يتعرَّض للنقد ذاته –عندما انتقل إلى خندق الثورة-
فوُصف الخندق بالجحر. فلم يعجب صدام حسين أولئك لا رئيساً للجمهورية ولا قائداً
للثورة، وهو لن يعجبهم على الإطلاق لأن مفهوم السلطة والثورة عند أمين عام حزب
البعث العربي الاشتراكي هو غيره عند الناقدين من على مكاتبهم المريحة ومن على
فراشهم الوثير ومن أنديتهم، ومن مواقع أكثريتهم المتواطئة على الفكر الثوري الشعبي
المقاوم.
إن ما وصفه البعض بالجحر،
مقلِّداً الإعلام الأميركي المدروس بعناية ودقة، ليس إلاَّ خندق الشرف للثوار. وما
اللحية الطويلة إلاَّ تلك اللحية التي ظهر فيها تشي غيفارا وفيدال كاسترو والجنرال
جيَّاب وعمر المختار… وكلهم كانوا من المتوارين عن أنظار القوى
التي كانت تلاحقهم لقتلهم أو اعتقالهم. فهذه لحية الضمير الحي، وهو دليل الشرف
الثوري الأصيل.
في التاسع من نيسان احتلت
القوات الأميركية الغازية عاصمة الرشيد بغداد، فأصاب الثوريون الألم من سقوط
العاصمة التي احتضنت أول »مشروع عربي نهضوي«
جدي ومخيف لأصحاب »القرن«. وخطورة هذا المشروع
النهضوي أنه كان بقيادة وتوجيه من فلسفة حزب البعث العربي الاشتراكي، وعندما يكون
أي مشروع محتضن من فكر استراتيجي تناضل من أجله مؤسسة حزبية مناضلة يشكل خطورة
شديدة على مشروع الهيمنة العالمية كمثل مشروع »القرن
الجديد« في أميركا.
إن في تشابه بعض الزوايا
الأساسية في التاريخين المذكورين –الرابع عشر من كانون والتاسع من
نيسان- ما يدفع بنا إلى محاولة لإلقاء الضوء عليها من أجل الاسهام في تفسير ذلك
التشابه وتلك المساواة في الأحكام.
عندما اتخذَّ أصحاب المشروع
الأميركي قرارهم باحتلال العراق كانوا يراهنون على إسقاط عاملين، يحسبون أنهم –بإسقاطهما- يستتب لهما النصر
الكامل،وهما:
-الأول:
باحتلال العاصمة العراقية تنفتح لهم أبواب النصر العسكري الميداني على جغرافية
العراق.
-والثاني: بإسقاط
صدام حسين أو قتله أو اعتقاله تنفتح لهم أبواب النصر السياسي على إرادة الشعب
العراقي.
فباحتلال العراق جغرافياً يهيمنون على الثروة النفطية (وهو هدفهم
المباشر الأول). وبإسقاط صدام حسين ينتصرون بحرب الأفكار التي دعا إليها رامسفيلد.
وبها يلغون القاعدة الفكرية الاستراتيجية التي تضمن منع عودة جذوة الفكر
الاستراتيجي الذي على أساسه تُبنى مشاريع مقاومة الهيمنة والاستغلال الرأسمالي
للشعوب، واستناداً إليه أعلن بول بريمر القرار الرقم واحد في الأول من أيار 2003م،
والمعروف بقرار »تطهير المجتمع العراقي من حزب
البعث«.
في التاسع من نيسان احتلَّت
الجيوش الأميركية بغداد، فأعلن جورج بوش انتصاره، فجاء الرد من المقاومة العراقية
ليجبر جورج بوش على التراجع عن إعلانه. وهو –باعترافاته
واعترافات إدارته واعترافات أصحاب »القرن
الجديد«- أقروا بأنهم أخطأوا فهم الشعب العراقي.
وتأكدوا من صحة الثابت السياسي والفكري أن احتلال الأرض لا يعني على الإطلاق
احتلالٌ للشعب وإرادته.
نتيجة هذه المعادلة، التي
فرضتها المقاومة الوطنية العراقية، تراجعت أحكام الطيبين والصادقين من العرب من أن
الحكم على المعركة بين الغزاة »صهاينة الأميركيين«
وبين العراقيين المقاومين من النقمة إلى الافتخار والاعتزاز. وحصل التغيير ذاته في
أحكام المثقفين العرب المخلصين لقضايا أمتهم، كما فرضت المعادلة نفسها على تغيير
في أحكام جوقة الغزاة مع عملائهم.
أما اليوم، فقد وقع صدام حسين
في الأسر، وقع بكبرياء وعظمة المقاوم الثائر.
وقع صدام حسين في الأسر، بلحية
الثوار المقدَّسة، وكم هو مهيب بتلك اللحية، وكم هو كبير، وكبره أنه طلَّق –طلاقاً
بائناً- كل مغريات السلطة من أجل قضيته الوطنية والقومية والإنسانية العادلة. فهو
فضَّل خندق المقاومة على قصور الذهب (الأقفاص التي يعيش فيها برغد كل من خانوا
قضايا شعوبهم).
لقد وقع صدام حسين في الأسر،
وهو يقاتل –جنباً إلى جنب المقاومين
الأبطال- بشرف وكرامة. وهذا على العكس مما صوَّرته وسائل الإعلام الأميركية التي
كانت تجهد من أجل إبرازه بصورة الذليل، وما هو إلاَّ كبير وعظيم عندما قدَّم الحجة
وبلَّغ الرسالة أن خندق النضال هو الطريق الوحيد الذي لا بُدَّ من سلوكه للدفاع عن
العراق والأمة العربية، بما له من تأثيرات إيجابية كبيرة وضخمة على مجمل النضال
الأممي ضد مشاريع الأمركة في استعباد شعوب الأرض في الهيمنة على ثرواتها وأسر
أنظمتها في قصور وبذخ وترف لا دور لها أكثر من ربطها إلى الموائد العامرة بكل ما
لذَّ وطاب، تأكل وتشرب وتسمن وتنال ما تشاء من نعم الدنيا وخيراتها، تسبِّح بحمد
وليِّها –راعيها ومسمِّنها وولي نعمتها-
من دون القيام بأي دور (وهو غير مسموح لها) إلاَّ التوقيع على ما ينصه لها الفرمان
الإمبراطوري الأميركي، و إلاَّ النطق بما يكتبه لها أعيان الثقافة والإعلام
المنفذين لإرادة وتخطيط الإمبراطور الأميركي »الوقح«.
بعد هذا التطور الجديد، الذي
يحسبه البعض (أو يتوهمون أنه مفصلي وحاسم لمصلحة الغزاة المحتلين)، غاب عن أذهان
الذين يصدِّرون أحكاماً فيها الكثير من تعسف بعض المخلصين الصادقين من أبناء الأمة
العربية، وفيها الكثير من الحقد الذي يمارسه من لم يتخلَّصوا من عقدهم
الإيديولوجية السابقة، أو من أصحاب المشروع الأميركي ومن يساندهم ويساعدهم و»يطبِّل
لهم ويزمِّر« لقاء حفنة من قطع فضة »يهوذا
الأسخريوطي«. غاب عن أذهانهم أن صدام حسين، وإن كان هو
ذلك القائد (الوطني و القومي والعالمي) الملهم الذي تنتجه الشعوب في مراحل تاريخية
مفصلية، إلاَّ أنه –بإلهام من فكر حزبه- قد أسهم
بوضع قواعد ثابتة لمؤسسة حزبية (في العراق وغيره) سوف توفِّر استمرارية الثورة
وديمومتها. والمؤسسة –وإن كانت تستلهم من قادتها
العظام- فإنها لا تنتهي بانتهائهم. وهذه قيادة الحزب في العراق تبرهن ببيانها الذي
أصدرته بعد انتشار نبأ أسر الأمين العام للحزب على ما نقول:
لقد أصدرت
قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بياناً، بتاريخ 15/ 12/ 2003م، تؤكد
على استمرار المؤسسة الحزبية في نضالها بدفع المقاومة العراقية للاستمرار بزخم
وقوة، قائلة: »إن المقاومة المسلحة الباسلة وعلى هدي من منهاجها السياسي والستراتيجي لن
تتوقف أبداً، بل سوف تستمر متصاعدة في خطها المرسوم وفقاً للمتطلبات التكتيكية
والاستهداف الستراتيجي المتمثل (بطرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه
موحداً ووطناً لكل العراقيين)«.
إن قيادة الحزب في العراق،
مؤكِّدة أنها ستستمر بالمقاومة، وضعت الأمين العام للحزب، سواء كان حراّ طليقاً أو
كان في أسر القوات الغازية، في موقعه الصحيح من حركة النضال العامة، قائلة: »إن
البعث والمقاومة وكل شرفاء العرب والإنسانية لهم متأكدون من أن الإيمان العقيدي
الراسخ، والروح النضالية القوية، والعزة العربية الأصيلة، والشكيمة العراقية
الصلبة، والقدرة الشخصية المتفردة سوف تشكل التحدي الكبير الذي سيخوضه الرفيق
الأمين العام في معسكر الأسر والذي سيضاف سفراً خالداً جديداً لصدام حسين العزيز
على قلوب العراق والأمة وكل تقدمي العالم«.
من هذا الإيمان الكبير الذي
تستند إليه قيادة قطر العراق، يأتي الرد الحاسم على كل الأحكام الظالمة، التي جاءت
خارج موقع الثورة ومنطق الثوار، وهو الموقف والمنطق الذي سوف يغيِّر كل الأحكام
بحق قائد الثورة الكبير صدام حسين، وسوف يدفع بكل القوى المأجورة، إلى اكتشاف خطأ
تقييمها بعد اعتقال صدام حسين، وهي لا بُدَّ من أن تكتشف (عاجلاً وليس آجلاً) أنها
أخطأت الحسابات مرة أخرى، واستعجلت بإعلانها النصر في العراق بعد ذلك الاعتقال.
إن المقاومة
التي خلطت كل الأوراق، بعد التاسع من نيسان، هي ذاتها التي تخلط الأوراق الآن بعد
الرابع عشر من كانون الأول. ولن يكون الرد إلاَّ بتقصير فرحة جورج الصغير كما
قصَّرتها في السابق.
وإننا عندما نتوجَّه بخطابنا،
ونحسب أنه سيكون مجدياً، فإنما هو موجَّه إلى أولئك الطيبين من أبناء الأمة
العربية، وأبناء شتى الدول في العالم الذين عرفوا خطورة مشروع أصحاب »القرن
العشرين« فوقفوا ضده وحاربوه وهم لا يزالوا مستمرين.
يعمل الآن
أصحاب القرن الجديد على إلهاء الرأي العام العالمي، وابتزاز الدول الصناعية للحصول
على دعم منها يركِّز استعمار أمريكا للعراق، بمسرحية عنوانها: »الطريقة الفضلى لمحاكمة صدام
حسين«. أما
صدام حسين فهو كفيل بمحاكمة من سيحاكمونه، وأما المقاومة فكفيلة بتنفيذ حكم
الإعدام بكل القوات المحتلة –بغض النظر عن جنسها ولونها- وبعملاء الاحتلال مهما كان مذهبهم
ودينهم ولونهم. كما سوف تعمل على فسح صفوف المقاومة لتحضن كل العراقيين والعرب
وشعوب الدول غير العربية، وعلى فتح أبواب التوبة أمام المرتدين على أوطانهم
وقضاياهم الوطنية والقومية.
إن تعدد
الاقتراحات والحلول حول تحديد لون أو هوية من سيحاكم صدام حسين، ليست إلاَّ ملهاة
ومضيعة للوقت لأن أية محكمة سوف تقوم بها –هذا إن تجرَّأ جورج الصغير على إحالة قائد الثورة صدام حسين-
معروفة اللون والهوية، معروفة المقدمات والنتائج، معروفة الأهداف والمقاصد، وهي
تلك المواصفات التي التقطها بيان قيادة قطر العراق في الثالث عشر من كانون الأول/
ديسمبر. وحول كل ذلك جاء في بيان القيادة ما يلي: »أعلن (مجلس الحكم العميل) المعين من سلطة الاحتلال عن تشكيل
ما سماه بالمحكمة الجنائية لمحاكمة القيادة السياسية العراقية الوطنية، وهذا
القرار الذي "اتخذه" المجلس العميل يعتبر تنفيذا إداريا لقرار سيده
ومرجعه الأعلى رئيس سلطة الاحتلال بريمر، الخاص باجتثاث حزب البعث العربي
الاشتراكي ومناضليه وأنصاره في القطر العراقي«.
والآن، بعد أسر قائد الثورة
والمقاومة، يتسابق خصيان مجلس الحكم العميل في العراق على إظهار شجاعتهم من خلال
البدء في تحديد لون المحكمة التي سيُحال أمامها صدام حسين، وهي معروفة عند صدام
حسين نفسه وعند قادة المقاومة والتحرير في العراق، وهم قد عرَّفوها بأنها ذات
مواصفات من أهمها أنها:
أ-ستحاكم بالنيابة عن قوى
معادية.. رجعية وانفصالية وشعوبية وماسونية وإمبريالية وصهيونية مفاصل هامة في
تاريخ المسيرة القومية التقدمية لحزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي.
ب-محكمة ستدعي وتحاكم نيابة عن
الإمبريالية العالمية التي استأثرت ولعقود طويلة بثروات ونفط العراق.. وجاء البعث
وأخرجها محرراً الثروة والنفط العراقيين بقرار التأميم الخالد في الأول من حزيران
1972.
وهنا أخذت دول العالم الأخرى،
حتى تلك الممانعة للحرب مبهورة بأسر صدام حسين، تسترضى سيدها الأميركي، وكأن أسره
قد أنهى الصراع وعقد لأصحاب »القرن الجديد«
الصهاينة من الأميركيين. ولم يبق أمامهم فرصة أخرى للتسابق حول اقتطاف حصة لهم من
مشروع »إعادة إعمار العراق«،
الذي ليس إلاَّ تعبيراً حديثاً للاستعمار الجديد.
وتسابقت كل من إيران –للأسف-
والعدو الصهيوني –وهذا شيء طبيعي- إعداد ملف
إدانة لصدام حسين ليقدموه إلى أية محكمة سوف تنعقد لمحاكمته. (وهنا ألا يكفي فخراً
لصدام حسين وحزبه أنهما متهمان لدى العدو الصهيوني بقصف الكيان المحتل وتمويل
الاستشهاديين ضد قوات الاحتلال الصهيوني، هذا ولم يتناس الناطق باسم حكومة العدو
أن صدام حسين كان يقدِّم المساعدات والدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية، والتي
يسميها الناطق بالحركات الإرهابية).
تناسى كل أولئك –وكما
حصل بعد التاسع من نيسان- أن الكلمة الفصل هي للمقاومة الوطنية العراقية، ولكل
العرب الشرفاء الذين صدقوا الوعد مع الثورة العربية المعاصرة، ولكل الذين يمثلون
الضمير العالمي من أفراد ومؤسسات (الذين دوَّى صوتهم عالياً ومستهزئاً –في
مؤتمر الحملة الدولية ضد الاحتلال الأميركي الصهيوني، في القاهرة بين 13 و14 كانون
الأول الحالي، من إعلان بوش الصغير عن انتصاره في العراق بعد أسر صدام حسين).
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق