في العراق ابتدأ
المشروع الإمبراطوري الأميركي وفي العراق كُتبت نهايته
(الحلقة الثانية)
ثانياً:
المقدمات السياسية – العسكرية للمشروع الإمبراطوري
1-تعيين أهداف الخطة الاستراتيجية، وعوامل نجاحها:
يستهدف تنفيذ المشروع
الإمبراطوري الأميركي احتلال المثلثات
الاستراتيجية في كل من أفريقيا وآسيا التي تضمن للمصالح الأمريكية الديمومة
والاستمرار على المدى الطويل. وكانت السيطرة على الشرق الأوسط، وفي القلب منه الوطن العربي، تمثل الحلقة
الأساسية لأسباب استراتيجية اقتصادية وجغرافية.
أما عوامل نجاح الأهداف، كما خططت لها الاستراتيجية الأميركية فيتوقَّف على
وجود العوامل التالية:
أ-العوامل التي استطاعت الإدارات المتلاحقة توفيرها، وبها أصبحت الولايات
المتحدة الأميركية الأقوى عسكرياً في العالم، وهذا ما أهَّلها لتكون الأقوى
سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
ب-عامل المقاربة بين شتى
الاتجاهات الرأسمالية الأميركية، المتمثلة بحزبين كبيرين: الجمهوري والديموقراطي،
خاصة وأنها تعبِّر عن مصالح الشركات الكبرى، على
تنفيذ المشروع من دون أن يتوقف لمجرد تغيير أسماء الشخصيات أو الإدارات.
ومن أجل إعطاء زخم للتنفيذ،
كانت الخطة تتضمن اختيار أهداف ضعيفة ومضمونة، مع ما توفره النجاحات في القضاء على
تلك الأهداف من دفع معنوي للمؤسسات العسكرية الأميركية، كما للشعب الأميركي من
جهة، وبما تزرعه من رعب وخوف في نفوس الأهداف الأقوى من جهة أخرى.
2-احتلال العراق بداية
اكتمال المشروع الإمبراطوري الأميركي:
ولأن المشروع الأميركي الشامل، ينطلق من مركز دائرة جغرافية واقتصادية، وهذا
المركز يقع في الشرق الأوسط، أعدَّ الآباء المخططون في الإدارة الأميركية السياسية
والفكرية المخططة لليمينيين الجدد بدايات تحضيرها منذ عهد الرئيس بيل كلينتون.
ففي 26 كانون الثاني من العام 1998 تسلم الرئيس
الاميركي السابق بيل كلينتون رسالة حملت عنوان «القرن الاميركي الجديد». طالبه الموقعون باستخدام العمل العسكري
لإزالة نظام صدام حسين على اعتبار ان «الدبلوماسية
فاشلة». وتعهدوا بأن يقدموا كامل مساندتهم لتحقيق ذلك.
وقد دعت الخطة إلى البدء في
العراق، واعتبرته الهدف المناسب، للأسباب التالية:
-قدرته على تجديد قوته
العسكرية في
أوقات قصيرة، فهو يمثل تهديداً مستمراً للخطة الأمريكية. والمقصود بالتجدد العسكري
هو قدرته على تحديث معداته العسكرية أو السعي لإنتاج أنواع جديدة من الأسلحة، أو
أن تكون ذات علاقات عسكرية متميزة مع بعض القوى العسكرية في العالم، ويأتي
في مقدمتها ما تبقى من المعسكر الاشتراكي الدولي.
-امتلاكه
ثروة نفطية تسمح له بتجديد تلك القوة.
-تشكيله
نقطة العبور الكبرى في تنفيذ الخطط الأميركية،
لتميُّزه بإمكانات اقتصادية، وموقعه الجغرافي كنقطة ارتكاز لعدد آخر من
العمليات العسكرية. بحيث تكون السيطرة على مركز الدائرة
في بغداد النقطة الثابتة في الدائرة المحيطة به.
3-التخطيط العسكري
لاحتلال العراق ذو أهداف استراتيجية عسكرية دولية:
تحسب الخطة الأميركية أن
العراق حلقة ضعيفة للأسباب التالية:
-الوجود الأميركي في
المنطقة يحيط من كل ناحية بالعراق.
-امتلاك أميركا محطات
وتسهيلات مفتوحة في الخليج العربي والبحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
-ولكونه يقع في مركز
الدائرة المحيطة، التي تمثل الهدف التالي، سيوفر له القوة:
أ-في حصار إيران من ناحية
أفغانستان بعد إسقاطها، وناحية العراق بعد احتلاله.
ب-وفي وضع سورية في واقع
أصعب، فتصبح مفتوحة من الشرق، ومُحاصرة من الشمال ومن الجنوب، هذا إلى جانب تفعيل
حالة العداء ضده في الأردن ولبنان.
4-مخطط احتلال العراق:
الحلقة الأساسية من خطة السيطرة على العالم
بعد هزيمة مشروع الشركات
الأميركية في فييتنام، صبر أصحاب »القرن الأميركي الجديد« كثيراً على إعداد الإدارة المناسبة والظرف المناسب. وكان على
الإدارة الأمريكية قي عهده أن تنفِّذ المشروع مرّة واحدة. في هذا السياق جاء
احتلال أفغانستان. والسهولة التي سقطت فيها مقاومة طالبان شجَّعت إدارة بوش على
المضيّ بالخيار العراقي.
ولما نجحت بأفغانستان تابعت
حملتها من أجل احتلال العراق وهو الهدف الأساس والدسم. وكتمهيد لغزوه، ازدادت
وسائل تصويره في وسائل الإعلام الأمريكية
والغربية كقاعدة خلفية للإرهاب. فأصبح العراق في الخيال السياسي الأمريكي بلداً
إرهابياً يحكمه نظام إرهابي يملك سلاحاً نووياً، وهو فوق ذلك كله متحالف مع
القاعدة وبن لادن.
لقد وُضعت الخطة في
العام 1996م: وعُلّمت في مدارس القوات المسلحة ونوقشت
في التدريب والتمارين ودمجت في المبادئ النظرية وقطاع البحوث والتطوير والتجهيز. وتمَّ تطويرها في العام 1997م: على يد دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع) وبول
وولفويتز (نائب وزير الدفاع) وريتشارد بيرل (رئيس مجلس سياسات الدفاع السابق)
وغيرهم ممن ينتسبون إلى تيار المحافظين الجدد. وبدأ الإعداد لتنفيذها
منذ العام 1998م: بعد توجيه رسالة إلى الرئيس بيل كلينتون تدعوه
مباشرة لتنفيذ استراتيجية إزاحة نظام صدام حسين عن السلطة (والتي أسفرت عن صدور
قانون تحرير العراق كغطاء قانوني لتمويل فصائل من المعارضة العراقية).
وإن كانت عملية التفكير في تغيير النظام السياسي العراقي قد
نوقشت أثناء ولاية كلينتون لكنها، بعد أحداث الحادي عشر
من سبتمبر، وعلى يد عميد كلية جون هوبكنز للدراسات
الدولية، انتقلت من المناقشة إلى مرحلة التخطيط. فاتُّخذ
القرار في العام 2001م:
أي بعد 6 أيام على الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاغون.
وبعد خطابه الأول عن حالة
الاتحاد في كانون الثاني/ يناير من العام 2002، مهَّد جورج بوش الإبن لمفهوم
(الحروب الاستباقية) أمام دفعة من خريجي
كلية عسكرية. وبه دقَّ نفير الحرب، وأعلن بدء المعركة.
وبذلك تحقق حلم المحافظين
الجدد. وبدأت «المغامرة» في ليل 19 – 20/ 3/ 2003. وكانوا يحسبون
أن الحرب على العراق ستكون بمثابة نزهة في الصحراء، يُستقبَل الاميركيون خلالها
بالورود، وتُفتح
أمام واشنطن أبواب المنطقة على مصراعيها.
5-احتلال العراق استئناف
لنجاحات سابقة أنجزتها الإدارة الأميركية:
يعتقد فوكوياما أن هناك
سببين رئيسيين وراء قرار بوش غزو العراق:
-الأول هو الطريقة التي انتهت بها الحرب الباردة، ونجاح سياسة ريغان المتشددة
تجاه الاتحاد السوفييتي. ثم رأوا لاحقاً فشل الأوروبيين في حسم المعركة في
البلقان، وهذا أقنعهم بأن أمريكا تستطيع ممارسة قوتها بشكل «أخلاقي» وانفرادي.
-السبب
الثاني هو «إسرائيل»، فالمحافظون الجدد معجبون بمبدأ
التشدد الاستراتيجي «الإسرائيلي» بتأكيده على الضرب الاستباقي بدلاً من انتظار
الهجوم.
ويضيف فوكوياما: «نهاية
الحرب الباردة والمنظور الإسرائيلي للعالم كان لهما أثر على السياسة الخارجية
للمحافظين الجدد أكثر من أي فلسفات مجردة».
دخلت
الإدارة الأميركية حرب العراق، على أمل استغلال ما اعتبرته فرصة غير مسبوقة لإعادة صياغة النظام
العالمي تحت ذريعة ملء حالة الفراغ في المنطقة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. غير
أنه تبين لها منذ الأسبوع الأول لغزو العراق، التي قال منظروه بأنه سيشهد خاتمة
سعيدة في غضون أيام، أنها لن تبلغ هدفها أبداً.
وعلى الرغم من انطلاقة
المقاومة الوطنية العراقية، ونجاحها في منع الاحتلال من تحقيق أهدافه، لم تبدل إدارة
المحافظين الجدد قناعتها بنجاح مخططها، وراحت تبني الآمال، وفقاً للمخطط الذي
أعلنه جورج بوش بخمس خطوات:
-نقل السلطة إلى العراقيين.
-الأمن: يكمن في تمكين
العراقيين من تولي زمام القيادة في مجال الدفاع عن أنفسهم.
-إعادة «إعمار» البنية
الأساسية للعراق.
- حشد الدعم الدولي.
- الحكم الذاتي في العراق.
ولاحقاً، أخذت تتوضَّح
وسائل الخداع الأميركية، إذ تبيَّن أن هدف تحرير العراق من «النظام الديكتاتوري»،
الذي أعلنته إدارة المحافظين الجدد من جهة، وإحلال الديموقراطية من جهة أخرى، وتعاون
النظام الوطني في العراق مع تنظيم «القاعدة» من جهة ثالثة، كان تمويهاً للسبب
الرئيسي. وقد أكَّدت التقارير الأميركية اللاحقة، ومنها التي قام بالكشف عنها
أميركيون، أن الأسباب المعلنة كانت تمثل وسيلة من وسائل الخداع لتغطي فيه الأسباب
الحقيقية. وكان من أهم تلك التقارير ما كشف عنه، ريتشارد كلارك، في كتابه «في
مواجهة كل الاعداء».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق