الفاسدون أمام كرسي الاعتراف:
إضربوهم على جيوبهم
تكاثرت الاتهامات لانتفاضة الشعب اللبناني، شارك فيها أمراء
الطوائف، وتبارى مثقفوهم بمن يأتي بأكثر ما يمكن من أوصاف التخوين والتخويف. وكانت
الاتهامات أداة من أجل إرهاب الجماهير الشعبية لإخراجهم من الشارع، لأن هتافاته أخذت
تؤرق مضاجعهم، وتهدد جيوبهم وأرصدتهم التي أُتخمت بمال الفقراء وقوت يومهم. ولكن إصرار
الشعب على مواجهة أحزاب السلطة قلب المعادلات، فأخذ المشهد على المسرح السياسي وفي
كواليسه الخلفية يتغير ويتبدَّل.
مشهد أمراء الفساد، ومثقفيهم الآن تبدل من حال إلى حال وسبحان
مبدِّل الأحوال. أخذ الجميع يتبارون بمن يطلق أفضل الصفات على تلك الانتفاضة، في
خطاب شعبوي يريدون منه أن يمتصوا نقمة مئات الآلاف ممن نزلوا إلى الشارع، لعلَّهم
يفلحون في التخفيف من تلك النقمة، ظناً منهم أن الكلام المعسول المخادع قد ينجح بعد
أن فشلت وسائل تخوينهم وتخويفهم ورفع عصا البلطجة في وجوههم.
الشعب ثار، ولو بعد حين، لأن المستغرب في أن لا يثور الشعب. ومن
المستهجن أن يسكت الجائع عمن كان السبب في جوعه. وعمن كان السبب في تجهيل مستقبل
الأجيال، وعمن كان السبب في إغراق لبنان في الظلام، وعمن كان السبب في تراكم
الديون على ميزانية الدولة اللبنانية. وعمن كان السبب في السطو على أملاك الدولة.
وباختصار كما قالها أحد القضاة: (أينما وضعت يدك وأخرجتها، ستحصل على قبضة من
الفساد والسرقة).
وما لم ينفع التهديد والتخوين، الذي لم تنته فصوله كلياً، لن
تنفع فيه تبييض الصفحات ولن تنفع فيه الخطابات الشعبوية، تلك التي أخذ فيها كل حزب
من أحزاب السلطة يستخدمها لخداع الشعب، وكأن شعارات الشعب أصبحت شعارات لأمراء
الفساد، ولم يعد ينقصهم سوى النزول إلى الشارع جنباً إلى جنب الفقراء والعاطلين عن
العمل. وما تلك الانحناءة بأكثر من كسب فرصة ليعيدوا ترتيب أوضاعهم، والتزييف
بالحسنى ما لم يستطيعوا تزييفه بالقوة والبلطجة. ودرءا لمخاطر هذا التزييف، يمكننا
الإضاءة على الخطوط العامة التي تحصِّن الانتفاضة من الوقوع في أفخاح جهابذة أمراء
الفساد ومثقفيهم.
إن أهداف الجماهير الغاضبة تنقسم إلى شقين:
-الشق
الأول:
السياسي الاستراتيجي الهادف إلى تغيير النظام الطائفي السياسي الذي هو سبب كل علة.
آخذين بعين الاعتبار أنه يحتاج إلى وقت، وسيبقى عرضة للمماطلة والتأخير والتزييف
من قبل المؤسسات السياسية والقضائية التي يمسك بها أمراء الفساد ويتحكمون بإدارة
دفة سفينتها لتسير بالاتجاهات التي تخدم مصالحهم. ولأنه إذا حصرت الانتفاضة
أهدافها بالشق الاستراتيجي، كأنها مدَّت حبل الإنقاذ لهم، لأنهم سيرتاحون لأن
الفرج قد جاءهم على طبق من ذهب.
-الشق
الثاني:
المرحلي وفي المقدمة منه إصلاح الخدمات واجتثاث
الفساد الذي تغلغل من رأس الهرم السلطوي إلى قاعدة قاعدته التحتية. وهذا يقتضي
إدامة الانتفاضة وإن بوسائل أخرى غير تلك التي يقوم المنتفضون بتطبيقها الآن. ومن
أجل ذلك، إبقاء أبواب التجديد بالوسائل مفتوحة، استناداً لخصوصيات كل مرحلة.
ولذلك، فإن سلامة الانتفاضة تقتضي اعتبار الشقين متكاملين وغير
منفصلين بحيث يرفد كل منهما الآخر، ويعطيه الزخم والقوة والتحصين ضد اختراقات قد تقوم بها أحزاب السلطة من هنا أو هناك، أو
تسويث من هنا أو هناك.
وعن ذلك، نعتبر أن الأهداف إذا توقفت عند القضايا السياسية
الاستراتيجية من دون إبقاء المطالبة باجتثاث الفساد والكشف عن الفاسدين مستمرة،
فسوف تشكل حبلاً للخلاص أمام أمراء السلطة والفساد. وهذه تأخذ وقتاً طويلاً قد
يمتد إلى سنوات. وتبدأ بالمماطلة لإعداد قانون انتخاب عادل، ولا تنتهي بالدعوة إلى
إجراء انتخابات، لن تخلو من عوامل الإغراء والإغواء ومصادرة قرار الناخبين، التي
تبدأ من (زي ما هيَّ) ولا تنتهي بما يعرف بـ(التكليف الشرعي).
إن منعهم عاجلاً من استخدام المفخخات القانونية في صياغة قوانين
ما يزعمون أنه بداية لمعاقبة الفاسدين. وضربهم على جيوبهم بمحاصرتهم بملفات فسادهم.
سيكون الثمن العاجل الذي عليهم أن يدفعوه ، وذلك هو مصدر الوجع الحقيقي الذي
يؤلمهم، ولا شيء آخر على الإطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق