السبت، فبراير 27، 2010

إلى متى المراهنة على قتل البشر

-->
إلى متى المراهنة على قتل البشر
وهدم الحجر وقطع الشجر
من أجل مشاريع «إلهية» لا تصمد أمام حقائق التاريخ والمنطق
5/ 6/ 2006
تيمناً بآية جاءت في التوراة تقول: «وإذا دخلتم أرضاً فأبقروا بطون الحوامل، إذبحوا الأطفال، أقتلوا الرجال، أحرقوا الأرض ثم استولوا عليها»،
واستعادة للذاكرة التاريخية في لبنان التي سجَّلت «يوم السبت الأسود»، ذلك السبت الذي دخل في تاريخ لبنان رمزاً لاسلوب القتل على الهوية الطائفية،
نضع صورة العراق، اليوم، بعد الاحتلال الأميركي والزمر الطائفية، فنرى فيه كل يوم سبتاً أسوداً.
نحن لا نحب الافتراء حتى على المفتري، ولا نعتدي على أحد حتى على المعتدي. ولكننا نضع الحقائق للدفاع عن أنفسنا، ولكي نستنير بها لنأخذ الحكم المناسب لها.
فإذا كانت التوراة شرَّعت للصهيونية أساليبها في فلسطين المحتلة على أنموذج دير ياسين. وقد شرَّعتها طوال مراحل احتلال لبنان. وفي الذاكرة الكثير من المجازر، التي ذبح فيها الصهاينة نساءً وأطفالاً ومسنيِّن،
وإذا كانت التوراة قد شرَّعت إحراق الأرض من أجل الاستيلاء عليها، وهو أمر إلهي كما يحسب الصهاينة، وهي تحرق اليوم أرض فلسطين، على أنموذج مجزرة «جينين»، وأحرقت أرض لبنان للوصول إلى «أرز الرب» على أنموذج مجازر العباسية، وأنموذج مجزرة قانا،
وإذا كان جورج بوش يؤمن بحتمية معركة هرمجدون من أجل التمهيد للسيد المسيح بالظهور،
فمستندين إلى هذا البعض من النماذج لكي نستطيع أن نفهم المجازر التي تجري في العراق، من قتل للأطفال، وبقر لبطون الحوامل، واستئصال لكل زرع أو ضرع في الفلوجة، وقبلها سامراء، ومن بعدها القائم والموصل، ومن بعد بعدهما، تلعفر وبيجي والرمادي وبعقوبة وحديثة...
فهل هناك أوجه للشبه بين السبت الأسود في لبنان، ومئات الأيام المماثلة في العراق؟
نحن لا نريد أن ننكأ الجراح في لبنان، ولكننا نريد فقط أن نستفيد من التاريخ ودروسه، وأن نقارن الظواهر هنا وهناك، لكي نعرف أية إيديولوجيا تقف وراءها.
من المعروف أن المؤامرة في لبنان، التي اندلعت في 13 نيسان من العام 1975، كانت تحرض عليها الصهيونية العالمية، ولي أمر الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. وكانت الأهداف المباشرة من ورائها اقتلاع الوجود المقاوم من لبنان الذي كانت طليعته المقاومة الفلسطينية، أما الأهداف غير المباشرة فكانت تحرِّض من أجل بناء كيانات طائفية تبتدئ في لبنان لتمتد إلى الوطن العربي.
إن تلك الأهداف كانت مدعومة بشلة من اللبنانيين لتقوم بتنفيذ جدولها الزمني، فجاء السبت الأسود إحدى وسائل التنفيذ، إذ كان المقصود منه عملية تطهير طائفي، وهذا ما أدى إلى تطهير منطقة النبعة من كل أتباع المذاهب الأخرى، كخطوة على طريق إنشاء فيدراليات طائفية.
فالذبح والقتل والحرق، كما التطهير الطائفي، جميعها تتلاقى وتتوافق مع ما جاء في التوراة.
وكما هو حاصل الآن في العراق: تأسيس الفيدرالية وتشريعها ودسترتها كانت البداية التي فتحت الأبواب أمامها بتوافق كلي بين الاحتلال الأميركي، وجزء أساسي منه صهيوني، وبين دعاة الشرذمة الطائفية، وقد تكون ذريعتها تمهيداً لـ«انتظارات» أخرى شبيهة بما يعمل جورج بوش على تنفيذه إعداداً لمعركة هرمجدون، ولكن على أساس قواعد مقدسات أخرى. فهل هذا له علاقة بصراعات تقوم على قواعد وعود «إلهية» ينفذها أصحاب نظريات الانتظار؟
فهل ما يحصل الآن في العراق ببعيد عن أيدٍ صهيونية؟
ربما
لقد كشفت التقارير أن جنود الاحتلال الأميركي يتلقون تدريبات في معسكرات العدو الصهيوني، وفي شوارع الأرض الفلسطينية المحتلة. والغاية من تلك التدريبات اكتساب فنون القتل الإيديولوجي التي لا توفر الأطفال والنساء، والحجر والشجر، كما تنص عليها التوراة، التي بشرَّت بمعركة هرمجدون.
وتبرهن وقائع الأمور أيضاً، أن هناك الكثير من الفظاعات التي ارتكبتها أجهزة وزارة الداخلية العراقية التي تغلغلت في مفاصلها مجاميع من تنظيم «قوات بدر»، ولم تخف التقارير مشاركة ضباط إيرانيين في التحقيق مع آلاف المعتقلين «على الهوية».
وإذا ما أضفنا الحقائق التي تؤكد إصرار القيادة الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى للثورة، على متابعة تنفيذ المشروع الإيديولوجي الإيراني.
ويتبيَّن ذلك من الوثائق التي وصلت من العراق، وهي تشير إلى الاتفاق بين المرشد الأعلى وتجمعات من معظم الدول الإسلامية على تأسيس «منظمة المؤتمر الشيعي العالمي» للثورة الإسلامية، والعمل على تنفيذه بمشاركة جميع القوى التي حضرت المؤتمر المذكور. وجاء في إحدى الوثائق المعنونة تحت اسم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق/ الرئاسة» «بيان سري وعاجل يحمل الرقم 115 تاريخ 8/ 1/ 2006»، ما يلي:
1-ضرورة تأسيس «منظمة المؤتمر الشيعي العالمي» يكون مقره في إيران.
2-تكون مهمات المؤتمر الاستفادة من تجربة العراق وتعميمها على دول المنطقة، ومن أجل ذلك أقرَّ المؤتمرون تشكيل قوات عسكرية غير نظامية، في تلك الدول، وزجها في كافة المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية والسياسية.
3-تشكيل لجنة متابعة مركزية، وإنشاء صندوق مالي عالمي لدعم نشاطات المجلس المذكور.
وقد تكون الوثائق التي وصلت من العراق، التي تنص على تكليف المئات من الضباط المنتمين إلى «فيلق بدر» للانتشار في دول الجوار العربي للعراق، لتجنيد الأنصار والمؤيدين للمشروع المذكور أكبر دليل على أن المشروع وُضع على سكة التنفيذ الفعلي.
مشروعان يتفقان على أن لكل منهما نصوصاً مقدسة تتناقض في أهدافها، فكانت أرض العراق قاعدة الانطلاقة للمشروعين الإلهيين، ولا ضير في أن يدفع العراقيون الثمن عند من يعتقدون أنهم ينفذون أوامر «إالهية». وهؤلاء هم العراقيون يشكلون الذبيحة التي تُقدَّم أمام هيكل المشروعين المذكورين.
كيف يتم تنفيذ الوعد الإلهي لكل من الطرفين الأميركي والإيراني؟
من جانبه اعترف جورج بوش بمجزرة مدينة حديثة، التي ذهب ضحيتها أربعة وعشرين عراقياً، بين طفل وامرأة ومسن. تلك مجزرة، وغيرها الكثير غير المعلن، ومنها مجزرة الإسحاقي، من صنع «فرق الموت» التي أسَّسها نيغروبونتي. وعلى خلفية اعتراف بوش دعا قيادات الجيش الأميركي المحتل للتشديد على تطبيق «الضوابط الأخلاقية» بين جنود الاحتلال، واعداً بأن ينال المخالفون عقوبتهم التي يستحقونها!!!
ومن جانبه يعمل الطرف الإيراني على تجنيد الميليشيات في أجهزة الحكومة العراقية، وهذا ما تؤكده وثيقة حصلت عليها المقاومة العراقية صادرة عن وزير الداخلية السابق، وموقعة من ابراهيم الجعفري، رئيس الوزراء السابق، وفيها أسماء المئات من ضباط «فيلق بدر» لضمهم إلى مختلف أجهزة الحكومة التي يترأسها الآن نوري المالكي.
يا ناس
رحمة بعقولنا وعواطفنا التي تكاد تنفجر، هذا إذا لم تنفجر بعد، قولوا لسيد البيت الأبيض أنه على قاعدة «السبت الأسود اللبناني»، الذي كاد أن يكون يتيماً في تاريخ لبنان، وإذا وضعنا بعض ما يشابهه في عدد محدود، فإن ملفات البيت الأبيض تمتلئ بآلاف التقارير عما يماثل السبت الأسود في لبنان، وقد تفوقه بشاعة.
مجزرة حديثة، وقتل امرأتين في سامراء، إحداهن حامل، ليست الجريمة الوحيدة التي يجب أن نحاكم الاحتلال على أساسها، بل هاتان جريمتان كان من سوء طالع الجنود الأميركيين الذين ارتكبوهما أنه كانت هناك كاميرا استطاعت أن تصور وقائعهما. أما آلاف الجرائم المماثلة فقد منعت إدارة احتلال العراق من تسجيلها، والدليل هو ارتكاب جريمة قتل واحد وسبعين صحفياً على أيدي قوات الاحتلال الأميركي حتى الآن.
يا ناس
تطل علينا وسائل الإعلام، حتى المتواطئة منها لأنها لا تستطيع أن تتأخر عن ذكر الخبر لأسباب مهنية، بحصيلة يومية تفوق العشرات بل المئات من القتلى، ومن ضمنهم الجثث التي تفنن المجرمون بطريقة قتلها عن سابق تصميم.
فإذا كانت حصيلة السبت الأسود اللبناني قد تجاوزت المئة ضحية، وظلت رمزاً ماثلاً في ذاكرتنا، فإن مجموعة الرموز تلك أصبحت تتجاوز الآلاف في العراق.
فهل تخلو شاشات التلفزة من يوم واحد لا تشير إلى عشرات الجثث المرمية في شوارع معظم مدن العراق وقراه. فأين يضعها جورج بوش؟
أيختزلها بمجزرة الحديثة؟
أيختصرها بقتل ماجدتين من سامراء؟
يا ناس
رحمة بعقولنا، ورحمة بالعراقيين الذين يدفعون الثمن الفادح، ورحمة بالعراق الذي أصبح سلعة للمساومة، وتحول إلى ذبيحة من أجل مشروعين «إلهيين»، نقول: إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وتأكدوا أن من في السماء لن يرحم من لا يرحم حتى مناهضيه على الأرض حتى ولو كانت نصوص المشروعين تُنسب إلى الكتب المقدسة.
وإذا كنا لن نراهن على الإطلاق على صحوة ضمير للصهيونية العالمية، وعلى منفِّذ أهدافها جورج بوش، وإذا كان لا ينفع تذكيرهما بأن حلمهما الإلهي هو تزوير وبهتان، وحديث خرافة. فإننا نناشد جار العراق التاريخي، الذي يقتات من جثة العراق تحت ذريعة تنفيذ مشروعه الإيديولوجي، بأن يقف للحظة واحدة أمام نفسه ليتساءل، ولو لمرة واحدة، عن منطقية مشروعه الذي يحسب أنه إلهي، كما تساءل الإمام الخميني: «إنتظرنا ظهور المهدي ألفاً ومائتي سنة، ولم يظهر. وقد ننتظر ألفاً ومائتي سنة أخرى ولا يظهر. وقد ننتظر إلى الأبد وقد لا يظهر».
إن تشكيك الإمام الخميني بالنسبة لنظرية الظهور هي ما تدفعنا إلى تلك المناشدة قائلين: أنتم ترتكبون الجرائم في العراق، وتسكتون عن جرائم «الشيطان الأكبر» فيه، من أجل حلم مقدس، ولأن هذا الحلم كان موضع تشكيك من واضع آليات المشروع، أفلا تحسبون بأن الله سيحاسبكم من جراء خطأ في التقدير أعسر حساب؟
نرى نحن، قياساً على أيديولوجيا الظهور التي نحترم إيمان من يؤمن بها في الفكر الشيعي لأنها على الأقل تبشر بالجهاد من أجل إقامة دولة العدل التي لا مبرر ولا مفهوماً واضحاً لها إلاَّ عن طريق منع الظلم، ومعاقبة مرتكبيه. فهدف الظهور ليس مقصوداً منه ظهور الغائب بشخصه، بل هو مرتبط بهدف إنساني نبيل يعبِّر عن قيمة إلهية عليا.
وقياساً على مضمونها الذي يربط توقيت الظهور بامتلاء الأرض ظلماً الذي يقوم به الظالمون، لأن الغاية من ظهوره هو إعادة العدل، إلاَّ أن المضمون لم ينص أو يدعو المؤمنين بها إلى أن يملئوا هم بأنفسهم الأرض ظلماً. وهل هناك من ظلم أكثر مما ألحقته أو تلحقه سلوكات النظام الإيراني في العراق؟
لقد عقد اتفاقاً مع أصحاب نظرية انتصار الخير على الشر في معركة هرمجدون كتمهيد لظهور السيد المسيح.
وهو يسكت على وحشية ما ترتكبه إدارة جورج بوش، على قاعدة ما جاء في التوراة.
وهو يشارك في أعمال القتل التي أثبتت الوقائع مسؤولية وزارة الداخلية العراقية عنها.
وهو عمل، ويعمل، ويتدخَّل في الشؤون العراقية، على أسس إيديولوجيا نظرية الظهور.
وهو ينفذ مخططه على الصعيد العالمي، ببناء تحالفات سياسية على أسس (منظمة المؤتمر الشيعي العالمي) لتكون أداة التنفيذ الأساسية المدعومة بإمكانيات النظام الإيراني.
ومن أجل كل ذلك، لابد من أن نتساءل: لو سمح الله بظهور الإمام المهدي المنتظر، نتوقَع أنه من غير الممكن، بل من المستحيل، أن يُشرك في إعادة العدل من شاركوا في نشر الظلم، ودفعوا إلى ممارسته بأبشع الأساليب.
أما إذا لم يسمح الله بالظهور فكيف تكون النتيجة؟
يكون من أسهم في نشر الظلم قد وقع أسير أعماله وسلوكاته. وبدون أدنى شك ستكون من الأعمال التي سيُحاسب مرتكبوها يوم الحشر والحساب.
فالأولى، وفي جميع الحالات، أن يقف دعاة نظرية الظهور خارج أي تحالف يمارس الظلم، أو يدعو إليه، أو يضمره في قلبه، أو يخطط له، لأن الظالم والمخطط للظلم والساكت عنه شيطان أخرس. أما المؤمنون الحقيقيون، بحقيقة نظرية الظهور سواءٌ أكانت واقعاً حقيقياً، أم حقيقة رمزية، فليس أمامهم إلاَّ الدعوة إلى العدل وممارسته خاصة بين بلدين متجاورين، وجارين يستحيل عليهما إلاَّ أن تسود علاقات العدالة الإنسانية بينهما.
***
رد على بعض التعليقات التي كتبها بعض قراء (دورية العراق) عن المقال:
لما كتبت مقالي أعلاه لم يكن القصد منه تفضيل مذهب على مذهب، أو دين على دين، وإنما أردت التحذير من خطورة المشاريع الدينية السياسية. أي أن المقدَّس إذا تجاوز مهمته الروحية، أي توليد الاطمئنان النفسي للبشر عن تساؤلاتهم عن مصيرهم في مرحلة ما بعد الموت، يدخل الدائرة المفرغة والحيرة والإرباك الشديدين.
لما كانت المقدسات الدينية متعددة ومتنوعة، تعدد الأديان والمذاهب، ولكل مقدَّس أسبابه ووسائل الدفاع عنه، يُعتبر الغرق في تحديد أي مقدس هو الأصلح لخلاص النفس بعد الموت، عودة إلى صفحات التاريخ السوداء خاصة صفحات القرنين الرابع والخامس الهجريين، وفيهما ساد الصراع والاقتتال بين الفرق الإسلامية حول من هي (الفرقة الناجية من النار). ولأن كل فرقة كانت تحسب نفسها أنها الفرقة الناجية الوحيدة أعطت لنفسها الحق في تكفير الفرق الأخرى، وبالتالي تحليل دمها وعرضها وأموالها. وتحولَّت في تلك المرحلة أنظار المسلمين إلى ما يُسمى (جهاد الفرقة الباغية)، أي أن كل فرقة كانت تحاسب الفرق الأخرى على أنها الباغية، وراحت كل فرقة تنكِّل بالفرقة الأخرى. وحسبت أن الجهاد هو اجتثاث للفرق الباغية. وبالتالي تناسى المسلمون أن الجهاد الذي لا جهاد غيره ليس إلاَّ حماية ثغور المسلمين من الاعتداءات الخارجية.
ومن أجل أن تبرهن كل فرقة على أنها الناجية الوحيدة، استندت إلى فقهائها وعلمائها من أجل تدعيم زعمها بالأحاديث النبوية الشريفة، وبتأويل النص القرآني، لكي تسبغ على نفسها قدسية البراهين والإثباتات. ولهذا السبب كثُر النحل على الأحاديث النبوية حتى بلغت عشرات الآلاف. وتحول القرآن الكريم، تحت صيغ التأويل والتفسير، إلى مجموعة من التفاسير التي تتناسب مع المصالح المذهبية. ومن تلك الأسباب نحذِّر من أن تجرنا روايات وأسانيد، ما اصطُلح على تسميته (الكتب الصفراء)، أي تلك الكتب التي وُضعت من أجل الغاية التي تكلمنا عنها أعلاه.
يكفينا درساً قاسياً أن المسلمين أضاعوا، على الأقل قرنين من الزمن ، في اقتتال داخلي مرير، تحوَّلت في نهايتهما الأمة الإسلامية، وفي القلب منها الأمة العربية، إلى شرذمة من الدويلات المذهبية، تناست فيه العدو الأساس، وانحرفت بمفهوم الجهاد إلى الطريق الخطأ.
ما أشبه اليوم بالبارحة.
إن الغرق في تحديد الفرقة الناجية الآن، بناءً على أسانيد الكتب الصفراء، بينما العدو قابع في عقر دارنا، ليس إلاَّ استئناف لتاريخ كان يجب أن نتعلَّم من مساوئه وسلبياته.
إن استعادة الجدال على قاعدة (الفرقة الناجية) و(الفرقة الضالة) تدخلنا في متاهة (قالوا) و(قلنا)، (برهنوا) و(أبطلنا برهانهم)، وهو جدال عقيم، لأن لكل فرقة براهينها من الأحاديث (الصحيحة) أو الأحاديث (المنحولة)، ولديها من الآيات القرآنية الكريمة ما تستطيع أن تؤوله بلباس لا يبدو بعيداً عن الإقناع.
لهذا يبدو أن النظر إلى ما جاء في مقالي من تلك الزاوية، يصب في المكان الخطأ.
إن ما أردت توجيه الأنظار إليه ليس أكثر من تبيان خطورة المشاريع السياسية الدينية، تلك المشاريع التي تريد أن تجر المؤمنين إلى تحقيق أهداف نخب دينية وسياسية واقتصادية بوسائل استغلال المقدس الديني، وهو العامل الأكثر تأثيراً عند عامة المؤمنين، وهو الأكثر استثارة لعواطفهم.
ليست المشاريع السياسية الدينية حكراً على مذهب دون آخر، بل كل المذاهب الإسلامية تتساوى، فعند كل مذهب منها تيار أو أكثر. فكما عند الشيعة من يدينون بـ(ولاية الفقيه) كمشروع سياسي ديني يعمل على تصدير نفسه كحريص على الإسلام، فعند السُنَّة أيضاً أكثر من تيار سياسي ديني يعمل على تصدير نفسه كحريص على الإسلام أيضاً. أما في الوقت ذاته، وبمراجعة موضوعية لنصوص تلك التيارات، نرى أنها تنحو بنا تجاه الاقتتال المذهبي تحت ذريعة أن نصوص كل منها تستند إلى المقدس الديني الإسلامي.
وإذا كان ردنا الموجز لا يتسع لعناوين هذه المسألة الشائكة، فإننا نشير إلى أن هذه الإشكالية قد قمنا بمعالجتها ببحث فكري سياسي تاريخي إيديولوجي استهلك خمسماية صفحة واستند إلى أكثر من ماية وخمسين مرجعاً ومصدراً، نرى أن الإشارة إلى خطورة الغرق بمتاهاتها يكفي، خاصة في الوقت الذي يوغل الاحتلال فينا قتلاً وتشريداً وتمزيقاً باستثارة النعرات المذهبية، كما هو ماثل في العراق.
أعزائي الذين تابعوا مقالتي، الذين قرأوها، والذين أضافوا ردوداً، أشكر لكم ما بذلتم من جهد.
أرجو أن لا نغرق في التفتيش عن الفرقة التي نحسب أنها الأكثر صواباً، فنكون كمن يستعيد تجربة تاريخية كانت من أكثر مراحل التاريخ العربي والإسلامي دموية، وكانت من أكثرها سوداوية، فعلينا أن نفتش عن وسائل التوحيد، وليست وسائل التفرقة والتشتت. كما علينا أن نضع جانباً خلافاتنا الروحية على قاعدة مذهبية، فالإيمان بالروح هو أسمى من كل الأهداف السياسية التي تعمل بعض الفرق اليوم من أجل تحقيقها على مذبح المقدسات.
يتساوى اليوم في العراق، بالنظر إلى الاحتلال، كل التيارات الإسلامية السياسية: أوَ ليس ما يُسمى بـ(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، السائر بركاب المشروع الإيديولوجي الإيراني، شبيهاً بما يُسمى (الحزب الإسلامي العراقي)، المؤيد من بعض تيارات الإخوان المسلمين؟
فكما هناك تيارات وفرق إسلامية من جميع المذاهب تحالفت مع الاحتلال، هناك أيضاً تيارات وفرق إسلامية من جميع المذاهب تحمل سلاح المقاومة من أجل تحرير العراق.
دعونا أيها الأخوة الكرام نستحضر عوامل القوة في أمتنا العربية. نرفض مبدأ الاحتلال وندعو كل من يؤمن به إلى مقاومته، ونسمي هؤلاء (مذهب الرافضين للاحتلال) إلى أي دين أو مذهب انتموا. وندعو الذين يدينون بـ(مذهب المؤيدين للاحتلال) إلى أن يعودوا عن بغيهم ويفيئوا عن رشدهم، وليعلموا أن (الفرقة الناجية من النار) هي تلك التي تدافع عن الثغور، وتعمل على تحرير العراق من الاحتلال الأميركي.
إن التصنيف، القائم على قاعدة الدفاع عن قيمة إلهية وإنسانية عليا، أي حماية الأرض وتحريرها، هو التصنيف الأكثر قرباً في تجديد قيمنا الدينية والإنسانية والتعبير عنها والمحافظة عليها. وهو التصنيف الذي لا يمكن إلاَّ أن يكون جامعاً لطاقات كل مذاهب الأمة وأديانها وأعراقها. وبغير ذلك ستنفتح علينا أبواب جهنم الدنيا التي هي أشد قسوة من نار جهنم الآخرة.
12/ 6/ 2006
(): نجاد يتوقع ظهور المسيح والمهدي قريباً ومصير الفراعنة لأميركا وبريطانيا
طهران - حسن فحص الحياة - 21/12/06//
زفّ الرئيس محمود أحمدي نجاد، في إطار التوقعات التي يطلقها، «بشرى» توقع فيها «زوال إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا كما زال الفراعنة»، مشيراً الى أن النبي عيسى عليه السلام والمهدي المنتظر سيظهران قريباً.
وقال نجاد في كلمة ألقاها في مدينة جوان رود في اقليم كرمانشاه الكردي: «قوى الاستكبار ستزول فيما الشعب الإيراني سيبقى، لأن أي قوة تقف إلى جانب الله تستمر بينما القوى التي تبتعد عن الله تزول كما زال الفراعنة».
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي توقع لدى استقباله رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية قبل أقل من أسبوعين «زوال الكيان الصهيوني وقيام دولة فلسطين المستقلة الموحدة».
وشدد نجاد على «وعد الهي»، خصوصاً في ما يتعلق بـ «الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني التي ابتعدت عن تعاليم الله والسيد المسيح»، مؤكداً أن «زمن الصعاب والأحقاد ولّى وإن شاء الله سيعود عيسى المسيح قريباً إلى الأرض، كذلك الإمام المهدي للقضاء على الظلم». وطرح قبيل عيد الميلاد تساؤلات عن علاقة السيد المسيح بالعالم المسيحي الآن، قائلاً: «لو کان السيد المسيح حياً، هل کان وافق على سلوك القوى الكبرى ما الذي سيفعله في مواجهة بعض الدول المسيحية المتسلطة، وأيّها سيبقى وأيها سيزيل؟ وإذا كان السيد المسيح موجوداً بيننا الآن، أي من هؤلاء سيتبعه وأيّهم سيبتعد عنه»؟
الى ذلك، قال سياسي إيراني رفض كشف اسمه لـ «الحياة» إن خطاب نجاد يأتي بعد الانتخابات التي شهدتها إيران وأسفرت عن هزيمة لتياره. ويرى الرئيس الإيراني ان وصوله إلى سدة الرئاسة كان توفيقاً «إلهياً» وتكليفاً لإنجاز مهمة «سماوية»، وأن العالم «متعطش لسماع هذه الرسالة».
***
لقد نشرت دورية العراق الخبر المذكور أعلاه، وأضافت التعليق التالي:
حسن خليل غريب: صدقت توقعاته وأعلنت ايران البشرى!!
في 22/ 12/ 2006: تعليق الدورية : كان الكاتب الاستاذ حسن خليل غريب قد نشر في الدورية مقالة بعنوان "قتل البشر والشجر في انتظار عودة المنتظر" بتاريخ 17/6/2006 استقرأ فيها وبجلاء يليق بالكتاب ذوي الالهام والبصيرة ان الاعتقاد بعودة المسيح وعودة المهدي المنتظر ، مشروعان يتفقان على أن لكل منهما نصوصاً مقدسة تتناقض في أهدافها، فكانت أرض العراق قاعدة الانطلاقة للمشروعين، ولا ضير في أن يدفع العراقيون الثمن عند من يعتقدون أنهم ينفذون أوامر «إلهية».
-->

ليست هناك تعليقات: