السبت، فبراير 27، 2010

رد على مقال للدكتور عصام نعمان

-->
رد على مقال للدكتور عصام نعمان
29/ 5/ 2004م

بتاريخ 23/ 5/ 2004م، نشر الدكتور عصام نعمان في موقع »التجديد العربي« مقالاً تحت عنوان »العراق بين الفوضى وتمديد الاحتلال هل من خيار ثالث؟«. ومن منطلقات المحبة والاحترام له، واستناداً إلى الفائدة المرجوة من الحوار معه، جئنا بهذا الرد على مقالته المذكورة.

بداية لا بُدَّ من أن نبيِّن للقارئ أن الدكتور نعمان يحتل عدداً من المواقع المميزة. فله كرسيه الوطني والقومي، كما كرسيه السياسي والقانوني. ففي ردنا على مقاله نحيِّد موقعه الوطني والقومي لحرصنا، من منطلق الاعتراف بالجميل، لأن كتاباته يحدوها خدمة الفكرين الوطني والقومي، فنحن نعترف أن الهدف من كتابة مقاله يستند إلى مصلحة قومية صادقة. ولهذا سنحصر ردنا في الجانبين السياسي والقانوني.
لا يمكن أن يقع الدكتور نعمان في خطأ سياسي بحجم ما بدأ به مقاله عندما حصر اشتداد أسباب الفوضى في العراق باغتيال عز الدين سليم، الرئيس الدوري لشهر أيار، ل»مجلس الحكم الانتقالي« في العراق. وحول ذلك بدأ مقاله قالاً: »مع إغتيال الرئيس الدوري لمجلس الحكم الانتقالي السيد عز الدين سليم، انزلق العراق إلى حضيض متدنٍ من الفوضى والفلتان الأمني«، بينما الدقة تثبت أن الفوضى والفلتان الأمني كانا منذ أن كان الاحتلال الأميركي للعراق، فاغتيال عز الدين سليم ليست إلاَّ تفصيل أمني من عشرات ألوف التفصيلات، لذلك لا يقدم اغتياله من واقع العراق الأمني أو يؤخر شيئاً. فمصير عز الدين ليس شاذاً لأن كل المشاركين في مجلس الحكم وُضِعوا على لوائح استهداف المقاومة العراقية منذ البيان الأول الصادر عن قيادة المقاومة العراقية الصادر في 24/ 5/ 2004م، (راجع جريدة القدس العربي لندن).
لم يكن اغتيال عز الدين سليم سبباً أقنع زملاءه في المجلس بطلب قوات حماية دولية على قاعدة: »ما دامت قوات التحالف عاجزة عن توفير الأمن والنظام«، »، فلماذا لا نطالب بحماية دولية؟«. وإنما أعضاء المجلس يعرفون أنهم لا يحق لهم بأن يطالبوا بأي شيء، لأن من هو مكلَّف بالطلب عنهم هو حاميهم وراعيهم وحراميهم الأميركي. فالطلب الذي ينسبه الدكتور نعمان إلى أعضاء المجلس ليس واقعياً على الإطلاق. كما لا يجوز على الإطلاق أن نضع أولئك الأعضاء في أية دائرة من دوائر »حسن النية« أو ننسب إليهم أي فضل من فضائل المطالبة بالشرعية الدولية لأنهم لو أرادوها فليس لمصلحة العراق. وهم لو كانوا يعطون أي وزن لها لما ركبوا على دبابات الاحتلال الذي دخل العراق رغماً عن أنف تلك الشرعية. فالأولى ونحن لا نريد أن نعطي دروساً في السياسة للدكتور نعمان- أن لا يُعطى أولئك العملاء أية أسباب تخفيفية في الحكم عليهم لأنهم عندما عادوا إلى العراق على دبابات الاحتلال لم يعودوا وهم من »حسني النية«، بل عادوا وهم يعرفون مدى فداحة الثمن الذي سيدفعه وطنهم من فوضى وتخريب وفلتان أمني ونهب لثرواته واستيلاءً على سيادته في السياسة والنهب الاقتصادي. لهذا فهم خارج كل معادلة ذات علاقة بالتفكير بالبديل للاحتلال، تمهيداً وتفاوضاً وتشكيلاً. أما السبب فيعود إلى ما يحكم عليهم القانون المتعلق بالتآمر على أمن الدولة وسلامتها.
ليس الخوف من »الفوضى المتطورة الى لون من ألوان "اللبننة«" ، التي »لم تبقَ مجرد إحتمال« هو ما على العراقيين أن يأخذوه في الحسبان من أجل طلب قوات دولية، بل إن مطلب العراقيين يجب أن ينصب على خروج الاحتلال أولاً، لأنه لا خوف على »لبننة« العراق، ففي الوقت الذي يخرج فيه الاحتلال ستخرج معه الميليشيات المتسترة تحت عباءات دينية مذهبية أو عباءات عرقية، وتلك الميليشيات وحدها تشكل العامل الوحيد الذي يمكن أن يسهم في »لبننة« العراق. فمن بعد خروجهم وهم سيخرجون مع الاحتلال حتماً- لا خوف على العراق من الفتنة.
فإذا كان الأمر واضحاً: رفض لأي دور لأعضاء »مجلس الحكم«، مجتمعين أو منفردين (إلاَّ من تاب منهم قبل فوات الأوان)، في التخطيط لمستقبل العراق. وإذا كان واضحاً أن التخويف من فتنة ليس واقعياً. فمن الممكن الاتفاق حول كل الأدوار التي يمكن أن يلعبها الوطنيون العراقيون الذين لم يتلَّوثوا بأية علاقة مع الاحتلال.
يستطرد الدكتور نعمان في مقاله مقترحاً عدة من البنود التي يحسب أنها تسهم في وضع مشاريع حلول للقضية العراقية، بعد أن يحصل المجتمع الدولي على ضمانات أميركية بإنهاء الاحتلال حسب جدول زمني واضح، يمهِّد الدكتور نعمان لاقتراحاته بالقول: »ليس من المغالاة في شيء القول إن المقاومة العراقية نجحت على صعيد الكفاح المسلح، لكنها لم تفلح على صعيد الكفاح السياسي«. وهنا لا بُدَّ من وقفة أمام الجزء الثاني من العبارة، وهو الحكم الذي تساوى بإطلاقه عدد من الكتَّاب العرب على أن المقاومة العراقية لا تمتلك منهجاً سياسياً، وكأنهم من منطلق حسن النية- يوحون بأن العقل الذي أسَّس للمقاومة العظيمة عقل مبدع في التخطيط العسكري لكنه عقل عقيم بالسياسة.
نحن لا نريد أن نبخس الناقدين للمقاومة، حول غياب منهج سياسي يساعدها على الرؤية الاستراتيجية، حقهم وغيرتهم. ولا أن نبالغ في نباهة قيادة المقاومة حول أنها لم تغفل هذا الجانب الأساسي. واستناداً إليه نود أن نلفت النظر إلى ثلاثة أمور حول علاقة المقاومة بالسياسة والإبداع السياسي:
أولاً: لم يخطط للمقاومة التي فاقت نتائجها كل التصورات عقل سياسي قاصر. بل كان وراء التخطيط لتلك المقاومة إيديولوجيا قومية ثورية بشِّر بها حزب البعث العربي الاشتراكي منذ أوائل الأربعينيات من القرن العشرين، وبلغت حتى الآن أكثر من ستين عاماً من عمرها. وتربَّت على أياديها ملايين من العرب. وتلك الإيديولوجيا واضحة تماماً من حيث تحديد أولوياتها في مقاومة الصهيونية والاستعمار على قاعدة »الكفاح الشعبي المسلح«. ولأن للحزب إيديولوجيا علمانية مميَّزة فهي تستند في ثورتها للتحرر إلى المواطنية وليس لأي انتماء آخر. ففيها ما يطمئن كل الإثنيات الدينية إلاَّ الذين لا يريدون أن يطمئنوا إلاَّ على قاعدة الانتماء إلى المذهب. وفي تلك الإيديولوجيا ما يطمئن كل الإثنيات العراقية إلاَّ الذين أخفوا أهدافهم في الانفصال عن الوطنية العراقية.
ثانياً: ولخصوصية المرحلة (مرحلة التحرر من الاحتلال)، وقبل أن تمر خمسة أشهر على الاحتلال أعلنت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق قيادة المقاومة والتحرير- بتاريخ 9/ 9/ 2003م، »المنهج السياسي الاستراتيجي« (وهو منشور في مواقع الأنترنت التالية: موقع القوى الشعبية العربية المحرر، وشبكة البصرة نت، وكتاب المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة). وفي المنهج أكَّدت قيادة الحزب والمقاومة على كل الثوابت الاستراتيجية والتكتيكية ذات العلاقة بخصوصيات المقاومة العراقية، ومنها أسس العلاقات الجبهوية لكل من يريد أن يقاوم الاحتلال على الطريقة التي يبرع فيها أو تلك التي تقع في مدى إمكانياته، من دون النظر إلى لونه أو جنسه، شاملاً كل الأطياف العراقية، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
كنا نتمنى من كل الناقدين المخلصين أن يقرأوا ذلك المنهج المعلن منذ أكثر ثمانية أشهر منذ الآن- قبل الحكم على عقل قيادة المقاومة بعدم »الفلاح« السياسي. وكنا نتمنى أن ينقدوا قيادة المقاومة على شيء وضعته، وقد يكون فيه عدد من الأخطاء. لكن أن تُحاسَب على قاعدة أنها غائبة عن مدى أهمية البعد السياسي فهذا ما هو إلاَّ ظلم. ولا يبرره أن الناقد لا يعلم بوجود نص سياسي ذي علاقة، فعليه أن يسأل أو يبحث. ولهذا لنا كل الرجاء من الدكتور نعمان تخصيصاً- أن يفيدنا عن ملاحظاته حول ذلك المنهج.
ثالثاً: منذ أكثر من عشرة شهور، أسَّست قيادة المقاومة العراقية مجلساً جبهوياً للمقاومة يُدعى »المجلس الوطني للمقاومة العراقية ليضم كتائب المجاهدين من المناضلين البعثيين ورجال القوات المسلحة وأبطال أجهزة الأمن القومي، ومعهم -وبكل تلاحم- عشرات الآلاف من الوطنيين العراقيين الرافضين لمنطق الاحتلال والخنوع للمستعمر. وانخرط في المجلس شيوخ العشائر النجباء ورجال الدين المجاهدين وعدد من القوى الإسلامية لكي يكون إطاراً تنظيمياً يقود عملية المقاومة، وينظم برامجها وعملياتها تبعاً لتطور الموقف العسكري والوضع السياسي«.
رابعاً: أعلن المجلس برنامجه السياسي، بتاريخ 1/ 4/ 2004م، والذي يحدد في إعلانه الخطوات التالية:
1-رفض مطلق وشامل لمنطق الاحتلال وأدواته وعناصره.
2-استمرار المقاومة بكل أشكالها المسلحة.
3-بمجرد خروج المحتلين الغزاة، وتحرير العراق، تعود الدولة بكل مؤسساتها الوطنية والسيادية والخدمية، وعودة الجيش كمؤسسة وطنية إلى سابق عهده، أي على ما كانت عليه الأمور قبل يوم 9/4/2003.
4-سيعلن المجلس الوطني -في الوقت المناسب- عن تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية لمدة سنتين، تقوم بالمهام التالية: (الدعوة خلال سنتين إلى انتخابات جديدة لمجلس وطني جديد بإشراف جامعة الدول العربية والمراقبين الدوليين والهيئات الدولية المحترمة والمهتمة بالديمقراطية). و(تشكيل مجلس شورى من 150 عضواً من آهل الرأي والحكمة). و(انتخاب رئيس للجمهورية ونائب له لمدة خمس سنوات. ويعرض اسم الرئيس على الشعب في استفتاء عام). و(إطلاق الحريات السياسية بموجب قانون منظم لها). و(تشكيل مجلس أعلى لحقوق الإنسان من الشخصيات المعروفة باستقامتها ونزاهتها الوطنية). و(تطوير قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق بما يضمن الحقوق القومية والثقافية لإقليم كردستان). وهنا نلفت النظر إلى أن نص البيان الكامل قد نُشر في (1/ 4/ 2004م: القدس العربي: لندن).
إن وجود مثل هذه الوثيقة بين أيدي القراء يمكن لأي كان أن يبدي رأيه فيها، وخدمة للمقاومة يمكنه نشر ما يريد من ملاحظات، ولا نحسب أن آذان قيادة المقاومة إلاَّ صاغية لكل ملاحظة تصدر عن كل المخلصين والصادقين.
أما حول تفاصيل بعض الاقتراحات التي قدَّمها الدكتور نعمان في مقاله، فلنا بعض الملاحظات:
أولاً: حول اقتراحه بالمساواة بين الاحتلال وعملائه، ونظام حزب البعث السابق والمتعاونين، أي كما جاء في نص الدكتور نعمان: تشكيل حكومة عراقية »من شخصيات وطنية كفؤة يجمع أعضاؤها بين صفتين: استقلالهم التام عن إدارة الاحتلال وعدم تعاونهم مع قواته وأجهزته، واستقلالهم التام عن النظام السابق وعدم تعاونهم معه ماضياً أو حاضراً«.
لنا حول هذا النص ملاحظات أخلاقية وسياسية وقانونية:
الملاحظات الأخلاقية: ينال منا العجب كل منال من أن يساوي أحد بين الاحتلال وعملائه من العراقيين مع أي عراقي حتى ولو كان من المحايدين (الذين كفوا المقاومين شرهم)، فكيف يكون الأمر لو جرت المساواة بين الاحتلال وعملائه من جهة والمقاومين للاحتلال (على اختلاف درجاتهم) من جهة أخرى؟؟!!
لا يمكننا أن نقبل تلك المساواة، فلكل عراقي قاوم الاحتلال بقلبه حق في المشاركة بحكم بلده. ومرفوض كل قول خلاف ذلك من أية جهة أتى أو من أية أغراض صدر.
من دون التخصيص ولنبق بالتعميم: أخلاقياً لا يجوز انتزاع حق المقاوم من المشاركة في تقرير مصير بلده تحت أية ذريعة كانت، فبتسلسل الحقوق تكون الأولوية للذي يقدِّم أكثر في معركة التحرير، ويتم التسلسل بالحقوق درجة فدرجة.
لقد أقرَّ بهذا المبدأ الأخلاقي كل الفصائل والقوى العراقية المقاومة ووضعوه على رأس أولوياتهم لمرحلة ما بعد التحرير. ومن الأمثلة على ذلك: لقد جاء في البيان السياسي ل»المجلس الوطني الموحد للمقاومة العراقية - الجناح السياسي«، ما يلي: »وليعلم الجميع أن من يتصدى لمهمة مقاومة المحتل، وطرده، وتحرير العراق، هو الأجدر على قيادة العراق وإعادة بنائه وليس في العراق مكان للخونة واللصوص والمرتزقة«.
الملاحظات القانونية: لقد اتَّخذ الدكتور نعمان ويمكن الإشارة إلى أنه ليس الوحيد الذي أصدر حكماً غيابياً بحق النظام السابق وأعضائه- الحكم التالي: »إحياء وإعادة بناء القوات المسلحة العراقية من ضباط وصفوف ضباط من غير القيادات التي تعاونت مع النظام السابق، أو التي شابت ممارستها مخالفات وجرائم تكون مدعاة لملاحقة قضائية مبنية على قرارات تصدرها لجنة مستقلة من قضاة من أهل الكفاية والاستقلال والنزاهة، على أن تقترن بموافقة الحكومة الانتقالية. الأمر نفسه يمكن تطبيقه على سائر موظفي الدولة، لا سيما أفراد الجهاز التعليمي«.
إن عقدة ما يحلو للبعض أن يسمُّوه »جرائم« النظام السابق ليست أكثر من عقدة نفسية أسهمت بترويجها: تكبيراً وتضخيماً وتكراراً شهود يقف على رأسهم كل أجهزة المخابرات الأميركية وغيرها. وهي ليست مسألة قانونية أو أخلاقية أو سياسية. أما لو كانت مبنية على أسس قانونية، فلتلك الأسس قواعد ومبادئ إذا تمَّ تجاوزها تصب في دائرة اللا عدالة. ولأن الدكتور نعمان من المتخصصين في القانون، وهو الذي تسلَّم الكثير من الدعاوى للدفاع عن حقوق الناس، ويعرف مبادئ العدالة وحقوق المواطن، يأتي على رأسها المبدأ الأخلاقي القانوني »المتهم بريء حتى تثبت إدانته«. أما قاعدة »المتهم مدان حتى تثبت براءته« فهي قاعدة لا علاقة لها بالأسس الأخلاقية ولا القانونية. ولما كان من اعتبرهم متهمين لم تصدر الإدانة بحقهم، فعلى قاعدة العدالة الأساسية »كل متهم بريء حتى تثبت إدانته« لا يمكن حرمان أي واحد من الذين استثناهم الدكتور نعمان من حق المشاركة في بناء عراق ما بعد التحرير شاملاً حقوقه المدنية والسياسية والمعيشية
لقد حاكم كثير من السياسيين العرب، ونقولها بكل أسف، نظام حزب البعث في العراق، على قواعد مسيئة للعدالة. ونستدل على لا عدالتها من أنها لا تستند إلى »الشهود العدول« فحسب، بل إنهم من الأعداء والكذَبَة واللصوص والمتواطئين مع أعداء وطنهم وأمتهم أيضاً. وإذا انتفت عن الشاهد صفة »العدل والصدق«، فمن غير الجائز أن يتخذ القاضي حكماً بناء على شهادته. (مع الإذن من الدكتور لأنه أستاذ في القانون، ونحن لا نريد أن نضع أنفسنا في موقع العارف أكثر منه، لكنه يسمح لنا بأن نقدم ورقة دفاع على مقدار فهمنا للأسس القانونية).
عندما أقصى الدكتور نعمان كل البعثيين أو الذين تعاونوا معهم عن حقهم في المشاركة بالنظام السياسي في مرحلة ما بعد التحرير يكون قد خالف أقل القواعد والمبادئ القانونية. وهو قام بإصدار حكمه في إقصائهم بناء على شهادة التالية مواصفاتهم:
-المخابرات المركزية الأميركية والبريطانية والصهيونية والإيرانية.
-أقطاب المعارضة العراقية، الذين عادوا إلى العراق على دبابات الاحتلال. ويعرف الدكتور نعمان أن عدداً منهم تقوم المخابرات الأميركية بمحاكمتهم سياسياً بسبب المعلومات الكاذبة التي قدموها لمكاتب الاستخبارات والدولة الأميركية. أما من جانب أقطاب المعارضة العراقية الذين أثبتوا مصداقية وطنيتهم، فقد أعلنوا بدون استثناء- أن من يحق له حكم العراق هم المقاومون كل حسب جهده. وأجَّلوا وضع حلول لما اعتبروه أخطاء حصلت في الماضي إلى مرحلة ما بعد التحرير، حيث تتم معالجتها حينذاك- على قاعدة »المتهم بريء حتى تثبت إدانته«.
لذا فليسمح لنا الدكتور نعمان بأن نقول في الشكل: إن قراره باستثناء البعثيين، أو حتى من قام بمصافحتهم أو النظر في عيونهم أي »التي تعاونت مع النظام السابق« كما يعبِّر عنهم الدكتور نعمان- قرار مردود بالشكل. وإعادته بالشكل يعفينا من متابعة إبداء الأسباب الأخرى. لأن تلك المحاكمة حق من حقوق »النظام والمعارضة«: »النظام« الذي أثبت جدارته بقيادة، المقاومة و»المعارضة« التي أثبتت وطنيتها وشرعيتها من خلال انحيازها إلى الدفاع عن السيادة الوطنية والأمن الوطني العراقي والقومي العربي.
لكن لا يفوتنا أن نذكِّر بأن البعثيين ومن تعاون معهم هم بالملايين، تلك المسألة التي لم يلتفت إليها بول بريمر عندما أصدر حكمين بالإعدام على البعثيين والذين تعاونوا معهم فأصدر »فرمان« (اجتثاث البعثيين من المجتمع العراقي)، وفرمانات (حل الجيش العراقي) و( حل القطاع الوظيفي) ومنه العلماء وأساتذة الجامعات. تلك الفرمانات قامت على قاعدة منع البعثيين من المشاركة في إعادة بناء »القوات المسلحة«، وبناء المؤسسات المدنية ومنها المؤسسات التعليمية. فواجه بول بريمر عواقب الفرمانات العشوائية التي أصدرها بحق النظام السابق وكل من تعاون معه. وهنا لم نكن نريد للدكتور نعمان أن يدعو وهو الدقيق بعلميته واختياره للمصطلحات الدقيقة- أن يقع في مطب »حسن النية«، عندما وقع في خطأ تعميم حكم جرَّبته قيادة الاحتلال في حق »النظام السابق وكل من تعاون معه« من ضباط ولم يستثن من ذلك أساتذة الجامعات.
الملاحظات السياسية: حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب مليوني في العراق. ومن غير المسموح لأن يقول أحد بأن الحزب المليوني تم تشكيله على قاعدة الحصول على امتيازات السلطة. مع تأكيدنا على كذب مصداقية هذا القول، والدكتور نعمان يعرف تماماً أن البعثيين مناضلين ولن يكون سبب انتمائهم بسبب سلطة ولا نعمها. والمقياس حول ذلك يعرف أن البعثيين انتسبوا إلى الحزب قيل السلطة وبعدها، ويعلم تماماً أن ليس البعثيين من المحيط إلى الخليج- انتسبوا إلى البعث طمعاً بمكاسب السلطة.
وحتى لو انتسب قسم من العراقيين إلى الحزب طمعاً بالسلطة فهي ليست قاعدة وإنما هي شواذات القاعدة، ولا يمكن القياس على الشواذ. أو إصدار الأحكام كلها بناء لحالات شاذة.
ما نريد أن نقوله، هنا، إن الحزب المليوني، إذا صحَّ أن تسقط منه الملايين، فلن تسقط صفته المليونية. فسيبقى بعد إسقاط ما تشاء- أكبر تكتل حزبي على الساحة العراقية، فهل من الديموقراطية أن يصدر حكم هكذا بإعدام حق الملايين من المواطنين- ومنعهم من حقوقهم السياسية؟.
لا يقف الأمر عند تلك الحدود، بل أن يصدر أمر بإعدام حقوقهم الوظيفية (لقمة عيشهم ومصدر رزقهم) ». الأمر نفسه يمكن تطبيقه على سائر موظفي الدولة، لا سيما أفراد الجهاز التعليمي«. وهنا لا بُدَّ من رفع علامات التعجب والاستفهام لنقول: هل من المعقول أن تبلغ العدالة إلى هذا المستوى الراقي؟ وهل من المعقول أن يصل الرقي بالديموقراطية هذا المبلغ؟!!
على كل حال، اعتذاراً من الدكتور نعمان، وتوضيحاً لما يقوم البعض بتجهيله حول هوية المقاومة الوطنية العراقية، نطلب منهم الحكم بعدالة وموضوعية حول تلك الهوية. وقبل أن نلزمهم بتعريف محدد، نحيلهم إلى كل الوثائق السياسية والعسكرية التي تصدرها كل الفصائل المقاتلة بالبندقية أو بالكلمة حتى لا ندع البعض يسلب حق البعض الآخر. وعليهم أن يحددوا هوية واضحة للمقاومة غير العناوين العامة والعائمة حتى نستطيع أن نحكم بموضوعية، وأن نحاور بموضوعية، وأن نتَّفق حول أسس وقواعد تسهم في رفد المقاومة العراقية بالرأي السليم والموضوعي.
نقول هذا، مما كنا لا نريد أن نشير إليه خوفاً من الوقوع في الفئوية التي قد تلهي الفصائل المقاومة عن رسالتها ومهمتها وأهدافها، أو تسرق بعض الوقت أو الجهد منها، الذي يجب أن ينصبَّ كله باتجاه قتال العدو الأميركي المحتل. لكن أن يقوم البعض بتجهيل دور حزب البعث في مقاومة كان صانعها من الألف إلى الياء، اختارت قياداته الشهادة والأسر أو الاختباء والتشريد والجوع والألم والعذاب لأنفسهم ولعائلاتهم، فهذا والله- منتهى الظلم واللا عدالة.
لقد كبَّروا أخطاء البعثيين وقياداتهم وأصدروا بحقهم الأحكام بتعسف، وها هم اليوم يريدون أن يطمسوا دورهم الرائد والأكثر شرفاً في تاريخ العالم كله، فهو تصرف ليس أقل ديكتاتورية من ديكتاتوريات الأنظمة.
لم يحاكموا تجربة البعث في السلطة بعدالة، وهم لا يريدون أن ينظروا إلى تجربته في المقاومة بعدالة. يريدون أن يسلبوا المناضلين البعثيين من نضالهم تحت ذريعة أن أي إعلان لدور البعث في المقاومة فيه ما يخيف العراقيين!!!
بالعودة إلى قرارات بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي للعراق، نرى أنها تركِّز على اجتثاث البعث: فلسفة وحدوية اشتراكية مقاومة للاستعمار، ومشروعاً نهضوياً عربياً ينقل الأمة من الصف المستهلك إلى الصف المنتج. فاجتثاث البعث في المصطلح الأميركي، وهو أكثر دقة من مصطلح كثير من الساسة والمثقفين والمفكرين العرب، يعني اجتثاث فكره وتطبيقاته العملية معاً.
لقد انقاد من أشرنا إليهم من العرب إلى تسطيح المصطلح والأهداف الأميركية من غزو العراق، و»غمَّسوا« من خارج »صحن الحقيقة« عندما أقدموا على تقييم وضع »نظام البعث« في العراق على قاعدة أنهم أخذوا يحللون طبيعة »الرأس« فيه (والرأس عبارة عن محتوى داخلي ومظهر خارجي) فبتروا تعسفاً تقييم ما يختزنه الرأس من مشاريع كبرى ذات قيمة أثارت مخاوف المشروع الأميركي الصهيوني، وانغمسوا في تقييم تسريحة شعره وطريقة حلاقة ذقنه وطول شاربيه أو قصرهما. فبهذا التسطيح ساد العقم في النظرة السياسية والمبدئية عند كثير من الساسة العرب. وإذا كنا نتوجَّه باللوم إلى من نحبهم لأجل مواقفهم الوطنية والقومية السليمة فلأنهم هم أنفسهم الأقدر على أن يلعبوا دور المرشد الواعي الموضوعي، من دون تحيز أو انحياز، في توجيه دفة الأمة كلها انطلاقاً من القضية العراقية للوصول إلى المرفأ بسلامة.
إطمئنوا أيها الحريصون على العراق على أن دور البعثيين في المقاومة وقيادتهم لها ليس فيه ما يخيف إلاَّ الاحتلال والمتعاونين معه، و إلاَّ حاملي العقد الإيديولوجية التي تعود إلى الزمن الماضي، و إلاَّ حاملي العقد السياسية لسبب أو لآخر.
فليقولوا لنا ماذا يريدون؟ أيريدون إعطاء براءة لقانون الأول من أيار من العام 2003م الذي أصدره بول بريمر تحت عنوان »تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث«؟
فإذا كان بريمر يريد استئصال البعث كلياً، كهاجس يزرع الخوف والأرق في عيون وقلوب صانعي المشروع الأميركي الصهيوني الخبيث، فإن أحبة المشروع النهضوي العربي يريدون استئصال »العقل الصانع« لذلك المشروع في العراق تحت ذرائع تجميل شعر الرأس والذقن والشوارب. لذا نناشد الأحبة والأصدقاء والصادقين من القوميين العرب أن يرأفوا بعقل الأمة ويعملوا على تطويره وتحديثه وتجديده ليس ببتر الرأس واللهو بتصفيف شعر الجثة لأنه لا حياة فيها ولا أمل منها ومن جمال تسريحة الشعر فيها. نناشدهم أن ينقذوا الرأس أولاً وليصففوا شعرها بعد إنقاذه- على الطريقة التي تريحهم، ليبدو الرأس (محتواه وروحه) متناسقاً مع تسريحة شعره (مظهراً خارجياً) على أجمل حلة وأحلاها.
أيريدون أن يقاتل البعثيون في تجربة من أهم تجارب حروب التحرير الشعبية في العالم ويكونوا ملائكة في إخفاء دورهم القيادي والنضالي استجابة لنزوة إيديولوجية من هنا أو نزوة سياسية من هناك؟ أيريدون من المناضلين البعثيين أن يتركوا للآخرين حق التسلق إلى موقع قيادة العراق على جماجمهم، ليثبتوا أنهم ديموقراطيون. وهل من الديموقراطية في شيء أن ينال الإنسان أقل مما يبذل من جهد، وأن ينال الآخر أكثر مما يبذله من عمل؟؟!!
أين حقوق المناضلين؟
أمن أجل أن لا ينكسر خاطر » قوات بدر« و»حزب الدعوة« و»الحزب الإسلامي« و»أحمد الجلبي« و»البرازاني« و»الطالباني« …….. نقوم بنحر نضالات البعثيين شهادة وأسراً وتضحيات أخرى جساما؟!
-->

ليست هناك تعليقات: