السبت، فبراير 27، 2010

ملف عن الحزب في لبنان

-->
ملف عن الحزب في لبنان

في معرض تشكيل ملف عن الأحزاب اللبنانية وجَّهت مجلة البيــان، التي تصدر في الإمارات العربية المتحدة، الأسئلة التالية لحزب البعث العربي الاشتراكي
1-لمحة تاريخية عن الحزب: ظروف ما قبل التأسيس، أسباب التأسيس، المؤسس أو المؤسسون، مكان الانطلاقة الأولى، الانتشار: محلياً، عربياً أو عالمياً.
ترافق التفكير في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي مع محطة تاريخية مفصلية وأساسية في تاريخ الأمة العربية. ففي بداية الثلاثينات من القرن العشرين كانت الأمة العربية تعيش على مفترق طرق مصيري في حياتها. كانت الأمة قد خرجت من كنف الدولة العثمانية بعد سقوطها في الحرب العالمية الأولى.
في المرحلة التركية العثمانية عاشت الأمة تحت وطأة أكثر وقائع الاقتصاد والفكر والاجتماع ظلماً وظلاماً، ولما سقطت الدولة العثمانية انتقلت الأمة العربية إلى مصير مجهول، وخضعت لإرادة القوى الاستعمارية الغربية التي أظهرت مدى تكالبها على اصطياد خيرات الأمة واستغلالها والهيمنة على مقدراتها وإمكانياتها الاقتصادية، فكانت باكورة مظاهر تلك الأهداف تتمظهر من خلال أخطر خريطتين رسمهما الاستعمار الأوروبي، وهما: اتفاقية سايكس بيكو التي قسمَّت المنطقة إلى أجزاء تمنع عن الأمة وحدتها، ووعد بلفور الذي قضى بإعطاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. ولأنهما أصبحتا من أكثر الاتفاقيات وضوحاً في عصرنا الراهن، يمكننا أن نتجاوز الكلام عنهما.
كان الفكر القومي العربي يعيش، في تلك المرحلة، في أبراجه النظرية، وفي أوساط النخب، ولم تُرسَم له وسائل التنفيذ. فكان ميشيل عفلق، مؤسس البعث، يعيش أجواء تلك المرحلة: يعرف مشاريع الاستعمار ويعي مدى خطورتها من جهة، وواقع النخب العربية، ومنها واقع المفكرين القوميين، الذين حبسوا أنفسهم في أبراج النظريات ولم ينتقلوا بها إلى واقع النضال من جهة أخرى.
كانت رؤيته لواقع مخططات القوى الخارجية وخطورتها، والتخلف الداخلي وعجزه عن مقاومتها، أكثر المسائل التي أقلقت عقل ووجدان ميشيل عفلق. فكان الحل الذي اهتدى إليه هو أن يسلِّط الإضاءة على خطورة المخططات الخارجية وهيمنتها على مقدرات الأمة العربية من جهة، والعمل من أجل أن يكون للأمة مشروع نضالي لمناهضة تلك المشاريع وإسقاطها من جهة أخرى.
تجلَّت رؤية مؤسس البعث في مسألتين أساسيتين وهما: الوعي النظري للواقع السائد، على أن ينتقل من دائرة النخبة إلى وعي جماهيري عربي، يؤسس للمسألة الثانية وهي خلق جو نضالي يكون حافزاً لأوسع قطاع من الجماهير للانخراط في ورشة نضالية تستفيد من طاقات الأفراد والمجموعات لتصب في دائرة الصراع ضد كل مشاريع الخارج؛ فيكون المشروع القومي الجديد -كما رآه ميشيل عفلق- قد أصاب هدفين في آن واحد، وهما: رؤية نظرية واضحة، ومشروع نضالي يشترك في تنفيذه كل عربي.
أما كيف يمكن الانتقال من النظرية إلى التطبيق؟ هذا ما عفلق إلى تأسيس تجمع من المثقفين القوميين والتبشير بتأسيس حزب مستفيداً من تجارب الأحزاب الحديثة. يستطيع العرب، من خلال ذلك الحزب، أن يستندوا إلى أداة منظمة، التي هي وحدها القادرة على تنظيم وسائل الصراع ضد قوى الاستغلال والنهب الخارجي من جهة، وتكون قادرة على تنظيم صفوفها من أجل قيادة الصراع في وجه قوى الاستغلال والنهب الداخلي من جهة أخرى. وبهذا يكون ميشيل عفلق قد ارتقى بالفكر القومي إلى واقعه العملي النضالي.
على الرغم من أن مرحلة التبشير بالحزب قد استهلكت السنوات الطوال، خاض فيه البعثيون الأوائل تجربة العمل الحزبي المنظم، عقدوا بعد أن أصبحت تجربتهم بمستوى من النضج، في دمشق، مؤتمراً تأسيسياً من 4 -6 نيسان من العام 1947، أعلنوا بعد انتهاء اجتماعاتهم ولادة حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من الشهر ذاته، وكانت شعاراته تتلخص بالوحدة والحرية والاشتراكية.
وبعد إعلان قيام الكيان الصهيوني الغاصب، بدأت ردات الفعل الشعبية الحادة، فكانت الانقلابات العسكرية من مظاهر الاحتجاج. وتتالت الانقلابات العسكرية في سوريا وكان آخرها انقلاب الشيشكلي الذي سقط، في العام 1954م، تحت تأثير الضغط الشعبي الذي قاده حزب البعث. وأسهم الحزب، أيضاً، في صد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م. وقاد الحزب، عن الجانب السوري، مفاوضات الوحدة مع جمال عبد الناصر، التي تُوِّجت بإعلان الوحدة في العام 1958م. وإيماناً من الحزب بالوحدة قرَّر أن يحلَّ نفسه بناء لما جرى عليه الاتفاق بين القطرين. ونتيجة للتآمر الدولي على دولة الوحدة حصل الانفصال في العام 1961م، فوقف الحزب ضده وضد الذين قاموا به.
واستكمل الحزب سياسته في العمل من أجل الوحدة العربية فكانت من أهم محاولاته، إعلان الاتفاق الوحدوي الثلاثي بين العراق وسوريا ومصر في 17 نيسان من العام 1963م، وميثاق العمل القومي بين القطرين العراقي والسوري في 26-10-1978 .
لن نغوص في الإضاءة على شعارات الحزب، وهي غنية عن التعريف، لأنها أصبحت في مراميها المبدئية والتفصيلية من أسس الثقافة العامة لكل المثقفين العرب.
كان من أهم مميزات حزب البعث العربي الاشتراكي أنه عمل على تحقيق أهدافه الفكرية والسياسية القومية من خلال أطر تنظيمية قومية أيضاً. فهو قد جمع بين الفكر القومي وأداة نضاله التنظيمية؛ فهو حزب قومي بفكره وبتنظيمه أيضاً. والغاية من وراء ذلك، أنه لن يستطيع القيام بمهام قضايا الأمة العربية على المستوى القومي إلاَّ حزب له امتدادات قومية في كل الأقطار العربية. ومن خلاله تُعدُّ قيادة الحزب القومية، التي غالباً ما تضم إليها قياديين من معظم الأقطار العربية، مُوجِّهاً لنشاطات الفروع القطرية؛ وهي تمثل القيادة المركزية التي تلزم بقراراتها كل المنظمات الحزبية القطرية.
استناداً إلى ذلك يكون للحزب امتدادات في معظم الأقطار العربية. وللحزب، في المرحلة الراهنة، قيادة قومية أمينها العام الرئيس صدام حسين، أما أمين سر القيادة القطرية في لبنان فهو الدكتور عبد المجيد الرافعي.
2-أهداف الحزب: المبادئ الفكرية والسياسية (موجزة)، آلية تحقيقها، هل تحققت؟ كيف؟ هل تغيَّرت اليوم عما قبل لماذا؟ التمويل المادي.
للحزب مبادئ أساسية أعلن عنها في مؤتمرة التأسيسي الأول، تتمثل بالوحدة والحرية والاشتراكية.
أما حول الوحدة، فهي تعبير واضح عن اتجاهات الحزب القومية، فلا قومية عربية بدون الوحدة. فالوحدة هي المضمون السياسي للقومية، ولا معنى للفكر القومي العربي بدون العمل من أجل تحقيق الوحدة العربية. فالوحدة لها أرجحية على الشعارين الآخرين: الحرية والاشتراكية.
إذا تحققت الوحدة فلا بُدَّ لها من تشريعات: ومن أهم التشريعات الأساسية تأتي الحرية بمفاهيمها الإنسانية المطلقة، وبمضمونها الديموقراطي السياسي التطبيقي. أما النظام الاقتصادي المنشود فيعبِّر عنه شعار الاشتراكية. فيكون للفكر القومي ترجمات سياسية يناضل الحزب من أجلها، وهي:
الوحدة أولاً، وتستند إلى الشعور القومي العربي كثابت يُكسب الوحدة مضامينها الفكرية، فالهوية هي قومية، وللقومية مضمون سياسي هي وحدة أقطار الأمة القومية.
أما التشريعات السياسية والاقتصادية للدولة القومية الواحدة فتقوم على أساسين نظريين وهما: الحرية كمضمون فكري فلسفي يجد ترجمة عملية له في النظام الديموقراطي القومي الذي يضمن للمواطنين في دولة الوحدة المساواة المطلقة في الحقوق السياسية. والاشتراكي كمضمون فلسفي يجد ترجمة له في التشريعات الاقتصادية التي تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين في دولة الوحدة.
ومن المميزات الفكرية الأساسية لحزب البعث الترابط الجدلي بين الوحدة والحرية والاشتراكية، بحيث أنه قل الفكر القومي من المرحلة العاطفية النظرية إلى المرحلة النضالية العملية.
أما آلية تحقيق الشعارات فتستند إلى وسائل النضال المتاحة، والتي تحددها مؤتمرات الحزب القومية ومقررات القيادة القومية. أما إذا كانت لوسائل النضال القطرية خصوصياتها فيأتي دور القيادة القومية ليصوِّب اتجاهات الخصوصيات القطرية بما لا يتعارض مع وسائل النضال على الصعيد القومي. فيكون النضال على الصعيد القومي ذا أثر مهم على صعيد رفد النضال على الصعيد القطري بتصويبات مبدأية قومية من جهة، وعلى صعيد رفد النضالات القطرية بعمق نضالي قومي من جهة أخرى، فيتكامل النضال القطري مع النضال القومي فيعطي كل منهما مناعة مبدئية للآخر، ويرفده بقوة نضالية بشكل مباشر أو غير مباشر.
أما حول السؤال عما إذا كانت الأهداف قد تحققت أم لا؟ فليس على السائل أن يكون مستعجلاً كثيراً لأن تحقيق أهداف الحزب ليست بمثل تلك السهولة والسرعة، سواء من حيث وجود التأثيرات الكبيرة للعوائق الخارجية، أو لتأثيرات العوائق الكبيرة الآتية من الداخل. إن العمل من أجل تحقيق الأهداف تتطلب نضال الأجيال تلو الأجيال، وتستدعي استنفار إمكانيات الأمة بكاملها. ولأن الحزب لا يعيش في أوهام طوباوية لأن التغيير لن يتم بقدرة سحرية بل عبر تواصل الحالات النضالية بحيث يقوم كل جيل بالتقدم خطوة باتجاه التغيير تكون أساساً متيناً يقف عليها الجيل اللاحق، وهكذا دواليك
ولتوضيح الإجابة أكثر حول هذا السؤال نستبدله بسؤال آخر، وهو: كم حققت الأجيال العربية السابقة من إنجازات على طريق تحقيق الأهداف؟
مع تأكيدنا على أن من طموحاتنا أن نحقق التغيير في أزمنة قياسية، لكن الواقع هو غير ذلك، وعلى الرغم من ذلك، يعتبر حزب البعث أن كل ممارسة نضالية في الأفق القومي هي إنجاز وحدوي، ولذلك تتحقق الوحدة عبر العملية النضالية المستمرة. إن إمكانيات العوائق الخارجية والداخلية كبيرة وكبيرة جداً، وإمكانيات النضال المتاحة ضعيفة. فالمقياس الذي نكيل به مظاهر التغيير هو أن نتساءل: هل حقق النضال العربي عامة، ونضال البعثيين خاصة خطوات ما على صعيد الانتقال من حالة مرفوضة سابقاً إلى حالات أفضل منها؟
على هذا الصعيد نرى، خاصة من موقع النظر الاستراتيجي، أن هناك متغيرات كثيرة حصلت. يكفينا منها أن نقارن بين حالة النضال السابقة، بنوعيتها وكميتها، وبين الحالة النضالية في المرحلة الراهنة. إن مظاهر حركة الصراع في شتى أشكاله تبدو أنها قد حققت قفزات نوعية. ليست تلك القفزات بالبسيطة أو السطحية بل تتميز بالعمق والثبات والفعالية. أو ليست تلك القفزات بارزة على أكثر من ساحة قطرية؟ وهنا نتساءل: أين نضع حالة النضال في لبنان ضد مشاريع الاستعمار والصهيونية؟ وأين نضع حالة المقاومة العراقية في وجه أعتى قوة عسكرية وسياسية إمبريالية؟ وأين نضع حالة النضال المتواصل في فلسطين ضد الكيان الصهيوني كأعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط؟
ليست حالة الركود دليل صحة، بل حالة الحركة النضالية هي دليل الصحة الفعلي. فلا تخشى أننا ندفع خسائر، بل عليك أن تخشى عندما لا تدفعها. فالخسائر هي التضحيات، ومتى اقتنع المناضلون أن من قدرهم أن يبذلوا التضحيات تكون القضية قد سارت على طريقها الصحيح.
بمقارنة الحالة النضالية قبل خمسين سنة بالحالة النضالية في المرحلة الراهنة تنغرس الآمال في نفوسنا أننا قد اقتربنا نحو تحقيق أهدافنا خطوات مهمة وأساسية، وإلى الوقت الذي نمنّي فيه أنفسنا بتحقيق أهدافنا، فإننا نتطلع إلى ما سوف يتمتع به أحفاد أحفادنا من اقتراب أكثر نحو الأهداف الرئيسة.
3-المحطات التاريخيـة: إنقلابات على السلطة، توحد مع حزب أو أحزاب أخرى، إنشقاق عن الحزب، مواقف أخرى: محلياً، عربياً، عالمياً.
بادئ ذي بدء نوضح أن الانقلابية، بمفهوم حزب البعث، لا تعني الانقلابات العسكرية وإنما الانقلاب الجذري والحضاري على كل ما هو فاسد في الوضع العربي.
للحزب تراث تاريخي كبير في الفكر والنضال. ولكي نتمكن من رصدها علينا بمتابعة آلاف بل عشرات الآلاف من الكتب والنشرات والمقررات. وتاريخ الحزب هو تأريخ لمعظم الأقطار العربية. فإذا كان للحزب تأثير في مجرى الحياة الفكرية العربية وفي مجرى السياسة العربية نستطيع أن نؤشر على محطات رئيسة كثيرة قد يكون من أهمها على الصعيد العام ما يلي:
أ-الموقف الفكري القومي والوحدوي الثابت، بحيث حفر فكر الحزب آثاراً عميقة في مجرى واقع الاتجاهات الفكرية لمعظم التيارات الفكرية والسياسية والأحزاب والحركات العربية. ألا يكفي أن تكون شعاراته في الوحدة والحرية والاشتراكية قد أصبحت محور الارتكاز في فكر معظم التيارات الحزبية والحركات السياسية العربية؟ أيمكن لأي تيار حزبي أو سياسي أن يثبَّت أقدامه على الساحة العربية إذا حاول أن يتجاوز تلك الشعارات؟
حاولت أكثر التيارات أن تناضل من أجل شعار واحد أو أكثر من تلك الشعارات، ولكن الذي كان له قصب السبق في التوليف بينها مجتمعة كان لحزب البعث العربي الاشتراكي.
في العام 1952م، حصل اندماج بين حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي، فصار اسمه، منذ ذلك التاريخ، حزب البعث العربي الاشتراكي.
تعرَّض حزب البعث العربي الاشتراكي، كسائر الحركات الحزبية والسياسية، لصعوبات تنظيمية جمة، ليس من المفيد أن نحكي عن تفاصيلها، بل يمكن العودة إلى تاريخ الحزب عبر مئات المراجع والمصادر. لكن ما يعنينا أن نقوم بالإضاءة عليه هو أنه من الطبيعي أن تطال المتغيرات الحركات والأحزاب السياسية، فتشهد انشقاقات من هنا أو هناك. لكن من غير الطبيعي أن تدوم حالات الانشقاق في داخل أية حركة ثورية، فالعودة إلى التقييم الموضوعي والتقويم الثوري هو من أهم واجبات تلك الأحزاب والحركات. أما نحن من موقعنا فنرى أن حزب البعث العربي الاشتراكي على الرغم من أنه عانى الكثير في مسيرته التنظيمة يجد نفسه معنياً بإشاعة جو التفاؤل الثوري، لأن أية أزمة لا بُدَّ من أن تجد لها حلولاً. يجد الحزب نفسه مسؤولاً عن أن لا يدع الحالة الشاذة في الحياة الداخلية حالة مستمرة، بل يعمل بشكل جاد وجدي من أجل تقويم ما يحصل في داخله. وما استمرار حزب البعث العربي الاشتراكي لأكثر من نصف قرن إلاَّ دليلاً على حيويته الفكرية والتنظيمية.
ب-دوره الفكري والنضالي والسياسي حول القضية الفلسطينية، ومن أهم أسسها سبقه لوضع قضية فلسطين في قلب القضية القومية من جهة، ووضوح فكره منذ البداية وثباته على موقفه من تحليله لواقع وأهداف الاستعمار والصهيونية من جهة أخرى. أما الجانب العملي حول تلك القضية، فما عليك إلاَّ أن تعود إلى مصادر الحزب لترى كم هي قضية فلسطين مهمة في فكر الحزب ونضاله. لا بُدَّ من أن ترى مثلاً- كم يولي العراق، الآن، قضية فلسطين من الاهتمام. فهو يعدُّها قضية العراق الأساسية من حيث الدعم المالي والإعلامي والسياسي والنضالي.
ج-أممت دولة الحزب في العراق النفط في العام 1972م، وكان ذلك ترجمة صادقة لنضال الحزب الاشتراكي، وجعل الشعب مالكاً لثروته القومية.
د-خاضت دولة الحزب في العراق حربين: الأولى في حماية الحدود الشرقية للأمة العربية بما عُرفت ب«قادسية صدام». أما الثانية فكانت «أم المعارك» التي قام، من خلالها، بفعل التحدي للإرادة الاستعمارية والصهيونية. واستمر في موقفه الرافض للسياسة والمشاريع الأميركية على الرغم من كل أنواع الحصار التي لم تستح بأنها فرضت التجويع على شعب العراق، وما زالت مستمرة. استمرت في المقابل معركة التحدي العراقي بما أثار إعجاب ودهشة كل الذين كانوا يراهنون على تراجع العراق في معركته تحت ذريعة أنه لن يستطيع الصمود في وجه الآلة الحربية والسياسية الأميركية، فأصبح مثار ذهول وإعجاب الجميع بمن فيهم أخصامه.
هـ-يعمل نظام الحزب في العراق بشكل دؤوب لا يعتوره الكلل من أجل تضامن عربي حقيقي في شتى مجالات الأمن القومي العربي، بما فيها الوقوف في وجه الهجمة الإمبريالية والصهيونية المتواصلة؛ أو في مجال التعاون الاقتصادي بين الأقطار العربية، أو التنسيق مع شتى الحركات السياسية والحزبية والقوى القومية من أجل استنهاض مختلف الإمكانيات القومية والإقليمية والدولية للاستفادة منها في معركة مقاومة الاستعمار والصهيونية.
4-الحزب والحرب اللبنانية: شارك في الحرب أم لا، لماذا؟ فإذا شارك: أين تدرَّبت عناصره؟ ولماذا؟ مكان التدريب.
لا بُدَّ من تبديل بعض المصطلحات في السؤال: لم يشارك الحزب في حرب اسمها «الحرب اللبنانية»، بل خاض معركة دفاعية عن «المقاومة الفلسطينية». وكان سلاحه جاهزاً للتسليم إلى الدولة اللبنانية متى انتهت الهجمة الداخلية عليها.
أما ما كان ذا علاقة مع مهمة حماية حدود لبنان من اعتداءات العدو الصهيوني، فالمسألة كانت مختلفة جداً. كان الحزب، في لبنان، يعمل من أجل توجيه كل البنادق ضد العدو الصهيوني، وتستطيع أن تسمِّيها ما شئت: نضالاً أو مقاومة أو حرباً، لأن موقف الحزب من الكيان الصهيوني يصح أن نسميه حرب وجود لا حرب حدود.
ففي الوقت الذي كان فيه الحزب منخرطاً بكل إمكانياته في معركة الدفاع عن المقاومة الفلسطينية في الداخل، كان يبني من خلال خطوة نوعية ومبدئية- أول تجربة لبنانية لمقاومة العدو الصهيوني في قرى لبنان الجنوبي.
يعود بناء البواكير الأولى لتلك التجربة إلى أواخر الستينات من القرن العشرين. وقد أثمرت تلك التجربة النضالية الأولى في (1-1-1975 ). في ذلك التاريخ كانت تجربة الحزب في قرية الطيبة الحدودية قد نضجت، السبب الذي استرعى اهتمام العدو الصهيوني فأراد أن يئِد تلك التجربة في مهدها، قبل أن تستفحل وتصبح أنموذجاً يتم تعميمه. قامت قوات «كوماندوس» بتسلل ليلي نحو مكان وجود مجموعة من المجموعات التي تمَّ تأهيلها لذلك الغرض، فحصل اشتباك بين قوات العدو وتلك المجموعة سقط ثلاثة منها شهداء، وهم الشهيد على شرف الدين وولداه. لا بُدَّ من الإشارة إلى أن تلك التجربة قد سبقت الانفجار الداخلي في لبنان بسنوات أما المعركة فقد سبقته بأشهر. وتوالت اعتداءات الصهاينة لتدمير تجارب الحزب التي بناها في أكثر من قرية، فكان الاعتداء الصهيوني الثاني على بلدة كفركلا الحدودية في تموز / يوليو من العام 1975 م، تبعها تسلل آخر في 27 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1975 م، فسقط الشهيد عبد الأمير حلاوي المسؤول الرئيس عن بناء تلك التجارب.
بعد أن أنشأ العدو الصهيوني ما كان يُسمَّى سابقاً- الشريط الحدودي في العام 1976 م، تابع الحزب نضاله في القتال ضده. وانتقل دور الحزب في القتال ضد العدو بشكل مباشر بعد احتلاله الواسع للأراضي اللبنانية في العام 1982 م. سقط في تلك العمليات للحزب عشرات الشهداء خاضوا مواجهات مباشرة ضد العدو في داخل الأراضي اللبنانية المحتلة. بالإضافة إلى ذلك حاول الحزب أن يلعب دوراً جبهوياً لتوحيد الفصائل المقاتلة، وصاغ من أجل ذلك مشروعاً جبهوياً لم يجد التجاوب من تلك الفصائل إلاَّ بشكل محدود وموضعي. كان من أهم الأهداف من وراء الدعوة إلى العمل الجبهوي تحقيق مسألتين: الأولى منع التشرذم الفئوي، والتسابق الإعلامي بين شتى الفصائل من جهة، وتجميع الطاقات والإمكانيات من خلال عمل مقاوم موحَّد يصبح أكثر فعالية من جهة أخرى.
إن حفظ حقوق الرواد في تجربة المقاومة الوطنية اللبنانية هو واجب وطني قبل أن يكون واجباً حزبياً. ونحن نحاول من خلال استذكار تلك الوقائع أن نصحح ما يحصل من تصارع فئوي حول مكاسب فئوية كنا نتمنى أن يعمل الجميع، وكلهم دفعوا أثماناً من حياة مناضليهم، على صياغة تاريخ موضوعي للمقاومة الوطنية اللبنانية.
5-وضع الحزب بعد الطائف: المشاركة السياسية (نيابة، وزارة، بلديات، طلاب، جمعيات أهلية غير ذلك).
بعد اتفاق الطائف لم تجدد وزارة الداخلية في لبنان ترخيص الحزب، بل عدَّته حزباً غير مرخص. ولن نعود إلى تحديد الأسباب لأن مردها ليس قراراً داخلياً لبنانياً، بل لعبت عوامل أخرى دوراً في ذلك، وكانت له علاقة وثيقة بالتجاذبات الإقليمية، والموقف من المقاومة الفلسطينية.
أما قبل الطائف فقد كان الحزب ممثَّلاً في المجلس النيابي اللبناني بالدكتور عبد المجيد الرافعي، أمين سر القيادة القطرية في لبنان. ولم يتسنَّ له، بعد اتفاق الطائف، أن يترشَّح للانتخابات النيابية في العام 1992 م، لعدة أسباب، ومنها: وجوده خارج لبنان لأسباب أمنية، وأيضاً لعدم تجديد الترخيص للحزب لممارسة نشاطه، فضلاً عن الظروف السياسية المحيطة بوضع الحزب.
6-نشاط الحزب الحالي: هل استمر الحزب بالزخم المتوقَّع أم انكفأ؟ ولماذا؟ (الظروف مهيَّأة لاستنهاض الأحزاب).
لا نشاط للحزب حالياً لأنه غير مرخصِّ له.
7-الصراعات: مع الأحزاب إذا وُجِدت، مع السلطة، صراعات داخلية لماذا؟ كيف حصلت؟ نتائجها وكيف؟ (رأي الحزب بمعارضته الداخلية).
إذا كان من غير المفيد أن نستذكر ما يثير الجراح وينكأها، فهذا لا يلغي أن يضع الحزب يده على أسباب عدد من الصراعات التي جرَّت الحزب إلى موقع الدفاع عن وجوده على الساحة اللبنانية. كان من أهم أسباب ما نطلق عليه «الصراعات الهامشية» تداخل المصالح الإقليمية في لبنان، ونرى أنه ليس من الغريب أن يكون الحزب مُستهدَفاً من قبل الأجهزة الاستعمارية والصهيونية، لكن المُستغرَب في الأمر أن تتوجَّه السهام إليه من الذين كانوا منخرطين في معركة الصراع مع تلك الأجهزة.
لا ننكر أن للحزب أهدافاً قومية وهي تعبِّر عن طبيعة تكوينه الفكري والتنظيمي. كان التداخل الفكري والتنظيمي لمنظمة الحزب في لبنان مع عمقه القومي في العراق أثر مهم في تعرُّضه لاستهدافات بعض القوى الحزبية والشعبية في لبنان ذات التداخلات مع أعماق إقليمية وقطرية أخرى.
لا ننكر ما كان من أثر سلبي لتلك الصراعات الجانبية على مجمل مسيرة الحركة القومية والوطنية الثورية في لبنان، فنبتت من جرائها على جوانب تلك الحركة جملة من الافتراقات والآثار السلبية، بحيث أضعفت من زخم الصراع مع القوى المعادية الأساسية. نقول هنا إن كثيراً من الوقت والدم والجهد ضاع من رصيد الإمكانيات التي كان من المفروض أن ترفد الصراع الأساسي، فكاد أن ينحرف إلى أهداف ثانوية لم يستفد منها كل المنخرطين، عن وعي أو من دون وعي، في سلسلة الصراعات الثانوية المفتعلة تلك.
لحزب البعث آفاقه الفكرية القومية والإنسانية لذلك عمل جاهداً في سبيل الخروج من متاهة تلك الصراعات. أما الدرس الذي خرج به من خلال تقييمه لتلك الصراعات فهو دعوته الموجهَّة إلى جميع القوى، سواء كانت لبنانية قطرية أم ذات اتجاهات قومية أم ذات أعماق إقليمية، بنداء المسؤولية التاريخية التي تدعوهم لأن يعوا أن معركة البقاء ضد الامبريالية الأميركية والصهيونية تفرض على كل القوى أن يبتعدوا عن كل صراع فئوي لأنه سوف يكون على حساب الصراع مع العدو الأساسي. يتطلَّب ذلك الصراع لمَّ الشمل القطري والقومي والإقليمي لتقوية صفوف الجبهة المعادية للأمبريالية.
فإن كنا نحجم عن تسمية الأشياء بأسمائها فهو دليل حرص شديد ومصداقية أخلاقية تتميز بحس المسؤولية على شتى مستوياتها، ونخلص بدعوة كل تلك الأطراف، على الرغم من جروح الماضي، إلى الالتفاف الجبهوي الصادق الاستراتيجي للتفرغ من أجل مواجهة جدية لقوى الشر والعدوان القادمة من الخارج، تلك القوى التي لا تميّز بين أهداف هذه القوة أو تلك لأن الكل مُستهدَفون. إن ما نراه اليوم من حركة تتجه نحو حد أدنى من التضامن على المستوى القطري اللبناني والقومي العربي والإقليمي، على الرغم من بطئها، هي حركة باتجاه الخط الصحيح، وهي بداية سليمة على الجميع التقاطها وتعميقها في سبيل المزيد من التلاحم الجبهوي، ذلك التلاحم الذي يحفظ للجميع مصالحهم وأدوارهم في ساحة النضال التي تستوعب طاقات الجميع وإمكاناتهم.
8-الحزب والديموقراطية: مؤتمرات، تعيين، ، الآلية). عدد المؤتمرات وتواريخها تسمية المسؤول الأول، والقيادة إذا أمكن ذلك.
خصص الحزب لمسألة الحرية مكانها في أهدافه الأساسية الثلاثة (الوحدة والحرية والاشتراكية)، وله فلسفته في الحرية أكَّد عليها في بنائه الفكري وأعطاها حيزاً مهماً في مؤتمراته على شتى مستوياتها القطرية والقومية. ولأن للحزب تراث فكري عمَّقه، ولا يزال، من خلال جهود مفكريه ومن خلال كتاباته ومقررات مؤتمراته، يمكن العودة إلى مصادرها الأساسية وهي كثيرة ومتفرعة وموزعة على الكثير من المراجع المنشورة.
فعلى المستوى العملي التنظيمي يستند الحزب في حياته الداخلية إلى نظام داخلي تلتزم به التنظيمات القطرية، وليس لكل منظمة قطرية نظام داخلي خاص بها، فهي موحَّدة الرؤى التنظيمية كترجمة لرؤى الحزب القومية على شتى الصُعُد، ويستند إليه تنظيم العلاقة بين القيادة القومية المركزية وبين التنظيمات القطرية، وبهذا يتميز حزب البعث العربي الاشتراكي عن سائر أحزاب الحركة العربية الثورية في أنه ترجم فكره القومي إلى واقع تنظيمي قومي من خلال نظامه الداخلي الموحد وبقيادته القومية التي تُلزم بقراراتها التنظيمية والسياسية والفكرية سائر المنظمات القطرية.
أما على صعيد الممارسة الداخلية للحزب فقد قرَّر النظام الداخلي للحزب عقد مؤتمرات دورية تتمثَّل فيها كل المنظمات القطرية مهما بلغ حجمها. تقدَّم القيادة القومية للمؤتمر تقاريرها حول شتى الشؤون القومية على شتى الصعد، ويتم مناقشتها في «المؤتمر القومي»، وبعد أن ينتهي المؤتمر من مناقشة التقارير المعروضة عليه وإقرارها بموافقة الأكثرية عليها يقوم المؤتمر بانتخاب قيادة قومية عن طريق الاقتراع السري، وقد بلغ حتى الآن- عدد المؤتمرات القومية إثني عشر مؤتمراً نُشِرت نصوصها ويمكن الحصول عليها من المكتبات العامة والخاصة.
أما على المستوى القطري فتلتزم المنظمات القطرية بالنظام الداخلي الموحد، وتطبق الديموقراطية في حياتها الداخلية من خلال عقد مؤتمرات دورية تبدأ من أصغر خلية حزبية وصولاً إلى أعلى مؤتمر وهو المؤتمر القطري، وأعضاؤه يمثلون شتى المنظمات الحزبية في القطر. أما آلية انعقاد المؤتمر فهي ذاتها التي تُطبَّق على الصعيد القومي، من حيث مناقشة التقارير التي تعالج شتى شؤون القطر أو من حيث انتخاب قيادة قطرية تشرف على قيادة القطر، وترتبط مع القيادة القومية بشكل دوري ومستمر. تلعب الأقطار دورها في ما له علاقة بالساحة القومية بحيث ترفع المؤتمرات القطرية توصياتها حول ما له علاقة بالساحة القومية إلى المؤتمر القومي، أو إلى القيادة القومية بين مؤتمرين قوميين.
لا بُدَّ، هنا، من الإشارة إلى أن للقيادة القومية الحق بتعليق النظام الداخلي كله أو أي جزء منه ترى أنه يساعد المنظمات القطرية على اجتياز مراحل تستدعيها الظروف الاستثنائية، ولا يمكن أن يُطبق هذا التعليق إلاَّ بعد تقديم أسباب معلَّلة. هنا لا يمكن إلاَّ القول بأنه يمكن اللجوء إلى تعيين بعض القيادات من دون عقد مؤتمرات قد تحول ظروف قاهرة دون انعقادها.
بلغت المؤتمرات القطرية في لبنان أربعة عشر مؤتمراً، وفي آخر مؤتمر لها انتخبت قيادة قطرية كان الدكتور عبد المجيد الرافعي أميناً لسرها، وما زال حتى الآن يشغل هذا الموقع بالإضافة إلى كونه عضواً في القيادة القومية.
يمكن للمهتم أن يتابع مضامين المؤتمرات القومية من خلال كتاب ضمَّ كل وقائعها ومقرراتها، ونُشرت في مجلد واحد في العام 2002 م. صدرت طبعات أخرى عن دار الطليعة في بيروت تحت سلسلة «نضال البعث»، ضمَّنت بعض أعدادها مواد وافية عن المؤتمرات التسع الأولى.
أما حول مؤتمرات الحزب القطرية في لبنان، فنُشرت وقائع المؤتمرات الإثني عشر الأولى في سلسلة نضال البعث الصادرة عن دار الطليعة في بيروت.
9-رأي الحزب بالمسائل التالية:

أ-بالديموقراطية، وهل يمارسها؟ إذا كان الجواب نعم، كيف؟

أعتقد أن ما جاء في الجواب عن سؤال سابق ما يغني عن الجواب هنا. أما إذا قرأنا ما خلف السؤال، والسؤال الصحفي يرمي دائماً إلى الفضولية في المعرفة؛ وهو غالباً ما يريد أن يبتعد الجواب عن التعميم، لأن الصحفي يهتم بالحصول على تفصيلات.
عرضنا في الجواب السابق للإطار النظري الذي يعمل الحزب على هديه في التطبيق العملي. أما هل يتطابق النظر مع التطبيق، فهذه مسألة أخرى، وهو الأساس الذي يستند إليه الفضول الصحفي. نحن نرى أن بين التطبيق والنظرية مساحة يجب الاهتمام لتستوفي شروطها، تلك الشروط هي التي تملأ الفراغ. تلك المساحة تتطلب شروطاً يجب توفرها، ومن أهمها: أن يتوفر العضو الحزبي القاعدي الذي يفهم النظرية الديموقراطية ويستطيع أن يطبقها من جانب، ووجود القيادي المؤهل نظرياً وعملياً لتطبيق النظرية ومراقبة عوائق تطبيقها وتوجيهها في سبيل إزالة ما يعيق التطبيق العملي. فهل تلك الشروط متوفرة عند الأحزاب التي تعمل على أساس النظرية؟
لن نكون طوباويين، فنحن من خلال تجربتنا نعمل على توفير شروط الحد الأدنى لمقاربة النظرية من التطبيق، ولكن لم تتوفر حتى الآن- الشروط الواقعية والعملية لتيسير تطبيق النظرية الديمواقراطية بأفضل ما يمكن الحصول عليه. إن التطبيق الديموقراطي ما زال يعاني من ثغرات، لكن هذا لا يمنع من أن بذل الجهد والمحاولات لتأمين الوصول إلى تطبيق أفضل هي مهمة أساسية في حياة الحزب الداخلية. ونحن نرمي من وراء بذل الجهد هو بناء الإنسان الديموقراطي كشرط لازم وضروري لبناء المجتمع العربي الديموقراطي الموحَّد.
فالعلاقة بين الملتزم الحزبي والمسألة الديموقراطية عملية بناء ثقافي وتربوي مستمرة يبذل الحزب جهده لتأمين أفضل الشروط الضرورية لبناء علاقة سليمة بين النظرية والتطبيق.
ب-بالجامعة العربية الوحدة العربية ولماذا؟
كحزب قومي نرى في شتى المؤسسات القومية حالة صالحة للتطوير. واستناداً إلى الواقع نجد أن بناء مؤسسات قومية، على شكليتها، أفضل من لا شيء. والارتقاء من الشكلية إلى التأثير العملي بنسبة أو أخرى هو أفضل من الشكلية بالدرجة، ونحن لا نتوهم بأنه يمكننا أن نبني المؤسسات القومية على المقياس الأمثل، لأن النضال من أجل التغيير هي حالة مستمرة ومتواصلة تتطلب الصبر والمتابعة بشكل دؤوب. فجامعة الدول العربية، كمؤسسة قومية، لم تبق ثابتة منذ تأسيسها، فهي قد حققت من المشاريع النظرية الشيء الكثير، أما المشاريع العملية فقامت بمهمات لا بأس بها، بحيث أن ما حققته، وإن لم يكن على مستوى الطموح المنشود فهذا لا يلغي قيمة ما حققته، فهو ليس بالشيء الذي يمكننا أن نتجاهله. ونحن نحدد موقفنا المبدئي من أن وجودها مسألة مقبولة، أما حول قيامها بوظائفها فمسألة أخرى، لأن طموحنا لا يكتمل إلاَّ بإنجاز دولة الوحدة.
أما الموقف من الوحدة العربية، فنعتقد أننا قدمنا موقفنا بما فيه الكفاية من الوضوح في أجوبتنا السابقة. لكن ما نود أن نضيفه في هذا المجال هو تبيان للدور المهم الذي قام به الحزب، تاريخياً، من خطوات ونضالات. بذل الحزب جهوداً كبيرة وصادقة في سبيل قيام دولة الوحدة بين القطرين سوريا ومصر في العام 1958 م، ولا ننسى أيضاً الميثاق الوحدوي الذي وُقِّع في 17 نيسان أبريل من العام 1963 م بين الأقطار الثلاثة: العراق وسوريا ومصر. وإذا ما راجعنا محاضر اجتماعات القمم العربية لوجدنا الإصرار الدؤوب الذي كان الحزب يعمل فيه من أجل طرح مشاريع وحدوية على شتى الصعد السياسية والأمنية والدفاعية والثقافية والاقتصادية.
لم يكن الحزب، فيما له علاقة بالوحدة، مجرد حركة سياسية حزبية بل كان من العاملين من خلال أنظمته السياسية في سبيل الحصول على ما يمكن من مشاريع تصب في سلسلة الأعمال التمهيدية التي تصب في صالح العمل الوحدوي العربي.
أما لماذا يقف الحزب في ساحات التنظير والعمل من أجل الوحدة السياسية أو من أجل إنجاح المؤسسات القومية على شتى المستويات فهو إيمانه بالنظرية القومية العربية كهاد نظري فكرياً وسياسياً واقتصادياً
ج-بالاحتلال الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية، والوجود الفلسطيني في لبنان، ولماذا؟
للحزب، أساساً، نظرية قومية يعمل على هديها في سبيل تحقيق الوحدة القومية. فاستناداً إلى نظريته تلك يعتبر أن العمل من أجل كل قضية وطنية هو تمهيد من أجل الوصول إلى الوحدة القومية. وللحزب موقف خاص ومتميز من المسألة الفلسطينية، فهو منذ تأسيسه أعطى للقضية الفلسطينية بعداً خاصاً ومتميزاً، وعدَّ تلك القضية مسألة قومية قبل كل شيء، لأن الوجود الصهيوني في فلسطين كان وسيلة للسيطرة الإمبريالية على المنطقة العربية برمَّتها. فعندما أعطى وعد بلفور، في العام 1916م، اليهود حقاً ببناء وطن قومي في فلسطين، كان القصد منه الحيلولة دون قيام كيان عربي وحدوي، لذا جاء وعد بلفور مترافقاً وصنواً أساسياً لاتفاقية سايكس بيكو؛ فهما وعد واتفاقية يستهدفان منع الوحدة القومية العربية. فللارتباط الوثيق بين قضية فلسطين مع قضية الوحدة العربية أعطى الحزب لقضية فلسطين موقعاً خاصاً ومتميزاً في فكره وفي نضاله.
لم تكن قضية فلسطين في يوم ما في فكر الحزب ونضاله إلاَّ القلب من القضايا القومية، فمن خلال تحرير فلسطين تستفيد الأمة العربية من مسألتين في غاية الأهمية، وهما: إزالة أهم العوائق التي تحول دون وحدة الأقطار العربية من جانب، والقضاء على مركزية الاستعمار باني أسس الكيان الصهيوني في فلسطين من جانب آخر.
فالأرجحية التي يعطيها الحزب لقضية فلسطين هي أرجحية مطلقة، لأن من يريد أن يكافح الخطر الصهيوني فعليه أن يكافحه انطلاقاً من أرضية الموقف من القضية الفلسطينية باعتبارها قضية ذات بُعدٍ قومي شامل، والذي يرى أن من واجبه أن يناهض الاستعمار فسوف يكون نضاله من دون جدوى إذا لم ينازله على الساحة الفلسطينية التي تشكِّل خط التماس الأساسي بين الأمة العربية والقوى المعادية.
ولأن الحزب يعطي أرجحية للنضال القومي على الساحة الفلسطينية فهو ينظر إلى كل القضايا المتفرعة بعين الاهتمام، ومن أهم القضايا نظرته إلى الوجود الفلسطيني في لبنان. فالوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود قومي يتم النظر إليه من خلال منع التفريط بالقضية الفلسطينية، سواء بالاعتراف بحق الفلسطينيين بالنضال من أية ساحة قطرية عربية ومنها الساحة اللبنانية، أو من خلال الحؤول دون توطين الفلسطينيين في أية ساحة عربية، ومنها الساحة اللبنانية، فإعطاء الفلسطينيين حقاً بالتوطين، في لبنان أو في غيره من الأقطار العربية، هو مؤامرة لسلبهم هويتهم الوطنية الفلسطينية، وهذا يعني موتاً للقضية. وفي مواجهة الادِّعاء أنه ليس على لبنان أن يتحمل لوحده وزر القضية الفلسطينية، نرى من منطلق قومي أن ليس للفلسطينيين حق أساسي في دعم العرب ومساندتهم فحسب، بل من حقهم عليهم أن يشاركوهم النضال بشتى الوسائل والأساليب، فقضية فلسطين كما يرى الحزب- تعني كل العرب بالمقدار الذي يعنيهم مقاومة العدو الصهيوني من جهة ومقاومة الاستعمار العالمي من جهة أخرى.
إذا كان المبدأ واضحاً فتأتي التفصيلات العملية لتتناسب مع الموقف المبدئي. لقد تميَّز الحزب، منذ العام 1948م، في موقفه النظري والعملي من قضية فلسطين. في حينها شارك البعثيون، قيادات وقواعد، الفلسطينيين في قتال الصهاينة انطلاقاً من إيمانهم بأن الحكومات العربية العربية عاجزة عن التحرير، وإن فلسطين لن يحررها إلاَّ الكفاح الشعبي المسلح. شارك الحزب في شتى وسائل النضال من أجل فلسطين، فانخرط في كل المعارك جنباً إلى جنب الفلسطينيين، بدءًا من أول انطلاقة للثورة الفلسطينية في العام 1965 م، مروراً ببناء أول تجربة شعبية لمقاومة العدو الصهيوني في جنوب لبنان، حتى قبل أن يقدم على احتلال أية أرض لبنانية، وصولاً إلى مواقف نظام الحزب في العراق في المرحلة الراهنة وهي التي تتميز بحرارتها ووعيها لمخاطر الاعتداء الإمبريالي الواسع ضد أكثر من ساحة قطرية.

د-بالتيارات الدينية (إسلامية، مسيحية) ولماذا؟

على الرغم من أن الحزب لم يضع تصوراً متكاملاً لنظام قومي علماني، وعلى الرغم من أنه يعطي للدين دوراً روحياً متميزاً في حياته الفكرية، إلاَّ أنه يعارض قيام أنظمة دينية. وموقفه هذا قائم على أن الأنظمة الدينية لن تستطيع أن تحقق وحدة المجتمع والدولة القومية.
يرى حزب البعث العربي الاشتراكي أن الحركات السياسية الإسلامية والمسيحية تعمل على تفتيت وحدة المجتمعات لأنه لديها مسلَّماتها ونصوصها المقدَّسة التي تتعارض وتتناقض مع مسلَّمات الأديان الأخرى ومقدَّساتها. وغالباً ما تكون تلك الحركات على ارتباط مع جهات وقوى دولية ذات أغراض وأوطار تتنافى مع مصالح الدول القومية، فانتماءات الحركات السياسية الدينية لا تشعر بالولاء لدولها القومية بل هناك ما يشدُّها إلى التنسيق والتحالف مع دول تنتسب إلى الدين أو المذهب الذي تدين به تلك الحركات، وهذا ما يجعل من أهدافها الدينية أو المذهبية معبراً تنتقل عليه الأطماع الخارجية إلى التأثير على سياسات الدول الأخرى.
لا يعني هذا أن الحزب يقف الموقف السلبي المطلق من تلك الحركات، بل يعمل من أجل أن يتعاون معها على ما يحقق مصالح الأمة العربية، سواء في معارك الصراع ضد القوى الأجنبية المعادية، أو من خلال العمل على توثيق الروابط القومية بين أبناء الأمة العربية التي يعتقد الحزب أنها تشكل الرابطة الوحيدة بين كل أبناء الدولة القومية.
فلا عداوات دائمة مع الحركات السياسية الدينية ولا صداقات دائمة بل إن العامل الوحيد الذي يدفع تلك العلاقة إلى السلبية أو الإيجابية هو مدى فائدة ذلك التعاون ومدى انعكاسه على مصلحة الأمة العربية، سواء على الصعيد الداخلي من حيث الاعتراف بالمساواة المطلقة بحقوق المواطنية وواجباتها، أو من حيث وقوف تلك الحركات في مواقع الدفاع عن الدولة القومية بمعناها الحديث والمعاصر.

هـ-بالنظام السياسي اللبناني، (قبل الطائف وبعده). وكيف يراه في المستقبل؟

للحزب موقف قومي عام من كل الأنظمة القطرية، فهو لا يقر الاتجاهات القطرية بل ينشد الوحدة القومية، ويكون موقفه من أي نظام قطري متناسباً مع المدى الذي يتفهَّم فيه هذا النظام القطري أو ذاك القضايا القومية العامة والأساسية؛ وللحزب موقف خاص من النظام اللبناني، كنظام يستند إلى أسس الطائفية السياسية.
يرى حزب البعث العربي الاشتراكي أن النظام اللبناني مرَّ في العديد من المتغيرات تجاه القضايا القومية العربية الأساسية. وكمثال حول ذلك، رفض الحزب سياسة عهد الرئيس كميل شمعون في أثناء مرحلة الخمسينات عندما انحاز إلى جانب حلف بغداد الأميركي الأهداف، وشارك في قيادة انتفاضة العام 1958م ضد عهد الرئيس شمعون؛ ووقف، أيضاً، ضد المخطط الذي كان النظام اللبناني يشارك فيه من أجل منع الفلسطينيين عن ممارسة حقهم في استرداد أرضهم الوطنية انطلاقاً من الأرض اللبنانية. كما كان الحزب يدعو لفتح الحدود العربية الأخرى أمامهم من أجل استكمال الطوق المقاوم ضد العدو الصهيوني. ولكن الحزب لم يستطع إلاَّ أن يبدي تأييده وتثمينه للموقف الأخير للنظام اللبناني عندما احتضن العمل المقاوم وقام بمساعدته بشكل جدي وملموس.
فموقف الحزب من النظام اللبناني مرتبط بموقف النظام من القضايا القومية، فيكون سلبياً تجاه أية سلبية تصدر عن النظام، ويكون إيجابياً تجاه أية إيجابية تظهر عنه.
أما فيما له علاقة بالطائفية السياسية فيقف الحزب موقفاً رافضاً لها ويرى أنها من أهم سلبيات النظام اللبناني. للطائفية السياسية سلبياتها الكثيرة فهي تغلِّب الانتماء للطائفة على الانتماء الوطني. يرى الحزب أن المواطن اللبناني يرتبط بالولاء للوطن بالمقدار الذي يعترف له بحقوقه بدون النظر إلى انتمائه الطائفي أو الديني. إن النخب السياسية عند الطوائف تكون المستفيد الأساسي من توزيع الحقوق على القاعدة الطائفية، ومن هذه الدائرة تسيطر النخب على أبناء طوائفها تحت ذريعة الدفاع عن حقوقهم. أما الحزب فيعمل من أجل نظام تُحدَّد فيه الحقوق والواجبات من الزوايا الوطنية وليس من زواياها المذهبية.
وما لا يقبل الجدل في موقف الحزب هو العمل من اجل إصلاحات داخلية لها علاقة بالحركة المطلبية على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لم يتغير موقف الحزب من النظام اللبناني، قبل الطائف أو بعده، بحيث أن الاتفاقات ليست هي المكيال الذي يستند إليه موقف الحزب، بل إن المكيال الذي يستخدمه هو المدى الذي يعمل فيه النظام فعلاً من زاوية المصالح القومية العربية أولاً، أما ثانياً، فمن زاوية التشريعات ومدى قربها أو بعدها عن تأمين حقوق كل المواطنين اللبنانيين، ومنهم بشكل خاص الطبقات الفقيرة والعمالية والفلاحية
أما كيف يرى الحزب تطور أوضاع النظام اللبناني في المستقبل فهو أن أي تغيير يمكن أن يحدث لا يمكن أن يشكل تغييراً أساسياً إذا بقي أسيراً للتجاذبات السياسية الطائفية. فلا يمكن لمتغيرات جذرية أن تحصل إذا لم يتم تغيير أسس الانتماء إلى وطن، وليس إلى دولة تعترف بأسس الانتماء إلى طوائف. ولأن اتفاق الطائف قام على أسس طائفية سياسية فهو لن يلبي موجبات التغيير، فاتفاق الطائف قام على أسس تسوية داخلية فرضتها مصالح القوى العربية والدولية والإقليمية ذات المصالح والأغراض على الأرض اللبنانية، بما فيها وضع المقاومة الفلسطينية.
على العموم، يعمل الحزب في لبنان على تعميق الوعي الشعبي بانتهاج الأساليب الديموقراطية كوسيلة من وسائل التغيير.

ح-بالأحزاب الأخرى، وهل يلتقي معها؟ مع من ولماذا؟

ليس للحزب أي موقف سلبي من العمل مع شتى الأحزاب اللبنانية. أما دوافع اللقاء والحوار مع الجميع وبدون أي استثناء هو مدى وجود شعارات أو مشاريع تتلاقى مع أهدافه.
أما حول الأهداف والمشاريع والشعارات فقد يلتقي الحزب مع هذا أو ذاك من الأحزاب حول هذا المشروع أو ذاك. فهو يقر مبدأ التنسيق حول أهداف محدودة ومرحلية أو حول أهداف أكثر شمولية واستراتيجية. فالأهداف هي المقياس الذي على أساسه يعمل الحزب على التحالف مع الأحزاب اللبنانية.
وإذا كان الحزب يرحِّب بأن تكون الأهداف المتفق عليها ذات اهتمام قومي، فإن له أيضاً أهداف وطنية ذات خصوصية قطرية. فإمكانية اللقاء يمكنها أن تبتدئ بقضية مطلبية على صعيد القرية وتنتهي على صعيد اللقاء حول أية قضية قومية كبرى.
في السبعينات كان لأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية تجربة تحالف جبهوي تحت شعار الدفاع عن الثورة الفلسطينية وحمايتها، وشملت في مرحلة من المراحل مشروع إصلاح سياسي مطلبي. لم يتسنَّ لتلك التجربة أن تأخذ أبعادها لأنها وُئدت قبل أن تكتمل، وإذا لم يتسع المجال لتقييمها الآن فإنها جديرة بالتقييم على الرغم من أنها أصبحت في ذمة التاريخ، وهذا لا يمنع على الإطلاق من دراستها بجدية لاستخلاص الدروس للمستقبل. إن دراسة تجربة كهذه لها أهميتها بشكل خاص في هذه المرحلة بالذات، وهي المرحلة التي تعيش فيها الأحزاب اللبنانية أزمة حادة تستدعي مراجعة نقدية شاملة يدرس كل حزب تجربته وعوامل أزمته الخاصة بحيث تؤدي إلى مدخل أساسي ورئيس هو دراسة الأزمة العامة التي تعاني منها الحركة الحزبية اللبنانية بشكل خاص، وأزمة حركة الثورة العربية بشكل عام.
ط-الاقتصادي: (الاشتراكي الرأسمالي).
من خلال رؤيته للواقع الاجتماعي العربي من خلال سيادة الواقع الطبقي حسم الحزب خياراته في تحديد النظام الاقتصادي إلى جانب النظام الاشتراكي. فالاشتراكية هي الفلسفة الاقتصادية التي رأى الحزب أنها تحقق العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب العربي، لهذا نجد أن الاشتراكية هي إحدى شعارات الحزب الرئيسة (وحدة، حرية، اشتراكية).
صاغ الحزب موقفه من النظام الاقتصادي المنشود للدولة القومية في دستوره منذ العام 1947م، وربط بين شعاراته الثلاث إذ اعتقد بأنها مترابطة متلازمة. يُعد التقدم على صعيد أحدها تقدماً على صعيد الشعار الآخر، وكدلالة نظرية حول ذلك، يرى الحزب ما يلي:
-يرفض الرأسمالية لأنها تخدم مصالح فئة محدودة من فئات الشعب. فهي تلجأ إلى إجبار كل فئات المجتمع العربي من أجل خدمة مصالحها، ولا تتورَّع عن ممارسة كل أنواع استغلال جهد الطبقات الفلاحية والعمالية وسائر الطبقات الفقيرة الأخرى.
-يرفض الرأسمالية لما لها من أهداف استعمارية على الصعيد العالمي؛ وهو يرى أن وجهة الصراع الحالية بين الأمة العربية والاستعمار العالمي هي معركة بين سلطة الرأسمال العالمي ومصالح شعوب الدول النامية ويأتي على رأسها المنطقة العربية.
-يربط الحزب بين مصالح الرأسمالية العربية وبين مصلحة الرأسمال الاستعماري العالمي، يعتقد بأن تحالف رأس المال العربي مع رأس المال العالمي موجَّه أساساً ضد مصالح الطبقات الفقيرة العربية.
-يعتقد الحزب بأن للطبقتين الرأسماليتين العربية والعالمية مصلحة في منع الوحدة القومية على قاعدة وحدة فكرية أولاً ووحدة سياسية واقتصادية ثانياً.
-يرى الحزب أن العمل من أجل الوحدة العربية يصب أساساً في مصلحة الطبقات الفقيرة، ولن يكون صادقاً في النضال من أجلها سوى تلك الطبقات في المجتمع العربي.
-يرى الحزب أن النضال من أجل الوحدة العربية هو نضال ضد الاستعمار الخارجي وحلفائه الطبقيين العرب، فيكتسب النضال الوحدوي العربي أهميته من أنه يعبِر بصراحة ووضوح عن مصالح الطبقات الفقيرة من جانب، ويتنافى مع مصالح الطبقات الغنية من إقطاع ورأسمال.
-كان من مواقف الحزب الرئيسة هي ربط النضال الوحدوي القومي مع النضال الاجتماعي، فكان أول حزب قومي يربط ربطاً جدلياً وواقعياً بين النضالين القومي السياسي والنضال الاجتماعي، وإن مراجعة نقدية لفكر الأحزاب الأممية حول هذا الجانب يؤكد بوضوح أهمية هذا الربط في فكر الحزب منذ بداية تأسيسه.
-يرى الحزب أنه يمكن تحقيق بعض الانجازات الاشتراكية إذا حالت بعض الظروف دون إنجاز الوحدة، وتبدو تلك الإمكانية واضحة من خلال توجه دولة الحزب في القطر العراقي إلى الإسهام في تأسيس عدد من البُنى الصناعية في عدة أقطار عربية كمصر والسودان واليمن
ولكن الحزب يرى أن الاشتراكية، بمعناها الشامل، يمكن إنجازها بإقامة دولة الوحدة، حيث تتراكم فيها الرساميل لتكون أكثر قدرة على البدء في مرحلة التصنيع الثقيل من جهة، ولتكون السوق العربية سوقاً استهلاكياً لمنتجات المصانع العربية. فلا اشتراكية بدون بناء صناعات ثقيلة، ولا معنى عملي لصناعات ثقيلة بدون تراكم للرأسمال العربي، ولا معنى لتخفيض أسعار السلع من دون إنتاج ضخم، ولا معنى لإنتاج ضخم من دون وجود سوق استهلاكية.
فالشرط الأساسي للتحول نحو النظام الاشتراكي هو العمل الوحدوي العربي، فكل من ينادي بالنظام الاشتراكي عليه أن يناضل من أجل تحقيق الوحدة العربية.
ي-العولمة منظمة التجارة العالمية الشراكة الأوروبية رؤية مغايرة
بالنسبة للعولمة لا بُدَّ من أن نميِّز بين مستويين منها: الإيجابي الذي يهدف إلى بناء علاقات إنسانية سليمة بين الحضارات البشرية، وهذه ذات علاقة بنشر الإيديولوجية الفكرية العميقة الصلة بالقيم والمُثُل الإنسانية العليا. أما في جانبها السلبي فتظهر من خلال أهدافها الاستعمارية وهي استغلال الاقتصاد الامبريالي لاقتصاديات الدول الأخرى والهيمنة عليها. فالعولمة، كما هي ظاهرة في عصرنا الراهن، ذات علاقة وثيقة بالنظام الرأسمالي العالمي.
يتسم موقف الحزب من الأولى بالإيجابية لما لهذا المصطلح من مضامين إنسانية، فالقومية العربية، كما يفهمها حزب البعث العربي الاشتراكي ويعمل من أجلها، هي ذات اتجاهات وثوابت إنسانية، وقد ثبَّت دستور الحزب وأدبياته ومقررات مؤتمراته تلك المضامين. فإذا انفصلت القومية العربية عن عمقها الإنساني تتقوقع باتجاه التعصب المنغلق تجاه كل ما عداها من القوميات وبذلك تكون فاقدة لذلك العمق.
أما مضامين العولمة باتجاهاتها الراهنة فهي تنطلق من مشروع اقتصادي وثقافي استعماري يعمل من أجل إلحاق كل اقتصاديات العالم به، لتعمل من أجل خدمته. وما مظاهر ومشاريع التكتلات الاقتصادية الحالية، كمثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية سوى وسائل يستخدمها الاستعمار من أجل إلحاق اقتصاديات الدول بالاقتصاد الرأسمالي.
ولما أصبحت وسائل الاتصال والمواصلات واسعة بين دول العالم قاطبة،
ولما أصبح التبادل الاقتصادي العالمي ضرورة لاقتصاديات كل الدول، ومنها اقتصاديات الأمة العربية،
ولما أصبح إخطبوط الشركات العابرة للقارات، وهي شركات قائمة على توحيد إمكانيات دول رأسمال الغرب، قادراً على إخضاع إمكانيات الدول الصغيرة،
أصبح من غير الممكن على العالم العربي أن لا ينخرط في الاقتصاد العالمي، لكنه من الممكن أن يعمل من أجل أن يدرأ هيمنة العولمة الاقتصادية عن نفسه. يواجه العالم العربي صعوبتين في غاية من الأهمية وهما: إما أن يخضع لقوة الاقتصاد الرأسمالي الغربي فيعمل من أجل خدمته، وإما أن يدخل بوابة العولمة من باب تجميع وحدوي لعناصر الاقتصاد العربي فيستطيع الصمود ويحول دون أن يكون تابعاً وخادماً لمصالح الاقتصاد الاستعماري.
يعمل الحزب من أجل إحباط المشاريع الاقتصادية والسياسية والثقافية المعادية بالدعوة إلى بناء مشاريع أخرى تصب في مصلحة الأمة العربية أولاً، وأن تكون تلك المشاريع بالمستوى الذي ينافس المشاريع المعادية ثانياً. فإذا كان المطلوب من الحزب أن يقاوم العولمة بأهدافها ووسائلها الاستعمارية الرأسمالية، فعليه أن يدعو إلى تأسيس مشاريع عربية تكون منافساً حقيقياً للمشاريع المعادية.
لأن العولمة السائدة هي ذات استهدافات استغلالية واحتكارية على الصعيد الاقتصادي فما هو المانع الذي يحول دون العرب والعمل في سبيل تأسيس بُنى اقتصادية عربية من خلال توحيد الطاقات الاقتصادية العربية؟ ففي مواجهة آلة التصنيع الاستعماري على العرب أن يعملوا، على سبيل المثال، لكي يكون لديهم آلة تصنيع عربية، وفي وجه منظمة التجارة العالمية التي تسيطر عليها دول الرأسمال الغربي أن يكون للأمة العربية منظمة تجارة عربية.
لن يكون التأخير في تأسيس بنى للدفاع الاقتصادي العربي الإيجابي في مصلحة الأمة العربية مجتمعة، كما لن يكون في مصلحة كل قطر عربي على حدة. فالوقت الضائع ليس في مصلحة الأمة، والسبب أن موجة العولمة ومنظمة التجارة العالمية تعمل على قدم وساق في إخضاع اقتصاديات الأقطار العربية وتكبيلها في قيود يصبح من الصعب أن تحاول الخلاص منها بسهولة.
كل عام ينقضي من عمر الأمة بدون أن تعمل من أجل الدفاع الإيجابي عن مصالحها في مواجهة المؤسسات الرأسمالية الاستعمارية يزيد من شدة القيد على حركة الأقطار العربية.
وما الحركة ذات الأبعاد الاقتصادية التي تقوم بها دولة الحزب في العراق إلاَّ خطوة في الاتجاه الصحيح، فعلينا أن نكون حريصين على إنجاح ما تحقق من اتفاقات على طريق تعميقها وتطويرها وطرق أبواب أخرى تصب في اتجاهات الدفاع الاقتصادية الإيجابية.

ك-العلمنة: تعريفها، ولماذ؟ وكيف تتحقق؟

لم تكن العلمنة في يوم ما وصفة طبية جاهزة وصالحة لكل أنواع الأمراض. وإذا كانت العلمنة كما يفهما البعض أنها تقود نحو الإلحاد فالحزب يرفضها، لأنها سوف تكون حينذاك متناقضة مع عمقها الديموقراطي الذي لا بُدَّ من أنه يقدِّس حرية الاعتقاد. أما الحزب فلا يعتقد بأن العلمنة هي ذات أبعاد إلحادية. فلو عدنا إلى الأسباب التي دفعت الفكر الغربي إلى التأسيس لعلمنة النظام السياسي الغربي لوجدنا، تأصيلاً للأسباب، أن اتجاهات العلمنة جاءت كردة فعل ضد تسلط الكنيسة الأوروبية على شؤون البشر في الدنيا والآخرة. فكانت مضامين الدعوة إلى العلمنة ذات أبعاد أساسية وهي فصل شؤون الدين عن شؤون الدنيا، لماذا؟
لقد فرضت الكنيسة سيطرتها تحت ستار الإدَّعاء بأنها تحكم بإرادة من الله. فمارست الظلم والاضطهاد والاستغلال الاقتصادي تحت عباءة تلك الإرادة، فما كان أمام المؤمنين بالمسيحية من البسطاء إلاَّ أن يأتمروا بل أن يؤمنوا ويصدقوا ما كانت الكنيسة تنسبه لنفسها.
كان الفضل للعقل الغربي في الكشف عن زيف ذلك الادعاء فجهد من أجل تعميم تلك الثقافة. أخذ العقل الغربي من الكنيسة، بعد عدة قرون، ما ادَّعته لنفسها من حق إلهي في الاستيلاء على السلطة الزمنية. لم يكن يعني منع الكنيسة من مزاولة سلطة الشؤون الزمنية على الإطلاق إحلال عقائد الإلحاد مكان العقائد الإيمانية المسيحية، وهذا ما سُمِّيَ فصل الدين عن الدولة، فأبقى المبدأ العلماني سلطات الإيمان الديني وتهذيب الأخلاق والعبادات من صلاحيات الكنيسة.
فإذا كان هذا التفسير للعلمانية هو الواقعي فإن حزب البعث لا يخرج من خلال مراجعة أدبياته ونصوصه القومية والقطرية ودستوره إلاَّ مؤيداً لهذا التعريف.
دعا الحزب إلى نبذ الإلحاد وأعطى للدين مكانته الروحية التي يستحقها، والتي بدونها لا يتحقق الأمن النفسي للإنسان فيما له علاقة بشؤون ما بعد الموت. أوضح الحزب من جانب آخر أنه لا يعمل من أجل بناء دولة دينية، لأن التشريعات الدينية لا تصلح للحكم في الدولة القومية، ولهذا يدعو في نصوص دستوره إلى صياغة قوانين وتشريعات تحفظ حقوق مواطني الدولة القومية وواجباتهم على قاعدة المساواة المطلقة بينهم من دون النظر إلى معتقداتهم الدينية.
لم يضع الحزب حتى الآن- تعريفاً نهائياً للعلمانية يُعرف بأنه تعريف خاص بحزب البعث؛ وعلى الرغم من ذلك، وبالعودة إلى نصوصه نستلخص عدداً من المبادئ والتوجيهات التي تصلح لأن تؤسس لمفهوم العلمانية كما يراها. فالحزب، من خلال تمييزه بين وظائف الإيمان الديني ووظائف الدولة الزمنية، خطا خطوة واضحة على طريق وضع تعريف للمفهوم العلماني الذي يعتقد أنه صالح للتطبيق في الدولة القومية العربية.
10-صفة الحزب: لبناني، قومي، أممي، ديني، لماذا؟ وكيف يؤكد ذلك؟
إن صفة حزب البعث العربي الاشتراكي قومية تناضل على الصعيد القطري اللبناني بمنظار قومي عربي يعمل من أجل الوحدة العربية. وإن العودة إلى بعض مضامين الإجابات السابقة يعطي صورة واضحة للإجابة حول هذا السؤال.

وتقبلوا فائق الاحترام

لبنان في 12 تموز / يوليو 2002م
-->

ليست هناك تعليقات: