السبت، فبراير 27، 2010

مقال لمجلة شؤون جنوبية

-->
مقال لمجلة شؤون جنوبية
8/ 4/ 2002
 

ما أحلى وأجمل من أن يعود إنسان إلى أرضه بعد طول انقطاع. فالعودة إليها عودة إلى الجذور وحنين إلى الأهل. فالأرض لن تُنسى، وإن احتلَّها غاصب، ستحتلها في المقابل ذاكرة الأجيال وقلوبهم، وسوف يعملون كل جهدهم في سبيل استعادتها، فمهر الأرض غالٍ، يوازي دم العروق ونبض الحياة.
ليست الأرض مسألة نفسية واجتماعية وروحية فحسب، فالأرض مسألة سياسية أيضاً. أن ترتبط بالأرض، هو الوجه الأول، أما الوجه الآخر فهو كيف تكون الأرض صالحة لإنبات الأجيال الجديدة المتواصلة لكي يعيشوا بها وعليها ولها بكرامة وعزة.
قريتي جزء من الشريط الحدودي الذي كان محتلاً، وجزء من جنوب الوطن الذي كان مهملاً ولا يزال. أنا جزء من قرية دنَّسها العدو لعشرات السنين. أنا جزء كان مهملاً في أرض لم يتورَّع النظام السياسي عن إهماله إلى درجة النسيان.
كان يسكنني همَّان في مرحلة الاحتلال: كيف أسهم في تحرير الأرض أولاً، وكيف أرى مرحلة ما بعد التحرير ثانياً.همَّان يسكنان قلبي وعقلي في مواجهة همَّين: مستقبل علاقتي مع ضيعتي إذا كُتبِت لي الحياة في العودة إليها، وهمُّ مستقبل أطفال ضيعتي -وأطفالي جزء منهم- في علاقاتهم ومستقبلهم على أرض ضيعتهم.
أما الأن، فإن ما يجعلني قلقاً، بعد العودة،وفي الوقت الذي عاد فيه الأهل للتواصل على أرض ضيعتنا، هو أن لا تبقى مصيفاً ومحطة للاستراحة في أيام العطلة عن العمل ما إن تنتهي حتى يتركوها عائدين إلى أعمالهم. فمن الخطأ المميت أن تتحول ضيعتنا إلى مصيف لا نشعر بالعلاقة معها إلاَّ لأننا سوف نقضي أيام العطلة فيها.
تترافق الأرض مع الاستقرار عليها، بمعنى أن تكون لقمة عيشنا منها، والحرف الذي على أولادنا أن يتعلموه يجب أن يكون على مقاعد مدرستها. فالعلاقة بين الأرض والإنسان علاقة تبادلية: نعطيها من العمران والتنمية، فتعطينا الأمان المعيشي والاجتماعي. نبدي حاجتنا إلى الوحدة بين أبنائها فتحضننا وتوحدنا. فالأرض تمثل الحياة المشتركة بين أبنائها على شتى مشاربهم وتعددياتهم الفكرية والدينية.
من المخيف أن ننظر للأرض وكأنها سماء زرقاء وهواء عليل وماء سلسبيل فحسب. فالأرض هي، أيضاً، مصدر للاستقرار والرزق وأساسهما التنمية. والأرض هي لكل من سكن عليها دون المساس بحقه في الحرية والاعتقاد والتفكير. فالأرض هي وحدة الإيمان بالدفاع عنها لكل من يملك شبراً عليها يدافع عنه في وجه الغاصبين.
تعالوا لنبني ضيعة وجنوباً ووطناً، ينضاف فيه الاهتمام بالتنمية إلى محبة السماء والماء والهواء وحبة التراب. تعالوا بنا لكي نبني، ليس على قاعدة ضيعة للسياحة والاصطياف، بل ضيعة تصلح للعيش الكريم.
-->

ليست هناك تعليقات: