السبت، فبراير 27، 2010

المرحلة المقبلة ولعبة تجميع الأوراق

-->
المرحلة المقبلة ولعبة تجميع الأوراق
كانون الأول 2008
يصح تسمية المرحلة القادمة بمرحلة ما بعد تحرير العراق، أي مرحلة ما بعد هزيمة مشروع القرن الأميركي الجديد. تلك الهزيمة التي ستلقي بظلالها على العالم كله، لتعيد دول العالم بأكمله حساباتها الجديدة بعد أن أفلتته المقاومة الوطنية العراقية من قيود المخاطر المؤكدة التي كانت تنتظره فيما لو نجح المشروع الأميركي في تطبيق فرضيته بإنهاء التاريخ عند أيديولوجيا اليمينيين الجدد بقيادة إدارة جورج بوش.
ولأن المصالح الأميركية كقاعدة عامة، والمشروع الأميركي المهزوم كقاعدة خاصة، كان يمثل المحور المركزي الذي على أساسه كان على دول العالم برمته أن يفصلوا مشاريعهم ومصالحهم على مقاييسه، لا بدَّ من تحديد المتغيرات التي لحقت بهذا المشروع بعد هزيمته في العراق، وما هي قواعد تلك المتغيرات.
لقد تجاوزت قرارات إدارة اليمين المتطرف كل الشرائع والضوابط التي كانت تربط الولايات المتحدة الأميركية مع دول العالم، إذ بلغت درجة تعالي أصحاب المشروع سقفاً لا يمكن لكل تلك الدول أن تتحمل وطأته، بما فيها دول المنظومة الرأسمالية التي لم تترك لهم إدارة جورج بوش ما يأسفون به على انهياره.
أما على صعيد المتغيرات المرتقبة التي ستتحكم بقرارات الإدارة الجديدة، إدارة أوباما، فلن تكون بتقدير كل المحللين، خارجة عن خط حماية الولايات المتحدة الأميركية والمحافظة على قوة تأثيرها في أي نظام عالمي، وستكون تلك المتغيرات محكومة بالدرجة وليس بالنوع. ومن المقدر لها أن تعود إلى سياسة الاحتواء بقوة السياسة والاقتصاد، متجاوزة وسائل الاستيلاء بقوة السلاح والمقدرة العسكرية بعد إثبات فشلها. فاستخدام وسيلة الصدمة والترويع بلغة السلاح ولَّت إلى غير رجعة بعد أن أثبتت المقاومة الوطنية العراقية أن تلك الوسيلة أضعف بكثير مما تصوره الكثيرون في العالم. وأما الصدمة والترويع بمعنى السياسة والاقتصاد فسوف تكون استراتيجية إدارة الرئيس أوباما.
ونتيجة لحالة الضعف والوهن التي أصيبت بهما الولايات المتحدة الأميركية في العراق، لا بدَّ من أنها ستنعكس بتقديم عدد من التنازلات في صياغة نظام عالمي جديد، لكن على ألاَّ تمس تلك التنازلات ثوابت النظام الرأسمالي الأميركي.
ولكي لا تكون سقوف التنازلات الأميركية مرسومة من قبل الإدارة الأميركية لوحدها، نعتبر أن هناك فرصة ثمينة أمام كل الدول المتضررة للاستفادة من حالة الضعف الأميركي للحصول على مزيد من التنازلات التي تضمن لها مصالحها القومية والوطنية في المرحلة اللاحقة. والأحرى بالعرب أن يستفيدوا منها لأنهم الأكثر تضرراً في الماضي القريب والزمن الراهن من العدوان الأميركي سواءٌ أكان عدواناً عسكرياً أم عدواناً اقتصادياً وسياسياً، وتأتي في مقدمة المتضررين العراق وفلسطين ولبنان.
هناك عدد من مظاهر الحركة الدائرة الآن في العالم وخاصة الوطن العربي والإقليم الجغرافي المجاور، تلك المظاهر ابتدأت بالصعود قبل الآن بقليل، تعود أسبابها إلى الحسابات التي فرضتها الانتخابات الأميركية بإسقاط إدارة اليمينيين الأميركيين الجدد، وتصعيد الإدارة التي وعدت بتغيير وسائل اليمين وأخطائه.
وعلى وقع وعود رئيس الإدارة الجديدة بالتغيير راحت تلك الدول والقوى في تجميع أوراقها، وما يمكن أن تحصل عليه من أوراق قوة، لتشكل لها قوة ضغط على أية طاولة مفاوضات قادمة، وهي قادمة لا محالة.
وهنا لا بدَّ من التمييز بين عدد من الحسابات:
-الأول تمثله استراتيجية المقاومة الوطنية العراقية التي لن تتراجع عن ضمان فرض الانسحاب الكامل غير المشروط، ومن ثمَّ إعادة بناء النظام السياسي الوطني على قاعدة التعددية والديموقراطية.
-والثاني: تمثله استراتيجية بعض الدول العربية لتوظيف تلك النتائج في قطف بعض المصالح الوطنية.
والثالث: تمثله استراتيجية بعض دول الجوار العربي لقطف نتائج تضحيات الأمة العربية لمصالحه الفئوية الخاصة.
ومن أهم تلك الأوراق التي يتم تجميعها ما حققته المقاومة العربية في العراق وفلسطين ولبنان. تلك المقاومة التي لولاها لما قُدِّر لأي لاعب، سواءٌ أكان عربياً أم غير عربي، أن يصبح لاعباً على طاولات المفاوضات القادمة. فالمقاومة وحدها هي عامل القوة الذي يستقوي به رواد المفاوضات، ولكن هل يمكنهم أن يستثمروا هذا العامل بكفاءة وحكمة واقتدار لضمان مصالح الوطن العربي، كل الوطن العربي، ومصالح الإقليم، كل مصالح الإقليم؟
بل هل ستكون القوى الراغبة في التفاوض قادرة على حماية المقاومة العربية ورافضة للتفريط بها؟
وهل من دفع الروح والدم والمال قادر على توظيف ما دفع ليبقى مصدر حماية للأمة العربية وقضاياها من غوائل ما تضمره المخططات الاستعمارية والصهيونية؟
إن القادم من الأيام يحمل مشروع إعادة صياغة نظام عالمي جديد، بتواطؤ استعماري صهيوني، وقد يتم تمريره بما يتناسب مع توزيع الحصص بين أطراف ذلك التحالف من جهة، وقد تلعب بعض الأنظمة العربية الرسمية دور التابع الدائم من جهة أخرى، وتعمل بعض القوى الإقليمية للمحافظة على مصالحها على حساب مصالحنا من جهة ثالثة.
ولما كانت الصورة واضحة عند الآخرين في القادم من الأيام، فهل ستكون بالوضوح ذاته عند أطراف فصائل المقاومة العربية؟
-->

ليست هناك تعليقات: