الاثنين، يناير 25، 2010

قراءة في اشعار هدى محمد

-->
قراءة في اشعار هدى محمد
7/ 6/ 2004.
هدى محمد في هلوسات ثورية عاقلة
الأخت هدى
لقد قرأتك من خلال القصائد التي نشرتها في »دورية العراق« وأنا قلَّما أقرأ الشعر، كما ليست لديَّ ملَكَة نقده. وإنما غامرت في القراءة، يشدني إليه أن امرأة تكتب شعراً في زمن المقاومة. ومرد عجبي في هذا الزمن هو أنه عزَّت فيه الرجولة على الكثيرين، فأشاحوا بوجوههم لكي لا يروا العار اللاحق بالأمة، أو أنهم إذا نظروا فإنهم لن يميزوا بين معالم العار ومعالم الشرف. وأشاحوا بوجوههم عن معالم البطولة التي يتم تسجيلها في العراق وفلسطين، لأنهم لا يريدون أن يروا جبنهم وتخاذلهم.
كان لي في مغامرة القراءة فائدة كبرى في أنني رأيت أن معاني الكرامة أمر يعيه الرجل والمرأة معاً فتتكامل بوعيهما رؤية الدفاع عنها. ولكنهما يتمايزان في أن المرأة عندما تعي أنها ليست الضحية التي على الرجل أن يدافع عنها ويحميها، بل لديها المقدرة على أن تحمي نفسها وتدافع عنها، فهي لن تنتظر »المعتصم« دائماً ليحميها ويسترجعها من السبي، بل قد تتحوَّل هي نفسها إلى »معتصم« يحمي الرجال الذين تحولوا إلى »فحول مخصية« إما بقيادتهم إلى الموت خجلاً من خصيهم وصمتهم، أو أنها تساعدهم على أن يثوروا على »خاصيهم« أو »آكل« ألسنتهم.
كان مما شدَّني إلى شعر هدى محمد أنها عشقت البطولة، البطولة القائمة على رفض الواقع الآسن. وانتقلت من ميدان الندب النقدي إلى ميدان استفزاز الطاقات الشعبية الكامنة في بنيتنا الفكرية لتعطي أفضل ما عندها لمواجهة العدوان الظاهر في وجهين: وجه »الناهبين الغاصبين« القادمين من الخارج، ووجه »الساكتين المشتتين« القابعين في الداخل.
جميل أن يترك الرجال الندب فيثوروا للمحافظة على كرامتهم، والأجمل أن تطلِّق المرأة »الولولة والنحيب«، والصورة الأكمل أن يشبك الرجل والمرأة أيديهما ويتحوَّلا إلى كتلة من الثورة على الظلم وسداً ضد الغزو الخارجي، وبها يتحول »المعتصم العربي« إلى رمز آخر، تأخذ فيه المرأة العربية حصتها من ذلك الرمز.
في قصائدها تنبت آلام هدى محمد في وسط بيئة من »الصامتين والمقعدين« الذين يتكاثرون كلما ألمَّ بالأمة عارض جديد. وهي لا ترى المُقْعَد أنه الذي حبسه المرض الجسدي على كرسي، كمثل ما ترمز إليه حالة الشهيد الشيخ أحمد ياسين، بل المُقعَدون هم الذين أعاقهم افتقادهم للحس الوطني والكرامة الوطنية. ومنه تتطلَّع إلى مثال الشيخ أحمد ياسين لتراه رمزاً للثورة التي ملأت عقله ووجدانه وحبه للشهادة وهو يرى وطنه خائر القوى من وطأة النعال الصهيونية. فترى في المعاني التي يختزنها ذلك الرمز »حارس الأقمار« مبتسماً لأنه وصل إلى قناعة أن الموت والحياة يتساويان في ظل الخنوع والاستسلام لإرادة الغاصب المحتل، فاختار أن يكون ميتاً ولا كالأموات، بل ليشق منفذاً للخلاص أمام اللاحقين من ثوار فلسطين. وقد أوصلته تلك القناعة إلى أن يكون عند هدى محمد »حارس الأقمار مبتسماً«. وبمثل تلك الإشارة الفنية تبقى روح الثورة أمل المستقبل الجديد.
في مقابل رمز الثورة والدفاع عن الكرامة الوطنية تبرز حالة الأنظمة الرسمية واضحة في مسخها لكل قضايا الأمة الساخنة، كما حصل في مؤتمر القمة العربية الأخير، الذي به تناسى أمراء وملوك وأولياء أنظمة رسمية كثيرة كل قضايا الأمة الساخنة التي تلسع وجه الشعب العربي وجلده ومعدته وكرامته، واختزلوها في حفنة من الأوامر الإصلاحية القادمة على دبابة جورج بوش، وبها تحولنا إلى أننا »ليس لنا هم وقضية«، فتحولت كل همومنا إلى أنه ليس لدينا إلاَّ »الإصلاح قضية«.
لقد حملت إلينا دبابة »أشباح الكهوف« كل المآسي، فتحوَّل القادة العربمن مشرق ومغرب- إلى أدوات تطيع وتأتمر بالرسائل المحمولة على ظهر دبابات الأشباح، تُؤمر فتنصاع، فتحولوا إلى »ساقطين مشتتين« يتآكلهم العار، وتحوَّلت »جمرة الرجولة« عندهم إلى رماد، فلم يعد يؤثر فيها لهيب الأمة التي يزداد اشتعالها في كل أقطارها من المحيط إلى الخليج.
لكن وضوح الرؤية الثورية عند هدى محمد لا تخمدها مظاهر الضعف تلك، بل ترى أن برودة الرماد في بواطن »الساقطين المشتتين« تحوَّلت إلى نار عند الأحرار في الفلوجة، ورفعوا راية المجد بزنودهم، تلك الزنود التي ابتكرت من شدة شعورهم بالكرامة سلاحاً جعلت المتخاذلين يكتوون بنار العار، وجعلت من قرون »أشباح الكهوف« تتكسَّر تحت أقدامهم. وبمثل هذا التفاؤل الثوري عند هدى محمد ج علت من مهر المرأة رمزاً مقداره قطرة من دماء الغزاة.
لم تنتظر هدى محمد، برمزها الثوري لدور المرأة، أن تجعل من المرأة »حاضرة ناطرة« لتستلم مهرها من الرجل أي رجل، بل جعلت منها زنداً يلاحق مهر وطنها وكرامتها، فلديها سلاح، وهي تجيد استخدامه. وإذا افتقدت الماجدة وجود الرجال فإنها تعرف »شيم العروبة من نساء، لمَّا توارى تحت جبنهم الرجال«، فهي كريمة وأصيلة تعرف أنها تستطيع أن تذل القاهر الغازي ولو بضربة من نعالها. فنع الها أشد تأثيراً من كل الأسلحة المكدَّسة في المخازن الرسمية، فالغازي باعها لتلك الأنظمة ليستفيد من أثمانها على شرط أن تبقى أسيرة المخازن.
لقد أقسمت هدى محمد، وهي ترى أن »العصماء العربية« لن تنتظربعد الآن- مهرها من »الفحول المخصية«، إنها لن تبكي حال الماجدة العربية، فالماجدة تشبَّعت بالعفاف والطهارة، كما تشبعت بروح اللبوة التي تعرف كيف تدافع عن أشبالها وعرينها، ولكن هدى محمد راحت تبكي »شعوب القهر والدونية«. فتحولت الثورة إلى رمز لا يجيد امتلاكه الرجل فحسب، وإنما المرأة هي شريك بالثورة وقد نجحت في دورها أيما نجاح.
فإذا كانت الثورة، عند هدى محمد، رمزاً عربياً ماثلاً في التُراث العربي، فإن رمز »بابل« العراقية له خصوصية عندها حيث تشتعل أكبر ثورات العالم على أرضه اليوم. وكأن الشاعرة قد جعلت من المقاومة العراقية ماجدةً للعرب في تاريخهم المعاصر، فبأبطالها تحول ماء دجلة والفرات ناراً فوق رأس الغاصبين.
هدى محمد، كماجدة عربية، تحمل راية الكرامة والشجاعة، فتنتخي لماجدات العراق وفلسطين، وتقسموالحال الثورية كما هي عليه الآن- أنهن لن يتحولن إلى سبايا، ما دامت أرض العراق وفلسطين عريناً يواجه أسوده ولبواته الغاصبين من الخارج والقابعين في أوكارهم وجحورهم في الداخل، الساكنين في القصور وما هي بقصور، تحرسهم عصابات الناهبين من كل حدب وصوب.
بوركت هدى، ولا تيأسي في أن تري الطريق وعراً لقلة سالكيه، فأنت زرعت أملاً كبيراً في إمكانية انتقال المرأة العربية من عصر إلى عصر. وسجلت في سجل الرجال طريقاً طالما تاه عن سلوكه الكثيرون من رجال ونساء.
5/6/2004
***
رد هدى محمد
21/ 6/ 2004.
الأخ الكريم المقاوم حسن خليل غريب.
السلام عليكم وبعد
أشكرك لك مقالك التحليلي الرائع حول ما أنشره في دورية العراق، ولا اتفق معك أنك لست ( ناقدا) فالنقد هو التفكيك والتحليل من نقد الدراهم أي فرقها وعدّها. ويوجد من المحترفين من ينقد أشعاري نقد لغوي ، ولسوف يتحدث عن الصور والبلاغة واللغة والوزن وسائر القوانين الآخرى، وهذا أمر يحترم، لكن تقييمك عندي له وزن آخر تماما لانك لمست لب الشيء وقلب الجوهر، وفهمت كل الفهم الرسالة التي أحاول أن أبثها.
ما أهمية الأديب اذا كان دورة ينحصر في العويل والبكاء ، أجل لا بد ان يعبر عن آلام الأمة والناس ، لكن يجب أيضا ان يلتزم بأهداف أهم وأكبر، كتثبيت معنى الهوية مثلا، كترسيخ حقيقة التلاحم على كل الاصعدة بيننا نحن الشعوب العربية ( شاء من شاء او اباء من اباء) والاهم حاليا محاربة ثقافة الهزيمة والانكسار والسلبية التي تتفشى بيننا وفق خطط موضوعة بدأت قديما ولن تنتهي قريبا.
صورة الفقير الذي لا يجد الخبز وهو عار وبردان لكنه ينام فوق كنز ولا يعرف كيف يستخدمه ، هذه اقرب صورة لحالنا العربي.
الأعداء ضيقوا الخناق كثيرا، وتأثيراتهم القبيحة تفشت في ديارانا ابتداء من الجرائم الفوق بشعه في فلسطين والعراق انتهاء بصور شبابنا، وهم يضعون المكياج ويبكون ويتحاظنون في صورة قبيحة جدا، اقسم يقف لها شعر جنب كل كريم، في السوبر ستار وغيرة من ثقافة ( الدعارة ) الفكرية، والتفريغ المقزز.
تحت كل هذا الثقل ومع وجود المؤهلات الجوهرية التي لا يستطيعون سلبنا اياها محاله، توجد شرارة، وكل شرارة لا بد لها من نفخ ومداراه وأغصان حتى تشتعل وتكبر، اذا لم تولد شرارة الثورة الآن فإنها لن تولد قط، نحن في أكثر المراحل حرجا... لحظات المخاض التي تحدد حياة ميلاد جديد او موت في رحم، وكما ان الشرارة بداية النار الكبرى وكما ان الولادة بداية الحياة والمشوار طويل جدا بعدهما، ذلك نحن اليوم.، لعل دورنا اليوم في النفخ اللطيف في الشرارةو تنبيه الأخرين انها هناك. نحن في مرحلة الإعلام والإفهام، وتحديد الإنتماءات. نحن في مرحلة تغيرات جذرية وانقلابات خطيرة، أرادوها ان تكون لهم ، لكن نستطيع ان نقلبها عليهم.
سيد حسن خليل غريب، انا سعيدة جدا ان شخص واحد بأقل تقدير فهم رسالتي، وهي صيحة في صحراء كبيرة، واعتبر نفسي في بداية بداية المشوار.
ويكفيني فخرا ان انجح في خلق أو تجديد إحياء رسالة واضحة المعالم تحمل هوية خاصة متفردة، في عالم الابداع. فالابداع بلا رسالة كالسراب يحمل شكل الماء ولا يروي أبدا. وفي ظل ثقافة تهميش الأساسيات وتأسيس الهامشيات، فإن المشوار صعب، لأن الحياة دائما أصعب من الموت على أنها ألذ.
ولعل زبدة مقالك تكمن في فقرتين اولهما: شدَّني إلى شعر هدى محمد أنها انتقلت من ميدان الندب النقدي إلى ميدان استفزاز الطاقات الشعبية الكامنة في بنيتنا الفكرية
والأخرى: لكن وضوح الرؤية الثورية عند هدى محمد لا تخمدها مظاهر الضعف تلك، بل ترى أن برودة الرماد في بواطن »الساقطين المشتتين« تحوَّلت إلى نار عند الأحرار في الفلوجة.. الخ وهنا مفصل آخر، فالحق أن العدو تمادى لدرجة جاوزت الاحباط ووصلت للغليان، وهذا أمر لا بد للأديب صاحب الرسالة أن يغذيه.
وآخر القول انه لا بد للاديب ان يكون موضوعيا دون تنازل يبتعد عن التطرف على ان لا يتخلى عن مقدار ذره من هويته، يخلق توازنا نفسيا عند المتلقي ليصل لهدف واحد يختلف عن التحفيز اللحظي وهو ( بث الوعي الجوهري)
ولك جزيل الشكر، ولقد كان لمقالك عليّ تأثير المطر على رمل الصحراء.
هدى محمد
***



حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: