الاثنين، يناير 25، 2010

مقابلة صحفية مع مجلة التضامن

-->
مقابلة صحفية مع مجلة التضامن

نُشِرت في مجلة التضامن - بيروت: العدد: 17، تاريخ 23 نيسان /أبريل 2001
لماذا سقط المشروع القومي؟ وكيف بقي القوميون في السلطة؟
حاوره في بيروت: عدنان فوزي
المفكر والباحث اللبناني الأستاذ حسن غريب واحد من المهتمين بالفكر القومي وبدراسة العلاقة بين القومية العربية والدين الإسلامي. كما أنه من الداعين إلى إقامة حوار شامل بين العروبة والإسلام، مستنداً إلى قناعته بضرورة الحوار وحتمية الوصول إلى مشروع فكري سياسي يكون فيه الحل للكثير من المشكلات التي تعاني منها المنطقة العربية التي مزَّقتها اتفاقية سايكس بيكو.
وقد صدرت له، حتى الآن، مجموعة من الكتب، منها: في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام (1999). الردة في الإسلام (1999). نحو تاريخ فكري سياسي لشيعة لبنان (2000). نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والإسلامي (2000).
التضامن التقت في بيروت حسن غريب وحاورته:
·   ما الجديد الذي تقدِّمه في دراسة الطائفية في لبنان؟
- كعربي وجدت أن الساحة اللبنانية تاريخياً- تعاني من مشكلة المذهبية. فليس هناك من توازن بين مصالح الطوائف. وعندما قامت الحرب في لبنان كان هذا التوازن مختلاً أصلاً لمصلحة فئة طائفية سياسية، ثم تعمَّق بعد انتهائها لمصلحة فئة طائفية أخرى.
سيبقى هذا الاختلال مشروع صراع دائم. وعلى الرغم من أننا نرى أن الخطاب السياسي يتركز حول تعداد مساوئ الطائفية، إلاَّ أنه يبقى قاصراً عن فهمها في عمقها التاريخي والفكري. فكان هذا السبب من الدوافع التي حدت بي إلى القيام بدراسات أكاديمية حول هذين الجانبين، وأنا أحسب أن مثل هذه الدراسات تصوِّب الكثير من جوانب الخطاب السياسي.
·   لماذا اقتصرتم، في كتابكم «نحو تاريخ فكري سياسي لشيعة لبنان»، على دراسة طائفة واحدة دون غيرها؟
-لقد رسمت في ذهني مشروعاً كاملاً لدراسة تاريخ وفكر الطوائف اللبنانية المؤثِّرة سياسياً على الساحة اللبنانية. وبما أنني أنتمي للطائفة الشيعية، رأيت من المناسب أن أبدأ من البيت، حتى لا نُلام من قبل الآخرين. لكن لا بُدَّ من دراسة  السُنيَّة السياسية والمارونية السياسية
·   من الملاحظ أنكم، في جميع مؤلفاتكم، تركزون على البعد القومي. فهل ترونه كفيلاً بحل جميع الإشكاليات؟
-أولاً، أنا كلبناني أحاول دراسة التركيبة الطائفية السياسية في لبنان. وفي الوقت نفسه أنطلق من تكويني الفكري. فأنا احمل، في أعماقي، جذوراً فكرية قومية. وأنا مقتنع بجدوى الفكر القومي كجامع لكل التعدديات الدينية، ومقتنع بقدرته على أن يستوعب الاختلاف والتعدد الديني. وعلى التعدديات الدينية أن تقتنع بوجوب الاتفاق حول أنظمة تحقق مصالح الجميع.
·   لكن الذي يميِّز الخطاب الديني عن القومي كونه عالمياً
-صحيح، إن كل فكر ديني، وليس الإسلام فحسب، يحمل بذور العالمية، لأنه يحسب نفسه أممياً. ويعمل المنتمون دينياً على التبشير بدينهم ونشره بين كل الأمم. لكن التجربة التاريخية الطويلة دلَّت على أن الفكر الديني فعلاً لم يكن على مستوى العالمية، والسبب أن كل الأديان تشرذمت واختلفت حول مسائل واحدة في الدين الواحد وتحولت إلى عشرات المذاهب، بل إلى مئاتها.
وفي دراستي للتاريخ الإسلامي، وجدت أن الإسلام لم يستطع، في خلال 1400 سنة، أن يوحِّد المسلمين. فتفرَّق إلى أكثر من 188 فرقة قديمة باستثناء الفرق التي ولدت حديثاً ولا تزال تتوالد. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من 200 فرقة صوفية نشأت في الإسلام.
لذا، عندما تعجز أية دعوة عن أن تكون واحدة مُوَحَّدَة، فلن تكتسب صفة العالمية. ولأن الأديان تشرذمت إلى مذاهب متناحرة فلم تحقق في ذاتها صفة العالمية. هذا لا يدعونا أبداً إلى أن نستخدم المقاييس ذاتها على القيم العامة والمثل المطلقة.
·   لكن هذه التعددية دليل صحة.
-لم تكن تعددية الفرق داخل الإسلام دليل صحة، كما يدَّعي بعض فقهاء المسلمين. ولو كان هذا صحيحاً لما شهدنا ذلك التاريخ الدموي الطويل بين الفرق الإسلامية. أنا أفهم التعددية على أساس أن يُغني طرف الطرف الآخر فيتكاملا. ولكن إذا دخلت المذاهب إلى حلبة الصراع الدموي على قاعدة أن كلاًّ منها يحتكر المقدس ويحصره في نفسه، فيبدأ على أساسها صراع التكفير والتكفير المضاد، فلن تسير التعددية على طريق السلامة والصحة. ولهذا وجدنا، من خلال استقراء التاريخ الإسلامي، أن كل فرقة إسلامية استناداً إلى الحديث النبوي «تفترق أمتي »- تحسب أنها هي الناجية وحدها من النار، أما الفرق الأخرى فهي الكافرة. وبذلك فإن استحلال كل فرقة دم وأعراض وأموال الفرق الأخرى تؤدي إلى تعددية تفقد لغة الحوار والاعتراف بالآخر. فبدلاً من أن تتكامل الرؤى فإنها تتذابح، فأين هي الصحة في مثل هذه التعددية؟
·   إلى  ماذا تستندون في تحليلكم للطائفية السياسية في لبنان؟
-لقد وجدت، في خلال دراستي للطائفية السياسية في لبنان على قاعدة الفكر القومي، أنني كنت منفعلاً بالمقالة القومية أكثر من فهمي للفكر القومي في داخل حالته التاريخية. لذلك عكفت على دراسة تشكُّل الفكر القومي من خلال التاريخ في كتابي «في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام». ولما وجدت أنني عاجز عن تحديد مصطلح (الإسلام الصحيح)، قمت بدراسة الإسلام في كتاب «الردة في الإسلام». ومن خلاله وجدت أن الإسلام تعرَّض إلى تمزق هائل من داخله، فأصبح مجموعة من المذاهب بحيث تدَّعي كل واحدة منها أنها تمثِّل الإسلام الصحيح. وهنا بنيت، من خلال دراساتي الأكاديمية تلك، أرضية فكرية سمحت لي بأن أنطلق منها إلى رؤية أكثر وضوحاً في معالجة مشكلة الطائفية السياسية في لبنان من منظار وطني وقومي.
·   مما تقدَّم، هل يمكن القول إن الفكر القومي يمكن أن يكون حلاً، وضامناً لوحدة جميع المذاهب أو الطوائف، أم أنه بديل عنها؟
-أعتقد أن الفكر القومي قد يكون حلاًّ، لأن التعدد المذهبي لم يكن، على الإطلاق هو الحل. كما أن الفكر الديني لم يكن مُوَحَّداً  ليصبح مُوَحِّداً. فوجدت أن علينا أن نفتش عن الحل، وأحسب أنه موجود في الفكر القومي. لكن هنا علينا أن نميِّز بين حاجة الانتماء الروحي للإنسان وبين حاجات الانتماء السياسي للمجتمع.
الانتماء الروحي هو اختيار حر، ويجب أن لا يتحوَّل هذا الانتماء إلى عامل عداء. فالقومية تترك حرية الانتماء الروحي لأي فرد في المجتمع، ولكنها تعمل على توحيد النظم والقوانين التي تنظم الشؤون المادية والحياتية للأفراد والمجتمعات.
لكن لا تسألني عن أي مشروع سياسي مفصَّل يمكن أن يحقق العدالة والمساواة بين كل التعدديات الدينية، فليس عند أحد وصفة جاهزة. لكن لندعو إلى حوار يُوحِّد الاتجاهات الفكرية أولاً، ليصبح من السهل الاتفاق على تفصيلات النظام السياسي. وهذا الحوار الفكري يمكن أن يؤدي أغراضه من خلال النقد الهادف.
·   كثيرون يقولون إن المشروع القومي متَّهم لم يحقق للأمة شيئاً يُذكَر. وإنه قد استُهلِك بما فيه الكفاية. ولنجرِّب الخيار الديني.
- هذا الموضوع في غاية من الأهمية. لقد حاولت إلقاء الضوء عليه في كتاب «في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام». تحاول الاتجاهات الفكرية، من خلال أغراضها الإيديولوجية، أن تنظر إلى اللحظة التي تعيش فيها فقط من دون أن تربطها بأصولها التاريخية. وإذا لم نقرأ التاريخ جيداً نقع في قصور كبير ونبتعد عن التشخيص السليم. إن البعض  يتَّهم المنهج الأكاديمي بأنه خالٍ من الروح.  أما، برأيي، إذا لم نقم بأبحاث أكاديمية تلقي الضوء على التاريخ بشتى لحظاته، سنقع في قصور عن التشخيص السليم؛ لأن لحظة ما في التاريخ ليست منفصلة عن التي سبقتها. أما الذي يحسب أن المشروع القومي قد أثبت عجزه وفشله فيدفعني إلى أن أتساءل: متى قيل هذا الكلام؟ لقد قالته في بداية السبعينات التيارات الإسلامية وهي بلا شك ذات أغراض فئوية. [لقد انطلقت تلك المزاعم في الوقت الذي لم يمر من عمر ذلك المشروع، بما فيها مرحلة التكوين الفكري السياسي، سوى ثلاثين سنة. وقبله كان المشروع السياسي الديني قد عاش ألفاً وأربعماية سنة. فهل أثبت النظام السياسي الإسلامي جدارته طوال تلك المدة؟ فكيف ننقد مشروعاً عمره ثلاثون سنة ونتهمه بالفشل وندعو إلى قيام نظام جُرِّب ألفاً وأربعماية سنة، وهو قد فشل فعلاً؟]
هنا ليس سوى البحث الأكاديمي الذي يستطيع أن يلقي الضوء على أمثال تلك الأحكام. ومنه يتَّضح أن ما يقوله أولئك ليس إلاَّ قصوراً في النظر عن رؤية التجربة التاريخية بوضوح موضوعي.
·   في كتاب الردة في الإسلام أثرت موضوع الردة. فإلى أين تريد الوصول؟
- [لقد ناقشت هذه المسألة في الفصل الأول من الكتاب. وجئت بأدلة نقلية وعقلية على أن الحكم بقتل المرتد عن الإسلام، كما ورد في الحديث النبوي، كان ظرفياً، ولم يكن حكماً دائماً يصعب إلغاؤه. والإشكالية أن فقهاء المسلمين أجمعوا، على شتى مذاهبهم، حول صحة هذا الحكم ووجوب ديمومته كنص مقدَّس.]
إنني توجهت، وما زلت، إلى الفقهاء المسلمين، بنداء أدعوهم فيه إلى قراءة ما توصلت إليه من نتائج في كتاب الردة، لعلَّهم يصلون إلى فهم جديد لموضوع بمثل الخطورة، التي يشكلها موضوع محاكمة المرتدين، على حرية العقل والتفكير.
***



حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: