الاثنين، يناير 25، 2010

مسرحية يا علي

-->

مسرحية يا علي

مقاومة مسرحية شعبية من نوع آخر تفتح الطريق أمام تجربة جديدة
29/ 5/ 2004م                      حسن خليل غريب - لبنان
منذ أن تطأ قدماك بوابة الأونسكو تشعر أنك تدخل إلى جو الضيعة، أطفال كشفيون وطفلات، عيون ليست غريبة عنك، أعضاء في النادي تطوعوا لاستقبال الحاضرين. وجوه مألوفة. كل ضيافة الضيعة في استقبالك. طريقة الجلوس لا تخضع لصرامة سعر البطاقة، باستثناء من يمثلون أكثر من أنفسهم.
الكل في ورشة عائلية يمثلون منتهى الاندماج الجمعي في عمل يشعر كل واحد أنه يؤدي الخدمة لنفسه، إنها والله لنعمة أن تعيد تجربة مثل مسرحية »يا علي« أواصر الانشداد والمحبة والتعاون الجمعي في إنجاح عمل من الكل وللكل. أواصر طالما اشتقنا إليها ودفعنا الحنين إلى إعادة استذكارها في ظل تفسخ ساد أكثر من ثلاثين عاماً وعادت الانتخابات البلدية الأخيرة لتعيد إنتاجه من جديد استجابة لأغراض سياسية ومواقف قاصرة عن النظر إلى العمل البلدي بعين إعادة التلاحم واللحمة بين الناس على أساس مشاركة كل الأهالي في تنمية بلدتهم التي طالما نالها الحرمان. لقد ربحنا في الغالب الأعم- لوائح الذين أيدناهم في الانتخابات، وأهملنا التفكير في ربح ضيعنا وبلداتنا موحدة.
لست من الذين يمتلكون ثقافة فنية لكي أقوم بنقد متكامل للعمل المسرحي الذي كان لي شرف حضوره في قاعة الأونسكو في بيروت. ولكنني سأقوم بواجب إعطاء تجربة »يا علي« حقها في هذا الزمن الذي غاب فيه العمل الشعبي عن المسرح، وأوكل فيه الشعب أعباء العمل كله إلى مؤسسات رسمية أو حزبية، فيكون الشعب بذلك- قد استقال من مهماته وأوكل المهمة إلى مؤسسات لا تبغي من القيام بها أكثر من استثمارها لأهداف انتخابية لا تخدم إلاَّ مصالح نخبها وأغراضهم الفئوية.
بعد أن تُطفأ الأنوار تتعالى أصوات الموسيقى التي تشعرنا بالفرح وتعيدنا إلى أجواء الأيام الخوالي، الفرح الذي طالما عرفناه قبل أن تنطلق الطلقة الأولى في الحرب الأهلية اللبنانية لتحرمنا منه سنوات طوال وعجاف ما زلنا نعاني من تأثيراته حتى الآن.
فتنطلق الطلقة الصهيونية لتحرق بساتين أهل الضيعة فتغيب بغياب أشجارها- أصوات العصافير وتختفي. ويفتقد المزارع لأهم شيء يملأ حياته.
تنطلق الطلقة الصهيونية الأولى، مترافقة مع طلقة الحرب الأهلية، لتقضي على تقاليد المحبة والإلفة في عرس حسين بعد أن تميته. وبموته وبعد أن يتأكد العدو الصهيوني أن اللبنانيين قد تمَّ ترويضهم بما يكفي، وكأنه قرأ رغبتهم في الخلاص مما هم فيه، توهَّم أنه المنقذ المخلِّص فاجتاح لبنان وكأنه يريد أن يقطف ما عجز عن قطافه منذ اغتصابه فلسطين. فكانت النتيجة انتقال أهل الضيعة من لحظة ألم إلى أخرى، فابتدأت موجات التهجير في المنافي داخل الوطن. وانتقل معظم أهل الضيعة من حرب إلى حرب، وما أن تنتهي لحظة ألم حتى تبتدئ أخرى.
يغيب الناس في المنافي عن حقولهم فيمتهنوا ما لم يكونوا قد تعودوا عليه، ويغيب الأطفال عن الساحات ليسجنهم الأهل في سجون المنافي خوفاُ عليهم وحرصاً. وتتوالى فصول اليأس والاحباط فيصبح الألم سيد الساحة. وتغيب معالم الأفق ويغيب معه الأمل في استعادة لحظات الفرح التي أصبحت سراباً عشناه في الماضي. إلى أن
وفي حبكة فنية مهمة يعود الأمل فجأة فيعود الأطقال معه إلى الشوارع. أما عودة الفرح فمرتبط باستمرار المقاومة الشعبية في بيروت. وكان من أهميتها أنها أجبرت العدو على الانكفاء إلى خارج المدينة، فحوَّل الأطفال ألعابهم إلى تقليد المقاومين في مهماتهم، وبها صوَّر الأستاذ حسن خليل ضاهر في نصه- أهم مفاصل الربط بين فعل المقاومة وعمقها الشعبي، فمن أهم عوامل نجاح المقاومة هو تحويلها إلى ثقافة شعبية فتضمن لها الاستمرار والاحتضان.
جميل جداً ذلك الربط، بين عودة الفرح وانطلاق المقاومة الشعبية واستمرارها.
ولا يعني انطلاق المقاومة واستمرارها انحسار للحظات الألم الشعبي، بل في ظل الاحتلال استمرار للكثير من لحظات الألم التي يدفع بها الشعب الثمنولكن الألم يشتد كلما كان الأمل في الخلاص بعيداً، وينحسر الألم ويستعيد الفرح دوره كلما تعمَّق الأمل في الخلاص. فالمقاومة زرعت الأمل في النفوس اليائسة المنتظرة خلاصاً من المؤسسات الرسمية.
ومن ضمن تعميق أهمية الفعل الشعبي المقاوم حوَّل صاحب النص مهر الحبيبة إلى رمز جميل جداً في أن جعل مهر ليلى »وردة المقاومة«، وفرض فيه على الحبيب أن يأتي بوردة مزروعة في تلة كفر رمان، وردة محروسة بقلاع من الجنود الصهاينة لتقديمها كمهر لحبيبته. وهذا رمز مهم استخدمه كاتب المسرحية للدلالة على عمق الثقافة الشعبية وتعليقها الأمل على إمكانياتها البسيطة ولكنها الفاعلة والفعَّالة.
وإذا كان لي من نقد أوجهه للمسرحية هو الإطالة في الجزء الأخير منها، وتبيَّن ذلك من غياب الحماس الذي ساد القاعة في تلك الفقرات منها، إلى أن استعاد الجمهور حماسه في نهايتها. مع الاعتذار أنني لن أستطيع أن أعطي البديل لما لمسته، لعدم كفايتي بهذا الموضوع. ويكفي الإشارة إليه للأستاذ حسن ضاهر وهو الكفيل بالمعالجة على الرغم من أن ذلك قد يكون من الصعب تنفيذه في ظل مؤسسة مسرحية تقوم على الهواية وليس الاحتراف الذي يدعم الاعداد والتعديل من دون عوائق كثيرة.
وفي المحصلة العامة يكون الأستاذ حسن ضاهر صاحب الفضل الأول في تجنيد الطاقات الشعبية لخلق مسرح شعبي، ويحلو لي أن أسميه المسرح الشعبي المقاوم الذي يشق طريقه بأدوات وإمكانيات وكفاءات وإسهامات كلها تستند إلى إرادة »شعبية« لم توظَّف فيها أية إمكانيات »نظامية« مما يعتمد عليها المسرح التقليدي.
كما أود أن أنوِّه بالدور المهم الذي لعب فيه تعاضد أكثر من مؤسسة أهلية في كفر رمان لإنجاح هذه التجربة اللافتة للنظر، ابتداء من أطفال الكشاف الذين جذبوا الاهتمام بحيويتهم وحماسهم وكفايتهم، من حيث مشاركتهم في الأعمال الإدارية أو التمثلية، مروراً بشباب المستوصف الخيري، انتهاءً بإدارة وأعضاء نادي النهضة الرياضي.
فللكاتب والمخرج تحية من القلب، وتحية مماثلة لكل الذين شبكوا أيديهم معه، فأنتجوا الشيء الكبير والواعد على صعيد القرية اللبنانية، وتقديم الأنموذج عن الدور المطلوب من المؤسسات الأهلية.


حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: