الاثنين، يناير 25، 2010

مقابلة مع مجلة ألف باء

-->
مقابلة مع مجلة ألف باء
جاء في مجلة »ألف باء«: العراق: العدد 1710 / تاريخ 4 تموز / يوليو 2001م، ما يلي:
الباحث العربي المناضل حسن غريب: العراق يلهم الجماهير طموحات التحرير والتقدم

ستسقط العقوبات الغبية بصمود العراقيين وبطولاتهم

حسين فوزي

     ·       شهدت بغداد انعقاد الندوة الثانية عشرة التي يقيمها مكتب الثقافة والإعلام في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي لمناسبة رحيل الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق.
» ألف باء« حرصت من جانبها على لقاء عدد من المفكرين المشاركين في الندوة. فكان هذا اللقاء مع المناضل اللبناني المعروف حسن غريب.
     ·بصفتكم باحثاً متخصصاً في تطور الصراع العربي - الصهيوني. بماذا تفسرون إصرار تحالف واشنطن على شن عدوان شامل على العراق، وإبقائه محاصراً بعد ذلك؟
-إن كل ما نفذَّته واشنطن يؤكد على عدوانيتها ضد العراق. ولقد وجَّهت ضربة عدوانية شاملة إليه بهدف الحيلولة دون مواصلة نهجه المستقل في امتلاك التقنية المتطورة. وهذا هو الخط الأحمر الذي يعمل الاستعمار على منع أي بلد عربي من الوصول إليه. وفي هذا المجال هناك لقاء بين واشنطن والصهيونية، التي تركز استراتيجيتها على إبقاء العرب متأخرين في مجالات العلم والتقنية بقصد تصدير التقنية المدنية إلى الوطن العربي من جهة، والاستحواذ على الثروات العربية من جهة أخرى.
وبالطبع، فإن الصهيونية حريصة على الانفراد بالتقنية العسكرية، لكي تظل القوة الوحيدة طويلة اليد في الوطن العربي. وبحكم هذه الحقيقة حشدت واشنطن ولندن والصهيونية قوى عديدة لشن العدوان العسكري الشامل في مطلع العام 1991م. وجاء الحصار بعد ذلك امتداداً للعدوان العسكري، وللأسباب ذاتها التي هوجم بسببها، وهي:
أولاً: موقف العراق القومي ومنهجه الداعي إلى استنهاض الإرادة العربية، وجمع الصف العربي نحو تحقيق أهداف البناء النهضوي.
ثانياً: الموقف الثابت من قضية فلسطين، حيث أن العراق يؤمن إيماناً راسخاً بأن تحرير فلسطين شرط أساسي لضمان الأمن القومي، وضمانة أكيدة لطاقات البناء الوطني.
وهكذا يبدو واضحاً أن القوى التي تعمل على محاربة الكيان الاغتصابي في فلسطين سوف تبقى مستهدفة من قبل المشاريع الاستعمارية الصهيونية. وعليه فإن العراق، بفعل تاريخه السياسي وممارسته المستندة إلى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة، سيظل هدفاً لأعداء الأمة العربية الذين أقاموا الكيان الصهيوني.
وأعداء العروبة، في مخططهم العدواني على العراق، توهموا أن العدوان والحصار سيثنيان العراق عن مواصلة سياسته المبدئية في نهجه الوطني والقومي، وهو وهم سيكتشفون استحالة وصولهم إليه إلا إذا كان السراب قد أصبح يقيناً.
     ·  لماذا تحاول أميركا الآن، ومنذ أحد عشر عاماً من الحصار والعدوان، ترقيع سياسة الحصار وإذكائه باسم العقوبات الذكية لماذا هذه المناورة الأميركية؟
إنني مؤمن بأن نقطة الارتكاز لأية متغيرات على الصعيدين العربي والعالمي هي صمود العراق شعباً خلف قيادته، على وفق المبادئ التي يؤمن بها. لقد تجاوز هذا الصمود كل التصورات، حيث إن الاعتقاد الذي ساد إثر الضربة العدوانية العسكرية في كانون الثاني من العام 1991م، هو أن العراق سيرضخ، لكن الوطن العربي والعالم أدركا أن التصورات التقليدية عن موقف العراق أسقطتها الإرادة العراقية. فالشعب العراقي تحمّل الهجمة العسكرية التي لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وهي هجمة تُدام من خلال حرب لقمة العيش والدواء والمعرفة. فكان لهذا الصمود دوره الحاسم في إحداث متغيرات مهمة على الصعيدين العربي والعالمي، وغلى الحد الذي أضعف الموقف الأميركيين لكن من دون أن نتوهّم حدوث تغيير جذري فيه، ذلك أن الأميركيين قد حددوا أهدافهم بدقة، وهي استمرار إخضاع العراق للحصار حتى الرضوخ والكف عن:
أولاً: المناداة بالوحدة القومية.
ثانياً: المطالبة بخضوع الكيان الصهيوني للقوانين والاتفاقات الدولية، وإنهاء الجرائم البشعة المرتكبة بحق شعب فلسطين ومحاسبة الكيان الصهيوني على كل ما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية، والعمل من أجل قيام دولة فلسطين الحرة كاملة السيادة إلى التراب الفلسطيني.
إن واشنطن التي لم تتعرض بعد إلى الضغط الكافي الذي يجبرها على التراجع عن نهجها العدواني ضد العراق، وبعد أن أصيبت العقوبات المتسترة بالشرعية الدولية بشرخ واضح، وبعد أن لم يعد بالإمكان الدفاع عن استمرارها، جاء ابتكار مشروع العقوبات الذكية في محاولة أعدتها مطابخ المخابرات الأميركية والحركة الصهيونية للالتفاف على تطور الموقف العالمي لصالح العراق.
والشيء المؤكد هو أن في جعبة واشنطن مؤامرات متعددة بقصد إطالة أمد الحصار، وليس هناك أية قوة قادرة على ردع تلك المؤامرات، أو العمل على تطويقها إلاَّ إرادة صمود الشعب العراقي وقيادته البطلة. فهذا الصمود سيظل يحرك الأمة العربية والإسلامية وبقية دول العالم الحر، وهذا الصمود هو مولِّد عظيم لطاقة التحدي عربياً ودولياً، حيث إن ثبات العراق على الدعوة إلى الوحدة واتخاذ خطوات عملية للتكامل الاقتصادي، والدعوة إلى تحرير فلسطين والكف عن العدوان ضد العراقيين هو الأنموذج الأسطوري في التطوع من أجل تحرير فلسطين، يلهم الوطن العربي والإنسانية قوة ستطوّق المؤامرات الأميركية وتُفشلها.
     ·  كيف تنظرون إلى صورة واقعنا العربي الراهن، حيث تقف الجماهير العربية بوضوح في نصرة الانتفاضة ونصرة الشعب العراقي وكسر الحصار وإنهائه، وحيث يحول بعض الحكومات العربية من دون تعبير فعال لهذه الإرادة القومية؟
إن صورة الوضع العربي الراهن، مع الأسف الشديد، تشبه في بعض جوانبها ما كانت عليه في العام 1948م، عام النكبة. فالصراع قائم بين الحكومات والشعوب. وهذا ما دفع بالمرحوم الراحل الأستاذ فقيد الأمة أحمد ميشيل عفلق إلى أن يقول: » لا تنتظرن المعجزة من الحكومات العربية، بل إن الأمل المنقذ هو الكفاح الشعبي«.
هذه المعادلة التي صاغها القائد المؤسس ميشيل عفلق تكتسب قوتها اليوم أكثر من أي وقت مضى. فالحكومات العربية عاجزة، والجماهير العربية مبنية عليها الآمال، وهي موضع كامل الثقة في استكمال معجزة التغيير. وقد يؤثر الضغط الرسمي على الجماهير لبعض الوقت، لكنها لن تخضع إلى الأبد لمخطط إبعادها عن قضية فلسطين ودعم الانتفاضة بكل الوسائل. كما لن تستطيع ثنيها عن كل النشاطات المطلوبة لمواصلة دعم العراق وفك الحصار المجرم من حوله. فهذه الجماهير تختزن في وجدانها وعقلها كل خلاصة التجربة الراهنة.
إن الحصار المفروض على العراق هو حصار للعرب، وحصار لإرادتهم ومستقبلهم. وإن احتلال فلسطين نقطة ارتكاز إمبريالية للنيل من بقية العرب بالعدوان عليهم. فالجماهير العربية التي وقفت بحزم في العام 1956م ضد العدوان الثلاثي على مصر، ومع ثورة الجزائر، ومع المقاومة الفلسطينية، هذه الجماهير هي المعوَّل عليها في هذه المرحلة. وستعطي حتماً كل ما يستدعيه الالتزام المصيري بقضايا الأمة. وقد تفاجئنا بما لا يخطر على البال لتقلب كل الحسابات.
ومن المؤكد أن من معالم الوعي الجماهيري هذا الربط بين قضية فلسطين وحصار العراق. فالجماهير تدرك أن تحرير القدس يستدعي اقتلاع حصار العراق. ومن المؤكد أن قرارات الشعب العراقي في التطوع لتحرير القدس، واقتسام رغيف الخبز مع شعب الانتفاضة، على الرغم من كل مصاعب حياة العراقيين، عن هذا النهج النضالي البطولي يؤجج أكثر فأكثر شعلة النضال القومي العربي.
***

حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: