إغناء قضايا فكرية والتجديد فيها
إلى الدكتور فؤاد
22/ 8/ 2004
في خلال فترة الاستراحة التي حصلت عليها بعد إنجاز الكتاب الثاني عن المقاومة العراقية قمت بعدة قراءات فكرية لعدد من المقالات والدراسات التي كُتِبَت عن فكر الأستاذ ميشيل عفلق، وهي:
1-العمل المستقبلي والفكر النهضوي لدى الأستاذ ميشيل عفلق: د. فؤاد الحاج.
2-العفلقية: نظرية الثورة العربية المستمرة: د. محمد أحمد الزعبي.
3-قراءة لإشكالية الانقلاب في فكر ميشيل عفلق: د. عز الدين ذياب.
4-مقاربة من هاجس الحرية في فكر ميشيل عفلق: د. عز الدين ذياب.
إن ملاحظاتي الأولى، بالجملة:
1-تبارك قيام ورشة بحث فكري حول الأصول الفكرية لحزب البعث. لتجديد وتنشيط الذهن البعثي بشكل خاص، لأنني ألاحظ أن الميدانيات السياسية قد استولت على العقول والأذهان، فأصبحت السياسة تحتل المكان الأول بالاهتمام. وما هو أنا خائف منه، من دون تنشيط فكري ثقافي أن يتوه البعثي ويبقى أسيراً للموقف السياسي الخاص من دون تحصينه برؤية فكرية استراتيجية من التوهان والتخبط.
2-كانت لقاءات بيت الحكمة، بأمانة الأستاذ حميد، بدايات جديَّة للتأسيس لورشة بحث فكري نقدية. ومن أهم أهدافها العودة إلى الأصول الفكرية البعثية بالعرض والنقد للمتابعة على قاعدة إغناء الأصول برؤية معاصرة. وأنا لم أفقد الأمل من متابعتها في مستقبل عراق ما بعد التحرير.
3-لديَّ عشرات الأبحاث والكتب المنشورة التي تؤسس لمرحلة الإغناء في جوانب والتجديد في جوانب أخرى. وكانت تشكل –قبل احتلال العراق- الهاجس الأول في تفكيري وعملي. وقد صدرت الكتب التالية:
-الردة في الإسلام.
-في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام.
-نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والإسلامي.
-الماركسية بين الأمة والأممية: نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والأممي.
-مفاهيم إسلامية بمنظار قومي معاصر.
وهناك بحث موسَّع بعنوان: الإسلام التاريخ والإيديولوجيا في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ويتناول دراسة البعد الإيماني في المصادر الثلاثة: فكر الأستاذ ميشيل، وفكر الرئيس صدام حسين، ومقررات المؤتمرات القومية للحزب. وهذا الكتاب جاهز، وقد رفعت نسخة منه إلى الرئيس صدام قبل الاحتلال بثلاثة أشهر. كنت أود أن أنشره في ربيع العام 2004م، إلاَّ أن إصدار كتاب المقاومة الثاني قد دفعني لتأجيل نشره.
إن تجميد العمل الفكري، بالنسبة لي، كان يعود إلى إعطاء الأولوية للفكر السياسي المقاوم. فالاهتمام منصبٌّ عليه، وهو يستهلك اهتمامات البعثيين في هذه المرحلة. وبالإضافة إلى الكسل الثقافي والفكري جاءت الظروف لتدفع الأكثرية الكبرى منهم إلى الغرق في الكسل الثقافي، وأصبحت المشكلة اليوم هي كيف تعيد البعثيين إلى حظيرة الاهتمام بالمادة الفكرية.
على كل حال، كما أرى، لا يجوز تجميد النشاط الفكري إلى ما شاء الله. خاصة وأن أداء المقاومة العراقية أصبح من الثبات في الدرجة، التي تصل إلى درجة اليقين، بأن التحرير أصبح يسير على سكة النصر.
ولهذا، وبما لا يعيق مهمتنا الأولى في رفد المقاومة بكل الجهود الإعلامية التي تخدمها، أن نفتح نوافذ ثقافية وفكرية لأننا بغيابها نفتقد إلى البوصلة الاستراتيجية في تصويب المسارات السياسية. وأنا جاهز على قاعدة أن نخصص مساحة لمنتدى فكري على صفحات المحرر. ويمكننا أن نكون دقيقين حول ذلك. وأرى أن نختار المواضيع التي نحسب أنها شديدة الارتباط بالزوايا التي تخدم قضية المقاومة العراقية.
4-فيما له علاقة ببحثك، تأتي أهميته من إعادة توجيه النظر إلى رؤية الأستاذ في العمل المستقبلي العربي. ومن أنه بدون الحوار الجبهوي سوف يبقى جدار المقاومة العربية ضعيفاً. وحبذا لو قمنا بنشر خطابه الأخير الذي أعلن فيه تلك الرؤية النظرية، ونقوم بالإضاءة حول كل مفصل منها بدراسات أو مقالات تعمل على تفصيلها ورؤيتها من جوانب فكرية وسياسية وميدانية خاصة وأن المقاومة العراقية تحتاج إلى تدعيم وضعها في هذا الجانب.
5-دراسة الدكتور الزعبي، ومضمونها لا يوحي أنها غير صالحة للنشر، ففيها جوانب نحن بحاجة إلى تناولها بمبضع نقدي يهدف إلى الإغناء والتوضيح من جهة، وإلى النظر إليها من الأصول الثقافية والفكرية التي تأثَّر بها فكر الأستاذ. ومن خلال الورشة التي كنت قد بدأت بها، سيقوم أحد الرفاق بتناول أصول المعرفة والفكر الغربيين التي اطَّلع عليها الأستاذ، وأخذ منها أو تأثَّر بها، أو قام بتعديلها وأنتج فكراً قومياً جديداً. لذا أقترح أن تنفتح أبواب المحرر أمام الدكتور الزعبي، على قاعدة تشجيعه على متابعة منهجه النقدي الموضوعي، وأنا أرى أنه لا يحيد عن هذا المنهج فيما قرأت له. فهو قد يضيء أمامنا عدداً من الشموع التي لا نراها بعين الحب.
6-في دراستيْ الدكتور عز الدين ما يلفت النظر إلى رؤية واضحة حول الانقلابية في نظرة الأستاذ، وهو يقربِّها كثيراً إلى الفهم الموضوعي المتسلسل والمنطقي. أما حول الرؤية في دراسته عن الحرية فهي تحاول المقاربة الواضحة من دون أن تصيبها تماماً. وهذا حال الدراسات الجديدة. لكن منهجه علمي ورزين ونقدي هادف استطاع أن يقنعني بأهميته على شرط المتابعة.
7-وعلى العموم ما زالت الدراسات التي قرأتها، والمذكورة أعلاه، تتحاشى الغوص بمسألة العلاقة بين القومية والدين، العروبة والإسلام، بأكثر من النظرة التقليدية التي لم يستطع البعثيون حتى الآن إلاَّ قراءتها قراءة سريعة لا تتجاوز الحالة الإيمانية العائمة والمقصود منها الاستفادة السياسية المرحلية. ولهذا الجانب عندي قراءات جديدة في الخاص منها والعام نشرتها في الكتب والأبحاث.
عن الأستاذ حميد كان من المتابعين لهذا المنهج الذي كنا نعمل على تعميقه، وأرجو من الله أن يعود الحزب إلى موقعه التاريخي في العراق، لأن ليس غيره يستطيع أن يحتضن مشروعاً فكرياً ناضجاً حول تحديد جوانب تلك العلاقة.
وأخيراً أيها العزيز أشكرك لأنك تفتح تلك النوافذ الفكرية التي طالما يشدنا الشوق والمصلحة الحزبية إلى خوض ساحاتها على الرغم من من الكثير من العوائق الذاتية العامة التي تقف حجرة عثرة في طريقها، خاصة أولئك الأعزاء الذين يضيق صدرهم ذرعاً في فتح كوى التجديد والإغناء بما هو ضروري جداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق