-->
-->
الحلقات المفقودة دولياً وعربياً وإقليمياً
في المواجهة على الساحة اللبنانية
2/ 8/ 2006
بداية للتأكيد، وليس للتكرار، نعتبر أن الساحة اللبنانية الآن تمثِّل حلقة أساسية من ساحات المواجهة القومية ضد تحالف الشر الأميركي – الصهيوني، ولا بدَّ من أن تصب نتائجها في مصلحة هذا الصراع بمعزل عن هوية الذين يقاتلون وأهوائهم السياسية وارتباطاتهم الخارجية.
لذا نؤكد أنه حقاً لهم وواجباً علينا أن نؤيدهم ونشاركهم مهمتهم كلٌّ حسبما توفره له ظروف المشاركة.
وحيث إننا عملنا على استشراف الحلقات المفقودة بين المقاومات الثلاث في العراق وفلسطين ولبنان. وهي ما نرى فيها ضرورة تستقوي أحدها بالأخرى من أجل اختصار مسافات من الزمن نحن بحاجة إليها على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، سنحاول في مقالنا هذا أن نطل على الحلقات المفقودة على الصُعُد الدولية والعربية والإقليمية.
أما لماذا نحسب أن تلك الصعد معنيَّة بالصراع الدائر؟
وهل هي قائمة على فائدة ما لتلك الأطراف يمكنها أن تحصل عليها كثمن يدفعها للإسهام الجدي في رفد تلك المقاومات بسُبُل الدعم والإسناد؟
أولاً: على الصعيد الدولي
وبمعزل عن التقاء أكبر دوله مع التحالف الأميركي – الصهيوني حول تحصين النظام الرأسمالي العالمي وحمايته، نرى أن هذا النظام لا يحقق في هذه المرحلة المساواة بين أقطابه في سرقة ثروات الشعوب. فهواجس الشك والريبة تسود بينهم خاصة وأن المشروع الأميركي الراهن يعمل ليس من أجل «عولمة» النظام الرأسمالي بل من أجل «أمركته»، و«صهينته»، على قاعدة الاستفادة من «صهينة» هذا النظام لتدعيم أهداف «الأمركة» فيه.
لسنا بحاجة إلى تدعيم هذه الحقيقة ببراهين، فمسلسل تدهور العلاقات بين مشروع «أمركة» العالم منذ ما قبل العدوان على العراق واحتلاله، ومشروع دول العالم الرأسمالي الأخرى، باستثناء ذيلية الحكومة البريطانية، قد ظهرت بشكل واضح وصريح في ممانعة فرنسا وألمانيا وروسيا للحرب ضد العراق، وقد تمثَّل في معارضتهم حينذاك لإصدار قرار عن مجلس الأمن يشرِّع فيه تلك الحرب. وذلك هو الواقع الآن، فيما له علاقة بالعدوان على لبنان، الذي يدلُّ عليه الحنق الفرنسي، ممثلاّ الحنق الأوروبي، ضد المواقف الأميركية من مسلسل العدوان الصهيوني على لبنان وفلسطين في هذه المرحلة.
على قاعدة استشرافنا لوجود تناقضات داخل أصحاب المشروع الرأسمالي الواحد، نرى أنه لما كان المتضررون الرأسماليون من مشروع «أمركة» العالم لمصلحة الطبقة الرأسمالية الأميركية لا يمتلكون إمكانيات «كسر اليد الأميركية»، طبعاً حرصاً على نهب ثروات الشعوب الضعيفة وتوزيعها بعدالة بينهم، راحوا «يقبِّلونها ويدعون عليها بالكسر»، ولهذا راحوا يراهنون على الاستفادة من عوامل أخرى لكبح جماح المخططين للمشروع من أجل «كسر اليد الأميركية». وهكذا كان أنموذج تصرفهم تجاه القضية العراقية فراهنوا، وإن بالسر من دون إعلان، على المقاومة الوطنية العراقية، متمنين انتصارها لكن من دون إلحاق «هزيمة كاملة» بأكبر جيش يدافع عن الرأسمالية ويحميها. وليس من المُستغرب أن يراهنوا على المقاومة في فلسطين ولبنان، ولكن يأخذون بعين الاعتبار عدم إحراز «نصر كامل» للمقاومة من جهة، وعدم إلحاق «هزيمة كاملة» بالعدو الصهيوني من جهة أخرى.
ولكن مواقف تلك الدول، التي تمسك بالعصا من «الوسط»، ليست ثابتاً دائما. ولأن لها مصالح في وطننا العربي، فهي لا تريد للمشروع الصهيوني «هزيمة كاملة»، أو للاحتلال الأميركي للعراق «هزيمة كاملة» أيضاً، لهذا نرى أنه لا بدَّ لها من أن تتحوَّل، تحت ضغط شعوبها، لتقترب من مرحلة إمساك العصا بأرجحية لتأييد نضالنا إذا تأكَّدت بأن مصالحها لن تكون مهدَّدة في المستقبل، وعلينا نحن أن نقنعها بأننا طُلاَّب مصالح أيضاً، ولا يمكننا أن نقاطع العالم الغربي ودوله. وعليهم أن يستوعبوا ثنائية المعادلة في تبادل المصالح، القائمة على قاعدة كما أنهم بحاجة لأمن يحمي مصالحهم في وطننا، فنحن أيضاً بحاجة إلى تبادل المصالح معهم، وهذا ما عبَّر عنه قول (تخونني الذاكرة في نسبته إلى صاحبه): «نحن العرب لن نشرب بترولنا، لأننا بحاجة لبيعه».
ومن ناحية أخرى علينا أن نقنعهم بأننا لسنا «إرهابيين»، كما يحاولون تصويرنا، مهنتنا القتل لأجل القتل. بل عليهم أن يتأكَّدوا أننا طلاب حرية وتحرر، ومن حقنا أن نسترد أرضنا عندما تتعرض للاحتلال، ومن حقنا أن نحمي ثرواتنا لمصلحة شعبنا من الاستغلال والهيمنة أمام شبق مشاريع الاستغلال الرأسمالي وأكثرها وحشية مشروع «أمركة العالم، وصهينته».
ثانياً: على الصعيد الرسمي العربي:
آخذين بعين الاعتبار يأسنا من أي دور قد يبذله هذا النظام من أجل حماية حركة المقاومة الشعبية العربية، لأن المقاومة الشعبية تمثل نقيضاً لطبيعة تكوين تلك الأنظمة، ولكن من الخطأ أن نعتبر أنه من المستحيل إرغامها على اتخاذ أية خطوة رسمية إيجابية، وهذا الإرغام يأتي نتيجة لضغط شعبي سيتزايد، هذا الضغط الذي، على الرغم من أنه لا يرقى إلى قامة المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان، إلاَّ أنه يزداد مع كل انتصار تحرزه تلك المقاومة.
إننا نلمح في أفق المرحلة بعض «الحياء والخجل الرسميين»، وإن كانت لم تُسمن المشرَّدين والمهجَّرين من منازلهم وتحمي حياتهم من وحشية الصهاينة، وهي مظاهر لم تكن لتحصل لو لم تسعفها وحشية الصهاينة في لبنان وفلسطين التي فاقت قدرة النظام العربي الرسمي على اتخاذ جانب الصمت والخذلان. إن استمرار العدوان الأميركي – الصهيوني، ومدى همجيته، سيزيد من سرعة ارتفاع وتائر الإحراج والخجل عند أرباب الكراسي الرسمية، كما أن صمود المقاومين سيُعرِّيهم ويكشف خوفهم وتخلَّفهم عن مواجهة العدوان الذي يتقهقر كل يوم أكثر من اليوم الذي يسبقه أمام إرادة المقاومين بسلاحهم الخفيف وإيمانهم القوي بالكرامة والحرية.
لن نطلب ممن أثبت عجزه النظامي عن التصدي للعدوان أن يكدسوا الأسلحة المتقدمة لأنهم لن يحصلوا عليها، بل ما نطلبه هو أن ينبشوا صفحات تاريخ لم يجف حبره بعد، ومنها ما جرَّبته الأنظمة العربية في الرد على «حرب تشرين» في العام 1973.
ترافقت حرب 1973م مع قرار عربي يُحَظِّر تصدير النفط إلى الدول المساندة لـ«إسرائيل» لكي يدب المزيد من الحرارة في الجهود الأميركية. وهذا ما يُعَبِّر عنه سايروس فانس-وزير خارجية أميركا الأسبق-حول حرب 1973م وقرار حظر النفط بأنهما أحدثا «تحولاً في دور الولايات المتحدة للبحث عن السلام في الشرق الأوسط. فلم يعد في مقدور الولايات المتحدة أن تترك المسؤولية الأولى في تقديم مبادرات لتحقيق تسوية في أيدٍ غير أيديها. ولا عاد بوسعها أن تظهر في أعين العرب معدومة الحساسية للمشاكل الفلسطينية ولاحتلال أراضيهم… وبدون أن تُضْعِف الولايات المتحدة التزامها الأساسي بوجود «إسرائيل»، بدأت تتحرك باتجاه وضع الوسيط النشيط بين الجانبين». (راجع، سايروس فانس: خيـارات صعبـة: المركز العربي للمعلومات: بيروت: 1983: ص 7).
صحيحٌ أن الملك فيصل دفع حياته ثمناً لذلك القرار، إلاَّ أنه سجَّل موقفاً شريفاً لم يسبقه إليه أحد من أمراء البترول، ولا أحسب أن التذكير بالماضي إلاَّ تحفيزاً وأمثولة. فهل يكون الرد على وحشية العدو الصهيوني، الذي يستجيب حالياً لحاجة جورج بوش، ممكناً؟
لقد أشارت جريدة «العمل» المصرية إلى نبأ أثار فيَّ حسن النوايا، وآخذاً رفض السذاجة في الاستنتاج بعين الاعتبار، فوجدت أن في النبأ ما يمكننا البناء عليه.
يقول النبأ أن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعدد من موظفي الجامعة، بلغ منهم الحزن مبلغاً دفع بهم للتفكير بتقديم استقالاتهم من مناصبهم احتجاجاً على حالة اللامبالاة الدولية عامة والعربية خاصة.
ربما يكون النبأ صحيحاً.
وسواءٌ أكان صحيحاً أم كان كاذباً، فهو يفتح الباب أمام ظهور «مقاومة» من داخل البنيان الرسمي العربي، على صعيد المؤسسات العربية المشتركة، أو حتى على صعيد الأنظمة الرسمية للأقطار العربية، يعبِّر فيها أصحاب الضمير عن مصداقية عروبتهم وإنسانيتهم، وأحسب أنهم ليسوا قلة.
حسب هؤلاء، الذين سيكونون طلائع «مقاومة» تنطلق من داخل بنيان الأنظمة الرسمية العربية، أن يتساووا مع أمثالهم من الغربيين، ومنهم أميركيون وبريطانيون، عندما قدموا استقالاتهم إلى حكوماتهم احتجاجاً على ارتكابهم جرائم حرب بحق العراقيين والفلسطينيين. ووقَّعوا استقالاتهم داعين إلى إحالة كل من شارك في تلك الجرائم إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، ويأتي على رأسهم كل من جورج بوش وتابعه الأمين طوني بلير.
ثالثاً: على صعيد دول الإقليم غير العربي، ويستفرد به النظام الإيراني بمواقفه غير المفهومة للمنطق والسلوك.
غنيٌّ عن القول وعن التذكير أن ازدواجية مواقف النظام وتناقضاته في مساعدة من يقاوم «الغدة السرطانية» في لبنان، بينما يتعاون ويخطط ويُنسِّق مع «الشيطان الأكبر»، ويتجاهل قيام «غدة سرطانية» في العراق، أعلنت عن افتتاح قنصلية لها في «أربيل». وليس الأمر كذلك فحسب، بل هناك ما هو أمرُّ وأدهى، سنشير فيها إلى ثلاثة أمثلة جديدة تزيد من فضحه وكشفه، وهي:
الأول: أوردته مفكرة الإسلام (29/ 7/ 2006): كشفت المنظمة العراقية للمتابعة والرصد (معمر) عن إجراء مباحثات بين عبد العزيز الحكيم رئيس «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» مع مسئولين «إسرائيليين» في العراق خلال الفترة من 10 إلى 13 من تموز الجاري. وقد تمت بحضور عمار نجل عبد العزيز الحكيم وأحد وزراء حكومة نوري المالكي. وأحد المسؤولين «الإسرائيليين» المذكورين برتبة دبلوماسي كان يعمل في السفارة «الإسرائيلية» بالأردن ومختص بالشئون الدينية.
الثاني: كشفت مصادر أمنية عراقية ان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ورئيس وزراء الاحتلال «الاسرائيلي» الاسبق أيهود باراك «يمتلكان ثلاث شركات أمنية في العراق». وكانت قوى ومنظمات مجتمع مدني حذرت من نشاط جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد) في العراق خصوصا في اقليم كردستان وبغداد، واتهمت قوات الاحتلال بتوفير الحماية والتغطية لنشاطه (الموساد).
الثالث: عمَّمت وكالات الأنباء أمر الكونغرس الأميركي «نوري المالكي» بالاعتذار عن دعوته لدعم «حزب الله». ونوري المالكي هم ممن تربوا على أيدي إيديولوجيي النظام الإيراني، وحاز على ثقته في تنصيبه رئيساً لحكومة عميلة لـ«الشيطان الأكبر»
ليست الأمثلة الثلاثة مفاجأة، بل وكأنها أسرار منفصلة عن سياق المواقف والسلوكات الإيرانية السابقة، بل لأنها «طازجة» وقد يأتي الغد بما هو جديد وبما هو أمرُّ منها أيضاً، ولكننا جئنا بها للبرهان على كذب الادعاءات الإيرانية التي تعلن الحرص على دماء اللبنانيين من وحشية «الغدة السرطانية». هذا الكذب مرده إلى أن حقيقة تلك التصريحات وأهدافها غير المعلنة تعود إلى إثبات قوة الموقع الإقليمي الذي يحتله النظام الإيراني من أجل ابتزاز «الشيطان الأكبر» لحماية المشروع النووي الإيراني، والاعتراف به قوَّةً إقليمية عظمى.
إنه في الوقت الذي يُعلن النظام الإيراني مساندته لـ«حزب الله» في لبنان في القضاء على «الغدة السرطانية» لحماية اللبنانيين، ينسِّق عملاؤه في العراق مع موفديها من جهة، كما يقوم رامسفيلد وزير دفاع «الشيطان الأكبر» بمشاركة رئيس وزراء سابق لـ«الغدة السرطانية» في ذبح العراقيين بواسطة شركاتهم الأمنية. وليس لدينا من تعليق على هذا أكثر من التساؤل: كيف يمكن التوفيق بين الدعوة لحماية اللبنانيين والسكوت عن ذبح العراقيين؟؟!!
إن تحالف «الشيطان الأكبر» و«الغدة السرطانية» يمثِّل ثابتاً استراتيجياً، فالرد عليه ثابت استراتيجي أيضاً. فقتاله في لبنان دون قتاله في العراق ليس أكثر من انتهازية تدين النظام الإيراني، ولا تعفيه من المسؤولية. وإن إظهاره الحرص على دماء اللبنانيين لهو حرص كاذب. كما أن اللبنانيين لن يخدعهم الحرص عليهم بمعزل عن الحرص على حياة العراقيين وأمنهم ولقمة عيشهم وكرامتهم الوطنية، والحرص على حياة الفلسطينيين وأمنهم ولقمة عيشهم وسيادتهم على أرضهم. فهل سكوت النظام الإيراني عما يجري في العراق، وهو أشد هولاً وفظاعة ووحشية مما يجري في لبنان، كان ثمنه الحصول على فيدرالية في جنوب العرق؟
وهل إذا نال وعداً بالحصول على فيدرالية في جنوب لبنان يقترب التنسيق بين النظام الإيراني والتحالف الصهيوني - الأميركي من أبواب الحل؟
نحن لن نطلب من النظام الإيراني أكثر من أن يتساوى دعمه لـ«حزب الله» في لبنان بدعم مماثل لجماعاته في العراق لينخرطوا في قتال «الشيطان الأكبر» و«الغدة السرطانية» وهم في العراق أقرب إليه من حبل الوريد.
ونحن لن نطلب من النظام الإيراني أن يعرِّض أمن مواطنيه ولقمة عيشهم وكراماتهم للتهديد والتدمير، بل نطلب منه قراراً واحداً هو تهديده بقطع البترول أو تجميد تصديره لمدة شهر واحد. وبغيره لن يردع عدوان جورج بوش وأولمرت على لبنان.
مسألتان بغاية من البساطة يخففان وطأة العدوان على لبنان يمكن للنظام الإيراني أن يقوم بهما:
قتال التحالف الشرير الهمجي على أرض العراق. وإقفال أنابيب البترول حتى الانتهاء من العدوان على لبنان. وبغير ذلك يكون بكاء النظام الإيراني على مأساة اللبنانيين ضحكاً على «الذقون».
سلمت الأيدي التي تقاتل «الشيطان الأكبر» و«الغدة السرطانية» بدءاً من كفركلا وبنت جبيل مروراً بالضفة الغربية وانتهاء بالبصرة والنجف وبغداد والموصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق