-->
على وقائع تآمر التحالف الأميركي الصهيوني:
جعلتها أقلَّ حصانة ومناعة
-->
على وقائع تآمر التحالف الأميركي الصهيوني:
أمراض الأمة الطائفية
جعلتها أقلَّ حصانة ومناعة
(طليعة لبنان الواحد/ كانون الأول 2006)
تتجلى الأمة اليوم في المقاومة الشعبية كأبرز وجوه قوَّتها المعاصرة، تلك القوة التي أنتجت النصر أينما حلَّت. أنتجته في السابق، وتنتجه اليوم، وستُنتجه في المستقبل. ولتأثير زخمها لم تتردد مؤسسات الإعلام الأميركية والصهيونية، ومن لفَّ لفهما من الدول والمنظمات التابعة، في وصفها بالإرهاب.
لقد دلَّت استراتيجية المقاومة الشعبية، خاصة إذا كانت تستند إلى لحمة وطنية أو قومية، أنها استراتيجية المستقبل لكل شعوب الأرض قاطبة، الشعوب التي تعمل للتحرر من الاستعمار والصهيونية، أو مما أفرزته من ظواهر جديدة تندرج تحت مشاريع اختراق حدود سيادة الدول الوطنية تحت ذرائع مشاريع إلهية مزعومة.
ولما أصاب العجز قوى الاحتلال في مواجهة المقاومة، في كل من العراق وفلسطين ولبنان، لجأت تلك القوى إلى الاستفادة من احتياط الأمراض المتفشية في الأمة، فكانت النعرات الطائفية من أهمها وأخطرها، كما كانت النعرات الانفصالية العرقية احتياطاً آخر.
وحول هذا الجانب، وردَّاً على الذين ينسبون كل أمراضنا للاستعمار والصهيونية، لكي يهربوا من المسؤولية الذاتية، وهم يصوِّرون كأن الطائفية أتت من مصدر خارجي، نرى نحن المعادلة خلاف ذلك.
إن الطائفية وحروب تكفير الآخر، هي إنتاج محلي، طالما عانت منه الأمة في تاريخها القديم، وطالما عانت منه في تاريخها الحديث، وهي الآن تكتوي بناره، ويزداد عدد التيارات الدينية السياسية التي تمارس سياسة الحقن كل في أوساطه الضيقة، وكثيراً ما يتصاعد دخانها في خطاب سياسي على الملأ.
إن الغريب في الأمر، هو أن كل الحاقنين يغسِّلون أيديهم من تهمة الحقن، إذ يصوِّرون أنفسهم بأنهم ملائكة الوطنية والقومية، كما هم ملائكة الدولة المدنية، بينما نحن نعرف أن هؤلاء جميعهم أسماك تسبح في بحيرات الطائفية وإذا خرجت منها ستلفظ أنفاسها. ولهذا السبب انعقدت أحلاف سياسية تتقاتل في سبيل تحسين وضع هذه الطائفة أو تلك، بينما الاتفاق غير المعلن هو أنهم جميعاً يحافظون على بيئة الطائفية، ويرفضون استبدالها ببيئة وطنية، تؤسس لمجتمع مدني، ليس بغيره يمكن للدولة الوطنية الحديثة، أن تستمر في الحياة.
لم نعرف أن صهيونياً أو أمبريالياً أو علمانياً دخل يوماً ما إلى المساجد والتكايا والزوايا. ولم نعرف رجل دين اصطفاه مواطنوه لكي يؤمهم في الصلاة، في كل أماكن العبادة من دون استثناء، قد تعلَّم الصلاة في مصانع الصهيونية أو الامبريالية، ولم تكتب كل تلك الأوساط خُطبه وإرشاداته، خاصة تلك التي ترسم طريق خلاص الأنفس بعد الموت، وبشكل أخص عندما يستبعد المرشدون الروحيون أي طريق للخلاص غير طريق طائفتهم أو مذهبهم أو دينهم. وعليه فنحن ننزِّه رجال الدين من الانزلاق إلى تلك البؤر، فيبقى عندنا أن تلك المخططات الخبيثة ليست مسؤولة عن تفشي التناقضات بين الأديان والمذاهب، وإنما مسؤوليتهم لا تتعدى إمساكهم بتلك الأمراض واستغلالها للتحريض، فتسميك جدران الفرقة، فالتشجيع على تسخين الخطاب المعلن، فالاشتباك بالأيدي والعصي، فرفع البندقية، ومن بعدها يأتي دور الصاروخ والمدفع، ومن بعد بعدهم يأتي دور القطط الصهيونية والاستعمارية السمان لكي يحتلوا دور الحَكَم وعقد طاولات الصلح بيننا.
قبل أي شيء آخر، لا يمكن لأمة أن تسير على دروب الصلاح والإصلاح غير أن تكتشف أمراضها، وتعترف بها أولاً، وأن تعقد العزم على معالجة تلك الأمراض بأدوية من صنع محلي ثانياً، ولا يمكنها أن تتحاور على قاعدة مقدَّسات هذا الطرف أو ذاك ثالثاً، وأن تفصل بين دور رجل الدين ورجل السياسة رابعاً.
بصراحة علينا أن نعلن الحقيقة، لكي يكتشفها السائرون في ركاب من يلوثِّون البيئة الوطنية بأمراض الطائفية السياسية، من دون محاباة أو مجاملة، نعلن بأننا لا نفهم أن ينزلق رجال الدين إلى ميدان السياسية، لأنها طريق تتلوَّن وتتبدَّل وتقوم أحياناً على المجاملة والخداع، ولتجميله حسَّنوه وأطلقوا عليه «فن السياسة»، وأردفوه بقول آخر «السياسة فن الممكن».
نحن نفهم دور رجل الدين، بأنه الرجل الذي لا يخشى أن يقول «كلمة حق في وجه ظالم»، من دون «فن» ولا من يحزنون، ومن دون مجاملة أو تجميل، فكيف يكون الأمر إذا كان الخداع مطلوباً ممارسته في دوائر الحوار السياسي. فأين سيكون دور رجل الدين في مثل تلك الحالات؟
نحن لا نريد أن نحرم رجل الدين من ممارسة حقوقه المدنية، بل نعترف بهذا الحق ونطالب به. ولكن عليه أن يتحوَّل إلى رجل سياسة، من دون عمامة أو قلنسوة. له الحق في أن يتقن «فن السياسة»، ومجاملاتها، وله الحق في أن يُتقن فنون الخداع كلها وليس «فن الخداع» فقط. أما إذا دخل معترك الحياة السياسية معتمراً عمامته أو قلنسوته، فلا يليق به إلاَّ أن ينطق بما هو حق فعلي، من دون لف أو دوران. فالزي الديني سيعني عند التابعين رمزاً إلهياً، لا يمكن لهم إلاَّ أن يطيعوا مرتديه، من دون جدل أو نقاش، لأن مخالفة الأمر الديني يعني عندهم اختيار غير طريق الجنة بعد الموت. وهل هناك من يرى خلاف ذلك؟
إن على دور رجل الدين، في الدولة المدنية، أن يعزِّز روح الإيمان بالمثل العليا عند الذين اختاروا طريقاً إيمانياً اقتنعوا بسلوكه من تلقاء أنفسهم، وأن يعزِّز روح الجماعة عند مواطني الدولة الواحدة، والدعوة إلى نبذ الفرقة التي تستند، في كل الأحوال، إلى خلاف حول سلوك الطريق المؤدي إلى الخلاص بعد الموت. فاتركوا لله عزَّت قدرته وحكمته أن يتولى هذا الجانب، وتفرَّغوا إلى التفتيش عن سعادة المجتمعات في الحياة الدنيا. وليست هناك سعادة أوفر وأحلى وأجمل من أن يكون الجار صديقاً لجاره، وأحلى من أن يتجاور مواطنو الدولة الواحدة بحميمية وصداقة، يتعاونون على ابتكار كل ما هو مادي يسهم في تحسين حياتهم الدنيونية، ويجعلها أكثر سعادة. تلك الحياة خصَّها الله للبشر جميعاً، وتركهم يسعون في رحابها من دون تمييز.
لقد ابتلت الأمة اليوم، وقبل اليوم، وستبتلي في المستقبل إذا ما استمرت مجتمعاتنا تدفع العجين إلى غير خبَّازه، وإذا ما استمر الخيار الروحي ميداناً للتنافس وليس للتكامل بين أبناء المجتمع المدني الواحد.
آن لهذه الأمة أن تخرج من نفق تحميل المسؤولية إلى غير من يتحمَّلها، وآن لها أن تعي مشاكلها بجرأة وأن تعالجها بجرأة، لأن البديل هو أن تتسلَّل المخططات المعادية إلى جسدنا الوطني الذي افتقد المناعة والتحصين، وليست أقلها إيلاماً أمراض الطائفية والمذهبية، وأكثرها خطورة مشاريع بناء أنظمة سياسية على أوهام «المقدَّسات الدينية». وعلى من لم يقتنع، أن ينظر إلى ما يجري في العراق ولبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق