دور الشباب في المجتمع
( قضايا التحرر الاجتماعي والتحرير السياسي)
المجتمع جسم حي له صفة الديمومة، ويضمن استمرار ديمومته.تجدد خلاياه؛ وخلاياه عبارة عن أجيال تتواصل على الشكل التالي:
1-الطفولة والمراهقة: وهي تمثل مرحلة ولادة الخلية الجديدة وإعدادها لمرحلة الدخول إلى دائرة المجتمع، فيكون تكوين المجتمع صحيحاً أو عليلاً استناداً إلى صحة تلك الخلية أو علتها.
2-مرحلة الشباب: تنتقل الخلية الجديدة بعد إعدادها، في مرحلتيْ الطفولة والمراهقة، إلى مرحلة الإنتاج الناشطة في شتى مفاصل المجتمع. فمرحلة الشباب هي مرحلة البناء والتجدد، أي مرحلة الانتاج، وهي العصب الفاعل في بناء صرح المجتمع.
3-مرحلة النضج والكهولة: وفيها تنتقل الخلية إلى مرحلة النضج بالخبرات، فتشكل مع خلية الإنتاج، أي مرحلة الشباب، مصنعاً لإمداد الجسم البشري بخلاصة تجاربها في شتى الحقول، ومن أهمها الأسس المعرفية على شتى أصنافها.
بيولوجياً ننحدد أعمار كل مرحلة بعمر زمني محدود، أما اجتماعياً فهي ليست كذلك. والسبب يعود إلى أنه من شروط اجتياز المرحلة الأولى أن تكون الخلية قد أصبحت مؤهَّلة للإنتاج، والعكس يعني أن تلك المرحلة قد تطول، ولن يكون انتقالها طبيعياً إلى ما بعدها. ولهذا لن تكون مرحلة الشباب عند تلك الخلية بذات جدوى، وما ينطبق عليها ينعكس على واقع مرحلة الكهولة.
وقد يكون الخلل كامناً في الانتقال، من مرحلة شباب الخلية إلى كهولتها، غير طبيعي عندما لا تؤسس لاكتساب خبرات جديدة ترفد حقول المعرفة المجتمعية وتغنيها. وهنا تفتقد حياة المجتمع المعرفية إلى حالات الإغناء والتجدد، فيضعف دور الخلية في مرحلة الكهولة وتغيب الفائدة من تراكم الخبرات في حياة المجتمع.
من هذا التقسيم نعرف ماذا تمثل مرحلة الشباب في تكوين الجسم الاجتماعي. وعلى قاعدة صحة البناء والإعداد (الطفولة والمراهقة)، أو علتهما، تكون مرحلة الشباب ناشطة أو عاجزة.
ولأننا نبحث عن دور الشباب –في مرحلة التغيير والتحرر الاجتماعي والتحرير والسياسي- نرى أن التحديد العلمي لمرحلة الشباب، اجتماعياً ونفسياً، هو من اهتمامات علماء الاجتماع والنفس، وهم الأقدر على إعطاء مناهج مفيدة لبناء أجيال من الشبيبة تكون سوية نفسياً واجتماعياً. لهذا السبب سنصب اهتمامنا حول تحديد دور الشباب في بناء مجتمع مُثقَلٍ بالهموم والمشكلات.
أما البيئة التي تعيش في ظلها مجتمعاتنا فهي من التخلف بدرجة تجعل خلايا المجتمع الشابة والكهلة مُثقَلَة بالمشكلات الكثيرة، التي يتطلَّب الأمر منها تشخيصها ومعرفتها للسيطرة عليها.
إن كثرة المشكلات، المتعلقة بالتغيير على صعد التحرر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي –في الغالب الأعم- ذات مصدر خارجي، ويتم تعميقها وإدامتها تحت غطاءات النهب الاقتصادي في عصر العولمة، نرى من الضروري –لمثل تلك الأسباب- أن تستأثر بالدرجة الأولى من اهتماماتنا في هذه الندوة، لنرى ما هو دور الشباب في معالجتها. فما هو هذا الدور؟
أساساً على الشباب يقع عبء اكتساب الثقافة، أي معرفة الشباب بقضايا مجتمعهم، فالخلية الاجتماعية لن تلعب دورها في بناء جسم مجتمعي سليم إلاَّ إذا كانت عالمة بخصائص وظيفتها في داخل الجسم المجتمعي، وأن تكون عالمة من دون ثقافة فهو منتهى التناقض.
فمن أولى الشروط التي على الخلية الشابة أن تكتسبها هي حيازة ثقافة مجتمعها الخاصة، ومعرفة جوانب النقص فيها، بما يساعد المجتمع على حل مشكلاته.
أما الشرط الآخر والضروري فهو أن يوظف الشباب معرفتهم من أجل وضعها في خدمة التغيير، وهذا يفرض على المثقف أن يتميَّز بالحركة من أجل إحداث التغيير المطلوب.
فالثقافة والحركة (النضال)، إذاَ، يشكِّلان سلاحين أساسيين للشباب:
فالثقافة للثقافة ترف، لأن كثرة المشكلات في مجتمعاتنا لا تحتمل أن يكون عنصر الشباب المثقف محايداً، يخاف العمل من أجل حل لها.
والنضال من دون ثقافة ضياع؛ فقد تتوه الخلية الشابة المتحركة/ المناضلة في عرض بحر المشكلات إذا كانت لاتمتلك بوصلة المعرفة التي تصوِّب لها اتجاهاتها.
فمرحلة الشباب هي كمثل العقد في القنطرة، إذا نخره السوس تسقط القنطرة بكاملها. ولأن مراحل تطور الخلية متكامل ومتجدد، فلا مرحلة شبابية صحية دون نمو طبيعي للطفولة والمراهقة، ولا أسس ثقافية سليمة من دون خبرة معرفية تنضجها تجارب الكهولة.
وهنا، تتعدد مهمات النضال من أجل التغيير: فبعضها ثقافي ومعرفي، وبعضها اجتماعي ونفسي، وبعضها سياسي، أما البعض الآخر في حياة الشعوب الخاضعة، بشكل غير مباشر، لقوى الرأسمال العالمي أو لاحتلال مباشر، فهي من أكثر المهمات إلحاحاً أمام الشباب في المجتمع.
ملاحظة: تُعتبَر هذه مقدمة لأبحاث عديدة تتناول الدور التفصيلي لكل القضايا التي على الشباب أن يقوموا بها في سبيل خدمة مجتمعهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق