الجمعة، فبراير 26، 2010

الشارع العربي الغائب الأكبر

-->
الشارع العربي الغائب الأكبر عن مواكبة القضايا القومية:
الأسباب والنتائج
24/ 3/ 2006
 
لا يخفى على المراقب لتطورات الأوضاع على الساحة العربية، بل مما يلفت نظره، أو يستفزه أحياناً كثيرة، هو أن المؤامرة الاستعمارية والصهيونية تكاد تنحصر في أقطار الأمة العربية بينما عبء مواجهتها، على الأقل اعتراضاً سياسياً سلمياً، غائب بشكل شبه تام عن الشارع العربي. ومما يلفت النظر أيضاً هو أن يكون الشارع العالمي أكثر عروبة من الشارع العربي!!
ليست تلك الظاهرة التي تصفعنا في الصميم معزولة عن جذورها وطبيعة تراكيبها، نشأتها وتطورها منذ الخروج من استعمار تركي إلى استعمار أوروبي وأميركي.
قد يواجهنا البعض باعتراضات أننا نغرق أحياناً في النظر إلى الحالة من خلال تكوينها التاريخي حتى ولو حاولنا أن نعالج أبسط القضايا التي تعاني منها أمتنا، أما ردُّنا فهو أن أسس المعرفة السياسية والفكرية حتى في أبسط القضايا لن يتم تحديدها بأقرب ما يمكن من الدقة بمعزل عن التكوين التاريخي لتلك القضايا. وهؤلاء من ضيقي الصدر كأنهم يدعون إلى بتر تاريخية قضايانا بما يحرمنا من الاستفادة من التجربة التاريخية التي أثبتت نجاحها، وبها كأنهم يدعونا إلى إهمال تجارب الأمة التراثية:
-الإيجابية منها بما يجعلنا نستفيد من البناء عليها.
-والسلبية بما يمنعنا من الاستفادة من معرفة ثغراتها لتجاوزها حرصاً على وقت ثمين لقوى التغيير في الأمة.
لقد أغرق هؤلاء في قراءة آخر النظريات العالمية، تلك النظريات التي لم تكن ولادتها لتحصل لو لم يستفد المفكرون الذين وضعوها من قراءة تجارب أممهم التاريخية الخاصة، فدرسوها ونقدوها واستخلصوا منها مبادئ المعرفة الفكرية وصاغوها في قوالب من التعميم والتجريد لتُضاف إلى تراث المعرفة الإنسانية.
وبناء عليه ليس من المستغرب أن نربط بين الظاهرة المؤسفة في النظر إلى ظاهرة غياب الشارع العربي عن مواكبة أكثر القضايا سخونة في الساحة العربية، تلك القضايا التي كانت أكثر صدماً للشارع الغربي فجعلته يتحرك بحرارة وحماس تأييداً لها. بينما المنطقي في الأمر أن تكون أكثر تفاعلاً مع الشارع العربي لأنها قضاياً عربية أولاً، ولأن المواطن العربي يتعرَّض إلى مخاطر استمرارها بشكل مباشر، مؤذي أحياناً كثيرة، او بشكل غير مباشر لأن نتائجها الوخيمة ستطوله آجلاً أم عاجلاً.
إن ثقافة الشارع العربي هي من ثقافة القوى المؤثرة فيه، فليس للشارع دليل فكري سياسي إلاَّ ما تنتجه تلك القوى، وهنا نحددها بقوتين:
الأولى تعمل على تشكيلها الأنظمة الرسمية العربية. وهي بما لديها من إمكانيات وعوامل تأثير وجذب، سواءٌ عبر إمساكها بعناصر القوة المالية التي تمس حياة المواطن مباشرة وتستغلها عامل إغراء لجذب أكبر كتلة بشرية إلى جانبها، أم عبر إمساكها بعناصر القوة الأمنية والعسكرية التي تعني تهديد المواطن ووعيده إذا ما وقف في موقع الخصومة للنظام السياسي القائم.
ولأن طبيعة تكوين النظام الرسمي العربي تاريخياً مرتبطة بأواصر وثيقة واتفاقيات غير معلنة بينها وبين قوى التأثير الرأسمالي العالمي، منذ أوائل القرن الماضي، خاصة وأن تركيبة تلك الأنظمة قائمة على الفجوات الطبقية التي تفصلها وتنأى بها عن التمثيل الشعبي الصحيح. وكذلك قيام بعض النظام العربي الرسمي على العشائرية التي توفر لنخب العشائر مصلحتها، أو تلك القائمة على العشائرية الدينية والمذهبية وبها تجذب أبناء مذهبها لوحدهم تحت ذريعة أنها تحرس لهم مذهبهم وتحميه، وتكون غالباً تحت ذرائع وجود «أعداء وهميين» من المذاهب الأخرى...
هذا التشخيص يجعلنا نضع النظام العربي الرسمي في موقع النقيض لمصالح الشارع العربي، مما يجعل المراهنة على ثقافته في إيصال الحرارة إلى جسم الشارع العربي أمراً مستحيلاً. فمن الخطأ المراهنة على «الراعي الذي يشكِّل عدواً للغنم». والنتيجة هي وضع الشارع بين خيارين: إما القبول بثقافة النظام أو التعرض لقمعه وإعادة غسل دماغه بما يتناسب مع مصلحة النخب «الحاكمة».
أما القوة الثانية، فهي ثقافة التغيير التي من المفترض أن تعمل حركات وفصائل قوى التحرر على تعميمها. ولكننا نرى أن الحل في هذا الجانب هو المشكلة أيضاً.
فبطء حركة الشارع العربي وعدم اكتراثه، هي من بطء الحركة الفكرية للحركات السياسية العربية المفترض أن تكون مكوناً أولياً وضرورياً في حركة التغيير العامة. وهي لا بدَّ من أن تشكل طليعتها، إذ لا بدَّ لهدف التغيير من أن يمرَّ أولاً عبر ما نسميه طليعة تحمل الجرس وترفع الصوت وتقدم التضحيات التي بدونها لن تزرع الحوافز وتمهِّد الطريق لحركة الشارع.
هذه القوة، أي تلك التي اعتنقت عقائد وإيديولوجيات مناهضة لعقائد الأنظمة الرسمية وإيديولوجياتها، هي بحد ذاتها ممزقَّة ومفتَّتة. صحيح أنها حركات تعمل من أجل التغيير، ولكن أهداف التغيير لدى كل منها تختلف عن الأخرى وقد تقع في دوائر المتناقضات الحادة. ولو لجأنا إلى التبسيط في تصنيفها بين علمانية ودينية، لوجدنا أن كل صنف منها يتوزَّع إلى أصناف أخرى متناقضة أيضاً.
فالقوى العلمانية تتشرذم إلى ثلاث: قطرية وقومية وأممية، ولكل منها جواذبها الفكرية والسياسية.
اما القوى الدينية، فتتشرذم إلى ما يوازي الأديان، والأديان تتشرذم إلى ما يوازي عدد المذاهب في كل دين. ولكل منها جواذبها الإيديولوجية الإلهية المقدسة.
ففي الحكم العام بين النظام العربي الرسمي وقوى التغيير يكتسب النظام العربي الرسمي ميزة التوحد بين أنظمته الحاكمة، وتلك ميزة واضحة المعالم والقرار في هذه المرحلة. بينما قوى التغيير ليست متباعدة، او متناقضة فحسب، بل تتلهى أيضاً في صراعات جانبية أو أساسية فيما بينها. تلك الصراعات تضيف قوة أخرى إلى قوة ذلك النظام.
من الطبيعي أن تتعدد الرؤى الفكرية والسياسية والإيديولوجية لتكون عامل إغناء وإثراء في تكوين الثقافة الشعبية، لكن الخطير فيها أن تلك التعدديات لا تصب في منحى التوحيد السياسي، بل تزيد التفتيت وتغذيه من أجل أن يقتنص كل حزب أو حركة ما يستطيع من الشارع العربي ليقوم بتشكيله على مقاييس مصالحه السياسية التي غالباً ما تتحكم فيه الأهواء التقسيمية القطرية أو الأهواء التقسيمية الدينية أو المذهبية. وتلك الظاهرة بارزة في الموقف من المقاومة الوطنية العراقية. بحيث تلعب أهواء بعض التيارات المحسوبة على حركة التغيير وإيديولوجياتها دوراً سلبياً في وضع المقاومة في العراق في مكانها الصحيح. وهي وإن كانت لا تعيق عمل المقاومة إلاَّ أنها تضع العصي في دواليبها تجعل الاحتلال يكتسب بعض الوقت ليستفيد منه من تحييد قوى كان من الطبيعي أن تكون إلى جانب المقاومة وضد الاحتلال.
ولأن قوى التغيير على تلك الشاكلة فمن الصعوبة بمكان المراهنة على أن تلعب دوراً ما في دفع الحرارة إلى جسد الشارع العربي.
لكن يبقى السؤال الأساس والأهم، خاصة وأن الأمة تخوض صراعاً مريراً ومؤلماً، ستكون نتائجه إذا ما نجح المشروع الاستعماري والصهيوني وخيماً على الجميع حتى على تلك النخب الرسمية الحاكمة، ولن تستثني أية حركة علمانية أو دينية، يبقى السؤال: هل هذا الوضع الراهن يدعو إلى القنوط واليأس؟
استناداً إلى مبدأ التغيير الذي يبتدئ بالطليعة التي تحمل الجرس وتقرعه، وترفع الصوت ولا تخشى، وتقدِّم التضحيات ولا تبالي، يمكننا البدء في البناء لبنة لبنة. فالطليعة لا بدَّ من أن أنها ستحقق نتائج حتى ولو كانت متواضعة فهي التي تشكل الجاذب للشارع خطوة تلو خطوة، وهي التي ستنتهضه وتثير فيه عوامل القوة قطرة فقطرة، ومن دون ذلك ليست لدى أحد عصاً سحرية تقول للشارع العربي «تحرَّك، فيتحرَّك». فمن قدر الطليعة أن تقدِّم الأنموذج والمثال، وستكون تضحياتها «الوقود الحراري» الذي سيقوم بتحريك الحرارة في جسد الشارع العربي.
إن مهمات الطليعة اليوم، في ظل «عربدة التكنولوجيا» الاستعمارية أو الصهيونية، تتمثَّل بـ«استراتيجية الكفاح الشعبي المسلَّح» لأنها الوحيدة القادرة على فرض التوازن في القوى في مراحلها الأولى، ومن بعدها ستختل تلك الموازين لمصلحة المقاومة، وهي تشكل القاعدة والأساس في الانتصار والتحرير. كما أن من مهمات الذين حسموا موقفهم إلى جانب المقاومة أن يستفيدوا من كل بادرة في ممانعة قوى الاستعمار والصهيونية، لعلَّها ترتقي إلى مستوى المقاومة الفعلية بكل الوسائل والأساليب.
إن تاريخية العمل العربي المقاوم، على الرغم مما كان يلاقي من محاربة القوى المتحالفة مع الاستعمار والصهيونية، تدل على أنه كان يشكل الجاذب الأساس للشارع العربي الذي ما إن كان يتحرك مشحوناً بنتائج العمل المقاوم حتى يفرض التراجع على كل وسائل القمع النظامي الرسمي من جهة، كما يفرض على أصحاب الإيديولوجيات على شتى مسمياتهم من الذين يعيقون بشكل أو بآخر أو يعرقلون العمل المقاوم التراجع والانكفاء من جهة أخرى.
تلك هي معادلة التغيير في اتجاهات الشارع العربي التي نراها تلوح في الأفق مراقبة ومواكبة لحركة العمل المقاوم في فلسطين والعرق، وإن الأمر لا يدعو إلى اليأس مما نرى، بل يدعو إلى التفاؤل بالمستقبل الذي تؤكد وقائع ما يجري أنه يقترب من النصر والتحرير.
لقد قالها الرئيس صدام حسين، أمير الأسرى والمجاهدين،. قالها قبل العدوان على العراق واحتلاله لكل موفدي الأنظمة الرسمية العربية، كما قالها لكل الموفدين والوفود الشعبية العربية: إن العراق سيخوض الحرب ضد الولايات المتحدة الأميركية، فيمكنكم الاستفادة مما سوف يحصل.
كما قالها المناضل الرفيق عزة الدوري في رسالته إلى حركات التغيير في الأمة: سيروا وسترون كم هي عطاءات الشعب العربي كبيرة وكريمة.
-->

ليست هناك تعليقات: