الجمعة، فبراير 26، 2010

في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر

-->
في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر
شباط 2005
-->
في الليلة الظلماء يُفتقد البدر. ونحن نفتقد جمال عبد الناصر في مثل المواقف الصعبة التي تمر بها أمتنا العربية. ومن أصعبها –في هذه المرحلة- قضيتيْ العراق وفلسطين.
نفتقد الزعيم الراحل من زاويتين: الأولى لنرى منها شدة التآمر على الأمة العربية بمساعدة من المحسوبين عليها، أنظمة وحركات. والثانية لنرى منها أن وضع الثوريين في الأمة بألف خير.
بداية نلفت نظر المتآمرين، وبعض المضلَّلين، لنقول لهم –رداً على النعي الذي أعلنوه بحق الفكر القومي- إن الحركة العربية الثورية المنضوية تحت لواء الفكر القومي العربي تسير على طريقها الطبيعي –والطليعي- وتشكل –الآن وفي أحلك الظروف- التحدي الأكبر في مواجهة كل المؤامرات وكل مشاريع الهيمنة على الأمة ومقدراتها.
ففي فلسطين، أيها الراحل الكبير، تنتعش آمال المحرِّرين يوماً أكثر من أي يوم مضى. ولن يخدعنا حجم التآمر وكثرة المتآمرين. فقوة الرفض الشعبي، وقوة المقاومة وإرادتها تزداد يوماً فيوماً. والعدو الصهيوني يزداد توتراً وعصبية فهو لم يستطع أن يحتوي أو أن يجهض حالة الرفض الفلسطيني. وآماله وأحلامه ومخططاته أمست من دون أفق منظور. فهو وإن كان يقاتل فصائل منظمة التحرير، وهي خارج أرض فلسطين، فها هي أصبحت في عقر احتلاله، ولم تدعه، منذ أول يوم انطلقت فيه انتفاضة "أطفال الحجارة" يسترخي ليرتاح. ولم تشكل له كل الاتفاقات التي وقعتها الإدارات الرسمية (كمب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة) أية حصانة أو حماية.
وفي العراق، خدعت نتائج الحرب النظامية أبصار "إدارة الشر الأميركية"، ولم تدع المقاومة العراقية، بقيادة صدام حسين، لها أي فسحة من الأمل تدوم لأكثر من أيام. إذ كانت الحرب الحقيقية التي أعدَّ لها حزب البعث تحت قيادة الرئيس الأسير صدام حسين، مما لا تستطيع القوات النظامية أن تواجهها أو تحتويها أو تجهضها.
أيها الراحل الكبير، نقف في ذكرى ميلادك لنتساءل: كيف يا ترى نقوم بتفسير تلك الجوانب النضالية المضيئة على ضوء أوراق النعي التي وزعتها أكثر من جهة –نادبة الفكر القومي العربي والحلم القومي- ومعتبرة حركة الثورة العربية حلماً عاش لفترة وانتهى؟
من المنطلقات المغلوطة التي يقع فيها الكثيرون أن الفكر القومي، والحركات الفكرية القومية، كما الأنظمة التقدمية (المصطلح الذي كان سائداً حتى أوائل السبعينيات من القرن العشرين) هي القاعدة، بينما الحركات والأنظمة العربية الأخرى كانت الاستثناء. فلما مُنيت الأنظمة التقدمية بعدد من التراجعات نتيجة حدة التآمر ضدها وكثرة المتآمرين من الخارج والداخل، قامت أكثر الأوساط الرسمية، وأكثر الحركات الأممية –ماركسية وإسلامية- بإعلان موت الفكر القومي العربي.
ونرى أنه من المهم أن نصحح تلك النظرية فنقول:
إن النظام العربي الرسمي، هو نظام نخبوي، وهو القاعدة وليس الاستثناء. بينما الأنظمة التي نادت بالفكر القومي، وعملت على هديه، هي الاستثناء في حياة الأمة. أما كيف نبرر تلك الرؤية تاريخياً؟
في الفسحة التاريخية القصيرة، التي فصلت بين الانتقال من النظام الرسمس العثماني إلى النظام العربي الرسمي الذي صاغته استراتيجية سايكس – بيكو، لم تدع النظام الاستعماري الحديث يقع فريسة الارتباك في كيفية تشكيل أنظمة قطرية، لأن موادها كانت جاهزة ومستعدة لتغيير البندقية من كتف إلى آخر، ولم يكن رائدها ومرشدها أكثر من تأمين مصالحها الطبقية. فكانت النخب العائلية والعشائرية والاقطاعية، التي كانت حاكمة في ظل النظام التركي، جاهزة لتشكيل سلطات قطرية حسب مكاييل الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. وهكذا انعقد التحالف النخبوي العربي والانتدابين البريطاني والفرنسي. فتأسس النظام الرسمي القطري على امتداد الساحة العربية.
على مقاييس التلاقي بين مصالح النخبويين العرب والنظام الاستعماري الحديث سارت شؤون النظام العربي الرسمي ميسورة ومن دون عراقيل، وكانت تمتثل لمخطط سايكس - بيكو من دون مقاومة أو اعتراض.
وعلى خلاف المألوف الذي ارتاده التحالف المذكور، كانت الحركة الفكرية القومية العربية تشق طريقها، وتطمح إلى المزيد من التعميق والتخطيط للانتقال من النظرية الفكرية إلى تطبيقها في حركة نضالية سياسية. ولم يُسدل الستار على مؤامرة تقسيم فلسطين، بعد أن احتلتها الصهيونية العالمية بتواطؤ اشتركت فيه قوى الاستعمار التقليدي والجديد مع سلطات النظام العربي الرسمي، إلاَّ وبرزت إلى الساحة القومية العربية قوتان اخترقتا جدار التقليد السياسي والفكري كما جدار الأنظمة. وهاتان الحركتان هما: حزب البعث العربي الاشتراكي والحركة الناصرية.
منذ تلك النقلة، على صعيد الفكر والنضال، خاصة عندما التقت الحركتان على صعيد الانتقال بالفكر القومي العربي إلى حيز التنفيذ، وكانت الوحدة السورية المصرية أكثرها استثارة لمخاوف التحالف المذكور ، فتكاثرت المؤامرات ضدهما وتسارعت من أجل حماية جدران النظام العربي الرسمي من الانهيار.
وبمثل هذا التفسير التاريخي نذكِّر بأن الحركة القومية العربية كانت استثناء في حياة الأمة وليس العكس. وإن كل مظاهر تراجعاتها الظاهرية إذا قمنا بقرائتها قراءة عميقة، لا تعني –على الإطلاق- موت تلك الظاهرة. وإنما من الموضوعية أن نصفها بأنها تراجعات مؤقتة على صعيد الموقع السلطوي، وهي شكَّلت فرصة وامتحاناً للقوتين –البعثية والناصرية- لمراجعات جادة. وسنرى الأثر الإيجابي لتلك المراجعات على صعيد مواكبتهما لقضيتيْ فلسطين والعراق.
إذا كانت هذه الرؤية تقتضي منا المزيد من تسليط الأضواء عليها، فإنما الكتابة عنها الآن بإيجاز لأنها أتت في معرض إحياء ذكرى الراحل الكبير جمال عبد الناصر من خلال تكريمه، واستذكاره- بمناسبة عيد ميلاده.
فكل عام وأمتك، التي انتصرت لها بفكرك ونضالك، بخير.
وكل ميلاد وأمتك تسلك طريق النضال أيها الراحل الكبير. ونحن لا ننسى، بمناسبة راحل كبير من رجالات أمتنا العظماء، صدام حسين أمير الأسرى في سجون الاحتلال الأميركي في العراق.
فمن جمال عبد الناصر إلى صدام حسين مسافة كانت –ولا تزال- مليئة بالنضال والتضحية والصراع مع العدو الأميركي بالذات، راعي العدو الصهيوني، الذي خطط –منذ الخمسينيات من القرن الماضي- من أجل القضاء عليهما. وهو مستمر ولكنه لن يفلح.
-->

ليست هناك تعليقات: