الخميس، فبراير 25، 2010

قرار مجلس الأمن 1546:

-->
قرار مجلس الأمن 1546:
كسب تكتيكي في الوقت الأميركي الضائع
10/ 6/ 2004م
وقعت الإدارة الأميركية في الخطيئة الكبرى، حسب التيار السياسي الأميركي المناهض لاحتلال العراق من دون غطاء أممي، عندما حرقت المراحل في شن العدوان على العراق وقفزت من فوق إرادة الممانعة الدولية.
منذ تلك اللحظة انتشرت موجة الخوف الجدي من خطورة المشروع الأميركي الذي ينفِّذه اليمينيون الأميركيون المتطرفون حتى في نفوس أصدقاء أميركا ممن ينتسبون إلى نادي الدول الرأسمالية. وشعروا بمدى خطورة المشروع بعد احتلال بغداد في 9/ 4/ 2003م- عندما تناوب على تهديد مصالحهم في العالم كل أعضاء الإدارة الأميركية الحالية. فراح الممانعون يقدِّمون مراسيم الطاعة إلى السيد الأميركي.
ولكن منذ اللحظة التي ظهر للعالم الممانع مدى تأثير المقاومة الوطنية العراقية على واقع الاحتلال الأميركي، شعر أن الموازين ستنقلب إلى غير مصلحة الاحتلال، وكأن أقطابه استشعروا أن الإدارة الأميركية ستلجأ إليهم مستنجدة المساعدة، فأخذ »غنج« دوله و»دلالهم« يتعمَّق عند أول صرخة استغاثة أطلقتها إدارة جورج بوش، واتَّخذ أشكالاً عدة من العروض الفنية التي أخذ يتبارى في إظهارها حلفاء الأمس للولايات المتحدة الأميركية. وكانت معظم عروض الإغراء تظهر بأثواب ديبلوماسية ناصعة البياض، وأيدٍ ديبلوماسية ناعمة الملمس. رافضة أن ترى جيش الولايات المتحدة الأميركية مهزوماً، لكنها من أجل إنقاذه من الهزيمة لن تقدِّم أية مساعدة عملية من دون ثمن حده الأدنى إعادة الاتفاق على تقسيم المصالح في العالم بالعدل والمساواة.
انتقل المأزق الدولي الممانع بعد التاسع من نيسان إلى مأزق أميركي بعد الأول من أيار 2003م. وتبادل الأميركيون المحتلون وأصدقاؤهم الممانعون للاحتلال الأدوار. فأصبح الممانعون في موقع الذي يبتز المحتلين، بعد أن كان المحتلون في الموقع الذي يبتز الممانعين. ولله في خلقه شؤون، هكذا هي المعادلة التي تحكم علاقات أعضاء دول النادي الرأسمالي العالمي. لكن هذا لا يعني نهاية لعهد نادي الدول الرأسمالية والصناعية، بل هو نقطة البداية من أجل إعادة صياغة التوازنات الدولية حسب مقاييس جديدة تستعيد معها تعددية القطبية الدولية عافيتها من جديد، ولكن ليس إلى خارج مصلحة الرأسمالية نفسها.
في مواقف المحتل والممانع للاحتلال في النادي الرأسمالي علامات ثابتة ومتغيرات:
أما العلامات الثابتة فهي مصلحة الرأسمال قبل أي شيء آخر، فأعضاء النادي لا يتناقضون حول المبدأ وحول المصلحة الرأسمالية الجامعة.
أما المتغيرات فهي وسائل التنفيذ وأساليبه.
لقد تعلَّم الممانعون، ربما من تجاربهم التاريخية في استخدام وسيلة الاستعمار المباشر، أن الاحتلال العسكري لن يجد حلولاً وتأميناً للمصالح الرأسمالية، ففي الاحتلال حوافز أمام الدول المغلوبة لمقاومة الاحتلال، وبالتالي تهديداً للاستقرار والأمن كأهم عوامل جذب الرأسمال الدولي. فهو لن يستطيع ممارسة الاستغلال إلاَّ في أفضل البيئات الأمنية هدوءًا.
ولذلك، ومنذ أن تأسس مشروع »القرن الأميركي الجديد« القائم على إيديولوجية الغلبة في الحرب، حمل معه عوامل موته، لأنه حمل الصراع من دائرته التقليدية التي انتهت بانتهاء الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى دائرته الجديدة أي بين حلفاء الأمس من أجل رسم حدود جديدة لقطبية متعددة يكون أطرافها من أعضاء النادي الرأسمالي أنفسهم.
كانت اتجاهات أعضاء النادي الرأسمالي تميل إلى وضع ضوابط جديدة لمنع أي من أطرافها من السيطرة على العالم لوحده، فكانت المواجهة الجدية الأولى بعد أن وصل التيار الأميركي من أصحاب إيديولوجيا »القرن الأميركي الجديد« في أوائل العام 2001م، إلى السلطة وراح يعرب عن رغبته في تنفيذ مشروعه الإيديولوجي. وخدمت اتجاهاته المتطرفة التداعيات المتواصلة التي ابتدأت في 11/ 9/ 2001م، وانتهت في غزو العراق في 9/ 4/ 2004م.
إذا كانت المخاوف قد أقلقت حلفاء أميركا من وصول التيار المتطرف إلى السلطة فوقعوا في أسر هواجس ابتكار أفضل طريقة لمنع انتصاره، ظهرت أولى بوادر الصراع في محاولة منعه في معالجة الملف العراقي. وإذا كانت بداية الحكاية مما لا نريد أن نكرر سردها، فهي معروفة الوقائع والنتائج حتى الأول من أيار من العام 2003م، إلاَّ أننا سنقف أمام مظاهر الصراع وبواطنه التي تتالت فصولاً بعد وصول المقاومة الوطنية العراقية إلى مرحلة الثبات في جهدها، استراتيجية فكرية وسياسية وعسكرية، خاصة بعد أن أثبتت أنها قادرة على منع الاحتلال الأميركي من الوقوف عند حدود ثابتة، بل فرضت عليه التراجعات واحداً تلو الآخر، ومن أهم معالمها:
طلبت الإدارة الأميركية المال والجنود من حلفاء الأمس بعد أن غرقت في بحور الخسائر البشرية والمادية في مواجهة المقاومة العراقية.
ورحَّبت تلك الدول بعامل المقاومة العراقية الذي أضاف إلى جهدها المبذول في منع المشروع الأميركي المتطرف من النفاذ، وهو بلا شك- ثقل نوعي قلب معادلة الموازين في القوى رأساً على عقب. فراحت تلك الدول تغزل على نولها مشاريع لجم الجموح الأميركي اليميني المتطرف. وهي كانت تقدِّم لحليفها الأميركي ما يزيد عن حاجته من الكلام الديبلوماسي المنمَّق في ثلاثة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في أقل من ثمانية شهور، بدءًا من القرار 1483، مروراً بالقرار 1511، انتهاءً بالقرار 1546 الصادر بتاريخ 9/ 6/ 2004م.
كانت تلك الدول تقدم اعترافات بما يشبه تشريعاً دولياً لاحتلاله، كان يقطف منها لحظات من النصر الديبلوماسي الموهوم، لا تمر أيام عليه حتى تعيد المقاومة العراقية تنغيض النصر الديبلوماسي المرحلي عليه.
كان الاحتلال الأميركي بحاجة إلى مال وجنود وليس بحاجة إلى سيل من العواطف الديبلوماسية، لأنها لا تُصرف بدبابة واحدة أو بجندي واحد. بينما يعرف المناهضون لمشروع الاحتلال أن في تقديم العون له مالاً ورجالاً لهو تثبيت لمشروعه المتطرف فيكون تقديمهم العون له -كما يشترطه- لهو كمن ينفِّذ حكم الإعدام بنفسه، ولذلك ليس من المحتمل أن يقدموا له العون بأكثر من الموافقة على قرارات دولية خالية من مضامين الدعم الفعلي، فهم كمن يقدم »شيكات من دون رصيد«.
إذا كان القرار الدولي الجديد قد أثار الارتياح في نفوس دولتيْ الاحتلال الأساسيتين: أميركا وبريطانيا، وأراح حكومات الدول المساندة نفسياً أمام شعوبها الرافضة، فإن ما أعلنوا عنه ليس إلاَّ راحة موهومة ستفقد بريقها بعد عدة أيام فتنحجب عن الرؤية بعد الإعلان عن أول جثة لجندي أجنبي مشارك في احتلال العراق لتعود دوامة الصراع بين المقاومة والاحتلال إلى سابق عهدها. تندفع معها الإدارة الأميركية للتفتيش عن أكياس أخرى من المصل لتنعش نفسها بما يجعلها تصل إلى الاستحقاق الانتخابي القادم وهي تسير على عكازين.
في الوقت الذي لم تجد فيه الإدارة الأميركية أي عون دولي فعلي، وهي لن تجده إلاَّ عند الدول الكبرى كمثل فرنسا وألمانيا، وتلك الدول لن تقدم هذا العون، تعمل الإدارة إلى تقطيع الوقت الضائع الذي يفصلها عن الانتخابات القادمة بعجز جزئي محسوب له أن يتحول إلى عجز كلي، وما مراهناتها على منع التداعيات أو التقليل منها ليس إلاَّ وهماً وتعلقاً بمراهنات سراب لن تجديها نفعاً.
يقول البعض إن القرار الدولي الجديد هو خطوة إيجابية تصب في خانة الاعتراف بشرعية الحكومة العراقية الجديدة التي شكَّلها الاحتلال قبل الحصول على قرار دولي، وهذا قد يشكل مظلَّة تتلطى تحتها بعض الدول في تدعيم الاحتلال الأميركي. تلك المظلة تصبح بنظرهم شرعية عندما تدعوهم حكومة عراقية، أضفى عليها مجلس الأمن شرعية دولية، للمشاركة في إعادة الأمن إلى العراق.
لم يأخذ هؤلاء ولا أولئك أن القرار الأساس في إضفاء شرعية على أن أي حل -مهما كان غطاؤه- يجب أن يخضع لموافقة المقاومة العراقية. أما المقاومة فقد أعلنت موقفها الحاسم بأنها ستعتبر أي جهد عراقي أو عربي أو إسلامي أو دولي يصب في مصلحة تثبيت للاحتلال هو احتلال من نوع جديد ستتعامل معه كما تعامل القوات المحتلة.
وحيث إن الدول التي تستطيع أن تؤمن الغطاء الشرعي الدولي أو الاسهام الجدي في الجهدين المالي والبشري لن تقدم على إنقاذ مشروع أميركي تتناقض أهدافه مع مصالحها. وحيث إن أية حكومة عراقية لن تكتسب شرعيتها إلاَّ بموافقة المقاومة. وموافقتها مشروطة بإنهاء الاحتلال فعلياً، وليس صورياً كما هو حاصل الآن مع الحكومة الحالية المركَّبة أميركياً. وحيث إن الحكومة الحالية تعمل على تثبيت الاحتلال بحماس يفوق حماس الاحتلال نفسه.
نعتبر أن قرار مجلس الأمن الرقم 1546 لن يقدِّم أو يؤخر في تغيير الأمور على الساحة العراقية بأكثر من أنه يسهم في تأجيل إعلان إفلاس الإدارة الحالية من ضمان استقرار وجودها في العراق. وهو لا يشكل نقلة نوعية يمكن للإدارة الأميركية أن تعتمد عليها. فهو ليس إلاَّ إملاء فراغ في الوقت الضائع من عمر الإدارة نفسها.
وإلى قرار جديد وهو ما لن يحصل- فما على إدارة المشروع الأميركي الجديد في العراق إلاَّ أن تتلقى مزيداً من جثث الجنود الأميركيين العائدة إلى أميركا ملفوفة بعلم أميركا. وإلى ذلك الحين فما على الدول التي تشارك الاحتلال الأميركي إلاَّ أن تعد نفسها لاستقبال مآزق جديدة كلما فرضت عليها المقاومة العراقية أن تشكل إدارة خاصة لاستقبال جنودها العائدين جثثاً إلى أوطانهم، وهي ستكون بدون شك- أورقاً انتخابية تسهم في إسقاط كل من تواطأ مع احتلال غير شرعي لإكسابه شرعية خارج إرادة شعوبها.

ليست هناك تعليقات: