الخميس، فبراير 25، 2010

في العام الثالث للاحتلال الأميركي:

--> --> -->
في العام الثالث للاحتلال الأميركي:
الخلل في توازن القوى بين الاحتلال والمقاومة
يميل بنقاط نوعية لمصلحة المقاومة الوطنية العراقية
20/ 3/ 2006
تطل علينا الذكرى الثالثة للعدوان على العراق، الذي ابتدأت فصوله التنفيذية الأولى في ليلة 19- 20/ 3/ 2003، وسبقته سنوات عديدة في الإعداد والتخطيط، كانت متممة لأصول الأطماع الاستعمارية والصهيونية منذ اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916.
نفذت الإدارة الأميركية الحالية عدوانها من دون تغطية من مجلس الأمن الدولي، مكتفية بتأييد ومشاركة من رئيس الحكومة البريطانية، وتأييد ومباركة من قبل بعض الحكومات الغربية، واستسلام وخضوع من أكثرية في النظام العربي الرسمي. وفي المقابل نددت أوساط شعبية أهلية ودينية، مسيحية وإسلامية، بالعدوان واستنكرته، مدعومة من بعض الحكومات الغربية، التي لم تؤيد العدوان ولم تشارك فيه.
كما استغلت الإدارة الأميركية، مدعومة من طوني بلير رئيس الحكومة البريطانية، سلسلة من الأكاذيب التي أنتجتها أجهزة المخابرات التابعة لهما، ليس أقلها امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. بل استكملتها باتهامات باطلة، كمثل الديكتاتورية والمقابر الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية في ردع معارضة التيار الانفصالي الكردي، وقد تمَّ إعدادها بالتواطؤ مع شلة من الخونة من العراقيين، خريجي معاهد المخابرات الأجنبية والصهيونية.
وأسهم نظام الملالي في إيران بالمؤامرة، من خلال صفقة مع «الشيطان الأكبر»، أدخل فيه جماعاته من الذين دربهم، مخابراتياً وعسكرياً وإيديولوجياً، للتسلل إلى العراق والإسهام في احتلاله. وأراد من خلال التآمر والتنسيق مع إدارة جورج بوش على احتلال العراق أن يحقق الحلم الذي عجز النظام المذكور عن تحقيقه، في العام 1980، بواسطة اعتداءاته على الحدود المشتركة بين البلدين أو من خلال إثارة الشغب في داخل العراق عبر العديد من تفجير المؤسسات العامة، أو عبر محاولات الاغتيال كمثل المحاولة التي جرت في قرية «الدجيل» لاغتيال القائد صدام حسين رئيس جمهورية العراق، وأخرى استهدفت اغتيال نائبه المناضل طارق عزيز. وقد أفشل العراق ذلك الحلم ووأده في معركة القادسية الثانية (0 98 1- 988 1).
حصل العدوان، الذي توهمت فيه الإدارة الأميركية أنها ستحتل العراق بسرعة مستندة إلى قوتها العسكرية الأسطورية، ومن بعد احتلاله ستفرض وقائع جديدة ترغم فيها العالم الممانع على الرضوخ. ومنها تعيين حكومة عراقية تستجيب لإملاءاتها. وبها تنطوي صفحة العراق الذي كان من أكثر الدول مقاومة للإرادتين الاستعمارية والصهيونية. وبتلك الصفحة تمهد الإدارة المذكورة لحكم العالم من خلال سيطرتها على المخزون النفطي للأمة العربية.
في المقابل كان حزب البعث العربي الاشتراكي، بقيادة الرئيس الفذ صدام حسين، قد أعدَّ العدة المناسبة من أجل استعادة التوازن المفقود في القوى النظامية على قاعدة الكفاح الشعبي المسلح، وكان قد وجدها في إستراتيجية الحزب وتجاربه التاريخية من خلال تجربة الأمة العربية. ولما انطلقت المقاومة مباشرة بعد احتلال بغداد قلبت موازين القوى رأساً على عقب، فاستعاد بها الحزب حيويته ونضاليته، وأصبحت المبادرة في يده، ووقع الاحتلال في مأزق كبير بعد أسابيع قليلة من، الأول من أيار في العام 2003، إعلان رئيسه النصر في العراق.
إن هذا المأزق، بعد مرور ثلاث سنوات من الاحتلال، لا يزال يزداد ويتعمق، كما يتعمق مأزق عملائه من العراقيين، والعرب، ودول الجوار الجغرافي، وهذا ما خطط له المنهج السياسي الاستراتيجي للحزب في 9/ 9/ 2003. وأصبح الاحتلال على قاب قوسين أو أدنى من إعلان الهزيمة.
كانت حصيلة ثلاث سنوات من نضال المقاومة العراقية وجهادها، كبيرة وأكثر من أن تحصى، وتمثلت على الصعد الداخلية والعربية والدولية بالآتي:
أولاً: على الصعيد الداخلي استعادت المقاومة العراقية زمام المبادرة عندما كشفت الوجه الخياني لكل العملاء من العراقيين، سواء أكانوا تابعين للمخابرات الغربية والصهيونية أم كانوا من التابعين للمخابرات الإيرانية، وعرَّتهم من أكاذيبهم التي روجوها حول نظام حزب البعث السياسي. كما كشفت مخططاتهم وعمالتهم، فلم يبق لهم من شعب العراق إلا الميليشيات المسلحة التي لا تستطيع حمايتهم من ضربات المقاومة والنقمة الشعبية. تلك الميليشيات التي تمارس الآن أقذر أنواع الملاحقة والاعتقال والسجن والتعذيب. وبالإجمال فقد أسقطت ممارساتهم وانكشاف أهدافهم أية شرعية عنهم حاول الاحتلال، ولا يزال، أن يغطيهم بقرارات واهية وساقطة أمام نصوص القانون الدولي والإنساني على الرغم من صدورها عن المؤسسات الدولية والعربية، وليس أقلها مجلس الأمن الدولي ومجلس جامعة الدول العربية.
أما في المقابل، وبفعل نجاح المقاومة بفرض نفسها حركة تحرر وطني، وبفعل عجز الاحتلال وعملائه عن تمويه العدوان والاحتلال بشرعية أو قانون، وعجزهم عن توفير الأمن وأدنى موجبات العيش الكريم للعراقيين، فقد ازداد الالتفاف الشعبي حول المقاومة، وأصبح الشعب العراقي خزاناً أساسياً في دعمها بالإمكانيات البشرية وخلافها. وبذلك تكون المقاومة قد فرضت شرعية تمثيلها الوطني بين جماهير العراق الشعبية.
إن تلك الحقائق: هبوط أسهم الاحتلال وعملائه بين العراقيين وتصاعد المد الشعبي المؤيد للمقاومة والذي يغذيها بسيل بشري مقاتل، أصبحت ثابتة وذات مصداقية عالية تدل عليها فشل كل العمليات العسكرية الكبرى التي نفَّذتها قوات الاحتلال في أكثر المدن والقرى العراقية التي استهدفت إرهاب العراقيين وجعلهم يبتعدون عن المقاومة أو تأييدها. أما عشرات العمليات الوحشية فقد أطلقت عليها قيادة الاحتلال العسكرية أسماء تدل على «إرهاب الدولة الأميركية المنظَّم» ومنها، «القبضة الفولاذية» و«المطرقة الحديدية» و«الأفعى المتسلقة» و«عقرب الصحراء»... أما أهم المحاور الجغرافية فقد كانت الفلوجة والقائم وتلعفر وسامراء...
وعلى الرغم من وحشية تلك العمليات على النساء والأطفال والمدنيين الآخرين، فقد كان تأييد المقاومة من قبل الشعب العراقي يزداد ويتصاعد.
ويضاف إلى جهد المقاومة الموقف الشجاع الذي يعبر عن كبرياء البعثيين ومستوى نضالهم العالي ما جاء في محاكمة الرئيس صدام حسين ورفاقه أمام محكمة مشبوهة شكَّلها الاحتلال. تلك الوقائع جاءت لتفصح عن صورة مشرقة وحية لمستوى الأداء النضالي الرفيع الذي أبداه الرئيس خاصة، ورفاقه بشكل عام. وشكلت وقائعها معلماً مهماً يفخر به البعثيون والعرب أمام العالم كله. ففيها أعطى الرئيس الأسير، مع رفاقه، زحماً نضالياً عالياً، سواء أبانت انعكاساته الإيجابية على الجماهير الشعبية العربية، أم كان على مستوى رفد المقاومة العراقية بزخم وتجديد لحركتها النضالية والجهادية.
ثانياً: على الصعيد العربي وضعت المقاومة معظم حكومات النظام العربي الرسمي أمام أكثر من مأزق ومشكلة. تلك الحكومات التي لم تستفد حتى الآن، بما فيها المؤسسات القومية الرسمية، من تجربة المقاومة العراقية في توظيف وقائع الصراع لمصلحة الأمة العربية، بل راحت تستجيب إلى إملاءات الاحتلال من أجل توفير عوامل حمايته ومساعدته على اجتياز مآزقه. وقد يكون من أهمها استدراج تلك الحكومات إلى إرسال قوات عربية إلى العراق لمساعدة القوات العراقية العميلة في ضرب المقاومة العراقية من جهة، وحماية قوات الاحتلال التي تستعد للانكفاء إلى قواعد عسكرية من جهة أخرى.
وفي المقابل لا يمكن إغفال دور وأهمية بعض جوانب الممانعة التي تظهر في الأفق العربي، السبب الذي عجز لأجله الاحتلال إلى دمجها تماماً في مخططاته. تلك المظاهر، على ضعفها، يمكن البناء عليها في إحداث تراكم ممانع بتشجيعها والعمل على توسيعها وتعميقها، وهي التي نحسب أنها ستتعمق طرداً مع ازدياد تأثير المقاومة في العراق واستمرارها.
ثالثاً: على الصعيد الدولي نقرأ أهمية ما عكسته نضالات المقاومة العراقية وجهادها من تأثير وتداعيات على أكثر من مستوى، يبتدئ في انفراط عقد التحالفات الهشة مع بعض الدول الغربية التي غرَّرت بها الإدارة الأميركية أو أرغمتها على مساندة الاحتلال بالجنود أم بالأموال، فهي قد تناقصت أربع عشر دولة حتى الآن والحبل على جرار الأشهر القادمة. ولن تنتهي بحالة الاستنهاض التي تعم الآن نادي الدول المتضررة من مشروع العولمة الأميركية، خاصة في دول أميركا اللاتينية. فالتداعيات لا شك بأنها ستصيب أيضاً نادي الدول الرأسمالية التي لا تتفق مصالحها مع أمركة العالم.
رابعاً: على صعيد تراكم حالة الرفض والممانعة والمقاومة يشهد العالم اليوم حركة ناشطة وضاغطة على الإدارة الأميركية من قبل العديد من المؤسسات الأهلية والحزبية والقوى والشخصيات والأوساط الثقافية والسياسية. لكنها وإن كانت تقديماتها ونشاطاتها لا تتناسب مع وفرة العطاء والنتائج التي تقدمها المقاومة العراقية لحركتي التحرر العربي والعالمي، إلا أنها مؤهلة لتشد أزرها لتصعيد عطاءاتها بما يتناسب مع جهد المقاومة العراقية، ففيها ما يبشر بأن نشاطاتهما في تصعيد وتصاعد مستمرين.
أما نتائج الحاضر إجمالاً، فتتلخَّص بأن الإدارة الأميركية عرفت كيف تحتل العراق، ولكنها جهلت كيف تخرج. فقد أعماها بريق ثروات العراق وإسقاط نظامه الوطني، الذي أصبحت وطنيته مشهود لها بكل المقاييس، عن رؤية العوامل التي تستثير الشعوب وتجعلها تستشهد من أجل المحافظة عليها. تلك العوامل ممثلة بالدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية مترافقة مع آليات تنفيذها من خلال إستراتيجية الكفاح الشعبي المسلح التي لا تقل أهمية وقوة عن مستوى التكنولوجيا العسكرية المادية، لا بل تفوقها قوة وأهمية. فالذي يقاتل من أجل كرامته هو أكثر إصراراًَ على إحراز النصر على الذي لا تتجاوز قوته سقف الأطماع بالمصالح المادية.
إن قوة الاحتلال الأميركي في العراق تنهار، والضعف ينتابها كل يوم أكثر من اليوم الذي يسبقه. وينحصر اهتمام الاحتلال اليوم بمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعه الأم الذي احتل العراق من أجل تنفيذه بأكمله. فبعد أن كان يحلم بعالم يخضع لمشيئته من دون شريك، فقد تكاثر الشركاء، ليس أولها محاولة تمرد بعض عبيده عليه بتأثير إيراني، أو شراكة نظام الملالي في إيران مستغلاً عملاءه الذين أحرزوا نجاحاً صورياً ملحوظاً في مسرحية الانتخابات الأخيرة، أو انتظار بعض حكومات نادي الدولي الرأسمالية لتنال حصتها لقاء ما قدمته للاحتلال من دعم سياسي، أو اتقاء شر تداعيات ما تحققه المقاومة العراقية على الداخل الأميركي.
كلها عوامل تعمل على إنهاك جسد إدارة جورج بوش، وتؤشر إلى بروز متغيرات إيجابية على مستقبل الصراع بين المقاومة والاحتلال لصالح المقاومة والعراق والأمة العربية.
وختاماً نرى أن الخط البياني لمعادلة الصراع بين المقاومة العراقية والاحتلال الأميركي ابتدأت في المرحلة الأولى للعدوان مائلة لصالح الاحتلال، ولم تمض الأشهر الأولى من العام 2003 حتى اختل التوازن وأخذ يميل لصالح المقاومة، هذا الخلل لا يزال يتعمَّق كلما ازدادت وتائر تأييدها في الشارعين الأميركي والعالمي ومن بعدهما الشارع العربي، وبالتالي كلما اشتد عود المناهضين لأمركة العالم سواءٌ على صعيد الأنظمة أم على صعيد حركات التحرر. وبالنتيجة لا بدَّ من أن تكون عوامل الخلل في موازين الصراع تسير في تصاعدها الكمي، وهي واصلة لا محالة إلى تغيير نوعي ترى إدارة الشر الأميركية نفسها عاجزة عن مواجهة كل مناحي الرفض لاحتلالها العراق، وبها تقفز المقاومة العراقية حتماً إلى احتلال كرسي النصر والتحرير.
فبعد ثلاث سنوات من احتلال العراق، نتوجه بالتحية لصاحبة القرار الشرعي والوحيد، المقاومة الوطنية العراقية:
عاشت المقاومة العراقية ذراعاً أساسياً لحركتي المقاومة العربية والمقاومة العالمية الشاملة. والمجد والخلود لشهدائها، وتحية الإكبار لمجاهديها ومناضليها.
عاش الرئيس صدام حسين شيخ المناضلين والمجاهدين، وعاش رفاقه وكل الأسرى في سجون الاحتلال الأميركي والصهيوني، والحرية القريبة لهم.
عاش العراق حراً أبياً محرراً من الاحتلال الأميركي وعملائه.

ليست هناك تعليقات: