الخميس، فبراير 25، 2010

هل يمكن للمرجعية الشيعية في العراق

-->
هل يمكن للمرجعية الشيعية في العراق
إعادة توحيد الشيعة على أساس وطني؟
في 20/ 5/ 2004م
يستوقفنا في هذه اللحظة الجدل الدائر على الساحة الشيعية في العراق حول الموقف من الحصار الأميركي للعتبات المقدسة، النجف وكربلاء والكوفة.
بداية لا بُدَّ من القول إن العتبات وقعت منذ العشرين من آذار الماضي، إن لم يكن تحت الاحتلال، فأقله تحت الحصار. نقول هذا على الرغم من أن الآخرين يرون عكس ذلك، أو أنهم لا يريدون تصوير الأمر على حقيقته كي لا يقعوا تحت مرمى الإدانة. وإذا كان الله يغفر لهم هذا اللعب على الحقائق فإنه لن يغفر لهم عندما ادَّعوا وروَّجوا، ويدَّعون ويروِّجون، أن العتبات المقدسة قد شملتها نعمة التحرير!! الخاص »بتحرير العراق«!!. وهم إذا كان لهم من اعتراض على الاحتلال فلأنه لم يضع أمن العتبات المقدسة تحت إمرة الأمن الخاص للميليشيات الشيعية، خاصة تلك المرتبطة بمشاريع إقليمية، ليبنوا فيديراليتهم المذهبية الخاصة، ومن بعدها فليشمل العراق الطوفان.
من نافل القول أن نذكِّر الجاهلين، أو المتجاهلين، بحديث الرسول القائل: »ومن مات دون أرضه شهيد «. والموت دون الأرض يعني وقوع الاحتلال. والاحتلال يرتبط حتماً ومن دون أي شك- بعامل خارجي أو بقوة خارجية، وليس على الإطلاق- بعامل داخلي أو قوة داخلية. فالمواطن الذي يغضَّ الطرف وهي أدنى شروط الجريمة- عن إقدام قوة خارجية للدخول إلى الأرض الوطنية فهو مدان ومتواطئ، فكيف يكون الأمر عندما يخطط ويعدُّ العدة مع تلك القوة، ويساعدها على ارتكاب جريمة الاحتلال، بل ويشترك في التنفيذ؟!
وبمثل تلك الفعلة توهَّم المتواطئون أن العتبات المقدَّسة لم تُحتلُّ ولم تُحاصر، بل هي قد تحرَّرت وفيه منتهى السذاجة والقصور عن التفكير. لأن المشروع الأميركي الخبيث يريد أن يبتلع العراق كله، بأهله وثرواته، ومن السذاجة أن يفكر الانفصاليون مذهبيون وعرقيون- أن يوزِّع جورج بوش عليهم قطع جبنة العراق ليبني كل واحد منهم على حصته النظام الذي يحلو له إقامته.
إن من أوصل العتبات المقدسة في جنوب العراق، أو في أي مكان منه، إلى الحالة التي نراها عليه اليوم، هو أطماع وأغراض الحركات الدينية السياسية، وهي لا ترى مصلحة الدين والمؤمنين إلاَّ من خلال أغراضها الضيقة وأهدافها الخاصة.
فليس الملفت للنظر هذه الحقيقة لأنها واضحة لا لبس فيها. أما الملفت للنظر فكان ولا يزال- يتمثَّل في موقف المرجعيات الدينية، وهي التي من واجبها وبحكم موقعها أن تعمل على الفصل الموضوعي بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
لقد كتبنا مقالاً في 29/ 12/ 2003م، تحت عنوان »المرجعية الشيعية في العراق أخذت تفقد أهميتها منذ أن تمزقتها التيارات السياسية الشيعية الأممية«، خاصة تلك التي انحازت كلياً- إلى نصرة مذهبها، أو افتعلت نصرة المذهب، على حساب نصرة وطنها لتحقيق مآرب سياسية خارجية أغدقت عليها عوامل الدعم المادي والعسكري.
وبدخول تلك التيارات تحت راية الاحتلال، وحماية دباباته، راحت تمارس الضغط على المرجعية الشيعية لتحصل على تغطية تغلِّف بها جريمتها، أو على الأقل تمنع الإدانة عن تلك الجريمة. ولما فشلت في الحصول على الغطاء الشرعي اكتفت بالضغط من أجل الحصول على صمت المرجعية، ولهذا كما جاء في مقالنا المذكور- »شكَّلت تلك المواقف ضغطاً على المرجعية الشيعية في النجف، فتأثرت بها مواقفها، فبدا في كثير من الأحيان- وكأن تلك المواقف مشوبة بالغموض والتردد. وهذا ما لم تعان منه تلك المرجعية في أي مرحلة من المراحل. خاصة في كل ما له علاقة بالاحتلال واغتصاب الأرض«.
تزداد مواقف المرجعية الشيعية غموضاً بعد حصار ما يسميه البعض الخطوط الحمراء- فإذا بها متعارضة مع التيار الشيعي الذي يقاتل الاحتلال- تفصح عن موقف وسط ينحاز باتجاه السلبية، عندما يساوي بين خطر الاحتلال وخطر المقاتلين العراقيين الشيعة، فيدعوهما معاً إلى الخروج من النجف.
إن رسالتنا إلى المرجعية الشيعية تستند إلى أن عليها أن تتَّخذ الموقف المبدئي أو الشرعي من دون خوف من لومة لائم. والموقف الشرعي يقوم على قاعدة أن »من مات دون أرضه فهو شهيد«. ولأن المرجعية الشيعية لم تكن واضحة وحاسمة منذ البداية- في اتخاذ فتوى في الجهاد للدفاع عن الأرض والشهادة في سبيلها، أضاعت الكثير من الوقت، وهي اليوم تتحمَّل مسؤولية الضياع الحاصل في الصف الشيعي العراقي إلى الحدود التي ارتفعت فيه أصوات يدل ظاهرها على بداية تجاوز للمرجعية، وقد تتعمق تلك المواقف كلما كان اللا موقف سيد الساحة.
لقد حذَّر مقتدى الصدر، قبل أيام، »فيلق بدر« من القتال إلى جانب الأميركيين. وصرَّح مدير مكتبه في »الناصرية« أن الشيعة في مقاومة الاحتلال- ليسوا بحاجة إلى فتوى للجهاد.
ودعا السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية- قوات الاحتلال الأميركي إلى الخروج من العراق، بعد أن وجد أنه من خلال الحصار المباشر للنجف وكربلاء- قام بإحراج إيران، فلم يعد بمقدورها أن تصمت أو تحاذر النظر إلى ما يجري في العراق.
وكأنها فرزت حصتها في حدود العتبات المقدَّسة دعت إيران شيعة العالم إلى الدفاع عن الخطوط الحمر هناك، وإبعاد قوات الاحتلال إلى خارجها، وكأن احتلال العراق لا يعنيها في شيء. وهذا هو حقيقة موقف النظام فيها، لأنه لو أردوا أن يدرأ خطر »الشيطان الأكبر« عن إيران لكان وقف بشجاعة ضد مبدأ الاحتلال على الأقل- إذا لم يكن المطلوب منهم مقاومته.
وقامت تظاهرات في طهران، أمام السفارة البريطانية، احتجاجاً على حصار العتبات المقدسة في العراق، بعد أن سكتوا على احتلاله طويلاً.
ودعا السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان استجابة للدعوة الإيرانية وحسب شروطها وأغراضها- إلى تظاهرة المساندة للشعب العراقي »المظلوم«. وأسبابه أن الخطوط الحمر بلغت من اللمعان أكثر مما تطيقه قوة الاحتمال في الإحراج الذي سبَّبته له قوات الاحتلال الأميركي.
أما »المجلس الأعلى للثورة الإسلامية« في العراق، بقيادة عبد العزيز الحكيم؛ وكذلك »حزب الدعوة الإسلامي«، بقيادة ابراهيم الجعفري، فدعيا إلى الحوار مع المحتل على قاعدة الابتعاد إلى خارج حدود العتبات المقدسة. وهو الموقف ذاته الذي دعا إليه »الحزب الإسلامي«، بقيادة محسن عبد الحميد لمعالجة حصار الفلوجة. فليس من المستغرب أن تقبل التيارات الدينية السياسية وترضى بقسمة »الوطن« لأنها ليست الأم الحقيقية التي تهب ولدها للأم المزيفة منعاً لتقسيمه بينهما كما حكم القاضي الذكي ليعرف الأم الحقيقية من الأم المزيفة.
وأخيراً طلب آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في النجف، من قوات الاحتلال الأميركي، ومعها على قدم المساواة »جيش المهدي« الخروج من النجف لكي تتجنَّب المدينة الأخطار.
فإذا كان الموقف المبدئي أن تطلب المرجعية الشيعية من قوات الاحتلال الانسحاب من الأرض، فما هو المبرر الذي تطلب فيه من أهل الأرض الخروج منها؟
هنا نرى أن ما تطلبه المرجعية تعبيراً عن مواقف التيارات العميلة للاحتلال- ليس خروج الأهل من النجف، بل المطلوب هو خروج الضمير المقاوم الذي بدأ يولد، (وسوف لن تتأخر تراكماته لكي تشكل قفزة نوعية)، لأنه متى خرج الضمير المقاوم يستطيع المتواطئون مع الاحتلال أن يفصَّلوا قميص العتبات المقدسة كما يشاؤون وكل منهم يريد تفصيله على مقاساته وليس على المقاييس المبدئية العامة. فقد أثبتت التلوينات في المواقف والتواءاتها أن المقصود ليس حماية العتبات المقدسة بل الخروج من السيطرة عليها بالهيمنة بأكثر ما يمكن من المصالح الذاتية.
وهل هذا الموقف إلاَّ شبيه بموقف التيارات الدينية السياسية العراقية سنية وشيعية- التي تساوي بين قوات الاحتلال (على الرغم من أنها دخلت على متن دباباته) والمقاومة العراقية عندما تعتبر أنهما يهددان أمن العراق؟
من خلال استعراض عناوين مواقف القوى الشيعية الفاعلة على الأرض، نرى أن ما يجمعها هو اللا موقف وعدم الوضوح، كما تغلِّفها الكثير من التراجعات التكتيكية في الموقف من الاحتلال والمقاومة. وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أن من يهون عليه تقسيم الوطن بين إثنياته الدينية، يهون عليه تقسيمه بين التيارات التي تنتمي إلى المذهب الواحد. وهو ما تبرهن عليه المواقف المتفاوتة والمتناقضة بين أبناء المذهب الشيعي الواحد حول موضوع العتبات المقدسة.
لقد ضاع الموقف الواحد بين تموجات وتعدديات كان سببها تكاثر المرجعيات الدينية وتضارب مواقفها، وهذا ليس بالغريب ولا المستهجن، فإن تعدد المصالح والمآرب الفئوية ولَّدت تعددية في المرجعيات، ولن يجمعها أي شيء إلاَّ العودة إلى تحكيم المبادئ الموضوعية والقيم السامية تحت ظل المرجعية الأم.
حتى وإن كانت تلك المبادئ من الصنف التي يحفظها الإنسان عن ظهر قلب، يمكننا أن نضيف تكراراً آخر، والمقصود منه البناء عليه لتشكيل دعوة تساعد المرجعية الشيعية العراقية، وليس غيرها، إلى إعادة تشكيل الموقف الواحد مما يجري على أرض العراق.
أولاً: إن الدفاع عن الأرض الوطنية قيمة عليا. تتوحَّد حوله الدعوات الدينية والمدنية، على قاعدة أن احتلال أي شبر من الأرض هو احتلال للأرض كلها. وعلى كل المواطنين أن يشاركوا على قدم المساواة- في تحرير ذلك الشبر.
ثانياً: لا يجوز أن ينتظر أحد للدفاع عن أرضه قراراً بالقتال أو فتوى بالجهاد. فالدفاع عن القيم العليا والجهاد من أجلها لا يحتاج إلى قرار رسمي أو فتوى.
ثالثاً: كل من يطلق رصاصة ضد الاحتلال في أي زمان أو مكان- هو مقاوم وعمله مشروع مهما كان انتماؤه الديني أو السياسي. أما من لا يمتلك الرصاصة فعليه أن يرفض الاحتلال بقلبه أو لسانه أو تعبير عيونه، انتظاراً للحصول على عدة القتال العسكرية. ومن لم يستطع القتال فعليه أن يسهم في تأمين الرصاصة للمقاتلين. أو تسهيل حركتهم وإيوائهم. ومن لم يستطع فعل أي مما ذكرنا فعليه أن يمنع الوشاية بهم للعدو المحتل.
رابعاً: كل العراقيين المشاركين في الاحتلال بالدعوة أو التخطيط أو التنفيذ أو التعامل في حفظ أمن قواته والتغطية على نهبه الثروات والتعمية السياسية عن أهدافه، أو الداعين للحوار معه على قاعدة الوهم بأنه سيتسجيب لتسليمهم السيادة، أصبحوا من المدانين بصدقيتهم ومصداقيتهم، خاصة أولئك الذين احتلوا المناصب والمواقع والكراسي، وأولئك الذين راحوا يقتلون أبناء وطنهم، أو تسليمهم للمحتلين، تحت ذريعة أنهم يقاومون الاحتلال أو يرفضونه.
خامساً: أما الذين شرَّعوا وسيلة الحوار مع الاحتلال على غير قاعدة »التفاوض من أجل خروج آخر جندي للاحتلال فوراً« فهم فقدوا المصداقية عندما غلَّبوا التكتيكي على الاستراتيجي، أي المصلحي على المبدئي، أي ما هو مخالف لمبادئ الشرع على المبادئ الشرعية الأساسية- في إعطاء رأي سليم وصادق يصب في مصلحة توحيد الموقف والرؤية، اللهم إلاَّ إذا نقدوا مواقفهم السابقة وتراجعوا عنها وتابوا إلى ضمائرهم، تلك المواقف التي لم تكن تستند إلى عمق شرعي ومبدأي وقانوني.
سادساً: أما المستفيدون من إغراءات الإسناد الذي قدَّمته لهم بعض الجهات المساندة للاحتلال بشكل أو بآخر- فليسوا فأصبحوا من المشكوك في نزاهتهم وفي شهادتهم وتحكيمهم، إلاَّ إذا أثبتوا أنهم اكتشفوا خطأهم، وأن مواقفهم لا تلوثها الغايات الشخصية والانتهازية من أموال أو مناصب أو خدمة لأغراض خارجية مهما كانت أسبابها أو دوافعها.
سابعاً: أن يثبت الذين عليهم أن ينخرطوا في ورشة توحيد الموقف أنه ليس لديهم دوافع فئوية، مذهبية أو عرقية، بل دوافع وطنية سليمة.
لهذا لن يصل الشيعة، باستثناء الذين يكيلون المواقف على قواعد وطنية جامعة، إلى وحدة في الموقف، إذا ما ظلَّت دوافع تياراتهم تتشرذم لصالح هذه أو تلك من القوى التي تدفع الإسناد من أجل الحصول على فوائد وعائدات تفوق كثيراً ما تدفعه.
وفوق ذلك كله، ولأن المرجعية هي المنزَّهة عن الأغراض والأوطار، عليها أن تخرج من موقف اللاموقف، وتشهر سيف المبدأ كمكيال تقيس عليه أحكامها ومواقفها. فالوطن العراقي واقع تحت الاحتلال، فمن غير المنطق أن نصوِّر للرأي العام وكأنَّ المدن المقدسة ليست محتلَّة طالما ليست قوات الاحتلال موجودة في داخلها. ومن الخطل أن نصوِّر أن العتبات المقدسة خط أحمر بينما الاحتلال تجاوز كل الخطوط الحمر القانونية والشرعية والأخلاقية عندما استباح الوطن من أقصاه إلى أقصاه.
من غير المنطقي أن ندعو من يطلق الرصاصة على الاحتلال إلى الخروج منها في الوقت الذي لا نرشق فيه معاونوه وحماة أمنه بوردة. أو هل يتوهَّم الداعون إلى التهدئة غير أن العتبات المقدَّسة قد دنسها الاحتلال منذ أن وطأت قدماه »أم قصر«؟
فإذا كانت غيرة الداعين إلى التهدئة قد ثارت عندما شعروا بأن سلامتهم الشخصية قد أصبحت مهدَّدة فكيف يمكنهم أن يتولوا شؤون السلامة العامة؟ وهل من المنطقي أن تلوم من يدافع عن أرضه بينما المتآمر عليها يبقى بمنجى عن لومة اللائمين؟

ليست هناك تعليقات: