الخميس، فبراير 25، 2010

في وجه حاكم مأفون لا بُدَّ من صرخة جنون

-->
في وجه حاكم مأفون
لا بُدَّ من صرخة جنون
يطالعنا من فترة لأخرى أحد أركان إدارة جورج بوش بأكاذيب من هنا وتهديدات من هناك. ويعزف على أوتارهم بوق من هنا أو بوق من هناك، (ويؤلمنا أن يكون من بينها أبواق عربية الهوية).
تمرِّر شاشات التلفزة، وأحياناً بخجل أو تسلل، مشاهد الدمار والفقر والقتل والاعتقال لعراقيين وعراقيات، لأطفال منهم وطفلات، ويضعها جورج بوش في مستند الخسائر الموظَّفة كثمن لديموقراطيته.
تحكي مانشيتات التلفزة، في كثير من الأحيان، عن عملية فدائية ضد المحتل الأميركي فإذا الذين قُتلوا أو جرحوا هم من العراقيين المدنيين،
يسقط جندي أميركي، أو جندي بريطاني، أو جندي من دول التخاذل والجبانة، على أرض العراق، فيتحول قاتلهم إلى إرهابي،
يهدِّم الجندي المحتل كل ما بناه نظام البعث، فيهتف جورج بوش وطوني بلير وأزنار والرئيس البولندي والرئيس الأوسترالي والرئيس الياباني، ومن جرَّ جرَّهم من عملاء (رسميين وإعلاميين وديبلوماسيين، من أجانب وعرب، ويعقدون مؤتمرات، وندوات، ويتزاحمون ويتنافسون، ويتقاتلون، ويتهم بعضهم البعض الآخر، حول من منهم أكثر إنسانية في المشاركة في إعادة إعمار العراق!!!). فيا لخزيهم، ويا لعارهم، ويا لبؤسهم، ويا لكذبهم، فقد أعمتهم بضعة عقود، لا تسمن من جوع ولا تفك حاجة، لأن هاليبرتون (بوش وديك تشيني ورامسفيلد) قد احتكرت كل العقود.
أما ما يثير الجنون هو أن الذي هدَّم ليس إلاَّ آلة بوش الجهنمية. والمثير فيه أنه يدعو الآخرين إلى ما هدَّمه صدام حسين!!. أما كيف؟ فهو المضحك والمبكي معاً، لأن الذين يصفقون لبوش، من التجار والمقاولين العرب الذين أعطاهم صدام حسين ميزة الأولوية في إعمار ما هدمه الأب في العام 1991، وما تابعه فيه بيل كلينتون حتى تاريخ انتهاء ولايته. ومن بعدهما دمَّر بوش ما عمَّره صدام حسين. ودعا بوش كرشوة هزيلة من فتات ما تبقَّى من عقود احتكرتها شركة هاليبرتون- لتسوير اللص الأميركي بحماية سياسية.
يا لعارهم، ويا لبؤسهم، خاصة أولئك الذين يحملون الجنسية العربية، من الذين لا يرون الحقيقة إلاَّ من جيوبهم. إنهم أجبن حتى من أن يكونوا تجاراً، وأغبى من أن يكونوا سياسيين.
لقد احتل المغول من »العرق الأبيض الأميركي« العراق، واخترقوا حصانة البيوت العراقية، وروَّعوا نساءه وأطفاله، ولم يتركوا باباً محصناً إلاَّ وخلعوه ببساطيرهم
هدموا أسس الدولة العراقية، سطوا على دستور العراق وأسروا حكومته الشرعية، وأتوا بكل خائن لوطنه، سواء ممن ادَّعوا أنهم لم ينالوا من كعكة العراق في عهد الرئيس صدام حسين، أو ممن لم تطأ أقدامهم أرض العراق منذ ما قبل ثورة تموز.
قاموا بحل الجيش الشرعي، والأجهزة الأمنية، التي كأن صدام حسين وحده من بين كل دول العالم هو الذي ابتكر صيغة الأجهزة الأمنية، وأتوا بكل أنواع المجرمين المدربين على السرقة والنهب والقتل والاغتيال وممارسة أقذر أنواع المخابرات، ونصبُّوهم أولياء الشعب العراقي.
طهَّروا كل أجهزة الدولة بما فيها الجامعات والمدارس العراقية- من موظفيها، فشردوا الملايين من العراقيين، وتركوهم نهباً للفقر والعوز والحاجة
باسم احتكار تصنيع الديموقراطية وتصديرها صنَّعوا أدواتهم في العراق، يسرحون ويمرحون وينفِّذون أوامر تطهير المجتمع العراقي من كل مَعْلَمٍ من معالم التقدم والحضارة فيه، ومن كل مَعْلَمٍ من معالم الشرف الوطني والكرامة الإنسانية، وراحوا يحملون قمصان بعض من ادَّعوا بأنهم كانوا من المظلومين والمعتقلين والمحرومين والمكسورة أرجلهم أو أيديهم في أقبية مخابرات صدام حسين، فإذا بالذين يتباكون كانوا يتدرَّبون في معامل مخابرات جورج بوش وطوني بلير والصهيوني شارون. وكثيرون منهم تجاوزت مدد غيابهم عن العراق عمر ثورة 17 30 تموز. كما أن أكثر المحررين من العراقيين، من أزلام بول بريمر، من القتلة واللصوص والذين خانوا وطنهم أو من الذين يتاجرون باسم طوائفهم أو جنسياتهم.
باسم الديموقراطية يتلذَّذ جورج بوش بإطلاق الكذبة وراء الأخرى، ودليله الدائم »إكذب ثم إكذب حتى تصدَّق نفسك«، أو لم تصل حدود الكذب عند وزير دفاعه إلى درجة كان يرتبك فيها أمام سؤال مفاجئ لم تكن أجهزة المخابرات قد لقنته الجواب المناسب عليه؟ أوَ لم يفز بجائزة »حذاء في الفم« لأفضل جواب غير مفهوم؟
ليس دونالد رامسفيلد هو الوحيد الذي يستحق الجائزة، بل منهج الأكاذيب والتستر عليها وتجاهلها أو عدم التقاطها، هو الذي يستحقها بامتياز، ومنه يتم توزيعها على كل المصدقين والمتجاهلين والمروِّجين والخائفين والمتواطئين والدافنين رؤوسهم في الرمال.
تعالوا يا أصحاب البصيرة والعقل من العرب، لنقدِّم حساباً عن سنة مضت من عمر الاحتلال في العراق (قصَّر الله بعمره، ولا أطال الله بأعماركم، ولا أمدَّكم بالبصيرة، لأنكم لوثة على الإنسانية):
كلَّما قلنا هو احتلال تقولون تحالف.
وكلَّما قلنا: إن الذين قاموا باحتلال العراق كذابون، قلتم: »إلحق الكذاب على باب داره«.
وكلَّما قلنا إن جورج بوش قام باحتلال العراق من أجل نفطه، قلتم بل لأن صدام حسين ديكتاتور!!.
وكلما قلنا: إن آخر هموم جورج بوش هي الديموقراطية في العراق، قلتم حتى لو كان ذلك صحيحاً فإن على رأس مهماتنا أن نجلد صدام حسين على خلفية اتهامه بالديكتاتورية. وكلما قلنا: اتركوا الثانوي لمواجهة الاستراتيجي، قلتم بل مهر العراق المعجَّل أن يقوم صدام حسين بنقد نفسه.
وإذا قلنا إن صدام حسين هو في خندق الثورة، أو في الأسر، ولا يمكنه أن يعقد مؤتمراً نقدياً، قالوا ولو كان.
ألا تستفز العاقل ديموقراطية »عنزة ولو طارت؟
بالأمس ضغط العرب (رؤوس في أنظمتهم، ومرؤوسين في دوائرهم، إعلاميون في منابرهم، ومثقفون في مقاهيهم، وأغبياء في عقولهم، ومأفونون متعصبون في أحكامهم) على العراق لتدمير أسلحة الدمار الشامل (وعلى الرغم من الاستغراب أن يطلب عربي تدمير سلاح من إنتاج عربي، ويسكت على ترسانة أميركا -بل و»إسرائيل«- وكأنه حق مشروع لهما)، فيقول العراق إنه دمَّرها (لسحب ذريعة العدوان ليس من أميركا بل من أبناء القوم والبيت، من أبناء العمومة والخؤولة)، فيجيبون عليك أن تدمَّرها لندافع عنك!!!
استجدى (أولئك المذكورين بين قوسين جميعهم) صدام حسين ليستقيل من مسؤولية الحكم في بلاده كثمن إنقاذ للعراق (إستمعوا إلى معزوفة جورج بوش المشروخة)، ولما أجابهم صدام حسين إنه لن يفعلها لأنه سيكون كمن يبيع حرية قرار الشعوب في تقرير مصيرها لحاكم أميركي مأفون، وكمن يبيع الكرامة والشرف الوطني لكل مجنون مأفون يطلب التمتع بقرار أي بلد تختاره نزواته وبثرواتها. قالوا »إن اليد التي لا تستطيع كسرها، قبِّلها وادع عليها بالكسر!!!
ألا يحق لمن يسمع ويرى منطق »عنزة ولو طارت«، أن يكون مجنوناً ليقول: إن من حق العاقل أن يكون مجنوناً بمواصفاته الخاصة، خير له من أن يكون عاقلاً بين مجانين لا يدرون أنهم مجانين؟
على من تقرأ أكاذيبك يا جورج بوش؟
لست ديموقراطياً على الإطلاق، ولا تعني لك الديموقراطية إلاَّ ما تملأ به جيوبك وجيوب أبيك، وجيوب أمك، (التي لا تريد أن تشوِّه صباحها بتعداد الجنود الأميركيين الذين يُقتلون في العراق، بل هي تطرب لسماع كم حصَّل زوجها من أرباح تهريب النفط العراقي)، وجيوب نائبك، ووزرائك، وكل الذين اختاروا التطرف معك كأفضل طريق لتغليف النهب والسرقة والسطو والتشبيح والضغط على الخصوم والاصدقاء وعلى القوي والضعيف.
إنك ومن معك في الإدارة الأميركية أو المصانع الكبرى أو المؤمنين بمعركة هرمجدون الفاصلة بين الخير والشر، أو الصهاينة الذين رشوا يهودا الاسخريوطي لبيع السيد المسيح بثلاثين من الفضة. إنك التاجر الفاجر العاهر النبي الكذاب (الذي سيسقط رأسه كرأس للشر- في المعركة الدائرة الآن بين قوى الخير وقوى الشر). وإن القوادين الذين يسايرونك ويجاملونك ويمسحون جوخك ويتلمسون قراراً منك تزيد فيها رشوتهم، ينتظرون على بوابة الماخور الذي يشرف عليه نائبك، ويحميه وزير دفاعك، ويقوم بتسويقه وتحسين شروط الإعلان عنه وزير خارجيتك.
كلكم، متعاونون متآمرون، شاطرون في التجارة، ماهرون في تسويق أسوأ السلع بأفضل الأكاذيب. وأشك أن يكون حلفاؤك على شتى المستويات: عراقياً وعربياً ودولياً- من الأغبياء أو الذين لا يعرفون حقيقة دورك، الذي تمثله باسم أحقر تحالف في التاريخ وأقذره، بما احتوى من أصناف اليمين الأميركي والمسيحي والصهيوني.
على من تقرأ أكاذيبك يا جورج بوش؟
هل صدقاً إن العالم اليوم أفضل من دون صدام (هسين)؟ وهل صدقاً إن العالم هو الأفضل بوجود جورج دبليو؟
تلك كذبتك الكبرى، التي ينخدع بها إما الجهلة من شعبنا العربي أو المتعصبون الذين يرون فيك، لحقدهم (والحقد طريق التهلكة للذات وللآخر)، النبي المنقذ (شاؤوا أم أبوا). فأما من يؤمنون بك لمصلحة تجارية، أو لكسب مادي مهما كان وضيعاً وملوَّثاً، وأياً كان مصدر تلويثه، فهم الصادقون لما يؤمنون به. أما الطامة الكبرى، أيها النبي المكذاب (الذي يُكثر من تصنيع الكذب) فهو موقف من لبسوا العمائم ووضعوها ليروِّجوا بواسطتها أكاذيبك (وليراجع أصحاب العمائم طريقة تصنيعك على أيدي المتطرفين المسيحيين المنبوذين من كنائسهم). إنها وسيلة خادعة في ترويج تجارتهم (البعض منهم طامع بمنصب سياسي، والبعض الآخر طامع بتعزيز تجارته، والبعض الثالث طامع بتراكم رساميله). إنهم لا علاقة للدين بمواقفهم (بل يستغلُّون الدين والمذهب والأخلاق بين وسط ساذج جاهل مؤيد لهم ومخدوع بهم). أو ليخجلوا أقله- بالشكل عندما يبشرون ويضغطون من أجل نص دستوري للعراق يكون مصدره التشريعات الدينية. فهم »يتباهلون« أمام أنفسهم لأنهم واعون ما يفعلون، وإنما »يستبهلون« قواعدهم المذهبية التي »سربلوها« بالسطحية والسذاجة والطيبة، وفي أحيان كثيرة بالجهل والأمية والحقد الأعمى (لا تؤاخذونا فنحن في لحظة من لحظات الجنون).
وهل في الإمكان أمام كل تلك المشاهد إلاَّ القول: ما أحلى الجنون.
ولأن جورج دبليو، مكذاب (بشهادات بني جلدته ووطنه، وبشهادات الأميركيين قبل غيرهم)، وهو مأمور وآمر، طرطور وحاكم (هكذا هو ترتيب المواقع في داخل العصابات والمافيات)، ولأن بني جلدتنا ووطننا مبهورون بحذاقته ومهارته وشطارته وعصاه الغليظة، راكعون أمام مصانع مخابراته لعلَّهم يحظون بمنحة أو هبة أو عقد مزيَّف ليأكلوا بأثدائهم (تموت الحرة ولا تأكل بثدييها)، لأنهم ليسوا أحراراً، ولو كانوا كذلك لما فعلوها، بل لكانوا رشقوا الزناة من أبناء قوميتهم وأوطانهم بالصخور وليس فقط بحجر واحد. فلا تغفر لهم يا أبتاه لأنهم عالمون ماذا يفعلون.
في مواجهة ما يحصل من تزوير للحقائق، ومن طلاق مع الكلمة الحكيمة في بيئة يسيطر عليها »منطق اللامعقول«، من الخطأ أن تواجه جنون جورج بوش بالكلمة الحسنة، ومن الخطأ أن تضيَّع الوقت بكلمة عاقلة. فأحسن الدواء (وهو مثبت علمياً) الصدمة الكهربائية، أو أحياناً الصفعة القوية لتلجم حالة الهستيريا التي تصيب المجنون. وأنت مضطر لأن تكون مجنوناً، وكلمتك مجنونة، وصفعتك للمجنون مجنونة. وإلاَّ فسوف ترى نفسك العاقل الوحيد بين مجموعة من المجانين تستغفلك، وتستغل تهذيبك، لتزيد من جنونها عندما تجده مجزياً ومربحاً.
يعيش جورج دبليو الآن، حالة من الهيستيريا في أعلى درجاتها، إلاَّ أنه لم تقبض عليه شرطة المجانين وهو ما زال فالتاً. أما السبب فلأن إدارة المارستان تخضع لمجانين أصحاب إيديولوجيا »القرن الأميركي الجديد« وهم بالذات بحاجة إلى العلاج مثلهم مثل رئيسهم. وهم قد يضحُّون به وبالأكثرية ممن يغامرون بتطبيق نظرية »القرن« إذا ما اكتشفوا أن العالم أخذ يعي حقيقة جنونهم.
أما العالم الواعي لفلتة الجنون الأميركي، الجزء من العالم الذي لم يكن بالقوة التي يستطيع فيها أن يحِدَّ من هياج »الثور الأميركي« الجامح، أخذ يمتلك بعض القوة التي تؤهله لصناعة »مطرقة حديدية« تسهم في تكسير صلابة »قرن جورج بوش«، وتقوده إلى مستشفيات حالات الجنون المستعصية. ولكن لا يمكن أن تستأصل مرض الجنون الأميركي إلاَّ »باجتثاث أصحاب القرن الأميركي الجديد« واستئصال فلسفتهم من مناهج التعليم الأميركية المقروأة والمسموعة والمرئية. أوَ هل هناك من مساعد ومعين؟
بلى أيها العاقلون والحكماء، من أبناء شعبنا العربي. أيها المسؤولون في نظامنا الرسمي العربي. هناك من نفتخر بجنونهم الثوري، وجنونهم بالدفاع عن شرفهم وكرامتهم (وكرامتنا في البداية) وكرامة (الحكماء والمتعقلين من أبناء شعبنا). نعم هناك من نفتخر بهم وهم، كل من حمل بندقية أو متفجرة أو صاروخاً ليصطاد آلية محتلة أو روحاً لمحتل.
لن يوقف جموح هذا الثور المأفون المجنون الهائج إلاَّ مطرقة المقاومة الوطنية العراقية لتكسر »قرنه« و»قرون الخيانة« للذين لا يدرون (خاصة من العراقيين ومن العرب) كم طالت قرونهم، من كثرة ما زنى عدو البشرية، جورج بوش وإدارته، بالشرف الوطني والقومي على مسمع منهم ومرأى؛ وتشجيع له وتمسيح لجوخ سرواله.
وكل صرخة جنون وأنتم بخير. ولعلَّ كلمة العقل لا تسجِّل علينا تلك اللحظة التي أحببنا فيها أن نصرخ من شدة ألمنا، وفي الوقت الذي يستحيل فيه أن تستخدم كلمة العقل. وفي الوقت الذي لا تتحمل فيه شدة الوجع كلمة تهذيب أو المغلَّفة بالتهذيب.

ليست هناك تعليقات: