الخميس، فبراير 25، 2010

موقع القضية العراقية الراهن واحتمالات المستقبل

-->
موقع القضية العراقية الراهن
واحتمالات المستقبل
تموز 2004
منذ احتلال بغداد في التاسع من نيسان من العام 2004م حتى الآن، أي مرحلة ما بعد نقل السيادة الصورية إلى العراقيين، حصلت عدة من التطورات والتداعيات على غاية من الأهمية، تلك التي من خلال تشخيصها تساعدنا على وضع صورة لاحتمالات ما سوف تصل إليه تطورات الوضع لمستقبل القضية العراقية:
إن الثوابت هي التي تحدد صورة المستقبل، ولن يكون غيرها الراسم لتلك الصورة. إن ثوابت المشروع الأميركي الخبيث لم تتغيَّر وإنما وسائل تحقيقها هي التي تخضع لمتغيرات ووسائل جديدة بشكل دائم. أما المشروع المقابل الموضوع في المواجهة فهو مشروع المقاومة العراقية. هذا المشروع أصبح بغاية من الثبات مما لا يدع المشروع الآخر يستقر على أرض العراق، ومن مظاهر ثبات المشروع المقاوم هي التالية:
1-انطلاقة المقاومة الوطنية العراقية: بعد التاسع من نيسان من العام 2003م، أي بعد احتلال بغداد، كانت المفاجأة التي أذهلت كل المراقبين بعد أن كانوا قد استكانوا إلى نتائج الحرب النظامية النظامية، هو انتقال الصراع إلى حرب مواجهة أخرى بأسلوب آخر كانت قيادة الحزب والسلطة في العراق قد أعدَّت موجباتها وآلياتها التفصيلية. وكانت من أهم أسسها الاستفادة من عوامل القوة في الطاقات الثورية التي يختزنها حزب البعث العربي الاشتراكي التي تستند إلى استراتيجيته في مقاومة كل مظاهر الاحتلال الأجنبي للأرض العربية. وكان الحزب قد استفاد من تجربة الحرب العربية الصهيونية في العام 1948م. منذ تلك المحطة التاريخية أعلن الحزب استراتيجيته القائمة على توظيف الجهود الشعبية في المقاومة. وتعلَّم من تجاربه الميدانية في كل من القضيتين الفلسطينية واللبنانية.
يكفي الإشارة إلى أن نتائج تلك الاستراتيجية قد وضعت أكثر الدول الكبرى قوة عسكرية وتكنولوجية في مأزق حقيقي. بحيث لم تكتمل مدة الشهر الواحد على الاحتلال إلاَّ وأخذت المقاومة تلفت نظر قوات الاحتلال إلى أن الحرب لم تنته في التاسع من نيسان وإنما هي مستمرة وتظهر أكثر إيذاءً من الحرب النظامية، واستمرت التداعيات على إيذاء قوات الاحتلال التي تصاعدت بشكل ملفت للنظر بما لم يسمح لقوات الاحتلال مجالاً لإخفاء قوة تأثير المقاومة العراقية ومنعه من تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية. فتغيَّرت وسائل قمعها وأساليبه في احتوائها لكن من دون فائدة. ووصلت أوهامه إلى الحدود التي ظنَّ أنه بأسر قيادة الحزب والسلطة سيؤثر على أداء المقاومة والحد من تصاعدها. فأسر الجميع وكان آخرهم الرئيس صدام حسين.
2-أسر الرئيس صدام حسين: بعد الرابع عشر من كانون الأول من العام 2003م، أي بعد أسر الرئيس توهَّم العدو مرة أخرى أنه حقَّق أغراضه وأصبح قاب قوسين أو أدنى من احتواء المقاومة من خلال أسر قائدها. لكنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن الذين خططوا للمقاومة الشعبية قد وضعوا في حساباتهم أن القيادة الظاهرة قد تتعرَّض للشهادة أو الأسر، فكانت قد وضعت البدائل لمثل تلك الاحتمالات. ولم تمر أيام حتى تأكد العدو المحتل أن أسر الرئيس لن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على أداء المقاومة وإنما العكس هو الذي حصل من خلال تصاعد العمليات العسكرية كماً ونوعاً. وهكذا تهاوت أوهام الاحتلال مرة أخرى فراح يشدد قبضته لعلَّ وعسى، وكان الرد دائماً من قبل المقاومة هو المزيد من إثخان العدو بالجرحى والقتلى في صفوفه. والمزيد من توجيه الضربات إلى مفاصل البنى الاقتصادية التي ترى أن الاحتلال لم يكن ليحصل لولا الطمع في الاستفادة منها.
3-نقل السيادة الصورية لعملاء الاحتلال من العراقيين: بعد الثلاثين من حزيران من العام 2004م، وهرباً من قلب المعركة أولاً، واستجداءً للدول التي تطمع الإدارة الأميركية في استدراجها للمساعدة في احتواء المقاومة العراقية ثانياً، قرَّر أركانها اللجوء إلى وسيلة من وسائل خداع الرأيين العام الأميركي والعالمي الضاغط باتجاه الحصول على إجماع دولي في احتلال العراق وتحمل جزء من الجهدين العسكري والمالي، إلى تمثيل مسرحية جديدة فكانت تمثيلية »نقل السيادة إلى العراقيين«. وبمثلها توهَّمت الإدارة الأميركية أنها ستفلح بالإفلات من مأزقها. وخاب ظنها للمرة المفصلية الثالثة والسبب أن المقاومة العراقية ظلَّت مستمرة في أدائها، فراح الاحتلال ونوابه يصرخان هذه المرة معاً. إذ تركَّزت وسائل المقاومة على تهديم ما كانت الحكومة الصورية العميلة تبنيه من أدوات أمنية وعسكرية وسياسية.
وبتجاوز المقاومة العراقية كل تلك العوائق يدل على أنها أصبحت من الثوابت التي يصعب على الاحتلال، مهما تغيرت وسائل وأساليب احتوائها والتأثير عليها، من جعلها تتراجع عن أهدافها. وإذا كنا نريد أن نستشرف آفاق مستقبل الصراع بين الاحتلال والمقاومة فلا يمكن أن تكون الاحتمالات قريبة من المصداقية دون أن نضع أداء المقاومة في المقام الأول. ففي قوتِّها وتصاعدها تميل الاحتمالات إلى نتيجة طرد الاحتلال بشكل أو بآخر، بهزيمة أو بتفاوض حول الانسحاب؛ وبضعفها تمكين للاحتلال من الاستقرار العسكري المباشر، وهو ما يؤدي بالتالي إلى تسهيل تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية التي من أجلها قرَّر احتلال العراق.
ثلاثة مفاصل تاريخية أثبتت عدداً من الحقائق والأوهام:
وهم الاحتلال وعملائه بإعلان التاسع من نيسان عيداً وطنياً، وحقيقة فرض المقاومة العراقية نفسها قوة حطمت حلم الاحتلال وأوهامه.
وهم الاحتلال وعملائه بإعلان الرابع عشر من كانون الأول عيداً تم القضاء فيه على آخر معالم السيادة الوطنية بأسر الرئيس صدام حسين، وحقيقة إعلان المقاومة أن العراقيين كلهم صدام حسين واستمرت في أدائها الرائع لتكريس جماعية مفهوم السيادة الوطنية.
وهم الاحتلال في الثلاثين من حزيران بأن يقتتل العراقيون بين عميل للاحتلال ومقاوم في صفوف المقاومة بتسليم صوري للسلطة إلى العملاء، وحقيقة استكمال المقاومة مهماتها الاستراتيجية في تحرير العراق من الاحتلال وعملائه معاً.
من مقدمات التحليل يتأكَّد لنا وجود ثابتين:
الأول: المقاومة التي استقر الوضع لها في منع الاحتلال من تحقيق أهدافه ومن الصعوبة بمكان أن نضع احتمال تراجعها في كل الحسابات.
والثاني:الاحتلال بثوابت مشروعه التي تخلخلت مفاصلها بفعل ضربات المقاومة؛ والتي تعني للإدارة الأميركية أنها لن تبقى ثابتة في مواقفها من أجل تحقيق أهدافها بعد الخسائر الكبيرة التي تدفعها من دم الجنود وأموال المكلَّف الأميركي.
من ثبات المقاومة العراقية، ومن المتغيرات المفروضة على ثوابت المشروع الأميركي، تصبح صورة مستقبل الصراع أكثر وضوحاً، وتتلخَّص في انتصار مشروع المقاومة العراقية من جهة واندحار المشروع الأميركي الصهيوني من جهة أخرى.

ليست هناك تعليقات: