الخميس، فبراير 25، 2010

هل لخطاب الغضب مكان في الإعلام؟

-->
هل لخطاب الغضب مكان في الإعلام؟
27/ 11/ 2004م
في أحيان كثيرة تساورنا هواجس الوقوع في أخطاء تكتيكية أو استراتيجية في شكل الخطاب أو مضمونه حينما نتناول موضوعة الاحتلال الأجنبي لبلادنا. أو حينما نريد أن نسهم في حملة إعلامية تساعد مقاومة الاحتلال في مهمتها.
من القواعد الثابتة في الإعلام أن يتميز بإبراز الحقيقة لدحض مزاعم القوات المحتلة بالحجة والواقعة والبرهان والدليل. وتلك من أواليات التدليل على وعي حقوقنا من جهة، ومخاطبة الرأي العام من أجل إقناعه بالحقيقة الموضوعية من جهة أخرى.
ولكن تواجهنا في أحيان كثيرة وسائل التزوير والكذب والدجل في الخطاب الذي تستخدمه قوات الاحتلال لإقناع الرأي العام بشرعية ما تقوم به في البلد الذي قامت باحتلاله. تلك الوسائل التي –باستمرار استخدامها عن سابق تصميم- لا بدَّ من أنها تثير الاشمئزاز ثم الاستفزاز بما لا يدع للوقار مكان في خطاب الرد عليها.
وهنا يرتفع السؤال: هل يكون الوقار هو الفاصل والحكم في المخاطبة بين الاحتلال والمدافعين عن الأرض الخاضعة للاحتلال؟
تلك هي الحكاية التي تدور أحداثها على أرض العراق. ومنها تساورنا الكثير من الهواجس، وبالتالي الرغبة في مجافاة الوقار وتطليقه –أحياناً- واستخدام قاموس من المصطلحات التي تليق بالكَذَبَة والمحتالين وأرباب الدجل والتزوير من مسؤولي الإدارة الأميركية والبريطانية والصهيونية، وكل من لفَّ لفَّهم ممن ينتسبون زوراً لهذه الأمة على الصعيدين الوطني والقومي.
إن صانعي القرار في إدارة جورج بوش، الرئيس – الواجهة، في زمرة أصحاب «القرن الأميركي الجديد» لن يستطيعوا الحصول على شرعية ما يقومون به إلاَّ بالكذب والدجل والتزوير. ألم تنص تعليماتهم إلى مرؤوسيهم على الوصية التالية «إكذب، واستمر بالكذب حتى يصبح الكذب صدقاً»؟
لم يستطع مناوئو أصحاب ذلك المشروع، أميركيين وبريطانيين، أن يحافظوا على أعصابهم دوماً، على الرغم من أنهم على مقدار من الموضوعية والوقار، بل راحوا يطلقون عليهم سيلاً من الشتائم بنعوت وأوصاف.
لماذا فعل أولئك ما فعلوا؟
نحسب، جواباً على التساؤل، أن الرزانة والهدوء والموضوعية ليست مسموحة في مواجهة المجرم والكذاب والمحتال وعاشق التزوير، بل لا بدَّ من أن تقول للمجرم «أنت مجرم»، وللكذاب «أنت كذاب».
صحيح أن البرهان على الجريمة هو خطوة أولى على طريق التشنيع بالمجرم، ولكن علينا أن لا نستنكر التشنيع به تحت حجة المحافظة على الموضوعية، بل إن الموضوعية لا تنفي أو لا تنزعج من التشنيع طالما أن التهمة أصبحت ثابتة وعليها أكثر من دليل أو برهان. وهنا تصبح الشتيمة عاملاً من عوامل الموضوعية.
فدعوني الآن أشتم وأخرج عن خط الوقار من فترة إلى أخرى. لأن المواجهة مع السفيه بمصطلحات السفاهة تصبح واجباً نؤديه في مقاومة إدارة الكذب والتزوير الساكنة في البيت الأبيض.
وأنا شاخص أمام الشاشة الصغيرة، أو أمام التقارير الإخبارية المصورة، لأرى المناظر التي تقشعر أمامها الأبدان وتنفعل أمام رؤيتها أكثر الأعصاب برودة لا يمكنني أن آتي بالحجة والبرهان لأبقى هادئاً ساكناً ساكتاً من دون أن تستثير غضبي لأجرَّد زوجة جورج بوش من ثيابها لتستعرضها العيون كما تستعرض نساء فلسطين والعراق.
لا أستطيع أن أرى أطفال الفلوجة وكل أطفال العراق جثثاً تنتشر في الشوارع التي امتلأت بركام بيوتهم، ليحسبهم جورج بوش من «المتمردين» أو «الإرهابيين»... من دون أن تنتابني رغبة في أن أرى أطفال جورج بوش وطوني بلير... وهم تنهمر دموعهم على التشنيع بجثة والدهم.
لا أستطيع أن أرى أطفال فلسطين المذبوحين برصاص الحضارة «الصهيونية - الأميركية»، ونعوش الشهداء في فلسطين الذين ذبحتهم رصاصة رحمة بني صهيون، من دون أن أغضب –حتى الحقد- على شارون وأطفاله وأطفال كل المسؤولين عن «حضارة القتل».
لن أخشى بعد الآن من اتهامي باللا موضوعية، ومعاداة «الحكمة» و«ديموقراطية القتل». ولن أخشى أن أكون حاقداً على كل يد ضرَّجت أرض الفلوجة بدماء أبنائها، وحتى المدافعين عنها من دون أبنائها.
للفلوجة وجه آخر غير وجه البطولة. ولكل مدينة مقاومة وجه آخر غير وجه البطولة. وذلك الوجه التي يخشى العدو الأميركي من الكشف عنه، أو النأي به عن عدسات التصوير، هو وجه المأساة الإنسانية التي ترتكبها «آلات القتل» من «سلاح متقدم وعصري»، ومن «وحوش المارينز، والبلاك ووتش».
هل أنت أيتها الماجدة المقتولة في شارع من شوارع الفلوجة، والتي تتحدى جثتك دبابة ال«إبرامز» متمردة على الديموقراطية؟ وهل أنت من فلول «الزرقاوي»؟ وهل أنت من فلول «الإرهابيين»؟ وهل أتيت من تكساس أو أوكلاهوما إلى أرض العراق لتقتلي جنود جورج بوش وطوني بلير؟ هل أتيت لكي تغتالي أمن رامسفيلد وبول ولفوويتز وكونداليزا رايس؟
هل أنت أيها الطفل الذي أرداك «وحوش» جورج بوش، و«بلاك ووتش» طوني بلير، تحت أنقاض منزلكم، قد أتيت من واشنطن لتدافع عن البيت الأبيض في الفلوجة؟
هل أحصتكما جداول «علاوي»، و«قاسم داوود»، و«ابراهيم الجعفري»، و«محسن عبد الحميد»، و«عبد العزيز الحكيم» من بين الألفين وستماية إرهابي قتلتهم قواتهم العميلة في شوارع الفلوجة؟
وهل ستدخلان «جنة السيستاني» لأنه لن يكون لكما نصيب في المشاركة في الانتخابات القادمة؟
تقولون ابتعد عن الحقد، ولا تسمح له بالدخول إلى قلبك. وتدعونا إلى سلوك الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة؟
قولوا –أيضاً- لجورج بوش أن يبتعد عن ديموقراطية القتل. قولوا له أن ينسحب من العراق ليتركها إلى أهلها الأصليين، فالعراق ليست له أو لأبيه من قبله، فالعراق للعراقيين ولن يقبلوا بأقل من طرده من أرضه الطاهرة، ولا يشرِّف أرضها أن يدوسها وحش من وحوشه الكاسرة.
قولوا له إن الله لم يكلفه بحسم معركة الخير ضد الشر على أرضنا.
قولوا له إنك وإن أتيت –كما تزعم- إلى العراق، لتدفع الأذى عن مواطنيك قبل أن يصل إلى أبواب البيت الأبيض. وإلى شارون الذي يؤمن با«الدم مقابل الدم»، أن في العراق وفلسطين لن يرضى شعبنا إلاَّ أن يثأر: «الدم بالدم، والعين بالعين».
تقولون لا تحقد، ولا تغضب، ولا تدع للانفعال مكان في عقلك وقلبك.
فأقول لا يمكن أن تقاوم الحاقد إلاَّ بالحقد. ولا يمكن أن تعظ المجرم، الذي يحمل خنجره لقتلك، بالموعظة والكلمة الحسنة.
أيتها الماجدات في الفلوجة، وكل العراق.
أيها الأطفال في الفلوجة، وكل العراق.
وإن اتهمتكم إدارة الشر في البيت الأبيض، وظلها العراقي القابع في جحور «المنطقة الخضراء» من بغداد، لن تموتوا وبين ضلوع المقاومين الأشاوس غضب يغلي كالمرجل.

ليست هناك تعليقات: