الخميس، فبراير 25، 2010

ليس نقل السيادة إلى العراقيين حالة إدارية

--> --> -->
ليس نقل السيادة إلى العراقيين حالة إدارية
بل هي حالة تحرر عسكري سياسي واقتصادي
1/ 6/ 2004م
أقيمت الاحتفالات، يوم الفاتح من حزيران من العام 2004م، في قاعة المؤتمرات في بغداد لإعلان اسم رئيس لجمهورية العراق، وتحت رعايته تمَّ إعلان اسم رئيس الحكومة العراقية وأسماء أعضائها. واستجابة لتحقيق هذه النقلة الفنية أعلن مجلس الحكم السابق حلَّ نفسه.
كانت مظاهر الاحتفال توحي وكأن هناك انتقالاً نوعياً بين حالة قديمة وحالة جديدة. وأوحت للمراقب وكأن هناك تجديداً وجدية في ذلك التغيير. فمن وجوه قديمة إلى وجوه أقلها قديم وأكثرها جديد لم يتغيَّر شيء ما في هوية الحاكمين الجدد، فروح القديم استمرت حاكمة، ومن أهم مظاهرها أنها تمَّت تحت رعاية وضغط من قبل الحاكم الأميركي وهو الحاكم الأب والأم- اضطر معها ممثل الأمم المتحدة إلى البصم والموافقة على النص الجديد القديم وإعلان رعاية الأمم المتحدة للعرض المسرحي الأميركي الجديد في العراق.
مسرحية ملهاة جديدة يعمل المشروع الأميركي للتسول بواسطتها على أبواب الرأي العام العالمي من أجل الحصول من الدول الأخرى على عكازات يستعين بها للوقوف على الأرض العراقية. ومن تلك المسرحية سوف تبدأ بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية في تسويق شهر التسول الدولي طلباً للحصول على عكازات دولية لتمرير المشروع الأميركي المُعاق في العراق. فكان العكاز الأول هو الحصول على توقيع »المختار الدولي« الأخضر الإبراهيمي وختمه. وسوف تتوافد في الأيام القادمة الجمعيات الخيرية الدولية لجمع مزيد من العكازات للمشروع الأميركي. ونتوقع أن تزداد أسهم إدارة الرئيس بوش بضع نقاط باتجاه التحسن، ولكنها ستعود القهقرى من جديد بعد أن يذوب الثلج عن نص المسرحية الحقيقي. وهذا ما عركته الإدارة الأميركية منذ الأول من أيار من العام 2003م، يوم إعلان النصر في الحرب، مروراً بأسر الرئيس صدام حسين، وصولاً إلى استعراض هياكل المجلس العراقي القديم في عرض جديد في الفاتح من حزيران من العام 2004م.
عاشت بغداد يوماً احتفالياً مزخرفاً بالوعد والوعود والوعيد. أشرف على إخراجه بول بريمر، ورعاه الأخضر الإبراهيمي، ويا ليته امتنع ولو من قبيل الالتزام الأخلاقي الشكلي- كابن للثورة الجزائرية وترك المهمة لرئيسه كوفي عنان، ولكنه للأسف لم يفعلها ابن الجزائر الثورة. وانتهى العرس الذي أتقن فنانو هوليوود إخراج مشاهده، وأحسنوا تسليط الأضواء عليه فظهر وكأن الاحتفال يجري في أكثر الدول استقراراً وأمناً إلى أن كشف رئيس الحكومة المعيَّن أن الاحتفال قد حصل وسط تطبيل المقاومة العراقية وتزميرها، عندما جعلت من يوم العرض المسرحي المشؤوم أسوأ الأيام شؤماً على المتسلقين سُلَّم برَكَة بول بريمر. فلم تترك المحتفلين يهنأون باحتفالهم أو بسماع إعلان أسمائهم تُذاع من على شاشات التلفزيون. فكانت المهمة الأولى لرئيس الحكومة المعيَّن أن وجَّه القرار الرقم واحد هدَّد فيه باجتثاث المقاومة العراقية، وهو يريد أن يقلِّد بول بريمر، عندما أصدر قرار الأول من أيار من العام 2003م، مهدداً باجتثاث البعث من المجتمع العراقي.
كثيرة هي الاحتفالات التي مرَّرها بول بريمر وجعل الممثلين فيها أدواته التي قدمت معه على متن دبابة »إبرامز«، لكنه لم يهنأ طويلاً في قطف ثمارها، لأن الفشل كان الحليف الوحيد لكل قراراته واحتفالاته، ومن لم يصدِّق فليسأل جورج بوش وكل »عتاعيت« إدارته.
ليس بين الناقل للسيادة والمنقولة السيادة إليه أية مسافة، فالناقل يعيد نقل السيادة إلى نفسه لأن المنقولة إليه ظاهرياً ليس طرفاً آخر غير أدواته وعملائه. ونتأكَّد من ذلك إذا استعدنا من الذاكرة أن من ينقل بريمر إليهم السيادة ليسوا إلاَّ الذين اتَّكأ إليهم منذ أول خطوة دخل فيها العراق محتلاً، وكان قد أعدَّهم قبل المباشرة بالاحتلال.
ففي احتفالات الفاتح من حزيران، من العام 2004م، شبَه كبير باحتفالات الفاتح من أيار، من العام 2003م. وباحتفالات السابع من تموز من العام 2003م. فالاحتلال يعيد إنتاج نفسه بأشكال وألوان مختلفة، وهي من طرق الخداع التي يسلكها السَحَرَة والمشعوذون، فتنطلي على السُذَّج والحمقى فيأخذهم الإعجاب مآخذ شتى فتضطرب الرؤيا لديهم وينخدعون.
هل يريد بريمر أن يمرِّر خداعه على العراقيين؟ وعلى المجتمع الدولي؟ وأن يجد الأعذار فيجذب إليه المترددين من أنظمة العرب الرسمية؟ وأن يسحب الواقع الشرعي للمقاومة العراقية؟ أم أنه يريد أن يخدع كل هؤلاء وأولئك؟
يريد بريمر أن يستغفلهم كلهم. ولكن لن يعلق بشَرَكه إلاَّ المغفَّلون أصلاً، أو من الذين يشاركونه ممارسة طرق الخداع. فلينخدع من يريد، وليعلق بحبال عنكبوت التغيير الإداري الجديد في العراق من يريد أما المقاومة فواعية لمواجهة كل وسائل التضليل فهي قد حدَّدت مسبقاً أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي، وسوف ترفض كل ما يصدر عن الاحتلال من ترتيبات تطال التغيير في أية بنية سياسية أو عسكرية أو إدارية أو أمنية أو اقتصادية أو تشريعية أو قانونية حتى لو استخدمت إدارة الاحتلال كل الأغطية الدولية، وعلى رأسها المؤسسات الأممية.
حاول المبتهجون من وسائل الإعلام السائرة في ركاب خطة المشروع الأميركي أن يُظهروا وكأنَّ مشكلة نقل السلطة في العراق ذات أبعاد إدارية فنية. لذا راحوا يخدِّرون الرأي العام بدعوته إلى انتظار نتائج أعمال الحكومة العراقية الجديدة التي قد تحقق »ثورة انتقال السلطة« إلى العراقيين، وكأن تلك الوسائل تريد أن توحي بأن نقل السيادة عبارة عن إجراءات إدارية لا تتجاوز ما حصل. أما واقع الأمر فليست المشكلة تدور حول الأشخاص بل تدور حول قضية، والقضية هي ليست نقل السيادة كشعار من دون مضمون بل هي معركة تحرر سياسي، ولن تنتصر هذا القضية إلاَّ بتحرير الأرض من الاحتلال، بينما كان مجلس الحكم السابق صنيعة له، والتشكيلة الإدارية الجديدة هي إعادة إنتاج لمجلس الحكم القديم بأشخاصه ومؤسساته وأهدافه.
وإذا كنا لن نعيد تحديد أهداف المجلس القديم والحكومة الجديدة، فإنما الضروري هو التذكير بأن من أهدافهما الرئيسة والأساسية يأتي الاستمرار في دعم بقاء الاحتلال في العراق تحت ذريعة المساعدة على حفظ الأمن فيه. ولما كان تحرير الأرض آتٍ خارج أهداف الحكومة الجديدة فكيف يمكن للعراقيين أن يبتهجوا بأن بول بريمر سينقل السيادة إلى من لا يريد إنهاء وجود الاحتلال العسكري والسياسي؟
من أهم معالم السيادة أن تكون ذات إرادة سياسية حرة في اختيار النظام الذي تريد. وذات إرادة عسكرية تحافظ على الأمن بقواتها الذاتية وتدفع عن الوطن أي عدوان خارجي بواسطة جيشها الوطني. وأن تستثمر ثرواتها الوطنية لصالح مواطنيها.
أما هل كان من أهداف مجلس الحكم القديم أن يبني نظامه السياسي من دون احتواء أو ارتهان؟ وهل كان بإمكانه أن يسمي من يريد لحكم العراق؟ وهل كان منفصلاً عن سلطة بول بريمر وارتهانه لإرادته ومنعه من استخدام حق الرفض لقرارات المجلس؟
وهل كان من أهداف المجلس القديم أن ينهي الاحتلال العسكري للعراق؟ أي هل كان يمكنه إلاَّ أن يوافق على تشريع بقاء قوات الاحتلال إلى آماد غير محددة؟
وهل كان من أهداف المجلس أن يحرر ثروات العراق من استغلال الشركات الأميركية؟ أي هل كان بإمكانه أن يمنع الاحتلال من التحكم باستغلال نفط العراق؟
فإذا كان المجلس القديم عاجزاً عن العمل من أجل التحرر العسكري والسياسي والاقتصادي، فإن الحكومة الجديدة التي هي على صورته ستكون عاجزة حتماً عن تأمين شروط التحرر والتحرير. فعن أية سيادة تتحدث إذاً- الأدوات الجديدة بحللها الجديدة؟
من هنا لا نستطيع أن نفهم ما تعدُّ له الإدارة الأميركية في العراق تحت مظلة الأمم المتحدة- إلاَّ قشرة ثلج أممية تغطي الاحتلال وتعمل على تمويهه بأدوات محلية من صنعه وإخراجه.

ليست هناك تعليقات: