الخميس، فبراير 25، 2010

المشهد العراقي في شهر آب 2007

--> --> -->
المشهد العراقي في شهر آب 2007
جورج بوش يجمِّع كل أوراقه
لمواجهة التقرير العسكري السياسي في الحادي عشر من أيلول
طليعة لبنان الواحد/ عدد شهر آب 2007
أمام معركة استنزاف إدارة جورج بوش في الداخل الأميركي، التي يقودها الحزب الديموقراطي، يقف الرئيس الأميركي بانتظار تقديم تقرير لمجلسيْ الشيوخ والنواب الأميركي لتقييم الحالة في العراق، في الحادي عشر من أيلول، بعد إصراره على تطبيق خطة جديدة قضت بإرسال عدة عشرات من آلاف الجنود، ورصد أكثر من ماية مليار دولار، لتطبيق خطة ذات ثلاثة اتجاهات: عسكرية وسياسية واجتماعية.
وبعد مرور ثمانية أشهر من بدء تطبيق الخطة، وقبل أن يصدر التقرير المشار إليه أعلاه، تؤكد كل النتائج التي حصدتها الخطة، على فشلها الذريع بشتى المقاييس والمكاييل.
أولاً: مصير الخطة العسكرية:
بعد مرور ثمانية أشهر على تطبيق خطة بغداد، و أكثر من ثلاثة أشهر على تطبيق خطة الأنبار، ازداد فيها الضغط على المنطقة الخضراء، كأهم رمز من رموز الاحتلال وعملائه، فهي تتعرَّض لصواريخ المقاومة من قلب بغداد النابض بالمقاومة. كما لم تحقق الحملتان أكثر من وحشية وفظاعة بحق المدنيين العُزَّل، والمزيد من فلتان الأمن الذي ترعاه الميليشيات الطائفية ومافيات السرقة والتهريب، وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، وسيادة شريعة الغاب.
وعلى الرغم من كل ذلك فقد أعلن جيش الاحتلال انسحابه من الفلوجة، كما فعلها من قبل في الرمادي. وازدادت أعداد القتلى الأميركيين، ولو على مقاييس اعتراف البنتاغون، فقد شهدت أشهر العام 2007، أرقاماً قياسية بعدد القتلى الأميركيين. وأما السبب فهو أن المقاومة، في معركة التقابل مع الاحتلال وعملائه، قد كثَّفت عملياتها كماً ونوعاً، سواءٌ بابتكار أنواع جديدة من العبوات الناسفة، أو تطوير أسلحة الدفاع ضد الطائرات السمتية. أو تكثيف الهجمات ضد قوافل إمداد قوات الاحتلال، كما تكثيف القصف ضد القواعد الأميركية الثابتة. هذا بالإضافة إلى تكثيف عمليات المقاومة في جنوب العراق، بشكل لافت وأكثر من المراحل السابقة، والدليل على ذلك ما يعبر عنه الشارع الشعبي والسياسي والعسكري في بريطانيا.
وتلخيصاً لمعادلة التقابل والمواجهة بين المقاومة والاحتلال، اعترف، السيناتور جون مورثا، أحد القادة السياسيين الأميركيين، قائلاً: إن المقاتلين متهيئون في كل وقت نأتي بطريقة جديدة لهزمهم.
وإذا كانت الخطة العسكرية مدخلاً للشقين السياسي والاجتماعي، فلينتظر جورج بوش خيراً بتطبيق الشقين الآخرين، على مثال الخير الذي أصابه من تطبيق الخطة العسكرية.
ثانياً: مصير الخطة السياسية:
في الوقت الذي كان من المطلوب من حكومة العمالة التي يترأسها المالكي بذل الجهد من أجل إتمام ما تسميه إدارة الاحتلال المصالحة الوطنية، تلك التي لم تنجح حتى مع مساعدات ملحوظة قدمتها بعض الأنظمة الرسمية العربية، كمصر والسعودية، في مؤتمرات القاهرة وشرم الشيخ ومكة، إلاَّ أن الحكومة المذكورة انشغلت بالمصالحة بين ألوان العملاء المشاركين فيها وأشكالهم، ولملمة حالة التشرذم بين صفوفهم، حتى أصبح ثوب الحكومة مهلهلاً ما إن ترتقه إدارة الاحتلال في مكان حتى ينفتق في مكان آخر. أوَ ليس نفاذ صبر الإدارة الأميركية الذي أعلنته كوندوليزا رايس وغيتس، ووفود الكونغرس بهذا الصدد قائلين بما يوحي أن صبر الإدارة الأميركية لن يبقى من دون أفق منظور، فعلى العراقيين أن يتحملوا مسؤولياتهم في استلام الأمن في العراق.
فبالإضافة إلى زئبقية مقتدى الصدر ومواقفه غير المفهومة وغير الثابتة لأنها مستندة إلى انفعالية طائفية، وإلى انتقال من ضفة أميركية إلى ضفة إيرانية، وبالعكس، طمعاً بمن يوفر للنخبة من تياره مواقع ومصالح ذاتية. فتراه يعلِّق عضويته في البرلمان تارة، وفي الحكومة تارة أخرى.
وبالإضافة إلى عمالة الحزب الإسلامي العراقي، الذي همَّشته التيارات المذهبية الأخرى، وجعلته طربوشاً يستخدمه العملاء الآخرون من أجل استكمال التلوينات المذهبية كمسحوق لتجميل (العملية السياسية) بأحد أطياف العراق المذهبية. فيعلِّق عضويته في الحكومة. ويعتكف وزراؤه ويحردون طمعاً بإعطائهم فرصة للحس المبرد العراقي.
على الرغم من كل ذلك، فإن (الحكومة العراقية تواجه أشد أزماتها) كما يقول أحد المحللين الأميركيين. السبب الذي حصر اهتمام رئيسها بالعمل للحيلولة دون انهيارها. وقد ازداد انهيار مؤسساتها، وعجز بعضها الآخر عن القيام بأية مهمة. إلاَّ أن الانجاز الوحيد الذي حققه بعض النخب في تلك المؤسسات هي السرقة والنهب وفرض الخوات، والتهريب، ولم يكن أقلها اختفاء أكثر من مائة وتسعين الف قطعة سلاح. وكأنها إبرة في كومة من القش. وهل هذا غريب على صغار النفوس ما دام رائدهم بول بريمر الذي ضاع في عهده عشرات المليارات من الدولارات؟
ثالثاً: مصير الخطة الاجتماعية الاقتصادية:
على خطى ما آلت إليه خطة جورج بوش العسكرية، سارت حالة العراقيين الاجتماعية والاقتصادية، من سيء إلى أسوأ، بحيث لم يعرف مجتمع ودولة وقعا تحت الاحتلال ما عرفه العراق تحت الاحتلال الأميركي. وإذا كان نقل تفاصيل الصورة يبرهن على ما آلت إليه من مآسٍ وفظائع، فإن ملفات الجريمة التي يرتكبها الاحتلال، بمساعدة من عملائه، والنظام الإيراني وعملائه، هي أكبر بكثير مما تستطيع مجلدات أن تستوعبها:
-أكبر حملة إبادة جماعية: فمن القتل والخطف والتهجير، والجوع والخوف، والتطهير الطائفي والعرقي، بلغ حجمها المليون قتيل، الأمر الذي وصفته بعض تقارير المؤسسات الأهلية الأجنبية بأنه يمثل أكبر (إبادة جماعية) حديثة ومعاصرة.
-أضخم (هجرة جماعية) وهي الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية: فإضافة إلى ملايين المهجرين داخل العراق هرباً من القتل على الهوية الدينية، أو على الهوية السياسية. أما من استطاعوا أن يوفروا أجرة النقل إلى خارج العراق فبلغ عددهم أربعة ملايين في دول الجوار وخاصة في الأردن وسورية. ومن أجل ذلك دعت إدارة جورج بوش إلى فتح بازار للحصول على بضع مئات من ملايين الدولارات بحجة مساعدة هؤلاء، وهي التي تُنفق بليونيْ دولار أسبوعياً نفقات ما ترتكبه قواتها من مجازر بحقهم.
رابعاً: واقع حال إدارة جورج بوش قبل موعد استحقاق تقديم تقريرها:
إذا كانت عيون النظام العربي الرسمي غافلة، أو متواطئة مع الاحتلال الأميركي، فإن العيون الأميركية من خارج نادي إدارة جورج بوش، تتابع تفاصيل ما يجري وتضع حلولاً لمشكلة الاحتلال، ليس على قاعدة التخفيف من مأزق الإدارة بل على قاعدة إنقاذ أميركا من مستنقع غرقت فيه، ولوَّثت سمعة أميركا وعززت مواقع أعدائها، وراحت تخسر من رصيد سمعتها حتى بين حلفائها أو المنبهرين بتقدمها التكنولوجي. ومن أهم الأمثلة على ذلك فهو ما يحدث من متغيرات في مواقف الشباب الأوروبي المعجب بالإبداع الأميركي، ومنهم جيل اكتسب تسميته (جيل العراق) الذي انتشرت في أوساطه الاتجاهات السلبية، إزاء أميركا، اعتراضاً واستنكاراً لما تفعله في العراق بعد احتلاله.
أما العيون الأميركية، سواءٌ أكانت النخبة المفكرة التي نظَّرت للمشروع الذي تنفذه زمرة اليمينيين الجدد، أم النخبة السياسية والعسكرية، التي أخذت تتساقط تحت (لعنة العراق) التي يصب حممها أبطال المقاومة الوطنية العراقية على رؤوس كل العدوانيين، فقد عززوا مواقع المناهضين الأميركيين لاحتلال العراق. وأمدوهم بأسباب استمرار مواقفهم لاستنزاف إدارة جورج بوش.
وإذا كان الشعب الأميركي يغفر لإدارته كل شيء فإنه لن يغفر لها استمرار سقوط أبنائه قتلى، فكيف يكون الأمر إذا كانوا يُقتلون في معركة لا مصلحة وطنية لهم فيها ولا مصلحة طبقية؟
كلها عوامل أميركية داخلية تسهم في دفع جورج بوش للرضوخ إلى واقع إعلان إفلاسها في عدوانها على العراق واحتلاله. ومن أبرز تلك المواقف التي تشير إليها التقارير والمواقف الداخلية في أميركا:
1-جورج بوش الآن يبدو وكأنه مطرود من قبل الشعب. فهو، كما وصفه أحد السياسيين الأميركيين، قد بدأ الحرب على العراق اعتماداً على تخطيط غير ملائم، ويبدو أنه سوف ينهيها بنفس الطريقة.
2-أركان إدارته ينهارون الواحد تلو الآخر، وآخرهم كارل روف عقل بوش المفكر.
3-حلفاؤه في العدوان والاحتلال ينهارون واحداً تلو الآخر، إذ أكملت القوات الدانمركية انسحابها. وبعد (إقالة طوني بلير تحت الضغط الشعبي بسبب كذبه في الحرب على العراق، تسير القوات البريطانية، أكثر المساعدين تأثيراً، نحو إعلان الهزيمة، إذ تشير مذكرة سرية إلى أن (أي تأخير في سحب القوات البريطانية من العراق، لعلَّه يُرعب قائد الجيش البريطاني).
4-بالضد من إصرار جورج بوش على التبشير بأوهام النصر، تزداد حالة الرفض السياسي والشعبي للحرب في العراق. وقد انخرط مناوئو الإدارة، ومنهم ممن كانوا من أهم أعمدتها، في ورشة رسم سيناريوهات للانسحاب من العراق. والحد الأدنى المشترك الذي يجمع بين كل هؤلاء هو الانسحاب، ويتراوح اختلافهم في البدء بانسحابات جزئية تؤدي في النهاية إلى انسحاب شامل، وصولاً إلى الاعتراف بالحقيقة بأن هزيمة محققة قد ألمَّت بالاحتلال.
لكن من المرجَّح، كما تشير بعض التقديرات، أن تستمر القلة التي لا تزال تؤيد جورج بوش بمراهناتها على تحقيق إنجاز ما يحفظ ماء وجه الإدارة، أو يعزز المراهنة عليها، ومن أهمها:
-تحقيق اختراق ما في صفوف المقاومة العراقية، ممن تراهن على أنهم من الطموحين لدخول عملية سياسية تضمن الامتناع عن تهديد المصالح الأميركية، وحفظ مصالحها في العراق. ولعلَّ تأخير موعد المؤتمر الذي كانت ستعقده فصائل المقاومة في دمشق، بتاريخ 23/ 7/ 2007، كان أحد أهم أسباب تأجيله هو محاولة إغراقه بالمئات ممن تلوَّثوا بأوساخ العمالة مع الاحتلال وعملائه.
-و لعلَّ توقيع حكومة المالكي على قانون النفط هو أحد تلك الانجازات التي تعمل الإدارة الأميركية على الإتيان بحكومة لما بعد الانسحاب توفر تلك الضمانات.
-إن صدور قرار عن مجلس الأمن الذي يدعو إلى تعزيز دور الأمم المتحدة في العراق، يعني إعطاء ضمانات لأصحاب الشركات الرأسمالية في منظومة الدول الرأسمالية، ولعلَّ أهمها الشركات الأوروبية، السبب الذي يفسِّر الحرارة التي دبَّت في أوصال فرنسا ساركوزي.
-فتح صفحة مفاوضات بين وفدين أميركي وإيراني تعني استجابة لدعوتين: دعوة الحزب الديمقراطي في أميركا بالانفتاح على كل من سورية وإيران، ودعوة النظام الإيراني إلى أن تقاسم الحصص في العراق سيكون مدخلاً لحسن نية أميركية يشمل تسوية مقبولة للمفاعل النووي الإيراني، وإعطاء مساحة في التأثير الإيراني على القرار في المنطقة العربية، مما يعكس نفسه بشكل إيجابي على الملفين الفلسطيني واللبناني.
-الدعوة إلى مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط فيها ما يُخرج الأنظمة العربية السائرة في الركاب الأميركي من دائرة الإحراج والخوف. بحيث إن هذه الدعوة ليست إلاَّ خدعة جديدة تمارسها إدارة جورج بوش من أجل تخفيف الضغوط الداخلية والأوروبية والعربية، وستكون نتائجها في المحصلة النهائية شبيهة تماماً بنتائج الدعوة إلى مؤتمر مدريد في العام 1991، مع تشابه الظروف والأسباب التي كانت من أهم أهدافها حشد أكبر تأييد دولي وعربي لمساندة العدوان الثلاثيني على العراق في العام 1991.
كلها ملفات تراهن إدارة جورج بوش على أن الوصول إلى اتفاقات حولها تسهم في فك عزلتها دولياً وأميركياً، وتعطيها أوراقاً رابحة في الانتخابات التمهيدية القادمة. لأنها من بعد ضمان استعادة السلطة من قبل الجمهوريين، وتوفير نجاح مرشحها في الانتخابات الرئاسية الأمر الذي يعزز استئناف مشروع الأميركيين اليمينيين الجدد. ومن بعدها ستكون الوعود التي أعطتها إدارة بوش لمختلف الأطراف في ذمة موجة خداع جديدة وإنه بعد عام ونيِّف تتحول التداعيات من حال إلى حال.

ليست هناك تعليقات: