الخميس، فبراير 25، 2010

المشهد العراقي في كانون الثاني 2007

-->
--> -->
المشهد العراقي في كانون الثاني 2007
طليعة لبنان الواحد عدد كانون الثاني 2007
كلَّل حزب البعث العربي الاشتراكي مسيرته النضالية، في أواخر العام الماضي، بتاج الشهادة الكبرى التي قدَّمها مهراً لأمته، القائد صدام حسين، وتبعه في قافلة الشهداء المناضليْن البطلين: برزان التكريتي وعواد البندر، فبشهادتهم، وشهادة من سبقوهم من رفاقهم، تلألأ جبين البعث بالمزيد من جواهر النضال والجهاد ودررهما. وبالإضافة إليهم، وإذا ما حنينا رؤوسنا إجلالاً لكل شهداء فصائل المقاومة الوطنية العراقية، من إسلاميين، ووطنين، وقوميين، وشيوعيين... أفراداً وجماعاتٍ وأحزاباً، نشاهد العراق العظيم يعتمر على هامته الناصعة أحلى تاج يضعه على رأسه، وهو أن العراقيين بكل تعددياتهم الحزبية، وتعددياتهم العرقية والدينية، قد رسموا أسمى مبادئ الديموقراطية الراسخة على قواعد الدفاع عن كرامة العراق والموت في سبيل المحافظة على سيادته. وبرهنوا على أن رومانسيتهم في حب الوطن على طريقتهم، ترتقي إلى مصاف العلمية والموضوعية، كما برهنوا «أن الوطن هو حب قبل كل شيء».
لم يقف الرومانسيون العراقيون، بأكبر اصطفاف وطني، ليبكوا أطلال البنى التحتية التي دمَّرها الاحتلال ومطاياه من الخونة، بمساعدة كبرى من الجار الإيراني الذي يجب أن «نفتِّش عليه قبل الدار»، كما لم يقفوا نادبين ما يفتعله من شروخ قومية ودينية، بل رفعوا السيف لقطع دابر من دمّر ومن شرخ، ومن أسعف «الشيطان الأكبر» بتمهيد دروب الاحتلال والتدمير وافتعال الشروخ.
لم تكن وقفة أبطال العراق رومانسية، بل كانت تصب في قلب الموضوعية والمعادلات العلمية، وبرومانسيتهم صفعوا كل معادلات حكماء ليبراليي العرب الذين يفكرون بالعقل الاستعماري الذي يدعو القوميين العرب إلى طلاق بائن مع الكرامة والحرية السيادية. وهم، الليبراليون، بما يمثِّلون من انسلاخ عن تقاليد الكرامة القومية، كأعلى مبدأ من مبادئ الإنسانية، كانوا يسخرون من ضعف رومانسية الرومانسيين، وقوة حجتهم، والآن يسكتون صامتين مذهولين من قوة صوت الرومانسية وضعف صوت حكمتهم التكنولوجية الهائلة التدمير.
بندقية الكرامة تهزم أكبر مشروع امبراطوري في القرن الواحد والعشرين
على وقع صوت رصاص البنادق الرومانسية ينخفض صوت النصر الذي أعلاه جورج بوش، ويضعه في مواجهة مع معركتين: معركته مع الشعب العراقي، ومعركته مع الشعب الأميركي.
وإذا كان من الجدير التذكير بتأثيرات مقاومة الشعب العراقي على أرض العراق، فإن من أهم تأثيراتها أنها نقلت المعركة إلى الشارع الأميركي، ودخلت إلى كل مؤسسات الولايات المتحدة الأميركية الفكرية والسياسية والعسكرية والتشريعية، تلك التي رصدنا بعض تفصيلاتها في تقارير (طليعة لبنان الواحد) السابقة، وقد تراكمت تفاعلات ردود فعلها، من خلال نصائحها التي قدَّّمتها إلى جورج بوش، الناطق باسم «اليمين الأميركي المتطرف».
-ذكَّرته نتائج الانتخابات النصفية، لكنه لم ير ولم يسمع.
-وذكَّره جيمس بيكر، كبير المقرَّبين من والده بمخاطر مغامرته في العراق، فأصمَّ أذنيه وأغلق عينيه.
-ذكَّرته القيادات الميدانية في العراق، عسكرية وسياسية، ومن أهمهم زلمان خليل زاده، وجورج كايسي، بأن استراتيجيته الجديدة لن تكون أكثر من ديكور لتجميل قراره، لكنه قرَّر ألاَّ يسمع ولا يرى.
لكنه قرَّر أنه «صاحب القرار في العراق»، فألغى، بديموقراطيته مفاعيل نتائج الانتخابات. وقرَّر إلغاء المبدأ الأخلاقي الذي يقول: «إن صديقك من صدقك». وردَّاً على نصائح القيادات الميدانية قرَّر إقالتهم من مواقعهم وعيَّن بدائل عنهم، ممن لهم أقبح الوجوه، كمثل (نيغروبونتي).
فبعد أن أقال كل من أسهم في احتلال العراق، وبعد أن استقال بعض روَّاد المشروع طوعاً وقرفاً وقناعة بأن مشروعهم يشرف على الهزيمة، أعلن جورج بوش استراتيجيته «استراتيجية النصر»!!! بإرسال عشرات الآلاف من جنوده إلى مقتلة جديدة، وبشر بها خاصة وأنه قد دعا الأميركيين للصبر لأن لنصره ثمناً عليهم أن يدفعوه، وقد صدق بقوله لأن القديم من جنوده، كما الجدد، سيتعرضون للموت على أيدي أبطال المقاومة الميامين.
لم ينس جورج أن يطلب النجدة من «كافور زمانه» «المالكي»، عبده ومنفِّذ جرائمه وجرائم «جار العراق»، فمحضه الثقة. بينما نتساءل كم من القوة يمتلك عبد عجزت قوة سيده المطلقة عن أن تفعل شيئاً.
كما لم ينس طلب العون من منظومة دول الخليج الرسمية، التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، فكيف بها تساعد من كانت تراهن عليه لحمايتها؟
بندقية الكرامة على طريق حسم المعركة ضد أعداء العراق والأمة العربية
قرَّر حاكم أميركا، الذي أصمَّ أذنيه عن سماع صوت الأكثرية من شعبه، على طريقته الديموقراطية الذي وعدنا بتصدير المليارات من أطنانها.
قرَّر حاكم أميركا الذي أصمَّ أذنيه عن سماع أصوات الأمهات الأميركيات المنددات بموت أبنائهن في حرب غير شرعية.
قرَّر أن يرسل عشرات الآلاف منهم إلى مذبحة جديدة ليعود بهم في توابيت صنعتها شركاته العملاقة ولم تستطع بيعها حتى الآن.
قرَّر «صاحب القرار في العراق» البدء بمغامرته الأخيرة، رافساً برجله معارضة الشارع، ومطالبة المؤسسات الدستورية بالانسحاب من العراق، ونصائح القيادة العسكرية الميدانية التي أقالها، ومعارضة العشرات من أبرز قيادات حزبه الجمهوري، قرَّر أن يكون الديموقراطي الوحيد في العالم، والمُرسَل «الإلهي» الوحيد الموكولة إليه رسالة تخليص البشرية مما يسميه «إرهاباً» واجتثاثه، لقد قرَّر ذلك في مرحلة تُعتَبر من أكثر المراحل ضعفاً في تاريخ رئيس للولايات المتحدة الأميركية.
وفي المقابل قرَّرت المقاومة العراقية أن تستمر في معاركها ضد التحالفات كلها، التي لا ترى عدواً لها سوى حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته التي يمثلها الشهيد الرمز صدام حسين:
1-معركة الحسم ضد الخصمين اللدودين الاحتلال الأميركي والإيراني
يعرف جورج بوش، كما يعتزُّ المسؤولون الإيرانيون، أنه لولا «إيران لما استطاعت أميركا أن تصل إلى كابول وبغداد»، لكنه الآن يدخل في مغامرة جديدة للدخول إلى بغداد من دون مساعدة إيران، بل هو يشتبك معها، في أكثر من مكان، إلاَّ أن يستجيب لشروطها. أما شروطها فهي الرضوخ إلى الاعتراف بأطماعها في بناء شرق أوسط جديد تنسجه على مقاييس مشروعها الإيديولوجي. ذلك المشروع الذي يقف على حدود العداء التام مع حقوق الأمة العربية ومصالحها، ومن أهمها أن تتجزَّأ الأمة وتتفتَّت إلى دويلات طائفية، وبها تنال الدولة الإسلامية بالمفهوم الإيراني حصتها المذهبية، وبمثل هذا التقسيم أيضاً تنال «إسرائيل» اعترافاً بها كـ«دولة يهودية».
ففي منطق الاستغلال والميكافيلية، يتشابه المشروعان الأميركي والإيراني، فكلاهما يستندان إلى نظرية الظهور الإلهي. وتلك النظرية تتجاوز حكماً مصلحة العرب في بناء وحدة فكرية أو سياسية، لأن الفكر الوحدوي القومي يتناقض تماماً مع المشروعين معاً.
تعتبر المقاومة الوطنية العراقية، تطبيقاً لمنهجها الفكري والسياسي الواضح والمعلن، أن كل قوة تعادي الفكر القومي العربي تقع تحت مرمى نيرانها. وهي تضع استراتيجية النظام الإيراني في موازاة استراتيجية الاحتلال الأميركي إلاَّ إذا تراجعت إيران عن عدائيتها لعروبة العراق ووحدته. وفي الحال التي يحصل فيها التراجع والمراجعة ، ستكون يد المقاومة العراقية ممدودة لـ«الجار» الإيراني للتعاون والتنسيق والمشاركة ضد الاحتلال الأميركي، ولاحقاً لمواجهة أية نوايا عدوانية تبدر منه تجاههما معاً أو واحداً منهما على قاعدة اعتبار الصراع مع الرأسمالية والصهيونية تمثِّل التناقض الرئيسي لهما، ولا تناقض يسبقه.
فهل يحصل ذلك؟
يبقى الجواب متعلقاً بالجانب الإيراني، والكرة في ملعبه. وليس لنا إلاَّ أن نتمنى وندعو. والدعوة مشروعة بدعوة الظالم إلى الكف عن ظلمه حتى يستجيب. ومن واجبات جميع العرب، سواءٌ أكانت الأمور واضحة عندهم بأن النظام الإيراني يمارس أشد أنواع الظلم على العراق أم كانت غير واضحة، أن يقولوا «كلمة حق في وجه ظالم» حتى يفيء إلى أمره.
2-معركة الحسم ضد الصديقين: الاحتلال الأميركي وعملائه
دخل جورج بوش العراق على أكتاف العملاء والخونة، وحملهم على دباباته، فأذعنوا لأوامر وليَّ أمرهم، وانصاعوا لتعليماته وهم صاغرون. ولما كشفت قوة المقاومة عن ضعفه، وصغَّرت شأنه، استهان به حلفاؤه وبخاصة النظام الإيراني، والخائفون منه وهم كُثُر، وراحوا يمارسون الابتزاز عليه، وتقاسموا معه العملاء والخونة فأصبحت كل فرقة منهم حصة لطامع ومعتد. لقد احترقت أوراق الكثيرين من العملاء، فقد أفلس بعضهم من تجميل وجه الاحتلال، وأقال الاحتلال بعضهم الآخر لأنهم لم يخدموه بما فيه الكفاية. واستمرَّ البعض. لكن من استمر منهم انقلبوا عليه، واستقووا بإسنادات إيرانية، وهم ممن ركبوا سفينة الطائفية والمذهبية والعرقية، واستطاعوا أن يوفِّقوا بين عمالتهم للاحتلال الأميركي لإسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي الوطني، وعمالتهم للنظام الإيراني لأسباب طائفية. وإلى هؤلاء ينتسب نوري المالكي، رئيس حكومة العمالة المزدوجة بين الاحتلال الأميركي والإيراني. فخضع جورج بوش للأمر الواقع، وهو الآن يقف في مواجهة عميله المالكي كما يقف الند في مواجهة نده.
فهل يمكن للعميل المرتزق، العميل الطائفي، أن يسند الاحتلالين معاً؟ وأين يقع في خريطة استراتيجية المقاومة؟
بلا شك بأن ما ينطبق على أصل الشر ينطبق على الذنب، وأن مقاومة رأس الاحتلال لن تستثني كل ما له علاقة به، واستنتاجاً بأن الانتصار على الأصل انتصار على إفرازاته. وكما أن معادلة موازين القوة تنص على أن منع القوي من تحقيق أهدافه، تجعل منع الضعيف عن تحقيق أهدافه ليست بالعسيرة. وإذا كانت المقاومة حققت أكثر النتائج أهمية في إثخان جسد الاحتلال الأميركي بالجراح وجسد عملائه، وهو محميٌ من إيران وعملاء إيران بملاحقة المقاومين وقتلهم، وهو مُغرَقٌ بمساعدات أنظمة عربية وإقليمية ومشاركتهم، فهي ليست عاجزة عن إثخان جسد الاحتلال الإيراني بالجراح وجسد عملائه، بمفردهما، إذا ما أصرَّ وعاند على متابعة المعركة ضد أهداف المقاومة الوطنية العراقية.
يكفي أن نشير في معرض تحليل هذا الجانب، إلى أن دخان الخلاف الذي يتصاعد من مداخن البيت الأبيض، ومداخن الحكومة العميلة، ليس أكثر من دلائل تؤكد وجود الخلاف بين عصابات اللصوص عندما يعجزون عن النجاح في سرقة ما، إذا ذاك يعمل كل منهم على تحميل مسؤولية الفشل للآخر. إن الخلاف بحساباتنا سيتعمَّق وستزداد الفجوة بينهم حينما تتبخَّر نتائج حملتهم الأمنية الراهنة، التي من أجلها قرَّر جورج بوش استقدام مزيد من الجنود إلى العراق، ستتبخَّر كما تبخَّرت نتائج سابقاتها التي باءت بالفشل.
3-معركة الحسم ضد أوهام الإقليم ورهاناته
دخل جورج بوش إلى العراق، بينما لم تكن تركيا، حليفه الأهم في المنطقة، تعرف أن المخاطر التي ستُحدق بها نتيجة الاحتلال ستكون بالحجم الذي هي عليه الآن. فمانعت في البداية عندما رفضت حكومتها دخول قطعات من الجيش الأميركي إلى شمال العراق عبر الحدود التركية. ولما أخذت الحكومة التركية تتلمَّس حجم المخاطر الاستراتيجية التي ستحدق بها نتيجة تقسيم العراق علا صوتها، وأعلنت أنها لا تستطيع بعد الآن السكوت على تقسيمه. وكلما غرق العراق أكثر في بحور الفوضى والانفلات الأمني، وهو مفتوح على هذا الواقع، كلما ارتفع جدار المخاوف التركية، وكلما تمسَّكت تركيا بمبدأ إعادة توحيد العراق. ونحن نعتبر أن الموقف التركي سيكون الأكثر حدَّة والأكثر نشاطاً في المراحل القادمة، ألا يقول المثل: «إن الباب الذي يأتيك منه الريح إقفله واستريح»؟
هذا هو حال الموقف التركي الآن، لأن استقرار الأمن التركي الاستراتيجي مرتبط بمنع قيام دولة كردية انفصالية في شمال العراق، ولهذا نعتبر أن الموقف التركي هو ما يجب أن تقابله الأنظمة العربية بمواقف مماثلة.
4-معركة الحسم ضد الاحتلال وأوهام أصدقائه العرب
دخل جورج بوش العراق، بينما كانت أنظمة الخليج تراهن على أن الاحتلال الأميركي للعراق سيُخلِّصها من التجاور مع نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، بقيادة صدام حسين، وبالتالي سيحميها الوجود الأميركي الطويل الأمد من مخاطر وصول إيران لتربض على كتف حدودها الشمالية.
وكما فشلت أوهام جورج بوش، تبعثرت أوهام أنظمة الخليج وغيرها. فلم تمض أربع سنوات على الاحتلال حتى تبخَّرت أوهام الواهمين. وإن الأنظمة فيها تعيش اليوم أزمة حادة، فهي ليست قادرة على رفض مغامرات جورج بوش، وليست قادرة على السكوت عنها. فقد تقزَّم الحامي المفترض إلى طالب للحماية، وتحول منقذ تلك الأنظمة من الغرق إلى طالب منهم قشة الإنقاذ.
لقد ساعدت تلك الأنظمة إدارة جورج بوش، بالمال وتقديم التسهيلات اللوجستية، ونامت على موسيقى حلم سعيد، ولكنها استفاقت على واقع موسيقى أخرى تنبئ بالويل والثبور. وهي استكمالاً لمرحلة الإذعان أصدرت بياناً تؤيد فيه مغامرة بوش الأخيرة، ونحن نؤكد بأن تلك الأنظمة لا تصدق أن جورج بوش سيفلح ببضعة آلاف من الجنود في الوقت الذي عجزت فيه مئات الآلاف منهم عن إنقاذ حلمه من الموت والهزيمة، وإنما حالة الخضوع والركوع أصبحت عادة متأصلة بالذين يطمعون بالمحافظة على كراسيهم وتكديس الثروات الهائلة، حتى ولو كانوا تحت حماية عدو العرب والإنسانية.
إلى أين سيتهرَّب هؤلاء من قدرهم؟ فهذا قائدهم الأعلى لا يستطيع حتى حماية نفسه، فمن يحميهم من المشروع الإيراني القادم إليهم على حصان وصاية جديدة، وهيمنة جديدة، واستكبار جديد، وتمزيق ما عجز الاحتلال الأميركي على تمزيقه؟ مشروع لا يمكن أن ينبني إلاَّ على أشلاء الأمة. فطريقه وأهدافه هو غير طريقها وأهدافها.
تلك الحقائق لن تمر من دون موقف جدي عاجل تقفه تلك الأنظمة، إلى جانب موقف تركيا، تمنع فيه تقسيم العراق، وتساعد وتشارك في إعادة توحيده. وعلى أن تعي أن مشاركتها الحالية القائمة على استنهاض الشعور المذهبي لمواجهة الواقع المذهبي الآخر، لهو إغراق جديد للعراقيين في مشاكل لن تنتهي، كما هو تعميق للغرق في التفتيت والتقسيم.
ولا نحسب أن أي نظام عربي آخر مُستثنى من تلك الدعوة، فمن كان غارقاً في مساعدة المشروع الأميركي، كالنظام الأردني، عليه أن يبدأ بمراجعة خطأه والعودة إلى الصواب. وعلى من كان من النائين بنفسه عن المشروع الأميركي، كالنظام السوري، أن يحذر من الوقوع في الأفخاخ المنصوبة له، فليس لدى جورج بوش ما يعطيه لأحد، فهو سيرحل من العراق، وسيرحل عن كرسي «من يأمر وينهى» بشكل يتزامن مع هزيمته التي تلوح راياتها على أرض الرافدين. وهو الآن يمر بأضعف مواقعه بالتأثير على الكيان الصهيوني، هذا إذا كانت لديه مواقع في التأثير حتى وهو في أعلى مراحل القوة. كما أن المراهنة على بناء علاقات مع عملاء الاحتلال الأميركي في العراق، حتى لو كانوا حلفاء لحليفه الإيراني، ليس في مكانه ولا في زمانه، فمشروع إيران الإيديولوجي لن يكون في مصلحة وحدة الأمة العربية على الإطلاق، وهو حتماً لن يصب في مبدأ حماية وحدة الشعب السوري وأرضه.
5-المقاومة تنتصر في معركة تنظيم صفوفها واستئناف نشاطها
لقد راهنت الإدارة الأميركية، والنظام الإيراني، ومعهما تحالف الأنظمة العربية الرسمية، وضعفاء النفوس ممن كانوا محسوبين على حزب البعث والمقاومة، وكل السائرين في ركاب من قمنا بتعدادهم، على أن حسم المعركة ستكون باغتيال صدام حسين ورفاقه، لكن الذي تأكَّد لدينا أن قيادة الحزب والمقاومة في العراق، بمباركة وتأييد قوميين، حسمتا مسألتين معاً، وهما:
أ-الحسم السريع في إعادة ترتيب الوضع التنظيمي في العراق، على قواعد النظام الداخلي وأسسه.
ب-واشتداد نار المقاومة اشتعالاً، كماً ونوعاً، بالإضافة إلى أنها اكتسبت عاملاً جديداً تمثَّل في تحويل العراق إلى مقاومة شاملة، لا تميِّز فيها بين المقاوم الملتزم والمواطن العادي.
فليطمئن الخائفون على مصير حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادة المقاومة، لأن من أسَّس لأعظم مقاومة في التاريخ، لن يعجز عن لمِّ شمل الحزب وإعادة تنظيمه ليتابع مسيرة التحرير والاستقلال.
فالمواجهة التي تنفذها المقاومة بأداء وتضحية عاليين، ليست من السهولة بمكان. وهي إذا كانت ليست معبَّدة بالورود، بل بالعرق والجوع والجرح والدم والروح، فهي سهلة لأن وقودها جاهز في نفوس كل المناضلين يُعطي فيها القادة الأنموذج عندما يتصدَّرون طلائع المناضلين في تقديم أرواحهم بشجاعة وكبرياء.
فالمقاومة اليوم تتصدى لآخر مغامرات جورج بوش، كما تصدت لمغامرته الأولى، وهي عاقدة العزم على الاستمرار على الرغم من أن وحوش أميركا وعملائهم ومرتزقتهم دخلوا بمغامرتهم الجديدة عاقدين العزم على ارتكاب كل أنواع الوحشية والإرهاب، فكبر الخسارة التي ينتظرها أركان الإدارة الأميركية تبرِّر، في نظرهم، كل وسائل الوحشية وبشاعتها.
لكن المقاومة زادت من نشاطها بما جعل جورج بوش يستقبل جثث أكبر قادته العسكريين في العراق قبل أن يعلن خطته الأمنية الجديدة ويقوم بتطبيقها مع أركان حكومته العميلة في العراق.
فهل بعد ذلك يصمد الليبراليون على حكمتهم؟
وهل بعد ذلك ستنتصر مغامرة بوش الأخيرة؟

ليست هناك تعليقات: