الخميس، فبراير 25، 2010

المقاومة العراقية تقطف الحبة الأولى من عنقود الضمير الأممي

-->
المقاومة العراقية
تقطف الحبة الأولى من عنقود الضمير الأممي
في 17/ 3/ 2004م
قل لي من تقاوم؟ أقل لك ما هي أبعاد مقاومتك ونتائجها. هذا السؤال يطرح نفسه بإلحاح حول ما يحصل في العراق بين المقاومة الوطنية العراقية وقوات الاحتلال الأميركي وأتباعها.
من الواضح أن أهداف المقاومة العراقية وطنية قبل كل شيء آخر، لكن تلك الأهداف المباشرة ليست محدودة بجغرافية العراق، بل لها انعكاسات غير مباشرة ونتائج غير مباشرة على المستويين القومي العربي، والدولي الإنساني. فإذا كانت استراتيجيا قيادة المقاومة العراقية تستند إلى أهداف استراتيجية قومية من خلال تجربة نضال وطني يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي؛ فإن نتائج نضالاتها الإيجابية، بعد أن تفرض على القوات المحتلة الانسحاب من العراق، ستصب في مصلحة حركة التحرر العربية.
إن النظر إلى أهداف المشروع الأميركي، التي تستهدف العالم بأكمله من المحيط إلى المحيط، يدفعنا إلى التأكيد أن ما نحسبه نتائج إيجابية لصالح القضية الوطنية العراقية، أو لصالح القضية القومية العربية ككل، ليس هو كذلك فقط من حيث النتائج غير المباشرة، وإنما ستكون نتائج اندحار المشروع الأميركي في العراق ذات مردود عالي الأهمية بالنسبة للمصالح الأممية على صعيد كل دول العالم، ومن أهمها منظومة دول النادي الرأسمالي.
لو حصرنا مقالنا في حدود تأثيرات القضية العراقية على المستوى الأممي، لكان من الضروري واللازم أن نوضح بعض جوانب الصراعات الأممية غير المنظورة ضد مشروع »أمركة العالم«. وهنا نرى من خلال العودة إلى مئات التقارير والكتابات ذات العلاقة بأبعاد الصراعات الدولية ضد المشروع الأميركي- أن دول العالم، قاطبة، تعرف خطورته. ولكن بدلاً من أن تُعدَّ العدة من أجل لجمه، ولأنها تحسب أنها لن تستطيع »كسر يده«، فإنها تقبِّلها و»وتدعو عليها بالكسر«، على قاعدة المثل الشعبي الرائج كثيراً على مستوى الثقافة والتعبئة الشعبية العربية، كما هي رائجة كثيراً حتى في ثقافة مثقفي »الأنتليجنسيا العرب«.
لما تواصل إلى مسامع الدول الكبرى سقوط بغداد تحت الاحتلال تزاحمت أنظمة معظم دول العالم السياسية على أبواب رأس مشروع الأميركيين المتطرفين الجدد طلباً لمغفرته ورضاه عن الأبناء الذين ضلُّوا الطريق عندما مانعوه في إعطائه شرعية أممية في حربه ضد العراق.
ولما تنامت أخبار المقاومة العراقية إلى مسامع تلك الأنظمة التقطت أنفاسها وخفَّ تزاحمها على أبواب البيت الأبيض لأنها توسَّمت بنتائج أعمال المقاومة العراقية خيراً في أنها إذا لم تكسر اليد، التي تزاحمت لتقبيلها بحجة عدم قدرتها على كسرها، فإنها بلا شك ستلويها. فمن تغير الأوضاع من حال إلى حال بدأ مشروع الوقوف الدولي ضد المشروع الأميركي ينتعش ويظهر، رويداً رويداً وبقفازات ديبلوماسية، إلى العلن.
من تلك المراهنة، حتى ولو كانت مغلَّفة بالنوايا غير المعلَنَة وتتمظهر بقفازات ديبلوماسية، لا بُدَّ من أنها تضع نضالات المقاومة العراقية في مصاف الوسائل الأممية لتحرير العالم من الكابوس الأميركي وجموحه. ولهذا ليست المقاومة العراقية ذات أبعاد وطنية أو قومية فحسب، بل هي ذات أبعاد أممية إنسانية أيضاً.
إن الضمير العالمي (في محاولة منا للتمييز بين مصالح الأنظمة وضمائر الشعوب) قد التقط منذ لحظات التهديد الأولى باحتلال العراق حقيقة الصراع الأميركي العراقي، واتَّخذ منه موقف المنحاز إلى الطرف العراقي بدون لبس أو غموض. فكانت مظاهره أكثر بروزاً في المظاهرات التي جابت شوارع المدن الرئيسة في شتى أنحاء العالم، ولم تستثن ضمائر الشعوب في الدولتين المحتلتين: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. كما أن خطورة المشروع الأميركي، على خلفية الدور المسيحي المتعصب الذي يستند إليه التطرف اليميني الأميركي في مشروعه الخبيث، أثار بحدة وإصرار- ضمير الكنيسة المسيحية الغربية والشرقية وظهرت ردود فعلها الغاضبة والمستنكرة والمحذِّرة في تصريحات وبيانات ورسائل رؤوساء تلك الكنائس في شتى أنحاء العالم المسيحي.
لقد أعطت الأنظمة الدولية المؤيدة للحرب والعدوان، ومن بعدهما الاحتلال، الأنموذج الأسوأ للديموقراطية المزيَّفة في العالم الذي تتشدَّق بفضائلها. وزوَّرت تلك الأنظمة إرادة شعوبها، وتحديداً إرادة الأكثرية الشعبية الرافضة للحرب، فتجاوزتها وأهملتها وضربت بها عرض الحائط، وركبت رأسها بتحريض من أصحاب الرساميل فيها- وراحت تعمل على تخفيف المأزق الأميركي في العراق.
إن الأنموذج الأكثر دلالة عن السلوك اللاديموقرطي الذي تتمسَّك به الأنظمة الداعمة للحرب والاحتلال، هو ما حصل في أسبانيا. لقد صوَّرت أبواق أزنار (رئيس الحكومة الإسبانية ما قبل الانتخابات الأخيرة) أن قرار دعم قوات الاحتلال الأميركي كان ديموقراطياً ويعبِّر عن رأي أكثرية الشعب الإسباني، فجاءت نتائج الانتخابات الأخيرة لتثبت الأكاذيب التي كانت حكومة أزنار تمارسها لتضليل الرأي العام العالمي والأسباني، فجاء صوت ضمير الشعب الإسباني ليكشفها ويعرِّيها. وقد عبَّر رئيس الحكومة المنتخب ليعلن بوضوح وإصرار عن حقيقة ضمير الشعب الإسباني وقراره بلاشرعية الحرب الأميركية والاحتلال الأميركي للعراق. وعبَّر بعض الجنود الأسبان الموجودين في العراق وهم من الذين صوَّرهم أزنار ووزيرة خارجيته (آنا بالاثيو) أنهم موجودون في العراق للقيام بمهام إنسانية- عن أنهم لن ينتظروا نهاية حزيران ليعودوا إلى بلادهم، بل طالبوا أن تعيدهم حكومتهم فوراً إلى إسبانيا.
تلك هي الحبة الأولى لقطاف عنقود الضمير العالمي تُسجَّل لحساب المقاومة العراقية. وهو وسام لها بتقليدها نجمة أولى لما تقدِّمه من خدمات وتضحيات من أجل العالم قاطبة، وهي وسام لحركة التحرر العربية تعلِّقه المقاومة العراقية، بنضالات أبطالها، وصبر المعتقلين من أفرادها في سجون العدو، ومن حياة شهدائها، ومن دماء جرحاها، ومن معاناة أطفالها ونسائها وشيوخها القابضين على جمر العذاب، قابلين وراضين ومصرِّين على متابعة النضال والتضحية.
لقد مرَّ عام أول من عمر المقاومة العراقية، وعمر الإرادة بالتحرير لا يُقاس بالسنين، بل يُقاس بحجم الكتلة النضالية التي تختزنها الشعوب المكافحة من أجل الحرية والاستقلال، ولهذا نرى قياساً على هذا المكيال- أن عمر حالة التراكم النضالي الذي صنعته المقاومة العراقية هو عدة من السنين. فبوركتم يا أبطال العراق، وهنيئاً لك يا مقاومة العراق، يا مقاومة الأمة العربية، وانتظري حبات أخرى ستُقدَّم إليك قريباً من عنقود الضمير العالمي الذي أعطى نتائجه الأولى واليانعة بفعل ضمير الشعب الإسباني النبيل.

ليست هناك تعليقات: