الخميس، فبراير 25، 2010

هرباً من مآزقه

-->
هرباً من مآزقه
جورج بوش يعظ العالم في خطاب إعادة تتويجه.
في 22/ 1/ 2004م
عندما نظرت إلى جورج بوش وهو يخاطب الأميركيين والعالم، بمناسبة إعادة تتويجه، تذكرت صورته –في الأول من أيار من العام 2003م- وهو يعلن انتصاره في العراق.
كان حينذاك يظهر بصورة المنتصر الفعلي لأنه شُبِّه له أن الجيش الأميركي قد انتصر بعد دخوله بغداد. أما صورته في يوم إعادة تتويجه فأبرزته كممثل ماهر يخفي مظهره صورته الحقيقة التي هو عليها فعلاً لأنه يذوق الأمرّين في بغداد كما في كل مدن العراق.
حاله الحقيقية هو أنه أكثر من مأزوم ومنهزم ومنزلق في كثير من المآزق. وإذا كانت صورته الظاهرية تدل على خفاياه الحقيقية فإن ابتسامته العريضة التي ظهر بها ليست إلاَّ للتضليل والتزييف. فإذا كان التضليل ينطلي عليه فهو لم ينطل على الأعداد المليونية من شعبه الأميركي.
أما لماذا ظهر «جورج الصغير» على تلك الحالة؟
وعندما نحاول تفسير الأسباب، نجزم بأننا لا نزيد عليها أكثر مما أراد المخرجون أن تكون عليه صورة «إمبراطور أميركا» في يوم «إعادة تتويجه». وإذا كانت أمه «بربارة بوش»، التي جاءت لتشهد حفل تتويجه، قد صرَّحت بدون خجل –منذ أكثر من عام- أنها ترفض تشويه صباحها الجميل بسماع أخبار جثث الجنود الأميركيين، فلا شك بأنها هي التي أمرت المخرجين الذين درسوا كل تفاصيل ظهوره أمام الشعب الأميركي، بأن تظهر على وجهه علامات السعادة والحبور وكل ما يتطلبه الغرور من تفاصيل، فظهرت بناء لتعليمات المخرجين كما ظهرت أمام العالم على شاكلته التي ظهر عليها.
لم يستطع آباء الجنود القتلى وأمهاتهم إلا أن ينغصوا عليه، وعلى أمه، حفلة تتويجه الجميل، فتجمعوا في المكان المخصص لقسم اليمين، لكي لا يمر يومه الجميل جميلاً. بل أن يشم على الأقل- ما نقله له رجال مخابراته من أن هناك من أتى ليبكي ولده القتيل في العراق، وجاءك من ينتظر جثة ابنه التي ستعود إليه من العراق. لم يتركوه يهنأ، ولم يتركوا أمه «بربارة» تهنأ أيضاَ. لقد رفعوا اللافتات التي تدل على أن رئيسهم هو أكبر الطغاة في العالم على الإطلاق.
أيها الامبراطور الممثل، المثقل بهزائمك، لن تخدعنا كل وسائل الإخراج المسرحي في أن نراك على عكس الصورة التي أعدُّوك للظهور عليها. لقد قرأك العارفون بحقيقة وضعك التعيس. لقد قرأوا كل تقاسيم وجهك. وقرأوك في خطابك. فماذا قرأ العارفون في ذلك الخطاب؟
لم تشمل القراءة ما سمعوه فحسب، وإنما قرأوا ما لم تقله أيضاً.
ما لم يسمعه العارفون في خطابك، هو أنك لم تُشر إلى المآزق بأية كلمة. فأين أفغانستان وحلمك (الكارازاي) فيه؟ أين بن لاذن؟ وأين القاعدة؟ وأين 11 سبتمبر؟
أين العراق والمقاومة العراقية؟ أين أخبار جثث جنودك ممن أرسلتهم إلى الموت بسابق تصور وتصميم؟ أين جثثث جنود حلفائك؟ أين حلمك في «علاوي» العراق؟ وأين حلمك من كل الخونة الذين وعدوك بأن يتوجوك إمبراطوراً على وطنهم، وفي وطنهم؟ فلا أصبحت أنت أنطونيوس ولا استطاع أن يكون الخونة «كليوبترا»؟
لماذا أيها الامبراطور المتوِّج على جماجم ضحاياك في أفغانستان والعراق وفلسطين، وجماجم جنودك، لم تلفتك أكثر القضايا إرهاقاً لك، ولأمك التي تخاف على مناصبك من الضياع، فلم ترشقهم بكلمة من مثل كلماتك النارية المليئة بالتهديد والوعيد؟
هل أكلت تلك القضايا التي أدمت أنفك وأنف وزير دفاعك من لسانك شيئاً؟
هل أُصبت بالحساسية من غبار صحراء العراق، وهل أصابك طلع نخيله بالحساسية؟
هل امتنعت عن ذكرها في خطابك تضليلاً وحرفاً لاتجاهات التفكير بالمآزق التي أقضت مضجعك؟ ولكي لا تشوه يوم تتويجك الجميل؟
أيها الامبراطور الذي يريد أن يبني عرشه على جماجمنا؟ لماذا تهرب إلى الأمام؟
لن ندعك تنام على وسادة وثيرة، لأن جماجمنا ستنتقم منك، ولن توفرك. لن ندعك تحلم بأن يكون جنودك هم هدف مرمانا الوحيد، بل أنت وكل عصابتك، هم هدف أساسي لذلك المرمى.
لن تسلم حتى ولو حولتنا إلى جماجم، لن تسلم إذا غزوت الفلوجة وقتلت أطفالها لأنهم مشروع ثوار سيأخذون الثأر لآبائهم الشهداء. ولن تموت جماجم الماجدات في الفلوجة عندما قتلتهن خوفاً من أنهن سيحملن بثوار جدد. فجماجم ماجدات الفلوجة سيحملن أيضاً، وسيحملن بتواصل لكي تستطيع يد –في يوم ما – من الوصول إليك وإلى عصابتك.
لأنها ستحمل وستلد وستنتقم، وسوف يحترق قلب «بربارة بوش» وعينيها وأذنيها، وسوف ترغم جماجم ماجدات العراق اللواتي سحلهن «جورج الصغير» تحت جنازير دباباته، وقوة عصف صواريخه. فلقد قال الله تعالى «وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين».
أما أيها الإمبراطور الطاووس، فلن تخدعنا بسمتك ولا استرخاؤك ولا تكاليف تتويجك الباهظة التي سرقتها من فم الجائعين من الأميركيين. لن تخدعنا لأنك أحرقت روما العالم ورحت تتفرج عليها بابتهاج. ولن يخدعنا ما قرأناه في خطابك.
لقد ظهرت في خطابك واعظاً مرشداً وكأنك خارج من محراب كنسي، أو محراب جامع. ورحت تلقي مواعظك عن الديموقراطية في العالم والطغاة في العالم، وكأنك رسول أتى ليقتلع الطغيان.
أيها المبشر الممثل، لن تخدعنا عباءة تبشيرك، ولن تخدعنا سبحة الثعلب، ف«غبي من يصدق أن للثعلب دينا».
رحت تسترسل بمواعظك التي تلقيها على البشرية وتهدد الطغاة. ونسيت الشعارات التي رفعها آباء الجنود الأميركيين المقتولين وأمهاتهم وقد سجلوا فيها على مسافة قريبة من مكان تتويجك «جورج بوش هو أكبر الطغاة في العالم». لقد نسيت ما قالته والدة الجندي الأميركي/ وحش سجن أبو غريب عندما وجهت تهمة التعذيب إليك وإلى وزير دفاعك. واعتبرت ابنها ضحية قراراتك وتعاليمك.
أيها الثعلب الذي ظهر بثياب الواعظ. أيها الثعلب الذي حمل السبحة ليبشر بالقضاء على الشر، ويبشر بالسلام والمحبة، ويدعو دول العالم لمساعدته في مهمة قذرة. لم تكن عظتك ذات غرض أكثر من أن تخدع الديكة ليصدقوك ويقعوا فريسة لك.
لقد كان وعظك خدعة لم تمر إلاَّ على السذج والأغبياء. وهي لن تخدع أحداً. فأنت مخادع مأفون. وقد عرفك مواطنوك قبل أن يعرفك الآخرون. فما عليك إلاَّ أن تكفر عن ذنوبك وأن تكشف اللثام عن وجهك القبيح. فهل أتيت بثياب الواعظ لكي تجمل وجهك القبيح. التي لا تراه أمك وحدها إلاَّ جميلاً؟
لم يصدق أحد ما جاء في عظتك، لأنهم تأكدوا بأنك كاذب مخاتل جبان. وأنت تظهر لهم اليوم ما أظهرت عكسه في أيار من العام 2003م. فشعبك كشف الغطاء المزيف الذي ترتديه، وحلفاؤك كشفوا الغطاء عن نواياك الخبيثة، ونحن نعرفك حتى قبل أن تعتدي على العراق وتحتله. فاخلع ثوبك المزيف لنراك على حقيقتك ولكي نقول –لمرة واحدة- أنك صادق.

ليست هناك تعليقات: