الخميس، فبراير 25، 2010

في الذكرى الرابعة لاحتلال العراق

--> -->
في الذكرى الرابعة لاحتلال العراق
النجف الرافضة للاحتلال تتصل مع تاريخها المقاوم
11/ 4/ 2007
لقد حسب الكثيرون حسابات غريبة، ووضعوا النجف كرمز في مكانها الغريب عن موقعها، وراحوا يراهنون على اقتلاعها من تاريخها النضالي وبطولات أبنائها. فكانت مراهناتهم خاسرة، فتاريخ شعب، وإن طُمس لفترة، إلاَّ أنه سيظهر من بين خلايا أكثر صخور الطمس صلابة. والنجف اليوم تبرهن على ذلك.
أولاً: في مدينة النجف اندلعت الشرارة الأولى لتحرير العراق من الاحتلال البريطاني
ما أشبه النجف اليوم بأمسه. بعد الحرب العالمية الأولى، دخلت القوات البريطانية، في 6/ 11/ 1914، إلى جنوب العراق، وأكملت احتلاله، في تشرين الثاني من العام 1918. ولم تكن ممارسات قوات الاحتلال البريطاني حينذاك غير تلك التي تقوم بها قوات الاحتلال الأميركي بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً.
»بدأت سلطات (الاحتلال البريطاني) بإصدار الأوامر والبيانات الصارمة، مستولية على بعض الأراضي موزِّعة إياها على عملائها من شيوخ العشائر، وزوَّدتهم بالسلاح والعتاد والأموال بقصد تكريس الاحتلال وإطالة عمره«.]راجع: صادق حسن السوداني: لمحات موجزة من تأريخ نضال الشعب العراقي: وزارة الثقافة والإعلام: بغداد: 1979م: ص 4-5[. ولم تكن ردود فعل العراقيين، ضد قوات الاحتلال البريطاني، في أوائل القرن العشرين، غير تلك التي تقود خطاهم في مقاومة الاحتلال الأميركي البريطاني في القرن الواحد والعشرين.
بعد دخول الجيش البريطاني إلى بغداد؛ ولما انكشف خداع البريطانيين عن وعودهم الكاذبة في إعطاء العراقيين الاستقلال بعد انتهاء الحرب، خاصة وأنه جاء في بيان القائد العسكري البريطاني، بعد احتلال بغداد، في 11/ 3/ 1917م، ما يلي: »إن جيوشنا لم تدخل مدنكم وأراضيكم بمنزلة قاهرين أو أعداء، بل بمنزلة محررين«!!!.
ولما كان الاحتلال يستفز مشاعر العراقيين، انتفض أهالي النجف ضد الحاكم البريطاني، وقتلوه، في آذار من العام 1918م؛ وهاجموا قوات الاحتلال في أكثر من مكان وكبَّدوها خسائر فادحة، فكانت ثورة النجف خطوة تمهيدية لثورات أكبر تواصلت على الرغم من كل وسائل الاضطهاد ومحاولات النفي والإبعاد. فبعد أن كرَّس مؤتمر (سان ريمو)، في نيسان من العام 1920م، نظام الانتداب البريطاني على العراق، أعلن العراقيون أن »الحرية تؤخذ ولا تُعطى«، واندلعت ثورة العشرين، في 30 حزيران / يونيو من العام 1920م. وفيها سقط لقوات الاحتلال البريطاني آلاف الخسائر بالأرواح.
ثانياً: على الحدود الجنوبية للعراق انتصر العراقيون في القادسية الثانية:
غنيٌّ عن البيان أن العراق انتصر على العدوان الإيراني في حرب السنوات الثمانية (1980-1988) باجتماع جناحيه، خاصة من بوابة العراق الجنوبية التي كان العدوان الإيراني يراهن على اختراقها بالعامل المذهبي، فكانت مراهناته غيبية وساذجة، إذ كان أبناء جنوب العراق هم المدافعون الأشداء عنه وحماية حدوده الجنوبية.
ثالثاً: مظهران متناقضان في بدايات مرحلة العدوان الأميركي – البريطاني، ومرحلة الاحتلال:
كانت مرحلة الأسابيع الثلاثة، التي امتدَّت منذ بداية العدوان في 19/ 3/ 2003، حتى احتلال بغداد في 9/ 4/ 2003، من أكثر المراحل المجهولة في مجريات الحرب العدوانية، وفي مجريات المواجهة التي قام بأودها أبناء جنوب العراق. ولأنه تمَّ التعتيم على مجرياتها، خاصة وأن تداعيات مرحلة ما بعد الاحتلال قد أكلت كل الوقت وغيَّبت كل ما قبلها. فانشدَّت الأنظار إلى متابعة ما ستؤول إليه نتائج المواجهة بين المقاومة والاحتلال.
لهذا سنقوم بالإضاءة على ثلاثة عوامل مهمة، لها علاقة بطبيعة ما يتفاعل في جنوب العراق اليوم، خاصة بعد المظاهرات التي حصلت في النجف. وتلك العوامل هي: البطولات والملاحم البطولية التي سجَّلتها الأكثرية الساحقة من أبناء جنوب العراق، والخيانة الموصوفة لأقلية عراقية رهنت مصيرها بمصالح الاحتلال الأميركي والنظام الإيراني. والموقف المتماوج وغير المستقر للمرجعية الشيعية في العراق.
1-أما البطولات والملاحم فهي تلك التي سجَّلها أبناء جنوب العراق في المراحل الأولى للعدوان، بعد أن استطاع بعض الباحثين عن أحداث تلك المرحلة تكوين صورة حقيقية، ومنهما الأستاذين: رعد الحمداني، والصارم العراقي. فقمنا بالاعتماد على بعض ما جاء في نتائج بحثهما، وهذا يدفعنا أيضاً للاعتذار إلى كل من بذل جهداً في هذا السبيل ولم نحصل على نتائج جهده.
ابتدأت البطولات في أم قصر، تلك التي تسنى للعالم أن يشاهدها على شاشات التلفزة، وامتدت إلى البصرة والناصرية والسماوة والنجف ولم تنته في كربلاء، بل انتقلت إلى مطار صدام الدولي، بكل مشاهد البطولات التي بذلها الجيش العراقي بكل فصائله وتشكيلاته، بمشاركة مباشرة من الرئيس الشهيد، ولم تتوقف البطولات التي بذلتها القوات النظامية إلاَّ بسبب استخدام العدو الأميركي سلاحاً فتاكاً جعل الاستمرار فيها مغامرة خاسرة. إلاَّ أن المواجهات تواصلت بعد احتلال بغداد، من دون أي فاصل زمني، واستمرت بوسائل حرب التحرير الشعبية التي امتدت إلى كل زوايا العراق. وساعتئذٍ تفاوتت حدتها بين جناحي العراق، فكانت قوية في نصف، وضعيفة في النصف الآخر، أي قوية في النصف الغربي والشمالي، وضعيفة في النصفين الجنوبي والشرقي.
لم يكن ذلك التفاوت من دون أسباب، منها الظاهر، ومنها المخفي. ولكنها كانت ذات علاقة وثيقة بالعامل الثاني.
2-العامل الثاني: خيانة الميليشيات العراقية المرتبطة بالنظام الإيراني:
إن من بذل بطولات كبيرة في بداية زخم العدوان، خاصة وأن موازين القوى كانت مختلَّة بالمطلق لصالح القوة العسكرية الأميركية، يستطيع أن يبذل مجهودات كبرى في مرحلة حرب التحرير الشعبية. وإذا كانت مظلة المقاتل النظامي الحماية الجوية فإن المظلة التي تحمي المقاوم الشعبي هي البيئة السكانية التي يقاتل على أرضها. ومن هذه النقطة نبتدئ في تحليل الواقع، لنصل إلى نتائج لعلنا نستفيد منها في رؤية ما يجري على أرض جنوب العراق الآن.
تغلغلت الأفعى الأميركية عن طريق الكويت، محمية بحدود شرقية يرابط عليها النظام الإيراني الذي اعترف بأن له الفضل باحتلال العراق. فتسللت الأفعى وأخذت تمتد بفعل تفوق قوتها النظامية ، وهذا لا يلغي أنها قد أدميت خلال تسللها، ولما استقرَّ المقام لها من دون تثبيت مواقعها، ولما انتقل الشعب العراقي إلى استراتيجية المواجهة الشعبية، ابتدأت مشكلة توفير أسباب الحماية الشعبية للمقاومين في جنوب العراق تتفاقم، وكان للدور الإيراني الأثر الخطير في ذلك.
فبدلاً من أن ينقل النظام الإيراني القوى العراقية التي كان يؤويها في إيران (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وفيلق بدر)، أو التي كان يغذيها ويساعدها وبتحالف معها وهي نائمة في العراق (حزب الدعوة الإسلامي)، فقد دفع بها لكي تبدأ بدورها الخبيث المرسوم لها. وكان هذا الدور ماثلاً في ظاهرتين: التعاون والتنسيق إلى الحدود القصوى مع الاحتلال من جهة، وإلى ملاحقة البعثيين والوطنيين وكل من يبدر منه فعل لمقاومة للاحتلال أو يُبطنه من جهة أخرى.
إنه دور لا يمكن للاحتلال أن يقوم به من دون مساعدة أدوات محلية تعينه في النظر والسمع، فهو من دونها يصبح أعمىً وأخرساً.
إن تلك العوامل ليست ذات أعماق شعبية، فقد تكوَّنت قوتها بواسطة ميليشياتها مدعومة بالإمكانيات المادية والتسليحية، وأكثرها خطراً وأهمية الإمكانيات الأمنية التي وفَّرتها أجهزة المخابرات الإيرانية، بالقيادة والأفراد، التي يرجح البعض عددها بعشرات الآلاف، وقد أخذت أعدادها تتكشف بعد انتهاء شهر العسل بين الاحتلال الأميركي والنظام الإيراني.
3-أما العامل الثالث فهو دور المرجعية الشيعية في العراق، التي يمثلها السيستاني تحديداً، ولم تكن بدايته مثل نهايته. ونعيد الذبذبة في مواقف المرجعية إلى تجاهلها لأهمية العامل الوطني، إذ خضعت إلى ضغوطات نخبة من السياسيين الشيعة المستفيدين من الاحتلال، خاصة وأن همها كان محدوداً بسيطرتها على عائدات الخمس والزكاة والنذور، وساعدها الاحتلال الأميركي والنظام الإيراني، بتسليمها مفاتيح «العتبات المقدسة» بعد مسرحية معركة الكوفة بين «جيش المهدي» وقوات الاحتلال الأميركي في الكوفة والنجف.
بداية حظيت المرجعية الشيعية في العراق بتنويه الرئيس الشهيد صدام حسين في رسالته إليها، بتاريخ 14/ 8/ 2003، مثمِّناً ما قاله السيستاني (لابراهيم الجعفري) «إن أي دستور يُوقَّع في ظل الاحتلال الأمريكي هو باطل». ودعاه الرئيس الشهيد إلى استكمال ذلك الموقف الوطني بالدعوة للجهاد ضد الاحتلال. وكانت المراهنات مشروعة في بداية الأمر إلى أن ثبت ضعفها بعد تسليم المرجعية مفاتيح العتبات المقدسة. ذلك السبب الذي أسهم في تصاعد وتيرة انحراف مواقف المرجعية باتجاه محاباة الاحتلال، والسكوت عنه، واستأنفتها بإصدار فتاوى شملت تشريع الانتخابات تحت الاحتلال، وتشريع توقيع دستور للعراق، والسكوت تماماً عن جريمة الاحتلال، ورعاية ما تُسمى بـ«العملية السياسية» التي يرعاها كل من الاحتلال الأميركي والنظام الإيراني معاً.
رابعاً: الرئيس الشهيد صدام حسين، وقيادة قطر العراق، يعالجان الخلل برؤية وطنية:
لقد عالج الشهيد صدام حسين، مواكباً ما يجري في جنوب العراق، الجناح الآخر للشعب العراقي، من خلال رسالتين وجَّههما إلى العراقيين في الجنوب:
الأولى: رسالة إلى السيد السيستاني: كان قد سبق الرسالة لقاء أجراه ابراهيم الجعفري مع السيستاني في 6 أغسطس 2003 في النجف ليطلعه على أعمال المجلس. والجعفري هو أحد المسؤولين في حزب الدعوة، الذي عُيِّن في 30 تموز 2003 أول رئيس دوري لمجلس الحكم الانتقالي في العراق لمدة شهر. ويُذكر أنه في حزيران 2003 أصدر السيستاني فتوى تعارض صياغة دستور جديد من قبل جمعية تعينها قوات الاحتلال. كما دعا في الشهر نفسه العراقيين إلى ممارسة نوع من «الجهاد المدني» ضد الاحتلال الأمريكي.
ورداً على تلك المواقف وجَّه الشهيد صدام حسين رسالته السابعة، تاريخ 14/ 8/ 2003م، جاء فيها: إن »موقف السيد السيستاني وعموم الحوزة العلمية في النجف مهم لجهاد العراقيين، وإن الحوزة لم تدعُ للجهاد لطرد الاحتلال حتى الآن«. وإنها »في وضع لا يتمنى مخلص وأمين له أن يستمر، وإنما ينتهي إلى إعلان الجهاد ليكون الشعب كله موحداً في موقفه ضد الاحتلال«. وأضاف إن »السيد السيستاني يحظى باحترامنا«، خاصة تصريحاته لإبراهيم الجعفري التي قال فيها: »إن أي دستور يُوقَّع في ظل الاحتلال الأمريكي هو باطل«. لذا فنحن »نرحب بهذا التصريح؛ لأنه يتضمن عدم الاعتراف بالاحتلال، ويعتبر أن كل ما يصدر من قرارات في ظل الاحتلال باطل «.
2-الرسالة التي وجهها إلى الشعب الأميركي، وهو في أسره، في 23 تموز 2006، وجاء فيها: «اثبت المجاهدون في عراق الفضيلة والجهاد بفضل ارادة الله ان اميركا نمر من ورق وأن شعبنا سيطبق بنصفيه على الغزاة لان شعبنا اصيل وواع ويدرك اهمية التسامح ورتق الجروح بدلا من فتقها».
3-وخاطب بيان قيادة قطر العراق، بتاريخ 7/ 9/ 2006، أبناء أبطال ثورة العشرين المجيدة بالقول: إن العراق اليوم يشهد تصاعدا كبيرا للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال وأعوانه مما أدى إلى تقريب ساعة النصر، واضطرار الاحتلال للاعتراف بأنه فشل في إخضاع الشعب العراقي، ويتجلى ذلك في انخراط الآلاف من أبناء الجنوب في المقاومة بشكليها المسلح والسلمي، كالمظاهرات والاحتجاجات التي طالبت بخروج الاحتلال الايراني من الجنوب وغيره، وضد الاحتلال الأمريكي للعراق. وهكذا أخذنا نشهد تحقق ما أراده القائد المجاهد صدام حسين...، حينما بشر بتحليق النسر العراقي بجناحيه لأجل التسريع بتحرير الوطن. إن حزبنا يدعوا أهلنا في الجنوب، من علماء دين وشيوخ عشائر وشخصيات اجتماعية بارزة ومناضلين لتعزيز التعاون مع المقاومة المسلحة وتصفية عقبات التحرير الباقية ورفض تسلل الأجانب إلى وطننا لتغيير هويته العربية.
خامساً: دعوة إلى أن تكون مظاهرات النجف بداية اكتمال جناحي العراق في طرد المحتل
وبناء على أن الحزب وقائده، كانا حريصين على مناشدة كل العراقيين ودعوتهم إلى الجهاد من أجل تحرير العراق، ورفض الاحتلال وعملائه، وكل إفرازاته، ليكون العراق وطناً للجميع.
ولأنه ثبت، بما لا يقبل الشك:
-أن العراق لن يكون إلاَّ موحداً. وأن كل دعوة أو محاولة لتطييفه ليست إلاَّ دعوة لتقسيمه. وهي أيضاً لا يمكن لها البقاء والاستمرار إلاَّ بإسناد خارجي لكي يوظفها لمصالحه.
-وأن كل تدخل خارجي، تحت أية صيغة كانت، مصيره الاندحار والهروب. وما يجري الآن في الشارع الأميركي ومؤسسات أميركا التشريعية هو برهان على أن الخلاف بينها وبين جورج بوش، ليس على إعلان الهزيمة، وإنما على توقيتها فقط. وهذه النتائج سيحصدها النظام الإيراني أيضاً، لأن أي بقاء له في العراق بعد الهزيمة الأميركية سيكون محرقة له، ولن يكون حجمها أقل من حجم محرقة «القادسية الثانية».
-أن كل دعوة لتقسيمه، على قاعدة الفيدرالية أو غيرها، هي إما مستحيلة أو واهمة. والسبب يعود إلى أن دعوات التقسيم لا تصدر إلاَّ عن إيديولوجيا مذهبية أو عرقية، بينما تأكَّد أن عمق ثقافة العراقيين مستند إلى ثقافة وطنية وقومية توحيدية. ولأن الأمر كذلك، فلن تستطيع أية حركة ميليشاوية مهما بلغت إسناداتها الخارجية، أو حتى الداخلية، من القوة، ستبقى عاجزة عن الحفر في بنية الشعب العراقي الوطنية والقومية.
نتوجَّه بدعوة أساسية، ودعوة ثانوية:
أما الدعوة الأساسية، فهو أن تُعيد المرجعية الشيعية حساباتها، وتعيد ترتيب مواقفها، على قاعدة أن العراق وطن نهائي لكل أبنائه، وأن تستعيد موقفها السابق في رفض الاحتلال وأية نتائج فرضها على واقع العراق والعراقيين، وأن تميز موقفها المبدئي عن كل مواقف التيارات السياسية والاقتصادية، المدعومة بالميليشيات، التي تغتنم فرصتها في تكديس رساميلها، أو في الحلم بالحصول على كرسي في التراكيب السياسية، على أشلاء وطنها وشعبها.
أما إذا كان الخوف من الأذى الدنيوي، أو الإقصاء عن موقع في هرمية المرجعية هو ما تخضع له المراجع الشيعية في اتخاذ مواقفها، فأين هو مصير: إن أشجع المواقف في «قول كلمة حق في وجه ظالم»؟
فهل تقتدي مرجعية السيستاني بمواقف أكبر المراجع الشيعية الأخرى، كأمثال السادة أحمد الحسني البغدادي، وحسين المؤيد، والخالصي، و... وكلهم أعلنوا مواقفهم الرافضة للاحتلال وكل تدخل خارجي آخر؟ وكلهم دعوا إلى الجهاد من أجل تحرير العراق؟
فهل تبادر المرجعية الشيعية إلى الدعوة لإعادة اصطفاف «مقلِّديها» على قاعدة وطنية؟
وهل تبادر إلى تمييز نفسها عن الحركات السياسية الدينية التي تستغل الدين، ومرجعياته، لأغراضها الخاصة؟
ستزول الميليشيات وسيهرب قادتها لا محالة، فالعودة إلى الدعوة لكلمة الحق هي الأبقى، خاصة وإن الدعوة إلى الجهاد ضد المحتل هي من ضرورات الدين والوطن، فهل تفعلها مرجعية السيستاني قبل فوات الأوان من أجل عراق متحرر موحَّد؟
هل ستفعلها فتكسب؟ أم أنها ستترك الزحف يسبقها فيسحقها؟ خاصة إن جماهير الجنوب كشفت كل الأكاذيب ووسائل الخداع، وسوف تتجاوز كل العوائق، وستضطرم نار المقاومة التي ترفض الاحتلال المباشر وكل أشكال التدخل الخارجي.
أما دعوتنا الثانوية فهي إلى منتسبي الميليشيات، من الذين يتذرعون بتوفير لقمة العيش، فنقول «إن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها». فاتخذوا موقف الأحرار، فتكسبون موقعكم في وطن يسير نحو التحرر في وقت أصبح قريباً. في وطن آمن حر خالٍ من كل وجود خارجي، وخالٍ من كل وجود يرى العراق من ثقب «إبرة الطائفية».
فهل تعيد مظاهرات النجف وصل ما انقطع من تاريخها في ثورة العشرين وما انقطع من تاريخها في المواجهات البطولية التي خاضتها قبل أربع سنوات في مواجهة العدوان الأميركي البريطاني؟
نُشر منها في السفير (18/ 6/ 2007) العدد (10726)
النجف الرافضة للاحتلال تتصل مع تاريخها المقاوم
حسن خليل غريب
حسب الكثيرون حسابات غريبة، ووضعوا النجف كرمز في مكانها الغريب عن موقعها، وراحوا يراهنون على اقتلاعها من تاريخها النضالي وبطولات أبنائها. فكانت مراهناتهم خاسرة، فتاريخ شعب، وإن طُمس لفترة، إلا انه سيظهر من بين خلايا أكثر صخور الطمس صلابة. والنجف اليوم تبرهن على ذلك.
أولا: في مدينة النجف اندلعت الشرارة الأولى لتحرير العراق من الاحتلال البريطاني. ما أشبه النجف اليوم بأمسه. بعد الحرب العالمية الأولى، دخلت القوات البريطانية، في 6/11/,1914 الى جنوب العراق، وأكملت احتلاله، في تشرين الثاني من العام .1918 ولم تكن ممارسات قوات الاحتلال البريطاني حينذاك غير تلك التي تقوم بها قوات الاحتلال الأميركي بعد مرور أكثر من ثمانين عاما.
ثانيا: على الحدود الجنوبية للعراق انتصر العراقيون في القادسية الثانية: غنيٌّ عن البيان ان العراق انتصر على العدوان الإيراني في حرب السنوات الثماني (1980ـ1988) باجتماع جناحيه، خاصة من بوابة العراق الجنوبية التي كان العدوان الإيراني يراهن على اختراقها بالعامل المذهبي، فكانت مراهناته غيبية وساذجة، إذ كان أبناء جنوب العراق هم المدافعون الأشداء عنه وحماية حدوده الجنوبية.
ثالثا: مظهران متناقضان في بدايات مرحلة العدوان الأميركي ـ البريطاني، ومرحلة الاحتلال: كانت مرحلة الأسابيع الثلاثة، التي امتدت منذ بداية العدوان في 19/3/,2003 حتى احتلال بغداد في 9/4/,2003 من أكثر المراحل المجهولة في مجريات الحرب العدوانية، وفي مجريات المواجهة التي قام بأودها أبناء جنوب العراق. ولأنه تم التعتيم على مجرياتها، خاصة وان تداعيات مرحلة ما بعد الاحتلال قد أكلت كل الوقت وغيّبت كل ما قبلها. فانشدت الأنظار الى متابعة ما ستؤول اليه نتائج المواجهة بين المقاومة والاحتلال.
لهذا سنقوم بالإضاءة على ثلاثة عوامل مهمة، لها علاقة بطبيعة ما يتفاعل في جنوب العراق اليوم، خاصة بعد المظاهرات التي حصلت في النجف. وتلك العوامل هي: البطولات والملاحم البطولية التي سجّلتها الأكثرية الساحقة من أبناء جنوب العراق، والخيانة الموصوفة لأقلية عراقية رهنت مصيرها بمصالح الاحتلال الأميركي والنظام الإيراني. والموقف المتماوج وغير المستقر للمرجعية الشيعية في العراق.
أما البطولات والملاحم فهي تلك التي سجّلها أبناء جنوب العراق في المراحل الأولى للعدوان، بعد ان استطاع بعض الباحثين عن أحداث تلك المرحلة تكوين صورة حقيقية.
العامل الثاني: خيانة الميليشيات العراقية المرتبطة بالنظام الإيراني: إن من بذل بطولات كبيرة في بداية زخم العدوان، خاصة وان موازين القوى كانت مختلّة بالمطلق لصالح القوة العسكرية الأميركية، يستطيع ان يبذل مجهودات كبرى في مرحلة حرب التحرير الشعبية. وإذا كانت مظلة المقاتل النظامي الحماية الجوية فإن المظلة التي تحمي المقاوم الشعبي هي البيئة السكانية التي يقاتل على أرضها. ومن هذه النقطة نبتدئ في تحليل الواقع، لنصل الى نتائج لعلنا نستفيد منها في رؤية ما يجري على أرض جنوب العراق الآن.
أما العامل الثالث فهو دور المرجعية الشيعية في العراق، التي يمثلها السيد السيستاني تحديدا، ولم تكن بدايته مثل نهايته. ونعيد الذبذبة في مواقف المرجعية الى تجاهلها لأهمية العامل الوطني، إذ خضعت الى ضغوطات نخبة من السياسيين الشيعة المستفيدين من الاحتلال، خاصة وان همها كان محدودا بسيطرتها على عائدات الخمس والزكاة والنذور، وساعدها الاحتلال الأميركي والنظام الإيراني، بتسليمها مفاتيح «العتبات المقدسة» بعد مسرحية معركة الكوفة بين «جيش المهدي» وقوات الاحتلال الأميركي في الكوفة والنجف.
لذلك نتوجّه بدعوة أساسية، ودعوة ثانوية: أما الدعوة الأساسية، فهي ان تعيد المرجعية الشيعية حساباتها، وتعيد ترتيب مواقفها، على قاعدة ان العراق وطن نهائي لكل أبنائه، وان تستعيد موقفها السابق في رفض الاحتلال وأية نتائج فرضها على واقع العراق والعراقيين، وان تميز موقفها المبدئي عن كل مواقف التيارات السياسية والاقتصادية، المدعومة بالميليشيات، التي تغتنم فرصتها في تكديس رساميلها، او في الحلم بالحصول على كرسي في التراكيب السياسية، على أشلاء وطنها وشعبها.
أما دعوتنا الثانوية فهي الى منتسبي الميليشيات، من الذين يتذرعون بتوفير لقمة العيش، فنقول «إن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها». فاتخذوا موقف الأحرار، فتكسبون موقعكم في وطن يسير نحو التحرر في وقت أصبح قريبا. في وطن آمن حر خال من كل وجود خارجي، وخال من كل وجود يرى العراق من ثقب «إبرة الطائفية».
([) كاتب لبناني.

ليست هناك تعليقات: