الخميس، فبراير 25، 2010

ارتفاع أسعار النفط

-->
ارتفاع أسعار النفط
الأسباب الحقيقية والأبعاد الاستراتيجية والتداعيات على المجتمع البشري
 

30/ 7/ 2008
أولاً: شركات الوقود الأحيائي يشعلون النار في أسعار الطاقة
في 11/ 7/ 2006، ورد خبر نشرته (CNN) المحطة التلفزيونية الأميركية الشهيرة، يعلن عن افتتاح محطة لتوزيع الوقود المعتمد على مادة الإيثانول، تُسمى (E85). وحتى تلك اللحظة لم تجن المحطة أية أرباح، وتوقَّع مالكها مايك لويس أن تزيد أرباحها بعد أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير، بحيث تدفع السائقين للبحث عن مصادر جديدة للوقود بأسعار أرخص. وكأن هذا الخبر كان تمهيداً للإعلان عن مخطط رأسمالي جديد للهيمنة على الطاقة من مصادر أخرى غير الثروة النفطية.
لقد استأثرت ظاهرة المحطة بانتباه وسائل الإعلام الأميركية بعد دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش، لتخفيف اعتماد الأميركيين على النفط المستورد من الخارج، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في استخدام مصادر جديدة من الطاقة.
ولم يمض وقت طويل حتى شهد العالم نشاطاً محموماً من التحركات الدولية، التي كانت مركزيتها الولايات المتحدة الأميركية، وكانت توحي بأن في أفق المخططات الرأسمالية تلوح مشاريع جديدة لها علاقة بالطاقة، سنحاول أن نقوم بترتيبها وتبويبها لعلنا في ذلك نصوغ حكاية ما كان يدور في أذهان أقطاب الرأسمال العالمي وخاصة المهيمن على الولايات المتحدة الأميركية، وخلصنا إلى ما يلي:
في 22/ 3/ 2007، نقلت الـ(CNN) خبراً من مكسيكو، يفيد أن أسعار الذرة العالمية ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ عقد تقريباً مدفوعة بازدهار صناعة الإيثانول في الولايات المتحدة، وهو ما دفع مزارعي الذرة في المكسيك إلى اعتبار محاصيلهم بمثابة «ذهب أصفر جديداً».
كان في ذلك الحين 111 محطة وقود تبيع الإيثانول في الولايات المتحدة، وتستعد لإدخاله في 78 محطة وقود أخرى، وفقاً لما ذكرته نقابة الوقود المتجدد الأمريكية. وتوقع كيث كولنز، كبير الاقتصاديين في وزارة الزراعة الأمريكية أن يحتاج المزارعون الأمريكيون إلى زراعة نحو (360 ألف كيلومتر مربعاً) بالذرة بحدود عام 2010، أي بزيادة (قرابة 40 ألف كيلومتر مربعاً) عن المساحات المزروعة الآن لتلبية احتياجات النمو الأمريكية المتسارعة.
ويعني هذا أن الأسواق العالمية ستتجه إلى المناطق المنتجة للذرة، مثل أمريكا اللاتينية، لسد احتياجاتها، في حال عدم قدرة المصدِّرين الأمريكيين على تلبية هذه الاحتياجات.
وتعتبر البرازيل والأرجنتين أكبر دولتين منتجتين للذرة بعد الولايات المتحدة، فيما تحتل المكسيك المركز العاشر عالمياً إذ تصل إلى (حوالي 85 ألف كيلومتر مربعاً)، ويتوقع أن تزيد (نحو 17 ألف كيلومتر مربعاً). وتوجد في المكسيك أكثر من 3.1 مليون مزرعة خاصة بإنتاج الذرة، وأنتجت خلال العام 2006 حوالي 22 مليون طن من الذرة، مقارنة بحوالي 19.5 مليون طن أنتجتها في العام 2005.
وفي 8/ 4/ 2007، نشرت الـ(CNN) خبر توقيع (اتفاق الإيثانول) بين الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل، مرفقة بمعلومات تلقي الضوء على أهمية ما يجري، إذ وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش الاتفاق بأنه سيفتح الطريق لإنتاج نوع جديد من الوقود الذي يمكن استخدامه بشكل أوسع كوقود للسيارات. وفي الوقت نفسه تظاهر البرازيليون، وأعلنوا مخاوفهم من أن تكون اتفاقية الوقود الحيوي، قد تضر بالمصالح الاقتصادية لبلادهم. كما تشمل المخاوف أن تكون الاتفاقية ترجمة لرؤية الزعيمين الأمريكي والبرازيلي حول إنشاء منظمة أوبك جديدة ليست للنفط ولكن للإيثانول هذه المرة.
وتضمنت مباحثات الرئيس الأمريكي ونظيره البرازيلي، مناقشة سبل تشكيل «تحالف للدول المصدرة لوقود الإيثانول». وتعد البرازيل أكبر دول العالم في مجال استخدام مصادر الطاقة الحيوية، حيث يتم تشغيل نحو ثمانية من كل عشر سيارات جديدة، بوقود الإيثانول، الذي يتم إنتاجه من قصب السكر. كما أن حقول قصب السكر، الذي يستخرج منه الإيثانول، تمتد لمئات الأميال، في البرازيل.
وتعتبر البرازيل أكبر مصدر للإيثانول، رغم أن الإنتاج الأمريكي منه يفوق ما تنتجه البرازيل، إلا أن المراقبين يتوقعون أن تتفوق البرازيل في المستقبل، وذلك لأن الإيثانول المستخرج من قصب السكر، أرخص بكثير من ذلك المستخرج من الذرة.
وحدد بوش هدف إنتاج نحو 35 مليون برميل من الإيثانول، وبدائل النفط الأخرى سنوياً، بحدود العام 2017، وهو رقم يمثل خمسة أضعاف المتطلبات الحالية.
وفي 18/ 4/ 2007، أشارت الـ(CNN) إلى تصاعد وتيرة الجدل حول ما يُقال عن أن الإيثانول صديق للبيئة، فقد أفادت دراسة علمية جديدة أن التحول من استخدام البنزين إلى الإيثانول، قد يساهم في تلوث الهواء ويزيد بالتالي من حالات الموت الناجمة عن الدخان الأسود الكثيف أو ما يعرف بـ«السخام» وسوف يعمل وقود الإيثانول على زيادة مستويات الأوزون. وبحسب الدراسة فإن نحو 4700 شخص سيموتون سنوياً نتيجة أمراض في الجهاز التنفسي ناجمة عن الأوزون، وهو أحد مكونات السخام غير المرئية.
وفي 4/ 6/ 2007، أضاءت الـCNN) ) على أن ما يُسمى (جنون الإيثانول)، قد بدأ يجتاح الولايات المتحدة ودول أمريكا الوسطى والجنوبية، مما شكَّل ضغوطاً متزايدة على الإمدادات العالمية من الذرة.
ولأن الذرة تشكل أحد أهم المواد الأولية لصناعته، ولشدة طلب مصانع الإيثانول له، ولأنها تُعتبر من المواد الغذائية الرئيسية للإنسان، إلى جانب أنها تدخل في صناعة علف الحيوانات، وغيرها من المواد الغذائية، فقد ارتفع سعر مكيال الذرة من دولارين، إلى أكثر من أربعة دولارات، فيما أشارت التوقعات إلى أن هذا السعر سيرتفع إلى مستويات أعلى خلال السنوات الخمس المقبلة. ورغم أن ارتفاع أسعار الذرة يصب في مصلحة المزارعين، إلا أنه ألحق الضرر بالمستهلكين بسبب تضاعف أسعارها.
وفي هذا الخصوص، خصصت وزارة الطاقة الأمريكية في شباط 2007، 385 مليون دولار لستة مشاريع على مدى أربع سنوات بهدف إنتاج إيثانول سيليلوزي وتجنب أزمة الذرة عن طريق إنتاج الوقود من القصب وغيرها من المخلفات الزراعية.
وكانت تكلفة إنتاج الإنزيم المستخدم في صناعة وقود الإيثانول الكبيرة سبباً في عدم إنتاجه بكميات كبيرة، غير أن انخفاض تكلفة الإنزيم من نحو خمسة دولارات للغالون الواحد إلى أقل من 20 سنتاً جعل الأمر ممكناً، وسوف يصبح الإيثانول السيليلوزي متاحاً بصورة أكبر مع انخفاض التكلفة إلى أقل من سنت واحد.
يشار أن أسعار النفط ومشتقاته ارتفعت بشكل جنوني خلال العامين الماضيين (2005 و 2006)، إذ بلغت أسعار البرميل 75 $ في العام 2006، أي ثلاثة أضعاف سعره في العام 2003، حيث كان سعر برميل النفط بحدود الـ(25 $)، الأمر الذي جعل البحث عن بدائل لها أمراً مهماً بالنسبة لأكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم، أي الولايات المتحدة.
وفي 7/ 6/ 2007، أشارت الـ(CNN) إلى انعقاد قمة تبحث كيف يمكن إنتاج طاقات بديلة وأنظف من النفط، من دون تهديد الأمن الغذائي. ومن ضمن الحضور في هذه القمة رجل الأعمال الأمريكي جورج سوروس الذي يملك واحداً من أكبر المصانع في البرازيل وكذلك الرئيس البرازيلي السابق هنريكي كاردوسو ورئيس الوزراء الإسباني السابق فيليبي غونزاليس. وكان حكام البرازيل العسكريون قد اتخذوا قراراً في سبعينيات القرن العشرين بالتحول إلى الوقود الحيوي أو الإيثانول كوقود للسيارات.
ويتركز إنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة والبرازيل بنسبة ثلثي الإنتاج العالمي، حيث يمثل الإيثانول الأمريكي المرتكز على الذرة نسبة 37 بالمائة من الإنتاج العالمي فيما يمثل الإيثانول البرازيلي المرتكز على القصب السكري نسبة 35 بالمائة منه. كما تستأثر الصين بنسبة 7.7 بالمائة من الإنتاج العالمي متبوعة بالهند بنسبة 7 بالمائة.كما تستأثر ساو باولو بنسبة 60 بالمائة من إنتاج البرازيل التي تضخ نحو 20 مليار لتر يتم تصنيعها في 344 معملا.
ولتبرير تصنيع الإيثانول، وجواباً على مشكلة كيف يمكن تخفيض أسعار الوقود، نشرت الـ(CNN)، بتاريخ 17/ 12/ 2007، التقرير التالي: الإيثانول هو الجواب فهو نظيف ورخيص وملائم لسيارات اليوم. ويتم الحصول عليه من عبّاد الشمس وقصب السكر، غير أن التكنولوجيا الحيوية (البيوتكنولوجي) تمنح الإنسان الآن فرصة إنتاج الإيثانول من كل شيء طبيعي تقريباً؛ بدءاً بالخشب والعشب البري وانتهاء بمخلّفات الطبيعة. وأياً كان مصدره، يقلص حرق الإيثانول نسبة انتشار غاز الكربون بنسبة 80 في المائة، ويقضي تماماً على الأمطار الحمضية التي تلوث البيئة.
وتوقع التقرير أن يتم إحلال وقود الإيثانول محل الوقود العادي في القريب العاجل بنسبة كبيرة، فيما تتوقع السلطات الأمريكية أن ينتزع الإيثانول ثلث مستهلكي الوقود العادي بحلول عام 2030.
وأشارت التقارير إلى إن خمسة ملايين مَركبة تعمل بالإيثانول جاهزة في انتظار قرارات المشرِّعين بالسماح لها بغزو الطرقات. وبطبيعة الحال فإن استخدام الإيثانول يستتبع تقنية محركات جديدة تدعى «فلكس»، وهي تقنية أخذت تشهد نمواً متزايداً في السنوات الأخيرة، ولاسيما في البرازيل وفي بعض دول أوروبا ومن ضمنها ألمانيا. ويعمد المستهلكون إلى مجرد شراء مبدّل تقنية بسعر لا يتجاوز 100 دولار مرة واحدة، حتى تتلاءم سياراتهم مع استخدام الإيثانول.
وغيّر الإيثانول فعلاً بنية الاقتصاد في البرازيل حيث يمكن لنحو ثلاثة أرباع المركبات هناك أن تعمل سواء بالإيثانول أو بالوقود العادي. ولم يتح ذلك للبرازيل بأن تستغني عن استيراد النفط فحسب، بل إن نحو 70 مليار دولار من النفقات التي كانت تذهب إلى دول الخليج العربية نظير صادرات من النفط، بدأ تدويرها في البلاد وتم وضع برنامج طموح وفعال لتنمية المناطق الريفية التي تعد الآن المزوّد الرئيسي للبلاد بما يعتبر «الطاقة البديلة».
ثانياً: حملات التنديد والإدانة تنتشر وتعم
وفي 27/ 10/ 2007، حسب الـ(CNNاعتبر جان زيغلر، المقرر الخاص بالأمم المتحدة، الذي كان يتحدث أمام الجمعية العامة لهيئة الدفاع عن حقوق الإنسان، حول الحق في الغذاء، أن تحويل المزروعات، مثل الذرة والقمح والسكر، إلى وقود يزيد من أسعار المواد الغذائية، وحذر من أن استمرار ازدياد الأسعار سيعيق الدول الفقيرة من استيراد الطعام الكافي لشعوبها. وإن إنتاج الوقود الحيوي سيزيد من الجوع في العالم حيث يعاني 854 مليون شخص من الآفة، ويلقى 100.000 شخص حتفهم سنوياً بسبب الجوع أو أمراض ناتجة عنه. وأشار إلى أنه ما بين عام 1972 و2002 ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في أفريقيا من 81 مليون إلى 202 مليون، ودعا مجلس حقوق الإنسان لإعلان حق إنساني جديد لحماية الفارين من الجوع. وللتأكيد على صحة استنتاجاته، أوضح الخبير الدولي أن إنتاج 13 ليتراً من الإيثانول يحتاج إلى أكثر من 231 كيلوغراماً من الذرة بينما يمكن لهذه الكمية توفير الطعام لطفل جائع في زامبيا أو المكسيك لمدة عام كامل.
وقال إن الجدال الدائر بشأن الوقود الحيوي «مشروع فيما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة ومكافحة آثار تغير المناخ»، إلا أن تحويل المحاصيل مثل الذرة والقمح إلى وقود زراعي، يمثل كارثة حقيقية وجريمة ضد الإنسانية. ولذلك طالب بتعليق هذه النشاطات لمدة خمسة أعوام ريثما يتم تطوير آليات إنتاج الوقود من البقايا الزراعية والغذائية وليس من المنتجات مباشرة.
وفي 13/ 5/ 2008، نشرت الـ(CNN) التقرير التالي: وقال جون زيغلر، إن سياسات الوقود الحيوي، التي تنتهجها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تعتبر أحد أهم الأسباب لأزمة الغذاء العالمية الراهنة، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الدول الفقيرة نقصاً حاداً في المواد الغذائية. وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد استخدمت ثلث محصولها من الذرة في إنتاج الوقود الحيوي، فيما يعتزم الاتحاد الأوروبي استخدام الوقود الحيوي بنسبة تصل إلى عشرة في المائة.
وقال زيغلر إن المضاربةفي الأسواق العالمية كانت وراء ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة تصل إلى 30 في المائة، مشيرا إلى أن شركات مثل «كارغيل»، التي تحتكر ربع إنتاج الحبوب، لديها تأثير قوي على الأسواق. وأضاف إن الصناديق الاحتياطية تجني أرباحاً هائلة من أسواق المواد الخام، ودعا في الوقت نفسه إلى وضع قوانين مالية جديدة تمنع مثل هذه المضاربات. كما حذر من ازدياد الاحتجاجات على ارتفاع السلع الغذائية، ومن ارتفاع مريع في أعداد الوفيات الناجمة عن الجوع.
إلى ذلك، قال خبير التغذية بمنظمة الأغذية والزراعة «فاو»، أندور ثورن ليمان، إن «ارتفاع أسعار الغذاء تعني تحديدًا نزع الطعام من أفواه الأطفال الجوعى، الذين لا يستطيع ذووهم إطعامهم». وأضاف: إن الأسر في الدول النامية قد تناقصت قوتها الشرائية للطعام، بسبب ارتفاع الأسعار، مما يعني شراء كمية أقل من الطعام أو الحصول على غذاء أقل فائدة.
وفي 22/ 5/ 2008، أوصى علماء دوليون، حسب الـ(CNN) بوقف استخدم الوقود العضوي في سياق مكافحة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفشي الجوع.
وتناقض مطالب خبراء الغذاء تصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة التي أعلن فيها زيادة استخدام الولايات المتحدة للإيثانول لأسباب تتعلق بالأمن القومي وارتفاع أسعار الوقود،..
ويشير ثلاثة من كبار خبراء الغذاء في كونسورتوم للأبحاث الدولية، في معرض مطالبهم بتعليق استخدام الوقود العضوي، إلى حاجة دول العالم لإعادة النظر في برامج تحوير استخدام بعض أنواع المحاصيل الزراعية، كالذرة وحبوب الصويا، إلى وقود عضوي، بالنظر إلى أزمة الغذاء العالمية. ونادوا بتركيز الجهود على منتجات زراعية أخرى غير الحبوب، وقال بروفيسور علوم التربة بجامعة ولاية أوهايو: «نحن بجاحة لإطعام البطون قبيل إطعام سياراتنا. افتقار الأمن الغذائي يتهدد مليار شخص، ونحن لسنا في موقف يتيح لنا رفاهية تجاهل هؤلاء والاهتمام بالغازولين».
إلا أن الرئيس الأمريكي أكد في معرض رده على سؤال بشأن التضارب حول الجوع العالمي وارتفاع أسعار الغذاء محلياً، على أمن الطاقة قائلاً: «حقيقة الأمر أن مصالحنا القومية تقتضي زراعة المزراعين للطاقة».
ثالثاً: حتى لا تضيع حقيقة ارتفاع أسعار النفط
نبدأ من حيث انتهينا في الفقرة السابقة لنعيد تثبيت تصريحات جورج بوش، ونقتصر فيها على ثلاث مسائل:
-الأولى: زيادة استخدام الولايات المتحدة للإيثانول لأسباب تتعلق بالأمن القومي وارتفاع أسعار الوقود.
-الثانية: تأكيده على ربط المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية بتكثيف زراعة المواد الأولية التي تستخدم باستخراج الإيثانول.
-الثالثة: تشكيل منظمة الوقود الحيوي في مواجهة منظمة أوبك التي تجمع الدول المصدرة للنفط.
محتفظين بهذه المسائل لاستخدامها في استخلاص النتائج من دراستنا، إلى حين استعراض ومناقشة ما صدر من تقارير عن مختلف الجهات المختصة بموضوع معالجة أسباب زيادة أسعار النفط، خاصة تلك التي أعقبت موجة الجنون في ارتفاع الأسعار، خاصة الفترة التي التهبت فيها الأسعار قبل سنتين من الآن.
يعيد د. أنس بن فيصل الحجي، أحد الدارسين لارتفاع أسعار النفط في جريدة «الاقتصادية» السعودية، أسباب الارتفاع إلى عجز دول أوبك عن توفير حاجة الأسواق العالمية. رافضاً إعادة السبب إلى عامل المضاربة. وقد وصل إلى تلك النتيجة بعد أن حصر احتمالات الارتفاع بالعوامل التالية:
1-العوامل الاقتصادية: تتمثل في زيادة الطلب على النفط في الصين والهند وانخفاض الدولار والمضاربات في عقود النفط الآجلة وتصرفات دول «أوبك».
2-العوامل السياسية: تتمثل في اضطرابات نيجيريا، وتوتر العلاقات بين الحكومة الفنزويلية وشركات النفط العالمية المستثمرة في فنزويلا، وتفجير الأنابيب والمنشآت النفطية في العراق وتوتر العلاقات بين إيران والدول الغربية.
3-العوامل الطبيعية: تشمل الأعاصير الموسمية في خليج المكسيك والأعاصير الرملية في العراق والأعاصير الشتوية في بحر الشمال والأعاصير الثلجية في أمريكا الشمالية.
4-العوامل الفنية: الأعطال الميكانيكية والإلكترونية والكهربائية التي تصيب المنشآت النفطية, خاصة المصافي، وأعمال الصيانة الدورية المفاجئة، وعدم توافق نوعيات النفط المنتج مع قدرة المصافي على التكرير.
كما توقعت مجموعة من الخبراء الجيولوجيين العالميين على صعيد الاحتياطي النفطي أن العالم لم يتمكن من تعويض ما استخرجه من النفط خلال السنوات العشرين الماضية وان الإنتاج سوف يتجه نحو الانخفاض في منتصف العقد الثاني من القرن الحالي. وهذا ما يحدث الآن بالفعل في الدول المنتجة خارج أوبك وأكد هؤلاء الخبراء أن 80% من الإنتاج العالمي يتدفق من حقول اكتشفت قبل عام 1973 وأن أغلبها بدأت رحلة النضوب.‏
كما توقعت الدراسة أن يرتفع حجم الاستهلاك داخل الدول الصناعية الغربية إلى نحو 50,7 مليوناً ب/ي بحلول عام 2020 بينما لن يتجاوز إنتاجها 12 مليوناً ب/ي أي بفجوة تصل إلى 39 مليون ب/ي وهذا يعني أنها ستعتمد في توفير تلك الكمية على دول أوبك وخاصة الشرق أوسطية.‏
وبذلك استمرت أسعار النفط بالارتفاع على خلفية حملات التشكيك تلك بالاحتياطي العالمي وبقدرة الدول المنتجة الرئيسية على التوسع في طاقاتها الإنتاجية.‏
إن الدول الثماني الأكثر ثراءً في العالم (الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا وكندا وألمانيا وإيطاليا، فضلا عن روسيا)، لم تستطع تحديد أسباب الارتفاع، الأمر الذي دفعها إلى تكليف صندوق النقد الدولي بدراسة الأسباب الحقيقية، ولعلَّ في التصريحات التي صدرت عن ممثلي بعض الدول ما يلقي الضوء على خلفيات تلك الإحالة.
وقال رئيس صندوق النقد الدولي، إن العديد من الدول الأعضاء في مجموعة الثماني تعتقد بأنه من الضروري بحث ما إذا كانت المضاربات هي التي تدفع الأسعار إلى أعلى، بينما كان وزير الخزانة الأميركى هنري بولسون حازما في اعتقاده بعدم وجود تأثير للمضاربات. وأكد بولسون ان من «الخطأ» اعتبار المضاربات السبب الرئيسي لارتفاع أسعار النفط وان الظاهرة ناجمة عن مسألة «العرض والطلب». ونفى أن يكون تراجع العملة أحد العوامل وراء ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
بانتظار ما سيقدمه صندوق النقد الدولي، ونحن نشكك بمصداقيته خاصة إذا عرفنا الجهة التي توجه قراراته وتوصياته، سنقوم بإلقاء الضوء على بعض العوامل التي تؤثر بشكل أو بآخر في استفحال مشكلة ارتفاع أسعار النفط:
نقلاً عن الجزيرة، في 14/ 9/ 2007، يثبت الدكتور ابراهيم علوش حقيقة أن منظمة الدول المصدرة للنفط ليست المسؤول الأساسي عن تحديد سقف الانتاج، لأنه لا يصلها إلا 13.38% في أحسن الحالات من السعر النهائي للبنزين في الدول المستوردة للنفط، «أما الباقي فهو ضرائب حكومية، ومكاسب تجنيها مصانع التكرير (في دول الغرب غالباً) وشركات النقل وتجار الجملة والتجزئة». فدول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD)، وهي ثلة الدول الصناعية المتقدمة، الأكثر استهلاكا للنفط العالمي تهيمن على السوق النفطي العالمي ويحبس الإنتاج لكي يرفع سعر برميل النفط. المهم إن دول أوبك تقف في مواجهة احتكار آخر للمشترين هو منظمة (OECD)، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تبتاع أكثر بكثير من 40% من النفط العالمي، كما أن سوق المنتجات النفطية داخل الولايات المتحدة نفسها تسيطر عليها خمس شركات نفطية عملاقة.
وبمثل ذلك تتبادل المنظمتان التهم حول تحميل المسؤولية، بين (OPEC)، التي تنفي وجود هوة بين العرض والطلب، وبين (OECD)، التي تعيد السبب إلى الهوة بينهما.
يبرِّئ الدكتور رمزي سلمان، مستشار وزير الطاقة القطري، في قناة الجزيرة، بتاريخ 8/ 6/ 2008، الدول المنتجة للنفط من مسؤولية ارتفاع الأسعار، ويبررها بأن هناك سوقين: سوق النفط الفعلي في الدول المصدرة، وسوق النفط الورقي الذي بدأ سنة 1983، وأصبح الآن بسبب انهيار سوق العقار وانهيار بعض البنوك وانهيار بعض البورصات لدى صناديق المال والمتاجرين أموال كثيرة يجب أن يستثمروها بسرعة ويبنوا أرباحا فذهبوا إلى النفط، فالسوق الورقية هي سوق خيالية هي سوق رهان وليست سوق نفط.
رابعاً: لكن هل هناك حل سريع للمشكلة؟
وكأننا بالولايات المتحدة الأميركية تعمل على التسريع بسرقة نفط الدول والسيطرة على حقول جديدة، نقلت الـ(CNN)، في 5/ 6/ 2008، عن وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون، أنّه لا يوجد تصحيح سريع لأسعار النفط المرتفعة، إلاَّ برفع سقف الإنتاج، لهذا دعا دول منظمة (OPEC) إلى فتح أسواق النفط فيها على الاستثمار بما يزيد من الاستشكاف والإنتاج. وفي الوقت ذاته حمَّل وزير الطاقة الأميركي، صامويل بودمان، مسؤولية ارتفاع الأسعار للبلدان التي تدعم أسعار النفط.
على الرغم من أن تلك التصريحات تعبِّر تمام التعبير عن إيديولوجيا اقتصاد السوق، وأمركة اقتصاد العالم، تأتي دراسات أميركية أخرى لتتناقض مع تلك الإيديولوجيا. ففي تناقض لافت، نشرت الـ(CNN) بتاريخ 25/ 6/ 2008، دراسة يؤكد مضمونها الحقيقة التالية: (متى ستتراجع الأسعار؟ وليس هل ستتراجع الأسعار?). توصل فيها كاتبها مدير تحرير مجلة (فورتشن) الأمريكية، شون تيلي، إلى أن استمرار ارتفاع أسعار النفط سيقود تدريجياً إلى العثور على موارد جديدة للطاقة من جهة، وسيدفع إلى تبديل أساليب الاستهلاك من جهة أخرى، الأمر الذي يعيد التوازن إلى الأسواق والأسعار. و لفت إلى أن تواصل الارتفاع يقرّب الموعد لأنه يزيد شهية المنتجين، متوقعاً انهياراً سعرياً يعيد النفط إلى ما دون مستوى 50 دولاراً.
خامساً: الشركات الاحتكارية الكبرى تضيء شموع جيوبها على حساب الاقتصاد العالمي
لقد تضمن بيان وزراء الطاقة في حكومات الولايات المتحدة واليابان والصين وكوريا الجنوبية إلى جانب أحد كبار المسؤولين في الهند نداء يقول إن ارتفاع أسعار النفط «ضد مصالح البلدان المستهلكة والمنتجة على السواء».
سادساً: إنتاج الإيثانول وتحقيق أرباح منه سبب لا يمكن تجاهله في تقييم أسباب ارتفاع أسعار النفط
يقول شون تيلي مدير تحرير مجلة (فورتشن) إن زيادة أسعار النفط دفع شركات عالمية إلى الاستثمار في الوقود الحيوي وإنتاج النفط من الصخور أو الرمال النفطية الموجودة بكثرة في الغرب، وتطوير تكنولوجيا استخراجه أيضاً من الفحم، وذلك بتكلفة 70 دولاراً للبرميل، أي بهامش ربح كبير وفقا الأسعار الحالية.
يعتبر الدكتور رمزي سلمان، مستشار وزير الطاقة القطري، في قناة الجزيرة، بتاريخ 8/ 6/ 2008، أن الموضوع لا يخلو من دفع الأسعار اصطناعيا وسياسيا لغرض تطوير البدائل، البدائل مكلفة، ولتطويرها لا بد من رفع أسعار النفط لكي تكون اقتصادية هذا من ناحية، من ناحية ثانية الآن بدؤوا استثمارات في إنتاج النفط بكلفة 75 دولارا للبرميل. فلهذا مهما حدث أن الأسعار لن تنزل دون الـ 75 أو 80 دولاراً. وارتفاع الأسعار سيساعد على الاستثمار في مناطق عميقة جدا للنفط بكلف قد تتجاوز المائة دولار للبرميل.
سابعاً: مشاريع نووية وفضائية لتوليد الكهرباء لتوفير البترول من أجل وسائل النقل
لا بد من إيجاد نفط لوسائط النقل لأنه ليس بالإمكان إيجاد بدائل لها في المستقبل المنظور. فلهذا هناك تشجيع على بناء محطات نووية في الدول النامية الفقيرة لتوليد الكهرباء بدل استعمال النفط ومنتجاته لإبقاء النفط مستقبلا لوسائط النقل وعلى الأخص الطيران.
ويُذكر في هذا الصدد أن هم الطاقة سوف يطال الفضاء، وتلقى الفكرة تشجيع واهتمام الدول الكبرى، ولقد نقلت الـ(CNN)، في 1/ 6/ 2008، تقريراً عن ذلك، من أهم ما جاء فيه: في ظل الارتفاع الحاد والمتواصل في أسعار الطاقة والطلب عليها، يعيد العلماء النظر في تقنيات جديدة بديلة لدفع عجلة الاقتصاد المتنامي في العديد من الدول تحديداً الصين والهند. وتشير تقديرات (مفوضية التخطيط) في الهند إلى أن البلاد، وبحلول العام 2030، ستنتج 700 ألف ميغاواط من الطاقة الإضافية لتغطية احتياجات النمو الاقتصادي والسكاني. وسيتم توليد معظم هذه الطاقة عبر منشآت لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم، مثل مخطط بناء مجمع "توندا واند" العملاق، قرب خليج كوتش، الذي ستبلغ تكلفته 4 مليارات دولار.
ويرى براناف ميهتا، من "مجموعة سبيس أيلاند" لتطوير أقمار الطاقة الشمسية، أن حل أزمة الهند لشح الطاقة الكهربائية لايمكن على وجه الأرض، بل إقامة أقمار صناعية لجمع الطاقة الشمسية من المدارات "جيوسينكرونوس geosynchronous" على بعد 22 ألف ميل في الفضاء. وتبعث تلك الأقمار الصناعية ميغاواط من الطاقة الشمسية، بترددات كهرومغناطيسية ، إلى أجهزة استقبال، حيث يتم تحويلها إلى كهرباء وتنقل عبر قضبان الطاقة. ويقول ميهتا إن تمركز الأقمار الصناعية في تلك المدارات البعيدة ونظراً لعدم انعكاس ظل الأرض عليها، يعني فيضاً لا ينضب ومتواصلاً، على مدار الساعة، من الطاقة الكهربائية المتجددة.
وخلصت دراسة "دائرة الطاقة" بوكالة الفضاء والطيران الأمريكية "ناسا"، إلى أن التقنية قابلة للتطبيق، باستثناء تكلفتها الباهظة. وشجع تقرير صادر عن مكتب أمن الفضاء القومي التابع للبنتاغون عام 2007، الحكومة الأمريكية إلى تولي دور ريادي في تطوير أنظمة توليد الطاقة من الفضاء.
وذكر التقرير أن روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والهند، مهتمون بمفهوم توليد الطاقة من الفضاء، وأن اليابان، التي انفقت ملايين الدولارات على دراسات لتوليد الطاقة من الفضاء منذ عقود، تعمل حالياً لإجراء اختبار محدود في هذا الصدد في المستقبل القريب.

ليست هناك تعليقات: