الخميس، فبراير 25، 2010

العدوان على العراق أسبابه مقدماته ونتائجه

-->
العدوان على العراق أسبابه مقدماته ونتائجه
طليعة لبنان الواحد (نيسان 1991)
مقدمة:
العدوان الأميركي- الأطلسي- الصهيوني على العراق، لم يكن إلا فصل من فصول تتالي العدوان الاستعماري على الأمة العربية. وهذا العدوان الذي لم يكن الأول ولن يكون الأخير، له أسبابه ومقدماته وقد أسفر عن نتائج على صعد مختلفة.
فما هي مقدمات هذا العدوان وما هي أسبابه.
في ما يلي إطلالة على ذلك:
مضى على الأمة العربية ردح من الدهر وهي تعمل على لم شتاتها وتوحيد ذاتها لكي تشق طريق ثورتها وتحفر خنادقها وتبني متاريسها لتواجه الغزاة الذين اندفعوا من كل زوايا التاريخ ومن كل جهات المعمورة، جاءوا طامعين بخيراتها وطاقاتها، فعملوا فيها تمزيقاً وتفتيتاً جغرافياً، سياسياً، فكرياً، وأحدثوا فيها من الندوب والمحن والمجازر ما لم تشهده أمة أخرى على سطح المعمورة. قسموا الأمة ايالات وولايات ومقاطعات، قسموها قبائل وعشائر وبطون، وغرسوا فيها عقائد ومحاسيب ومذاهب.
في الوقت الذي كانت الأمة فيه نهبا مستباحا لأطماع الطامعين وأحلام الحالمين، كان يولد من رحمها طريق الخلاص من ادران ذاتها التي كانت سبباً أساسياً تتسلل منه الأطماع والأحلام، فكانت حينما تستعيد ذاتها وتتخلص من أمراضها كانت أقدام الغرباء تصتك من أصولها وترتعد فرائصها وتولي الأدبار لكي تعيد الكرة كلما سنحت لها فرص العدوان بالرجوع.
في امتنا إمكانيات وميزات تستثير شهية الطامعين من الشرق والغرب من هولاكو وجنكيز خان إلى ركاردوس قلب الأسد، إلى عروش التاج البريطاني وكراسي الرأسمالية الفرنسية، إلى كارتلات الرأسمالية الأميركي وأحلام آل صهيون.
امتلكت أمتنا موقعاً جغرافياً متميزاً في قلب العالم، قديمه وحديثه، فأصبحت في أحلام الجوار ممراً ضرورياً للعبور، ثم أصبحت في أحلامهم مقراً للاستيلاء على خيراته وقطف ثماره.
كان الضعف كلما تسلل إلى جسد الأمة، وكلما أصبحت نهباً لحالة من التفتيت والتجزئة يدخل خصومها إلى أرضها ويستبيحونها تحت حراب أمراء الايالات وباشاوات الولايات والمقاطعات. يهرع المحاسيب وأصحاب المذاهب إلى طلب الرضا وتقبيل البلاط وهم يدوسون على جثث أبناء أمتهم ويسبحون لهي بحار دمائهم.
لم تتوحد امتنا أو تعرف للوحدة طعماً إلا في الوقت الذي كانت تجتث فيه كل أسباب الفرقة والتجزئة، لكنها لم تستطع يوما ان تتخلص نهائيا من هذه الأسباب، لأنها كانت تستفحل كلما استكانت الأمة إلى الراحة في أعقاب كل معركة عسكرية كانت تنتصر فيها لتحدث في جسم الأمة ندوباً أخرى وضعفاً آخر تتسلل منه أطماع الطامعين وأحلام الحالمين، أما لهذا الداء من نهاية؟
أطل علينا الاستعمار. تارة يستغل واقعنا وتشتتنا ويحضنه وينفخ فيه الحياة وتارة أخرى يعمل على توليده وتنميته، وفي كل مرة كان يطل علينا هذا الواقع بأشكال وألوان وأسماء جديدة.
في نهاية العهد العباسي، وبعد أن ترسخت المذهبية في ان هان العرب، وبعد أن تفاقمت أطماع الطامعين، كرس وأتراك تضافر العاملان: المذهبي والعنصري الغريب، ليتولد عنهما إمارات إمارات، فتقدت معها السلطة المركزية نفوذها وسيطرتها.
- أثناء الغزو الصليبي، كان للإمارات السياسية، المذهبية دوراً لهي إعطاء الغطاء لهذا الغزو، وفيه كانت سيوف العرب المتحالفة مع سيوف الغزو اشد إيلاماً وتأثيراً في جسد الأمة.
- أثناء الاحتلال الثاني، استمر واقع تجزئة الأمة إلى إمارات وولايات في إعطاء مزيد من الفرص للعثمانيين في السيطرة على الأمة العربية إلى أن امتدت إلى اكثر من أربعة قرون ونصف ا لقرن.
- أثناء الانتدابين: الفرنسي والبريطاني، جاءت اتفاقية سايكس بيكو، لتزرع الأوتاد راسمة الحدود الجغرافية للإمارات والولايات والمقاطعات ولتعطيها اسما حديثا يتناسب مع مقام المحتل الجديد، لذا عرفت الكيانات التي رسمت بالأوتاد أسماء الجمهوريات. تغيرت الأسماء وبقيت التجزئة، غابت وحدة الأمة وعمل الكيانيون على المحافظة على وحدة الأجزاء، وضمرت الوحدة العامة حتى أصبحت وحدات خاصة.
كان أمراء الولايات والمقاطعات، بالتعاون مع المذهبيات الدينية، والعلاقات العشائرية، سبباً في تهديم الوحدة العامة للأمة، عندما تحولوا إلى نواب ووزراء تحت قبب البرلمانات والدوائر الحديثة، لكن سيطرة الاتجاهات القديمة بقيت دون تغيير بالرغم من أن القمباز تحول إلى بدلة افرنجيه، والطربوش تحول إلى برنيطة، وأضيف إليهما الحداء اللماع وربطة العنق ا لحريرية.
في خضم هذا التمزق الذي كانت تعاني منه الأمة العربية، وتنتقل فيه من احتلال إلى آخر، أين كانت وحدة الأمة، وما هو المضمون الوحدوي؟
محاربة الاتجاه الوحدوي
كانت الأمة في صراع دائم مع وحدتها، ففي الوقت الذي كانت تؤمن فيه السيطرة على ذاتها، وتسجل انتصارات، تستمر نتائجها مديات قصيرة إذا ما قيست بعمر التاريخ، ما تبرح طويلاً حتى تعود لتسجل تراجعات، تستمر نتائجها مديات طويلة. فأين يكلمن الخلل؟
إذا استعادت الأمة وحدتها، كانت هذه الوحدة تغرق في خنادق المصالح السياسية، الفئوية، كانت هذه المصالح على قياس الطبقات الحاكمة ذات الاتجاهات المذهبية، الطبقية، لكنها لم تكن تمثل مصلحة الأمة بمجموعها.
كان الخلل في المحتوى الوحدوي للوحدة، فلكل تيار داخل الأمة وتره ولحنه الوحدويين، وكل يعزف على هذا الوتر ويغني على ليلاه. ساد منطق تعدد الأديان السماوية وتشرذمها إلى مذاهب، وتعددت الولاءات العشائرية وتشرذمت إلى أفخاذ وبطون، وتعددت المصالح الحياتية والسياسية وتنافرت سيادة هذا المنطق قادت إلى الشرذمة الفكرية، الأيديولوجية، وقادت إلى تناقض واختلاف في المفاهيم الوحدوية في حياة الأمة العربية.
كان هذا الخلل نقمة على الفكر الوحدوي وعلى الأمة العربية، لكنه كان نعمة ينفذ من خلالها الطامعون لكسب ولاء المتضررين في الداخل في وجه المستفيدين.
ظل العرب، ولا يزالون، على درجة من التناقض والخلاف، الحكام منهم يصرون على التقوقع داخل اتجاهات فكرية قطرية تفتيتية، سياسية، واتجاهات اجتماعية، طبقية، اما والجماهير الواسعة ذات المصلحة الأساسية في وحدة المصير كانت تائهة تقتتل فيما بينها لصالح الحكام على قاعدة شرانقها وسجونها المحاصرة في دوائر المذهبية السياسية، الاجتماعية.
عانت الأمة في تاريخها الغابر/ القديم من الخلل في وحدة الفكر الوحدوي، لكنها عرفت منذ أواسط القرن العشرين اتجاهات وتيارات وطنية وقومية، معظمها مستند إلى فكر وطني قطري، وبعضها إلى فكر قومي له أوتاره وألحانه الطوباوية، والبعض الآخر الذي عبر عنه حزب البعث العربي الاشتراكي تغييراً علمياً وحدوياً عندما استند في أيديولوجيته إلى فكر قومي وحدوي في جانبه السياسي والاجتماعي.
منذ تلك اللحظة تحولت المعادلة من فكر أجنبي تفتيتي، كما عبرت عنه اتفاقيات سايكس - بيكو في مواجهة فكر قومي طوباوي/ وطني قطري، إلى فكر تفتيتي في مواجهة فكر قومي عربي توحيدي سياسي/ اجتماعي.
منذ تلك اللحظة صاغت امتنا قانونا استمدته من تاريخها الغابر/ البعيد لتضع معادلة جديدة تساهم في بناء عصرنا الحديث/ القريب هـ واعتقدت ان هذا القانون شرطا واجباً لكي تسير ثورتها على طريق النصر: إذا كانت وحدة الأمة ضرورة واجبة، فان تحديد مضمون هذه الوحدة هو ضرورة وواجب أيضاً.
منذ تلك اللحظة ابتدأت مرحلة جديدة لهي تاريخ الأمة العربية، وبها أخذت مناحي الصراع العربي- الإمبريالي اتجاهات جذرية، تحول الصراع نوعيا بين الأمة وأعدائها. ومن هنا نعتقد أن العصر الحديث للأمة العربية قد ابتدأ منذ أواخر النصف الأول من القرن العشرين، فكيف أصبحت اتجاهات الصراع العربي- الإمبريالي؟ وكيف نرى تطورات هذا الصراع خلال أربعين سنة خلت؟ وما هي آفاق هذا الصراع؟
استمر النهج الأجنبي/ الغريب بمضامينه التفتيتية على الصعيد القومي حسب اتفاقية سايكس- بيكو، وعلى الصعيد القطري/ الوطني حسب منهجية الاتجاهات القائمة على تعميق الشعور بالخوف المتبادل بين الأجزاء القطرية.
إن منهجية سايكس بيكو التفتيتية/ جغرافياً، كانت الجزء الظاهر والأبرز، أما خلفيتها الفلسفية الفكرية- السياسية في تفتيت الاتجاهات الوحدوية فكانت جزأها الخفي/ الأخطر. من هنا عمد أصحاب المشروع التفتيتي الجغرافي/ السياسي/ الفكري إلى تطبيق فلسفتهم على خطين:
الأول - ضرب الوحدة من خلال تكريس الحدود الجغرافية، تالياً زرع الكيان الاستيطاني الصهيوني ضامناً لهذا التكريس.
الثاني- تنمية الاتجاهات الفكرية القطرية/ الوطنية وحمايتها عن طريق المؤسسات السياسية والسمكرية والأمنية المحلية المشبعة بهذه الاتجاهات، والقضاء على الاتجاهات القومية الوحدوية الفكرية منها والسياسية.
المخطط الإمبريالي- الصهيوني، بطابعه الإستراتيجي، يشكل سمة أساسية منذ أواخر النصف الأول للقرن العشرين ولا زال حتى الآن، وتصبح تطورات الصراع بين هذا المخطط وبي الأمة العربية واضحة المعالم من خلال عدد من المحطات الهامة التي شهدتها الأربعين سنة الفائتة بداية بمعركة الاستيطان الصهيوني لأرض فلسطين في العام 1948 وانتهاء بالعدوان الآثم على العراق حتى الربع الأول من العام 1991:-
- 1948: زرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، الترجمة العملية لمعركة التقسيم الإمبريالية للأمة العربية، بموافقة دولية إجماعية وببعد عربي هزيل، كانت نتائجه بناء قاعدة استعمارية استيطانية عنصرية سوف تعطي سمة بارزة للصراع العربي- الإمبريالي في المراحل القادمة، لتتحول قناعة كل أذهان الرأي العام العالمي صراعاً عربياً- إسرائيلياً، أو صراعاً فلسطينياً- إسرائيلياً، هذا الصراع أعطي في اللحظة التاريخية الراهنة تسمية في الأوساط الغربية الرسمية/ الشعبية، طابع الإرهاب العربي/ الفلسطيني ضد اليهود/ فضحايا النازية العنصرية.
وأما نتائجه المباشرة في الجانب الآخر، فكانت انهيار عدد من الأنظمة العربية، وتنامي الشعور القومي العربي في صحوة بارزة طبعت مرحلة الخمسينات والستينات، حيث اتسعت دائرة هذه الصحوة القومية على المستوى الأفقي العربي، وانعكست خوفاً وهلعاً في الأوساط الإمبريالية التي كانت طلائعها محكومة بكل من بريطانيا وفرنسا في الخمسينات ولما تبرز في حينه الإطماع الإمبريالية الأميركية بعد.
- 1956: العدوان الثلاثي البريطاني/ الفرنسي/ الصهيوني على مصر لم كرد فعل على ما كانت تضعه ثورة 23 تموز المصرية من عوائق في طريق المخطط الإمبريالي- الصهيوني/ وما كان! تحدثه من تأثيرات في الهاب الصحوة القومية على مستوى الأمة العربية.
كان من أهم نتائج هذا العدوان، الدخول الأميركي المباشر إلى المنطقة العربية بوجه اعتبر إيجابياً عندما دفعت أميركا دول العدوان للانسحاب من الأراضي المصرية.
أما في الجانب العربي فكانت وقوداً جديداً أحيت نتائجه مزيدا من الالتهاب في الشعور القومي العربي على صعيد الشارع، واتجاها عمليا للتأسيس إلى مرحلة بناء الوحدة المصرية - السورية في العام 1958.
- 1958: الدخول العدواني السياسي المباشر للولايات المتحدة الأميركية عندما دعت مع حليفها البريطاني إلى تأسيس حلف بغداد للوقوف في مواجهة تنامي المد الوجداني القومي ولمنع قيام الوحدة السورية- المصرية، أو مي حده الأدنى بناء حلف عربي مدعوم إمبرياليا للوقوف في وجه الوحدة التي أعلنت في 21 شباط 1958.
كان من نتائج هذا العدوان/ المخطط، سقوط النظام الملكي لي بغداد أمام ثورة 14 تموز العام 1958ء وسقوط نظام كميل شمعون/ الأميركي الاتجاه بعد حركة شعبية في صيف 1958. وتأتي انطلاقة الثورة الفلسطينية في 1/1/1965 تتويجاً للصحوة القومية ومن نتائجها.
إن هذه النتائج دفعت بالمخطط الأميركي للتراجع في لبنان، وبديلا للإنزال العسكري الأميركي المباشر الذي حصل في لبنان، اندفع هذا المخطط إلى تأسيس نظام يهادن الموجة القومية ويبني في ظل عدم التصادم المباشر معها، وضعاً سياسياً عسكرياً أمنياً داخلياً يقف خندق محاربة هذه الموجة حيث تحقق أغراض المخطط الإمبريالي دون إحراجات، فكانت عندئذ ظاهرة الشهابية بردائها الإصلاحي الداخلي تصطدم بالحركات القومية والوطنية بواسطة أجهزة الأمن اللبنانية الذاتية وهي ما عرفت بمرحلة الشعبة الثانية.
جاءت ردة 23 شباط 1966 التي انقلب فيها تكتل من العسكريتاريا السورية ضد شرعية حزب البعث العربي الاشتراكي تتويجا للردة الانفصالية الوحدوية في أيلول من العام 1961، ولكي تصب في النتائج السلبية للصحوة القومية والنتائج الإيجابية لصالح المخطط الأميركي والتي سود تظهر آثارها الخطيرة على مجمل المسيرة القومية.

نتائج عدوان 1967

- 1967: جاء العدوان الصهيوني الشامل في الخامس من حزيران العام 1967ليشكل حلقة أساسية كل المخطط الأميركي- الصهيوني للقضاء على ما اعتبرته خطراً كامناً في الصحوة القومية النشطة بالرغم من المعارك الجانبية التي كانت تدور بين التيارات الرائدة لها.
كان من نتائج هذا العدوان إحداث حالة تراجعية في البنى النظامية العربية التي كانت تخطو باتجاه تأسيس قاعدة عربية تأخذ دورها لحماية الاتجاهات التوحيدية، وجاء العدوان بالتالي ليشغل الأمة العربية بتضميد جراحها في الوقت الذي يشتغل !يه هو بالمزيد من الضم للأراضي العربية تحقيقاً للحلم التوراتي الصهيوني/ التوسعي/ الاستيطاني.
في الجانب الآخر تصاعدت جذوة المقاومة الفلسطينية لتقابلها الجماهير العربية التي لما تخرج بعد من حالة الذهول التي أصابتها من جراء العدوان الخامس من حزيران في العام 1967.
في الوقت الذي كانت تسطر فيه المقاومة الفلسطينية خطوات متقدمة على صعيد الضربات العسكرية للعدو وتستقطب المزيد من الالتفاف القومي حولها، حصل أول تغيير كل أعقاب الخامس من حزيران على الساحة العربية بتفجر ثورة 17-30 من تموز في العام 1968 في العراق تم إسقاط نظام السنوسي في ليبيا في الأول من أيلول العام 1969.
في المقابل تغلغل المخطط الأميركي- الصهيوني إلى ضرب حركة المقاومة الفلسطينية الناشطة على الساحة الأردنية، فيما عرف بمجازر أيلول العام 1970. وبرحيل الرئيس جمال عبد الناصر في أيلول من العام نفسه، ابتدأت أول خطوة تراجعية ضخمة شهدتها الساحة العربية باستلام أنور السادات نظام الحكم في مصر، كانت الخطورة أكيدة لان عهد الرئيس عبد الناصر لم يستطع أن يترك تنظيماً قادراً على متابعة نهجه وإنما الأجهزة المصرية الأميركية التوجه هي التي كانت تنتظر الفرصة لقيادة المرحلة بعد وفاته.
ولكي تحبك الإدارة الأميركية خطتها بشكل جيد أعطت الضوء الأخضر للسادات لتحقيق انتصار جزئي في حرب 1973 لتعتمدها قاعدة صالحة تنطلق منها في حل للصراع العربي- الصهيوني/ والتي عرفت فيما بعد بالكامب- ديفيديه. جاءت الفلسفة الكامب- ديفيدية من تخطيط الصهيوني كيسنجر وزير الخارجية الأميركية لتفرض الفلسفة" التفتيتية في التفاوض المنفرد بين مصر بمفردها والعدو الصهيوني/ على أمل ان تستكمل المهمة مي الحل مع أطراف عربية أخرى، وهذا الاستكمال كان يقتضي التمهيد له على الساحتين اللبنانية والعراقية.
-1975: اندلعت في 13 نيسان العام 1975الحرب على الساحة اللبنانية بهدف قمع التيارات القومية/ الوطنية التي بدورها تصدت لنهج التفتيت الذي يمارسه المخطط الأميركي الصهيوني، وبالرغم من أن هذه التيارات كانت بعيدة عن العمق الفكري الوحدوي وقد جاءت كردة فعل ضد المخطط المعادي الناشط/ إلا انها كانت تخوض تجربة جديدة على الساحة العربية عندما انخرطت كل تجمع وطني لبناني واحد يقود النضالات على الصعيد الوطني من جهة وينخرط في المشاركة مع المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى.
جاءت المساعداة والتأييد والمشاركة للتجربة الوطنية اللبنانية التي بذلتها ثورة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق انطلاقاً من فكرها القومي التوحيدي، لكي تشكل رافداً أساسياً إلى جانب التجربة القومية/ الوطنية على الساحة اللبنانية ضد المصالح الاستعمارية.
في الجانب المعادي، كانت الإدارة الأميركية مع الكيان الصهيوني يعملان على خطوط عدة في مواجهة انفجار الأوضاع على الساحة العربية وأهم هذه الخطوط:
* أ اكتساب مصر وإخراجها من الدائرة العربية واعتبارها لهريسة هامة، راح المخطط المعادي يهضمها على مهل، وكان بإمكانه ان يحصل على فرائس أخرى على قاعدة نهج كامب- ديفيد لولا ان الرفض العربي الشعبي كان واسعاً، وجاء مؤتمر بغداد في العام 1978 ليتوج هذا الرفض.
* ب إخضاع الاتجاهات وقوى الثورة القومية/ الوطنية في لبنان، لبنانياً وفلسطينياً، لكي يستكمل نهج كامب- ديفيد التفتيتي مخططه مع أقطار عربية أخرى غير مصر.
* ج التخطيط لضرب القوة العراقية الناشئة، والتي أكدت عزمها على الخروج من الدائرة القطرية إلى الساحة القومية الأرحب بسابق تصور وتصميم بانتهاجها الفكر القومي الوحدوي الذي يعمل على ترجمة نفسه برفد إمكانيات الصراع في الأمة ضد العدو الصهيوني، كما حصل من خلال المشاركة في حرب تشرين الأول 1973 بفعالية أقلقت المخطط المعادي،وكما حصل كذلك في دعم وإسناد ومشاركة القوى القومية والوطنية في لبنان، وفي تقديم الدعم والمشاركة في الثورة الفلسطينية، وكان صاحب المبادرة في الدعوة إلى انعقاد ثمة عربية لهي بغداد في خريف العام 1978 لمواجهة مؤامرة كامب ديفيد.
كادت الثورة في العراق تطيح بالإنجازات التي حققها المخطط الإمبريالي- الصهيوني على صعيد إحباط التيارات القومية/ الوطنية في لبنان وفي إبعاد مصر بإمكانياتها عن الجسم العربي.
إن هذه الثورة الفتية بما قدمته بمنطلقاتها الفكرية/ الأيدلوجية الوحدوية واستخدام إمكانياتها الاقتصادية والبشرية والعسكرية في إسناد الحركات والتيارات القومية/ الوطنية، أخذت تشكل خطراً حقيقياً، وعائقاً جدياً في وجه المشاريع الإمبريالية الرأسمالية/ الاستيطانية، لذا أصبحت في أولوية قائمة التصفية في المخطط المعادي، وسوف تكتسب المراحل القادمة سمة التآمر المتواصل على الوضع العراقي/ كمصدر للقلق الأساسي عند الإمبريالية.
- 1980: قد تأتي فرص سانحة أمام المشروع الإمبريالي، لذا يخطط لاستخدام هذه الفرص، فالذي حصل قبل سنتين من العام 1980، أن إيران أخذت تشهد تحركات شعبية ضد نظام الشاه الذي عقد معاهدة مع العراق في العام 1975 يمتنع فيها عن استخدام الأكراد عامل إقلاق لأمن العراق، قد تكون هذه المعاهدة سبباً لي انكفاء الإدارة الأميركية عن تقديم المساعدة للشاه في وجه الحركات الشعبية التي استطاعت أن تسقطه ليكون البديل عنه سلطة رجال الدين، وقد لا تكون عيون الأميركيين غافلة عن جوهر الفكر المذهبي/ الأيديولوجي/ السياسي بخطته الاستراتيجية القائمة على الضرورة والواجب لي تصدير الثورة، جاء الجوار الإيراني- العراقي المستند إلى عاملين: الجغرافي والمذهبي، ليؤكد أن النظام الجديد في إيران سوف يشكل نقيضاً لمنطلقات الثورة في العراق لأنه سوف يشكل فتيلاً استراتيجياً لإشعال الصراع بين المتناقضين: المذهبي والعلماني، ولأنه لن تكتمل شيعية إيران إلا إذا كانت مسيطرة بشكل مباشر على المقامات الدينية لائمة الشيعة الموجودة في العراقي، فالتناقض الأيديولوجي سوف يتفجر بدءا من الساحة العراقية لجوارها الجغرافي مع الساحة الإيرانية.
من هنا كان الرهان الإمبريالي على النظام الجديد في إيران،ولم يخب الطن لان هذا النظام أعلن أهدافه بشكل واضح لي تصدير الثورة، وانتقل إلى التنفيذ مباشرة داخل الساحة العراقية بتحريض أنصاره كل الداخل وتسخين الجبهة السمكرية على الحدود.
إن النظام الإيراني في منطلقاته الأيديولوجي وشعاراته المرفوعة يفترض فيه ان يكون نقيضاً للإمبريالية، والثورة في العراق في منطلقاتها الأيديولوجية القومية/ التوحيدية تشكل حكماء نقيضا لهاء هاتان القوتان اللتان يفرقهما التناقض الأيديولوجي، كان يمكن استبعاد هذا التناقض لصالح وحدة الجوار ووحدة المصلحة في محاربة الإمبريالية لولا أن الأيديولوجية المذهبية الشيعية، في إيران- تحديداً، المشبعة بالخلفيات الشعوبية الفارسية، كانت مصرة على إعطاء الأولوية لتصدير ثورتها وأعمالها التخريبية إلى الأمة العربية بدءا بالعراق.
وحيث أن الإصرار الإيراني المذهبي بدا وكأنه لا عودة عنه وبالتالي اصبح واضحاً انه لا بد متصادم مع العراق، تعاملت الإدارة الأميركية معه بمرونة شديدة وعملت على تغذية نيران المعركة بين العراق وإيران لعلهما كنقيضين لها يقومان باستنزاف إمكانياتهما في معركة طويلة، تلعب فيه الإمبريالية والصهيونية دور المتفرج والذي يصب الزيت على النار، وتكون النتائج لصالحها دون أن تضع أية إمكانيات لي ضربهما كل على حدة.
لكن النتائج جاءت بغير ما راهن عليه الإمبرياليون/ الصهاينة إذ خرج العراق منتصراً ومقتدراً في الوقت ذاته إذ تضاعفت قواه العسكرية والتكنولوجية إلى الحد الذي اصبح يهدد فيه المصالح الإمبريالية والكيان الصهيوني، حيث أخذ يعمل لعرقلة المخطط الأميركي في لبنان بعد خروجه من الحرب مباشرة/ ووضع الإمكانيات المالية والسياسية لتنشيط الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ولمنع استكمال ذبح المقاومة الفلسطينية في لبنان بعد تدمير المخيمات، وعمل على احتضان منظمة التحرير الفلسطينية وتدعيمها بالإمكانيات المادية والسياسية واستطاعت أن تستعيد دوراً لها كاد أن ينتهي بعد الاجتياح الصهيوني للبنان كل حزيران من العام 1982.
إن فشل المراهنات على إسقاط الثورة لي العراق وتدمير إمكانياتها أو إضعافها أعاد إلى الواجهة المخطط الإمبريالي/ الصهيوني بشكل عاجل. لذا نعتمد ان الخطط التي كانت موضوعة ضد العراق لي ملفات الإدارة الأميركية قد نفض عنها الغبار.
فالمؤامرة مستمرة، ومطابخ المخابرات المركزية الأميركية في شغل دائم، وعقدة التفوق الأميركي تتصاعد وتنمو، والعالم يشهد تحولات متسارعة وانقلاباً خطيراً في موازين القوى الدولي، والأنظمة العربية في صراع، بعضه معلن والبعض الأكثر خفي ومستتر، والشارع العربي وقح تحت تأثيرات شوهت اتجاهاته القومية والوطنية، هذه هي الصورة التي تتسم بها أواخر العقد الثامن من القرن العشرين.
في هذا السياق الدولي- الدولي، العربي- العربي، الدولي- العربي " تأتي عوامل لها تأثيرات مباشرة على الصراع العربي- الإمبريالي وبالتالي العربي- الصهيوني، كيف نرى تفسيراً لما حصل ولا يزال على صعيد العدوان الآثم على العراق ؟
يأتي العدوان الأطلسي- الصهيوني، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، على العراق، حلقة في سلسلة الصراع العربي- الإمبريالي والصهيوني، تاريخياً وأيديولوجياً. حصل هذا العدوان في السادس عشر/ السابع عشر من كانون الثاني العام 1991.
ما هي أسباب هذه العدوان تجاه العراق تحديداً وما هي مقدماته؟ كيف تم الإعداد له و ما هي الإمكانيات السياسية التي مهدت له؟ ما هي الإمكانيات العسكرية وكيف واجه العراق هذا العدوان على المستويات السياسية والعسكرية؟
ما هي نتائج هذا العدوان و ما هي التحديات المفروضة على الأمة العربية وما هي المهمات التي على الحركات القومية والوطنية أن تقوم بها وقبل أن نخضع هذه التساؤلات للتحليل ضمن المعلومات والمعطيات المتوفرة، يمكننا ان نرسم صورة موجزة للوضعين الدولي والعربي اللذين سبقا العدوان.


1- الوضع الدولي والعربي الذي سبق العدوان:
ان تقاطع المصالح بين الدول أدى إلى وجود تأثيرات متبادلة بينها نظراً لتشابك العلاقات الدولية على الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية القائمة على تبادل المصالح. وان هذه العلاقات بلغت درجة من التعقيد إلى الحد الذي أخذت تتأثر بسلبياتها أو إيجابياتها دول أخرى سواء كانت متجاورة أو متباعدة.
وانه منذ أواسط الثمانينات عرف العالم ظاهرتين الأولى في الاتحاد السوفيتي أما الثانية فعلى الساحة الأوروبية:
- سادت مي الاتحاد السوفيتي ظاهرة التبدل لهي العلاقات الدولية ولي الاتجاهات السياسية والاقتصادية في الداخل، خطاً الاتحاد السوفيتي خطوة نوعية باتجاه دول الغرب الرأسمالية ذات مظاهر سياسية وعسكرية وذات مضامين اقتصادية، وان كانت هذه الخطوة قد اتجهت نحو إزالة الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي والرأسمالي، لتمكين المعسكر الاشتراكي من توظيف الرساميل، التي تنفق على التسابق التسليحي، في تعزيز الاقتصاد الداخلي، إلا أن ما أظهرته الأحداث الأخيرة كل المنطقة العربية وكل داخل المعسكر الاشتراكي أن هذه الخطوة إنما صبت في مصلحة الإمبريالية الأميركية، والى أن تثبت الأحداث عكس ذلك فإنما هي من تخطيط وتأثير صهيوني على الإدارات السياسية في منظومة الدول الاشتراكية.
- أما على الساحة الأوروبية، وفي مواجهة الكارتلات الاقتصادية ذات التأثير والفعالية، حصل الاتفاق بين دولها على إنشاء السوق الأوروبية المشتركة منذ العام 1992.
أيا كانت أسباب هذه التحولات على الصعيدين: منظومة الدول الاشتراكية ومنظومة الدول الأوروبية الرأسمالية، تبقى حقيقة ثابتة تقول: أن مبدأ التنافس لا بد حاصل بين التجمعات الاقتصادية العالمية: الولايات المتحدة الأميركية، منظومة الدول الاشتراكية، دول السوق الأوروبية المشتركة، اليابان. والحقيقة كذلك أن ميدان هذا التنافس سوف تكون الساحة العربية بما تمتلكه من منابع النفط والمواد الخام الأخرى/ وبما تؤمن لتلك التجمعات من أسواق استهلاكية واسعة.
2- الوضع العربي الذي سبق العدوان
لقد ثبتت الحرب العراقية- الإيرانية، طوال فترة الثمانينات، وقائع جديدة على الساحة العربية بعضها ثابت وبعضها الآخر كان خادعاً.
أ- على الصعيد الشعبي العربي: انقسم الرأي العام الشعبي العربي، حول تقييم الحرب الدائرة بين العراق وإيران، إلى تيارين:
* تيار ديني متزمت مؤيد لإيران مدعوم ببارقة أمل في استعادة دور الخليفة في الإسلام كان هذا التيار مدعوماً من عدد من الأنظمة العربية التي اندفعت في مواقفها إلى حدود مساعدة إيران في الحرب، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
* تيار ديني وقف إلى جانب العراق، كان متأثراً بالاتجاهات القومية العربية، وكان هذا التيار مترادفاً بالتأييد مع الحركات ذات الاتجاهات القومية الوحدوية.
ب- على صعيد الأنظمة العربية:
انقسمت الأنظمة العربية بين مؤيد ومساند لأحد الطرفين، وتقديرنا أن هذا الانقسام لهي المواقف لم يكن يمتلك العمق الأيديولوجي القومي/ الدين، وإنما كان ذو هدف سياسي محوري قائم على قاعدة العلاقات السلبية/ الإيجابية السائدة بين الأنظمة العربية، كمثل الموقف السوري والليبي... أو قائم على قاعدة الحاجة بالدفاع عن النفس ضد من بدأ بإطلاق حمله تحريض عليها، كمثل مواقف دول مجلس التعاون الخليجي.
وان كان هذا التصنيف يعبر بشكل إجمالي عن مواقف وأوضاع الأنظمة العربية، إلا أنه ليس الوحيد الذي كان سائداً، لان تجمعات أخرى قد ولدت في هذه الفترة وبشكل خاص بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ومنها مجلس التعاون العربي الذي كان العراق أحد مؤسسيه الأربعة: مصر، الأردن، اليمن، العراق وهي الدول التي كانت تقف إلى جانب العراق في الحرب. كذلك مجلس اتحاد الدول المغاربية: ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا وهي الدول التي كان منها المشارك في الحرب ضد العراق، ومنها أصحاب المواقف المانعة.
ج- القوى والحركات الوطنية والقومية:
على قاعدة مواقف الأنظمة العربية، انقسمت مواقف عدد من القوى والحركات الوطنية والقومية العربية بين معارض للعراق ومؤيد. كانت مواقف بعض هذه القوى، خاصة على الساحة اللبنانية، خاضعة لموقف النظام السوري، وكان يفرض عليها إعلان مواقف منددة بالعراق محاباة لهذا النظام، إلا أن مواقفها غير المعلنة فكانت غير ذلك.
أما فصائل المقاومة الفلسطينية كانت خاضعة للمقاييس نفسها.
بعد استعراض سريع للمواقف الشعبية ومواقف الأنظمة من العراق، نرى أن النتائج كانت على المسار التالي:
* استنهاض التيارات " الأصولية " بمواقفها المتغيرة والمرتبطة أيديولوجيا أو مصلحياً وكان أضعفها التيارات ذات الأيديولوجية الدينية- القومية.
* ضعف حركة التيارات القومية وضعف تأثيراتها على الحركة الشعبية والأنظمة.
* الأنظمة المؤيدة، بعضها كان يربطه مع العراق الحاجة الدفاعية عن النفس، وبعضها الآخر وان كان يمتلك قرار التعاون، لكنه يفتقد إلى إمكانيات المشاركة الفعالة.
* أحاط بالموقف العراقي نخب من الحركات القومية المنظمة والحركات النقابية، والثقافية، والسياسية، والدينية- القومية.
3- ما هي احتمالات تطور اتجاهات المرحلة في ظل هذين الوضعين؟
بعد انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية كان الوضع السياسي الدولي يتسابق على تأسيس بنى سياسية ذات أهداف اقتصادية كبديل للبنى العسكرية ذات الاقتصادية، تأتي الساحة العربية على رأس اهتماماتها.
كان مقدراً، أمام المراقبين، لهذه التحولات أن تحدث تنافسا أميركياً- أوروبياً- سوفيتياً ، هذا التنافس يفسح المجال رحباً أمام العرب في اختيار افضل الظروف لتحقيق مصالحهم، كما أنه يؤمن مناخاً سياسياً أفضل مما لو كان قرار العالم محصورا بإرادة دولة واحدة، خاصة وأن الساحة العربية عرفت عددا من الاتحادات التي قد تكسبها جزءاً من قوة التأثير مي القرار السياسي/ الاقتصادي الدولي.
بعد أن رسمنا صورة لما كان يمكن حصوله من احتمالات على الساحة العربية في ضؤ التطورات والمتغيرات التي حصلت وما كان يجب ان تصل إليه، يمكننا الآن الانتقال إلى تحليل مقدمات ووقائع ونتائج العدوان الأطلسي- الأميركي- الصهيوني على العراق.
أولاً: مقدمات العدوان:
تجاوزت الثورة في العراق ما تعتبره الإمبريالية خطين أحمرين يشكلان تهديداً لمصالحها في المنطقة العربية وهما:
الأول: اعتناقها الفكر القومي التوحيدي الذي يتناقض مع استراتيجية التفتيت الموضوعة للمنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى حسب اتفاقية سايكس- بيكو.
الثاني: ممارستها الاستراتيجية القومية الوحدوية من خلال مساعدتها لحركات التحرر القومي من جهة، وامتلاكها للتكنولوجيا التي تصنع الأسلحة الاستراتيجية بما يخل بالتوازن بين الأمة العربية والكيان الصهيوني من جهة أخرى.
وعلى قاعدة سياسة العدوان العسكري الدائم الذي يمارسه المخطط الإمبريالي، الصهيوني في فترة من الزمن ضد أحد أقطار الأمة العربي كلما برز في الأفق ما يدل على امتلاك هذا القطر ما يشتم منه أنه بداية لتشكيل خطر ضد الكيان الصهيوني، كانت خطط العدوان العسكري ضد العراق جاهزة في السياسة الأميركية منذ اللحظة التي خرج فيها العراق قويا من الحرب العراقية- الإيرانية، ولأنه أخذ جانب المساندة والمشاركة لحركات التحرر كل الأمة العربية.
أخذت بوادر العدوان الإمبريالي ضد العراق منذ مطلع العام 1990 بحملة إعلامية شرسة ومتناسقة بين كل من بريطانيا وأميركا وتحريض صهيوني مكشوف ضد ما أصبح يمتلكه العراق من مقدرات وإمكانيات عسكرية تهدد وجوده، كانت هذه الحملة بالكثافة التي أوحت للمراقب العادي أن يعتبرها بداية قصف تمهيدي لعمل عسكري ما، بعد أن ظن هؤلاء الأطراف ان العراق لن يخرج إلى عالم التكنولوجيا لسنوات طويلة بعد تدمير المفاعل النووي قرب بغداد في العام 1981.
منذ تلك اللحظة التي أخذت فيه بدايات العدوان تبرز للعيان، اضطر الرئيس القائد صدام حسين أن يعلن عن امتلاك العراق للسلاح الكيماوي المزدوج الذي يستطيع أن يحرق بواسطته نصف "إسرائيل"، حيث كان هذا الإعلان الخطوة الدفاعية الأولى التي لجأ إليها العراق ثم استكملها بحركة دبلوماسية واسعة مع الأقطار العربية من جهة ومع الدول الأجنبية، التي كانت صديقة، من جهة أخرى، وتكثيف اللقاءات والمؤتمرات للاتحادات والقوى الشعبية والسياسية والنقابية والدينية والتي اظهر فيها المؤتمرون التعاطف والتأييد والوقوف إلى جانب العراق، حيث كانت هذه الخطوة الدفاعية الثانية في محاولة من قيادة الثورة في العراق لتطويق أي عدوان محتمل. ثم توجت هذه الخطوات بالدعوة إلى قمة عربية طارئة، عقدت في بغداد أواخر أيار من العام 1990، اتخذت فيه قرارات تدور حول ضرورة المحافظة عربياً على الأمن القومي العربي.
وإصراراً مر التحالف الإمبريالي/ الصهيوني على تنفيذ العدوان تحت شتى الذرائع، كان أمامه خطوة ابتكار الحجة/ السبب وهو قادر على ذلك لان خزانته غنية بالأنظمة/ العملاء، ظهر منها كل تلك الفترة أن الكويت قد تشعل الشرارة الأولى، حيث أخرجت من جعبتها ملفاً من المشاكل التي تعتبرها عالفة ورمته في وجه العراق، كان من أهم ما ظهر منه في تلك الفترة ما يشتم منه أنه بداية لمعركة تدمير اقتصاد العراق، وقد يكون في هذا الملف بدائل/ مشاكل لإرباك العراق وافتعال سبب ما أو خطوة ما تجعل التدخل الأميركي مبرراً وخادعاً للعالم وللعرب. وهذا المخطط المتكامل، باعتقادنا أنه صحيح، لما عرفناه بالاستقراء لأساليب الإمبريالية والصهيونية.
إن الملف/ المؤامرة الذي اضطلعت أسرة آل الصباح في الكويت بفتحه مفخخ بمطالب/ مشاكل أعدت مسبقاً بشكل مطلوب منه استحالة الوصول إلى حلول لها دون أن تؤذي العراق، وإذا ما افترضنا أنه رضي بالحلول المؤذية فان في الملف مشاكل أخرى على آل الصباح أن يثيروها.
كثف العراق حركته الدبلوماسية مع الأقطار العربية التي كان يظن انها تستطيع الوصول بحكومة الكويت إلى الاتفاق مع قيادة الثورة في العراق إلى حلول تؤمن مصلحة القطرين العربيين، ولم تترك قيادة الثورة كوة دبلوماسية تستطيع النفاد منها إلا وعملت على فتحها طوال شهرين كاملين، إلى أن توجت بلقاء عراقي- كويتي لهي الرياض في 8/1/ 1990، تأكد العراق أثناءه ان حكومة آل الصباح مصرة على أن تلعب بشكل متكامل الدور المطلوب منها أميركياً/ وبالفعل كان الملف المطلوب معالجته الذي فتح كويتياً يحمل طابع الاستحالة كل حله . فكان دخول الجيش العراقي إلى الكويت في الثاني من آب كتدبير ضاغط على حكومة الكويت ومن هنا ابتدأت الخطة الإمبريالية الأميركي البريطانية الصهيونية تأخذ مناحي واتجاهات التصعيد.
ثانياً كيف أعدت أميركا للعدوان؟
بعد دخول الجيش العراقي إلى الكويت في الثاني من آب العام 1991 تحركت الدبلوماسية العربية بحرارة أكثر، تم الاتفاق على ضوئها أن يعقد اجتماع قمة خماسي ينعقد في الرياض ويجمع كلا من: مصر والأردن والسعودية والكويت والعراق، على قاعدة أن يتم انسحاب الجيش العراقي من الأراضي الكويتية، بدأ على أثره العراق سحب قواته منذ صباح الخامس من آب.
جاءت الإشارة التصعيدية الأولى من واشنطن عندما منعت عقد هذه الأمة بالضغط على السعودية ومصر، أصبحت الرسالة الأميركية واضحة المضامين في دفع الأمور باتجاه التعقيد لمنع أي حل ديبلوماسي بين العراق والكويت وقد مارست واشنطن سياسة الأبواب المسدودة لكي تكتمل خطة العدوان فـصولاً وبعد المنع المقصود لعقد القمة جمد العراق سحب قواته.
منذئذ بدأت معركة ديبلوماسية شرسة بين واشنطن من جهة وبغداد من جهة أخرى، فما هي الوقائع، حسب ما نشر منها حتى الآن، وكيف تميزت طريقة إدارتها من الجانب الأميركي واستخدمت الإدارة الأميركية أسلوب الأبواب المسدودة في وجه المبادرات الديبلوماسية من أي طرف تأتي، مثل المبادرة الفرنسية على منبر الأمم المتحدة في أواخر أيلول، والمبادرة السوفيتية التي قادها بريماكوف منذ الثالث عشر من تشرين الأول.
مترادفاً مع هذا الرفض توجه الإعلام الأميركي الرسمي إلى أسلوب فرض الشروط على العراق وليس أسلوب الحوار الهادف للوصول إلى حلول سياسية.
كل جانب آخر عملت الإدارة الأميركية، في ظل حالة التصعيد والإصرار على سياسة الأبواب المقابلة، على خطين:
الأول: استصدار قرارات متتالية وبالتقسيط من قبل مجلس الأمن الدولي، كانت هذه القرارات تحمل طابع الحقد على القيادة العراقية، كما تحمل طابع الابتزاز للدول المتمثلة كل مجلس الأمن. وقد بلغ عددها الاثني عشر قراراً، مضامينها مجتمعة في حال تطبيقها يؤدي إلى شطب العراق عسكرياً واقتصادياً عن الخارطة.
الثاني: حشد الطاقات العسكرية الأميركية، عتاداً وبشراء والضغط على الدول الأخرى، السائرة في ركابه ان التي تتطلع إلى لعب دور خاص بها، لكي تحشد قواتها على الأراضي السعودية. وقد بلغ عدد الدول التي حشدت قواتها الثلاثين دولة، منها بعض الجيوش العربية والإسلامية وبعض دول العالم الثالث. أما الأسلحة التي كدست لهي تشمل كافة الأسلحة الحديثة وأنواع التكنولوجيا المتطورة.
ثالثاً: كيف خاض العراق المعركة السياسية؟
باعتراف الخصوم قبل الأصدقاء أن قيادة الثورة في العراق قامت بإدارة المعركة السياسية بأداء وتخطيط عاليين.
أدارت القيادة في القطر العراقي المعركة السياسية على قاعدة عدم الخضوع للابتزاز الأميركي والركوع أمام ديبلوماسية الأبواب المغلقة والاستسلام إلى أسلوب فرض الشروط الأميركية. لاذا هذا الأسلوب يمثل الوجه الدفاعي في المعركة السياسية إنما كان الأسلوب الهجومي السياسي، وهو الوجه الإيجابي، ينطلق من قاعدة طرح المبادرات وكان أهمها:
- مبادرة 12 آب 1990 دعا فيها الرئيس القائد صدام حسين إلى تطبيق كافة قرارات مجلس الأمن بمكيال واحد وتشمل قرارات مجلس الأمن الدولي المختصة بالكويت وفلسطين والجولان ولبنان والضفة وقطاع غزة.
- رداً على قرار مجلس الأمن بتدمير الأسلحة الاستراتيجية في العراق هـ دعا الرئيس القائد إلى عقد مؤتمر دولي يعالج مسالة تدمير هذه الأسلحة في كالة الدول والكيانات الموجودة في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة إلى التقاط الفرص الديبلوماسية في مواجهة الأبواب الديبلوماسية المغلقة، تعاطت القيادة في العراق إيجابياً مع كل من المبادرتين الفرنسية في الأمم المتحدة، والسوفيتية حسب مهمة بريماكوف، وتدليلاً على حسن النية تجاه هذه المبادرات قوبلت الوساطة الفرنسية بالإفراج عن الضيوف الأجانب بإيجابية، وكان هذا القبول مستنداً إلى تعهد بمنع قيام عدوان عسكري على العراق، اما المبادرة السوفيتية التي انطلقت في 13 شباط 1991 فقد قابلها العراق بإيجابية استناداً إلى تعهد سوفيتي بإيقاف العدوان، لكن لم يثن هذا التعهد بالمستوى الفاعل، إنما في المقابل ظهر من الغدر لأن السوفيت لم يحترموا تعهداتهم بالضغط على الأميركيين.
في سياق التعنت الأميركي بالإعداد عسكرياً للمعركة، كان العراق يعد لها بدوره مراهناً على جملة من الأمور الموضوعية منها:
1- ان العراق يمتلك من وسائل الردع العسكري والدفاع عن أرضه ما يستطيع أن يلحق بالقوة العسكرية الأميركية، وقوات التحالف معه، خسائر ترقى إلى مستوى المعركة المشرفة، كما ان قواه الذاتية تستطيع ان تصل إلى الكيان الصهيوني وتنزل به خسائر غير قليلة.
فالإمكانيات العسكرية العراقية تؤمن له الصمود، إذا ما فرضت المعركة العسكرية عليه، إلى وقت كاف يمكن فيه خلق متغيرات جديدة على الصعد الدولية والعربية الشعبية وحركات التحرر في العالم وفي الأمة العربية/ هذه المتغيرات قد تطال وضع بعض الأنظمة العربية المتواطئة والمتحالفة مع الإمبريالية الأميركية.
2- على الصعيد الدولي: في الوقت الذي كانت تؤشر فيه الدلائل والوقائع الموضوعية على أن التحالف الذي استطاعت أميركا أن تبنيه، سوف تخلق معطيات تدفع بعض أطرافه إلى تخفيف خطوات التحالف مع أميركا لأسباب تنافسية، سياسياً واقتصادياً، وكد تندفع هذه الأطراف إلى الضغط على الأميركيين لمنع وقوع المعركة العسكرية.
3- على الصعيد العربي: ان الشعارات الأساسية التي ترفعها على الساحة العربية، الأنظمة والجماهير والحركات التحررية، وبشكل لا خلاف عليه، كانت تنصب مباشرة على قتال العدو الصهيوني والإمبريالي، ومنها الولايات المتحدة الأميركية بشكل رئيسي.
4- على الصعيد الإسلامي: ان مواقف بعض الدول الإسلامية، وعدد من الحركات، كانت ترفع الشعارات المعادية للإمبريالية الأميركية، وكثير منها كانت تبدي استعدادها للوقوف إلى جانب العراق.
كانت هذه الشعارات تؤسس موقفاً سياسياً قد يجير لصالح العراق إذا ما خاض أية معركة عسكرية ضد هذين العدوين، فإن الرهان على تحولات في الوضع العربي رهاناً موضوعياً، وان الآثار العملية لهذا التأييد لن تظهر إلا إذا حصلت المعركة العسكرية فعلياً. لهذا كانت احتمالات التحولات في الوضع العربي هاجساً يتخوف منه أطراف التحالف العدواني، وكان أملاً يمكن أن تضعه القيادة العراقية في حساباتها السياسية.
لذا يمكننا ان نصنف الساحة العربية حسب مستويات ثلاث هي: الأنظمة، الجماهير، الحركات التحررية.
أ- الأنظمة: كانت مقررات القمة العربية التي عقدت في أيار من العام 1990 تؤكد على التضامن وأهمية المحافظة على الأمن القومي العربي.
إن أنظمة عربية وقعت على مقررات، ولما يمضي علي التوقيع شهران، لا بد أنها سوف تبذل جهوداً استثنائية لإبقاء الخلاف بين العراق والكويت داخل الدائرة العربية، ولا بد ان يستفزها دخول أحد الطرفين العدوين، أميركا أو الكيان الصهيوني، على خط المعالجة، لكن الذي حصل أن انقسم العرب في مؤتمر القمة العربية، الذي عقد في القاهرة في العاشر من آب العام 1990 إلى شطرين: أحدهما انحاز إلى الموقف الذي فرضته أميركا في مجلس الأمن وقرر إرسال كوات عربية للمساهمة مع طلائع القوات الأميركية التي دنست ارض السعودية، أما الشطر الآخر قد خرج من مؤتمر القمة ولم يعمد للعراق سوى مواقف سياسة إعلامية، باستثناء القلة القليلة، حتى أن بعضها قد تراجع عن هذه المواقد السياسية الإعلامية.
لكنه بالرغم من ذلك فقد بقي الرهان قائماً على أن الانشطار داخل الصف النظامي العربي لن يبالي كما هو إذا حصل العدوان، لأنه من غير الممكن أن يبنى نظام عربي داخل دائرة الضغط الأميركي إذا ما سال الدم العربي برصاص أميركي/ فالجماهير العربية قد تغفر لأنظمتها إذا بقيت مواقفها محصورة في دائرة الضغط السياسي هـ لكنها لن تغدر أبداً إذا تخطت المواقف حدود التفرج على العدوان العسكري.
ب- الجماهير العربية: من خلال متابعة ردات الفعل الإيجابية تجاه العراق التي أبدتها الجماهير بواسطة القوى السياسية والثقافية والنقابية والدينية التي أمت بغداد بزيارات أو بحضور مؤتمرات، ارتفعت وتائر المراهنة على تأثيراتها الجدية بالضغط على أنظمتها لتأييد العراق بالموقف السياسي والعسكري إذا ما اندلعت المعركة العسكرية، حتى ان أجهزة الإعلام الغربية كانت تنقل مخاوف الإدارات السياسية لقوى التحالف العدواني من اندحار الشارع العربي ليعكس نفسه مخاطر ضد الأنظمة المؤيدة له، وما سوف يشكل من تهديد لمصالح دول هذا التحالف، وسوف تنعكس هذه الآثار كل أسوأ التقديرات، في زيادة الحقد الشعبي العربي بما يفرز احتمالات ومتغيرات جديدة حتى بعد انتهاء العدوان.
ج- الحركات التحررية الوطنية/ القومية: إذا كانت الأنظمة العربية منساقة وراء أهداف تكتيكية سياسية لحسابات ذاتية، وإذا كانت الجماهير العربية تعطي ردات فعل وجدانية،فإن في برامج ومبادئ الحركات المنظمة ما يمنعها من أن تقف، بحد أدنى، في خندق الدفاع عن العدوان الإمبريالي/ الصهيوني. فإذا كان في الوضع الذاتي لهذه الحركات والقوى والأحزاب ما يجعلها قاصرة عن التأثير على الأنظمة، وما يمنعها من قيادة الجماهير في الظروف العادية، فإن لها في مناسبة خوض معركة ضد الإمبريالية والصهيونية طاقات وتأثيرات استثنائية على الأنظمة المحرجة من مواقفها وعلى الجماهير المعبأة وجدانياً بأقصى طاقاتها.
فالرهان، إذا على هذه الحركات والتوى والأحزاب هو رهان موضوعي خاصة إذا ما صمد العراق في المعركة السياسية أولاً، وفي المعركة العسكرية ثانياً، وتأكدت صحة الرهان موضوعياً من خلال المواقف السياسية التي أعلنت من خلال زيارات إلى بغداد أو من خارجها.
رابعاً: وقانع العدوان ونتائجه:
بكامل قناعتها بالفلسفة التفتيتية لاتفاقية سايكس- بيكو، وباعتقادها الكامل بالخطورة على مصالحها التي يشكلها العراق بمواقفه الإستراتيجية، فكريا وعسكرياً، كانت الإمبريالية الأميركية مصرة بشكل نهاني على تنفيذ خطتها العدوانية لضرب العراقي وتدمير طاقاته العسكرية وإسقاط نظامه الفكري/ السياسي.
اندلعت المعارك العسكرية في السادس عشر/ السابع عشر من كانون الثاني 1991 باشتراك ثلاثين دولة أجنبية وعربية، استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة، وكان واضحاً من خلال الأعمال العسكرية الحقد والوحشية التي استخدمت فيها، لأنها لم توفر أهدافاً اقتصادية أو خدماتية أو حياتية أو عسكرية، حيث تعرضت جميعها لحقد اسود دنيء.
في المقابل، كان العراق صامدا يواجه تلك القوة تحت أقسى الظروف وأشرسها، سدت كافة المنافذ حوله، وشمل الحصار لقمة الخبز وقطرة الحليب للأطفال، ونقطة الدم وحبة الدواء للجرحى والمصابين، لم ترف جفن أجنبية أو عربية- نظامية مع أن الحصار امتد حتى سبعة اشهر ولا يزال مستمراً.
صمد العراق لمدة اثنين وأربعين يوماً، تكاثر فيه الصامتون والمتشنجون والحاقدون إضافة إلى الخادعين منهم والغادرين، أجانب وعرب. ولم تقف المؤامرة عند حدود عدوان وحشي تنطلق قواعده من أرض عربية، وإنما انخرط الجيران من عرب الجنسية وغير العرب ممن تتعارض مواقفهم مع الشياطين، إلى انتهازية وحقارة البعض الآخر/ حيث تسلل هؤلاء بواسطة عملاء غرر بهم لاهداف إرباك الوضع الداخلي ظنا منهم انهم قادرون على إسقاط النظام الفكري / السياسي الذي يقود العراق.
فإذا كنا لن نقف أمام مجريات الأحداث العسكرية فان إلقاء ضوء على المواقف الدولية والعربية التي رافقت العدوان العسكري، هو الذي يجعل الصورة اقرب إلى الوضوح لي الرؤية. لقد برز عدد من الحقائق تتحكم بالواقع وتحكمه، لكنها لن تستمر إلى الأبد، فمن رحم واقع محدد، خاصة منه القائم على العدوان، سوف تولد حقائق جديدة لتخلق واقعاً جديداً، ومن هذه الحقائق ما يلي:
* للصهيونية امتدادات عالمية لها تأثيرات حقيقية في رسم وتخطيط الاتجاهات لعدد من الأنظمة الكبرى، وقد برزت هذه التأثيرات داخل الاتحاد السوفيتي نفسه، لكنها كد انكشفت فصولاً وصفحات بخطى سريعة. كان لهذه التأثيرات دور هام لي تثريب المواقف بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي إلى الحدود القي ظهرت آثارها لي خضوع الدولة الاشتراكية الكبرى لقرار الدولة الرأسمالية الكبرى وأصبحت ضعيفة أمام هذا القرار، وقد اثبت ضعفها وقانع العدوان الإمبريالي/ الصهيوني ضد العراق، كما ظهرت هذه الآثار تمزقاً وتفتيتا داخل دول المنظومة الاشتراكي، وانهياراً اقتصادياً مؤن يا تبين لدى السوفيات أنه ليس عجزاً ذاتيا وإنما كانت أسبابه الأساسية تآمراً غربياً أوصلته إلى ما هو عليه الآن. والى أن يحسم الصراع داخل الاتحاد السوفيتي نفسه، وبوادر هدا الصراع ظهر إلى الواجهة بشكل أوضح من خلال العدوان الأميركي على العراق، سوف يعمل التوازن الدولي لصالح الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كان لا بد من تحميل الاتحاد السوفيتي جزءا من المسؤولية لما حصل ضد العراق فإنما جاءت المبادرة السوفيتية تجاه العراق قبل الحرب البرية في ظل ضعف تأثير القرار السوفيتي على أميركا ليشكل طعنة غادرة للإدارة السوفيتية الراهنة ضد الأمة العربية.
هذه الحقيقة الواقعة تعود بنا للتذكير بالأدوار الخبيثة التي قامت بها مثيلات لهذه الأنظمة في عصر الولايات والمقاطعات والإمارات، والتي باتجاهاتها الفكرية التفتيتية المصلحية الضيقة كانت عاملا أساسياً في منع نهضة الأمة الفكرية/ السياسية.
لم تقف هذه الأنظمة العربية جنبا إلى جنب في الخندق الأميركي فحسب، وإنما بمساعدة مخابراتية أميركية، لجأت إلى استخدام كافة وسائل القمع والإرهاب ضد الجماهير الثائرة بوجدانها القومي، والى ضرب وإسكات كافة الأصوات التي كانت تحاول أن تدعو الأمة العربية إلى الوقوف في الخندق القومي الذي يمثله العراق.
* أما الجماهير العربية وقواها التقدمية ذات البرامج التحررية، فقد أعطت المعركة القومية الكثير من إمكانياتها الوجدانية الصادقة/ لكنها لم تستطع إعطاءها إلا القليل القليل من السيوف بالمستوى الذي يؤثر على تغيير اتجاهات المعركة العسكرية ونتائجها.
في المقابل، ولكي لا نقف في خندق التبرير لضعف تأثير الحركة الجماهيرية، ولكي لا نقع في خندق التقريع واللوم وتحميل هذه الجماهير مسؤوليات قد تصل إلى حد المبالغة، فاننا نعتقد أن ما أظهرته هذه الجماهير من عفوية في صدق الانتماء القومي لم إنما يؤسس لمرحلة جديدة من الصراع القومي ضد القوى المعادية للأمة العربية. وإذا كنا نعتقد أن الوعي الفكري القومي الوحدوي للجماهير هو سلاح ماض وفعال وهو بالتالي سلاح استراتيجي إذا امتلكته هذه الجماهير فانه في الوقت الذي يحقق لها انتصارات على المشروع الفكري التفتيتي للإمبريالية لم فانها قادرة، بواسطته بلا شك، على حماية هذه الانتصارات.
إن هذه الحقائق مرة ولاشك، ومرارتها تتبع من تأثيراتها لسلبية ونتائجها المؤلمة على العراق، بقدراته وإمكانياته التي هي قدرات وإمكانيات للثورة العربية الجذرية. وإذا كان لا بد من تفسير لما حدث ولما حصل من نتائج استجابة للتساؤلات الحريصة على انتشار الأمة العربية والتي اعتصرها الألم من أن يدفع العراق ثمنا باهظاً، هل لم يكن بإمكان القيادة في العراق ان تدير المعركة بأساليب أخرى تمنع العدوان بتأثيراته ونتائجه، أو على الأقل تخفيف الخسائر التي وقعت؟
إلى المصرين على إدانة العراق، من الذين أعمى الحقد قلوبهم لن نتوجه إلى مخاطبة عقولهم أو ضمائرهم، لأنهم فقدوا العقل والضمير بعد أن أدانوا الضحية وصفقوا للجلاد، وبعد أن وقفوا في الخندق المعادي لأبناء أمتهم وهم يعرفون هوية هذا الخندق، فلا أمل في إقناع من يصر على جهله ومن يصر على عمالته.
فأما إلى الصادقين من أبناء الأمة وهم كثيرون، فاننا نتوجه إليهم بتفسيرنا لما حدث. في تقديرنا أن القيادة السياسية في العراق كانت، ولا زالت، تعي تماماً أن الرضوخ إلى أسلوب فرض الشروط الأميركية سوق يعقبه فرض شروط أخرى وصولاً إلى حصول أميركا على ما تريد ان تحصل عليه من العراق دون خسارة نقطة دم واحدة، لذلك فضلت القيادة و بالتفاف شعبي عراقي حولها، ان تخوض معركة مشرفة، لأن البديل لهذه المعركة كان سقوطاً سياسياً محتماً، كان دفع الثمن في الاقتصاد والبناء والدم والروح مهما غلا ارخص بكثير من السقوط السياسي والأيديولوجي.
كان مطلوباً من العراق ان يتنكر لأهدافه القومية وان يعود إلى دائرته القطرية الضيقة،وان يكدس الأموال كما يفعل أمراء وملوك الخليج، وحيث أن العراق بنظامه الفكري، الأيديولوجي القومي الوحدوي يتناقض مع ما تريده الفلسفة الإمبريالية التفتيتية فانه لن يتنكر لأهدافه التي تشكل هوية له ولن يتنازل عن هذه الهوية.
.. فإذا وضعنا فرضية نظرية، انه كان أمام العراق فرصة لكي يجرب مواقف أخرى غير تلك التي سلكها فاننا نعتقد أن الظروف لم تكن سانحة للوقوع مي مغامرة التجربة لان الوقوع فيها قد يكون قاتلا في مكان التجربة وزمانها.
فلو تصورنا انه كان بإمكان القيادة السياسية ان تخضع للقرار الأول أو للقرار الثاني عشر الذي صدر عن مجلس الأمن قبل وقوع العدوان العسكري، وأن تكون غاية الخضوع هي توفير التدمير المحتم للقدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية، هل كان من الممكن فعلا أن يحمل هذا التوفير؟
تعتمد الخطة الأميركية، على أن تدمير قدرات العراق العسكرية والأيديولوجية أمر مطلوب سواء رضخ العراق للقرار الأول أم لم يرضخ، وهذا الأمر في الخطة الإمبريالية/ الصهيونية لا عودة عنه، حينئذ لن تقتصر الخسائر التي سوف يدفعها العراق واضحاً على الجوانب العسكرية وإنما سوف تتعداها إلى دفع الخسائر السياسية والأيديولوجية والتي هي اشد وأدهى لأن التراجع، في الوقت الذي التفت حول العراق آمال الجماهير العربية التي لأجلها يصمد ويقاتل، كان يعني السقوط السياسي والفكري والأيديولوجي أمامها، ومتى افتقدت هذه الجماهير القوة العربية التي تدافع عن اتجاهاتها التوحيدية في الفكر والسياسة والأيديولوجية فانها تخرج خاسرة كليا من معركة الصراع العربي- الإمبريالي/ الصهيوني.
إذا كان المطلوب أميركياً تدمير القدرات العسكرية، وإسقاط النهج السياسي/ الفكري الذي كان سببا في إنتاج هذه القدرات، نعتقد أن الرضوخ يؤدي إلى تدمير الاثنين معاً، أما خوض المعركة العسكرية فيؤدي إلى كسب النهج السياسي/ الفكري وإنقاذه.
إذا اعتقدنا لم وعلينا أن نكون مطمئنين إلى هذا الاعتقاد، أن العدوان الوحشي على العراق هو حلقة من حلقات الصراع الذي يد على حيوية الأمة في اختيار خندق القتال المستمر ضد القوى المعادية، فان لهذه الحلقة من الصراع نتائج إيجابية سوف تنعكس ضخاً للحوافز وللدوافع في روح الأمة لكي تستمر في إعداد نفسها على طريق متابعة المعركة. خاصة وأن الهيمنة العسكرية الإمبريالية على منطقتنا العربية وامتناع هذه الإمبريالية عن إيجاد حلول للقضايا العربية الكبرى وهي كثيرة سوف تشكل المهماز الدائم لتحضير الأمة إلى إعداد نفسها لمدارك طويلة منها الفكري والأيديولوجي وهو الأساسي ومنها السياسي والعسكري كذلك.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن نتائج العدوان ضد العراق ليست قياساته بالنتائج العسكرية، وإنما قياساته هي بمدى إمكانياته على تحطيم اتجاهاتنا الفكرية وضرب إرادتنا في النضال دفاعا عن حقنا في الحياة الحرة الكريمة.

ليست هناك تعليقات: